مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

لماذا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟

قبل كل ليلة من ليالي المولد الشريف، يتجدد السؤال والنقاش حول تأصيل عمل المولد، بين مؤيد ومعارض، لكن دائما ما يتم نسيان سؤال المقصد والقصد، أي لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف وما هي أهميته خصوصا في عصرنا الحالي؟

إن من أبرز الحكم من الاحتفال بالمولد النبوي الكريم هو الفرح بولادة «الفجر الأعظم» سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الفرح المستمدة شرعيته من قوله تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) (يونس الآية 58). فقد جاء في «الدر المنثور» للإمام السيوطي وفي غيره منقولا عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قوله: «فضل الله العلم، ورحمته محمد صلى الله عليه وسلم». بل إن أبا العباس المرسي يذهب إلى أنه عليه السلام الرحمةُ عينها، إذ لما كان سائر الرسل قد بُعثوا رحمة إلى أقوامهم؛ وكان صلى الله عليه وسلم قد فاقهم خَلقا وخُلقا وعلما وكرما، حتى استمدوا من روحانيته غرفا من البحر أو رشفا من الديم، كان صلى الله عليه وسلم هو «عينَ الرحمة» لقوله سبحانه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء، الآية 107). من هنا وجب علينا الفرح والابتهاج والحبور بهذه الرحمة التي أهداها لنا الحق سبحانه ومَنَّ بها علينا، فقد قال أبو العباس المرسي في لطيفة نفيسة: «الأنبياء إلى أممهم عطية، ونبينا صلى الله عليه وسلم لنا هدية، وفرق بين العطية والهدية؛ لأن العطية للمحتاجين، والهدية للمحبوبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا رحمة مهداة». ومن ثم كان الاحتفال بهذا العيد فرحا بهذه الرحمة الربانية المهداة وشكرا على هذه النعمة المسداة التي أنعم الله علينا بها لما بعث فينا خليله وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.

إن من أهم النفحات  الإيمانية  التي يمكن أن يلمسها المسلم  في الاحتفال  بمولد النبي الكريم  صلى الله عليه وسلم  هو تجديد الإيمان به، بأن يظل على العهد معه، والإتباع له، والاقتداء به، والعمل بما جاء به، والسير على  نهجه وطريقه المنير، الذي لا يزيغ عنه إلا هالك، قال الله تعالى في كتابه العزيز: ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)[ الأنعام : 153] وتبليغ رسالته في العالمين،(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)[ الأنبياء: 107].

إن مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فرصة للمسلم يجدد فيها محبتة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغذيها، مع زيادة التشوق له، فلا يتصور  أن يكون في الدنيا مسلم آمن بالله وآمن بنبوته صلى الله عليه وسلم، ثم لم يُصبح قلبه وِعاءً لمحبة هذا الرسول الذي اصطفاه الله وأرسله رحمة للعالمين: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ[التوبة : 128] فالمأمول من الاحتفاء والاحتفال بذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يتمتع المسلم  بمزيد من محبته، وأن يجددها في أعماق نفسه، تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم : “لا يؤمن أحدُكم حتّى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والناس أجمعين[أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب: حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان ]. قال ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما ـ رحمة الله عليهم:  المحبة ثلاثة أقسام:  محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس، فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته [شرح صحيح البخارى، لابن بطال،1/66].

كما أن الاحتفال بالمولد فرصة للاقتداء بحبيبنا صلى الله عليه وسلم لأنه هو القدوة الحسنة والأسوة المباركة التي أمر الله المسلمين الاحتذاء حذوه، وإتباع نهجه، ولعمري إن مولده هو النور المشرق الذي يجدد الوصل به ويذكر القلوب بالاقتداء به، والنصوص التي  تشهد لهذا كثيرة ومتعددة، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران/31)

Science

د.مصطفى بوزغيبة

باحث بمركز الإمام الجنيد التابع للرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق