مركز الدراسات القرآنيةشذور

من أخلاق القرآن الكريم

إن القرآن الكريم مفعم بآيات عظام دالة على مكارم الأخلاق؛ لتبقى مستمرة مع الإنسان استمرار الحياة، باقية بقاء الوجود، مركزة في النفوس، راسخة في العقول، مستقرة في القلوب.
ووراء كل سعي للسوء نفس أمارة، وشهوة حافزة، لا يرضاها العقل، ولا يقبلها الخلق القويم.
والأخلاق الكريمة ترفع صاحبها إلى أعلى مراتب التوقير والاحترام بين الناس، وليس أعلى كرم الأخلاق شيء في الوجود والوجدان.
قال تعالى في آيات كثيرة، منها:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: 70]﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: 88]﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا﴾ [هود: 112]﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]﴿وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [المزمل: 10]﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159]﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]﴿وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 215]وما أجمل من قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف : 199]. قال جعفر الصادق : أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية. [1]﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]﴿وَيَسْئلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو﴾[البقرة: 219]فقد شاع على الألسنة أن المَكْرُمَة وسط بين مثالين؛ فالشجاعة وسط بين التهور والجبن، والكرم وسط بين الإسراف والبخل.
وهكذا فلو بلغ الإنسان ذروة الحلم صار ملائكيا، ولو صار إلى شهوته أصبح بهيما، ولو اعتدل بين هذه وتلك كان إنسانا سويا معتدلا.
في هذا جاء قوله الكريم حاسما قاطعا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [المائدة: 8]وقرر القرآن العظيم كرم الأخلاق حتى مع المخصوم والأعداء والطغاة، كما في قوله تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 43، 44] رجاء عدولهم عن الطغيان، والعداء، والبطش، والاعتداء.
كما دعا إلى فضائل الأخلاق مع المخالفين، فقال تعالى: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، وقال: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [الممتحنة: 8].
والقرآن الكرم طافح بآياتٌ كثيرة تدعو إلى التحلِّي بمكارمِ الأخلاق؛ سواء بالطريق المباشر أو الغير مباشر، أو المستنبطة من الدلائل والقرائن اللغوية والبيانية.

الهوامش:

[1] أبو عبد الله محمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ط1 (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1440-1441هـ/2019م)(4/247).

Science

د. مصطفى اليربوعي

باحث بمركز الدراسات القرآنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق