مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

قراءة في كتاب «اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود» عبد الوهاب المسيري(1938-2008م)

يعد كتاب «اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود» للدكتور عبد الوهاب المسيري[1] من الكتب ذات الطابع المتميز والمختلف، وهو كتاب تناول فيه صاحبه علاقة اللغة والمجاز برؤية الإنسان للكون وتصوره لعلاقة الخالق بالمخلوق، فالمسيري يربط بين عدة مجالات من النشاط الإنساني: الدراسات اللغوية، والدراسات الدينية، والدراسات النفسية، فهو يذهب إلى أن ثمة نموذجا معرفيا كامنا وراء كل قول أو ظاهرة إنسانية، هذا النموذج هو مصدر الوحدة وراء التنوع، وهو الذي يربط بين كل التفاصيل، فتكتسب معنى ودلالة وتصبح جزءا من كل، وليس مجرد معلومة جديدة أو طرفة فريدة، والنموذج هو تَجَل معين لرؤية الإنسان للكون، التي تدور حول محاور ثلاثة: الإله، الإنسان، الطبيعة، وهي محاور مترابطة تمام الارتباط، فهي مجرد ثلاثة أوجه لنفس الظاهرة.

عن الكتاب:

تنقسم هذه الدراسة إلى بابين: الباب الأول يتناول الصور المجازية باعتبارها تعبيرا متعينا عن رؤية الإنسان للكون ومن هنا سماها « الصور المجازية الإدراكية»، حاول المؤلف في هذا الباب تحليل الصور المجازية في عدة مجالات حتى يصل إلى رؤية الكون الكامنة وراءها. وقدم المسيري في الفصل الأول تعريف الصورة المجازية، ومنهج التحليل من خلال الصورة المجازية؛ فذهب إلى أن المجاز اللغوي أي الاستعارة والكناية والمجاز المرسل، قد يكون مجرد زخارف ومحسنات في بعض الأحيان، ولكنه في أكثر الأحيان جزء أساسي من التفكير الإنساني، أي جزء من نسيج اللغة، التي هي جزء لا يتجزأ من عملية الإدراك، فنحن نتحدث عن «عين الماء» و«يد الكوب» و«رجل المائدة» وهذه صور مجازية نستخدمها دون أن نشعر، نظرا لشيوعها وبساطتها، ولا يمكن إدراك بعض الظواهر الإنسانية المركبة ولا الإفصاح عنها دون اللجوء إلى المجاز المركب، أي أن استخدام المجاز أمر حتمي في معظم عمليات الإدراك والإفصاح، خصوصا تلك التي تتناول الظواهر التي تتسم بقدر عال من التركيب[2]، وقد وسع المسيري المجاز من حيز اللغة الإنسانية وجعلها أكثر قدرة على التعبير عن الإنساني المركب؛ أي أن المجاز اللغوي هو أداة الإنسان للتعبير عن أفكار ورؤى مركبة لا يمكن التعبير عنها إلا بهذه الطريقة[3]

أما الفصل الثاني فتناول فيه ما تتصوره الصورتان المجازيتان الأساسيتان في الحضارة الغربية الحديثة: الصورة الآلية والصورة العضوية، فبين كيف أنهما يعبران عن رؤيتين للكون قد تبدوان مختلفتين، بل متعارضتين، ولكنهما في واقع الأمر متشابهتان إلى حد كبير، إلا من بعض التفاصيل الهامشية، وقد سميا كذلك لأن كل واحد فيهما يحوي صورة مجازية مختلفة؛ الصورة المجازية الأولى تصور العالم على هيئة كائن حي وحركته عضوية، فهو ينمو بشكل عضوي، أما الثانية فتصور العالم على هيئة آلة حركتها آلية، فهو يتحرك بشكل آلي رتيب[4]. أما الفصل الثالث فتناول فيه الجسد كصورة مجازية أساسية تفرعت عن الصورة العضوية، وحاول المؤلف في الفصل الرابع أن يتناول الجنس كصورة مجازية، وما سماه نهاية المادية، وبعد أن كان الإنسان يُردُّ إلى الطبيعة/ المادة، ثم إلى الجسد، أصبح يرد إلى القاسم المشترك بين الإنسان وكل الكائنات الطبيعية الأخرى، وهو الأعضاء التناسلية[5]. أما الفصلان الأخيران الخامس والسادس فعمل المؤلف على تطبيق منهج تحليل الصورة المجازية مدخلا لفهم النموذج الكامن المهيمن على العقل الصهيوني سواء في علاقته في ذاته أم في علاقته مع الآخر، وقد عرض ناحوم جولدمان أحد رؤساء المنظمة الصهيونية القضية بشكل دقيق جدا عام 1947 في خطاب له ألقاه في مونتريال بكندا قال فيه: « إن الدولة الصهيونية سوف تؤسس في فلسطين، لا لاعتبارات دينية أو اقتصادية، بل لأن فلسطين هي ملتقى الطرق بين أوربا وآسيا وإفريقيا، ولأنها مركز القوة السياسية العالمية الحقيقي والمركز العسكري الاستراتيجي للسيطرة على العالم»[6]

وفي الباب الثاني من الكتاب تعامل المؤلف مع موضوع أكثر تجريدا، وهو علاقة رؤية الكون باللغة، وإشكالية الدال ( المصطلح- الإشارة- الاسم) بالمدلول ( المفهوم- المشار إليه- المسمى)، فحاول في الفصل الأول من هذا الباب أن يعرف هذه الإشكالية ويبين كيف أصبحت قضية فلسفية أساسية، رغم أنها قضية لغوية مجردة، وكيف أنها الرؤية اللغوية التي تذهب إلى أن ثمة علاقة اتصال وانفصال بين الدال والمدلول، عادة ما تستند إلى الرؤية التوحيدية التي تذهب إلى أن الإله مركز الكون، مفارق له ولكنه يرعاه، فهو في علاقة اتصال بالعالم وانفصال عنه، وأن ثمة مسافة تفصل بين الخالق والمخلوق. أما الرؤية التي ترى أن ثمة أن اندماجا كاملا بينهما، فإنها تستند إلى الرؤية الحلولية التي ترى أن الإله قد حل تماما في مخلوقاته، فألغيت المسافة بينهما وأصبح الخالق والكون جوهرا واحدا. وتناول المؤلف في الفصل الثاني من الباب الثاني نوعين من الخطاب واللغة: اللغة المجازية متعددة المستويات والأبعاد، في مقابل اللغة الأيقونية والحرفية، واحدية المستوى والبعد، ثم بين في هذا الفصل أن اللغة المجازية تعبر عن الرؤية التوحيدية للإله باعتباره منفصلا عن الكون متصلا به في آن، أما اللغة الأيقونية والحرفية فهي نتاج اعتقاد تجسد الإله في العالم وحلوله فيه وتوحده معه. وفي الفصل الثالث حاول المؤلف تطبيق بعض الأطروحات النظرية التي وردت في الفصلين الأول والثاني، فقد بين في هذا الفصل أن ثمة فارقا بين الأصولية التي تصدر عن الرؤية التوحيدية والإيمان بإله مفارق رحيم، والحرفية التي ترى الإله متجسدا في النص المقدس وفي المفسر صاحب القول الفصل، الذي يكتشف التطابق التام بين النص المقدس والواقع التاريخي العلمي، فالأصولية هي رفض لكثير من الممارسات الدينية وبعض تفسيرات الكتاب المقدس التي تراكمت عبر العصور، ودعوة للعودة إلى أصول الدين الأولى وممارسات واجتهادات الأولين والصالحين والحكماء، ومحاولة تفسيرها تفسيرا جديدا، وتوليد معان جديدة منها تتلاءم والزمان والمكان اللذين يوجد فيهما المفسر الأصولي[7].  كما يحاول المؤلف في هذا الفصل الثالث كشف هذه الإشكالية من خلال دراسة بعض الحركات الحرفية في المسيحية واليهودية، وتناول المؤلف في الفصل الرابع من هذا الباب علاقة الدال بالمدلول، وعلاقتها بإشكالية التحيز، وختم الكتاب ببعض المصطلحات والمفاهيم أدرج تعريفاتها في ملحق خاص في آخر الكتاب.

قضايا الكتاب ومنهج المسيري فيه:

المنهج الذي اتبعه المسيري في كتابه كما أشار إليه في مقدمة الكتاب هو التحليل من خلال النماذج المعرفية، ففي هذا الكتاب يؤمن المسيري بأنه لا يمكن فصل الأدب عن اللغة، كما لا يمكن فصل أي نص أدبي على نصوص أخرى فلسفية كانت أو اجتماعية، فتعميق منهجه انطلق من مفهوم الصورة المجازية بعد فهم كنهها وطريقة عملها، كما أن تفكيكه للمصطلحات والمفاهيم وإعادة تركيبها انطلق من خلال وعيه التام لمصطلحي الدال والمدلول والعلاقة الناتجة عنهما. ومن خلال عنوان الكتاب نجد أن المسيري وظف مصطلح وحدة الوجود، وهو الذي قرره ابن عربي في غير موضع ما من كتابيه فصوص الحكم والفتوحات المكية، ولم يكن لمذهب وحدة الوجود وجود في الإسلام في صورته الكاملة قبل ابن عربي، فهو الواضع الحقيقي لدعائمه والمؤسس لمدرسته، والمفصل لمعانيه ومراميه، والمصور له بتلك الصورة النهائية التي أخذ بها كل من تكلم في هذا المذهب من المسلمين من بعده[8]، فمذهب ابن عربي روحي في جملته وتفاصيله، يحل الألوهية من الوجود المحل الأول، ويعتبر الله الحقيقة الأزلية والوجود المطلق الواجب الذي هو أصل كل ما كان وما هو كائن أو سيكون، فإن نَسَبَ إلى العالم وجودا فهو كوجود الظلال بالنسبة لأشخاصها، وصور المرايا بالنسبة للمرئيات، أما العالم في نفسه فليس إلا خيالا وحلما يجب تأويله لفهم حقيقته، والوجود الحقيقي هو وجود الله وحده، ولذا لم يحتج وجود الحق إلى دليل، وكيف يصح الدليل على وجود النور وبه تظهر جميع الموجودات التي نحسها، فمذهب ابن عربي إذن صريح في الاعتراف بوجود الله، ولكنه الله الجامع لكل شيء في نفسه، الحاوي لكل وجود، الظاهر بصورة كل موجود[9]، فالمسيري يترجم من خلال المجاز ازدواجية التوحيد كالدين الإسلامي، ووحدة الوجود كمثال للبساطة الغربية والبعد المادي الواحدي.

ولعلنا نتساءل في هذا المقام هل من الممكن أن يُتخذ المجاز كأداة تحليلية؟ فيرى الدكتور عبد الوهاب المسيري أن الصورة المجازية مرتبطة تمام الارتباط بالنماذج المعرفية والإدراكية ورؤية الكون، وهي خير وسيلة للتعبير عنها، إذ يوجد داخل كل نص مكتوب أو شفهي، نموذج كامن يستند إلى ركيزة أساسية، عادة ما تترجم نفسها إلى صورة مجازية أو صورتين، استخدمها صاحبها بوعي أو من دون وعي للتعبير عن هذه النماذج، وفي هذا الشأن يذكر المسيري أنه يجب التمييز بين الصورة المجازية والجانب المرئي، فالصورة ليست بالضرورة مرئية، بل إنه يمكننا أن نجد صورا لا يمكن للعقل الإنساني تخيلها، ومع هذا يمكنه أن يحسها ويدركها، ففي قصيدة للشاعر الفرنسي بول فاليري حاول أن يعبر عن حزنه فقال: إنها تبكي في قلبي/مثلما تمطر فوق المدينة، إن حاول القارئ تخيل هذين البيتين فإنه سيخفق في ذلك تماما، ولذا عليه أن يستجيب لهما بطريقة تستبعد المرئي، وتركز بدلا من ذلك على كل العناصر في ترابطها، كما أن الصور يمكن أن تكون سمعية، بل إن الصمت نفسه يمكن أن يكون صورة مجازية يا عروس الصمت والزمن الوئيد.[10]، ومنهج تفسير النصوص من خلال الصور المجازية منهج معروف في الدراسات الأدبية، وللتوصل إلى النموذج الكامن في نص ما من خلال تحليل الصور المجازية، يقوم الباحث بقراءة النص عدة مرات حتى يضع يده على الصور الأساسية المتواترة، فعلى سبيل المثال حين يقرأ الباحث مسرحية ( ماكبث) لشكسبير فإنه سيقرؤها على أنها نص مسرحي متعاقبة أجزاؤه، ولكنه سيلاحظ تواتر صور عديدة، من أهمها صورة الدم التي يستخدمها كل من ماكبث وزوجته بشكل متكرر[11]، وبعد دراسة السياقات المختلفة التي ترد فيها صورة الدم، سيربط بين صور الدم المتكررة وسيلاحظ تطورها، فالليدي ماكبث في البداية تخبر زوجها أن الدم الذي لطخ يديه به هو عبارة عن بقع يمكنه أن يغسلها ببساطة. فمن خلال هذا المقطع يمكن القول إن صورة الدم مرتبطة بالإحساس العميق بالندم الذي يشعر به البطلان بسبب الجريمة التي اقترفاها، ومحاولتهما إخفاء هذا الشعور دون جدوى.

وحينما نتأمل عنوان الكتاب يخطر بالبال علاقة المجاز بالتوحيد ووحدة الوجود، فنجد المسيري يعبر عن ذلك بأن التعبير عن حالات إنسانية مركبة يتطلب المجاز، فلا يمكن أن تعبر عن التجارب العميقة بلغة نثرية مباشرة، ويوظف مثالا لذلك «سأطير من الفرح» و«سأموت من الضحك» و«سأريك نجوم الظهر»، فإذا كان هذا ينطبق على بعض العواطف الإنسانية المركبة، فما قولك في فهم الإله؟ هل تصلح هنا اللغة النثرية لإنجاز ذلك؟ القرآن مليء بالمجاز، ولا يمكن فهم النص القرآني إلا بفهم المجاز، فإذا ورد في القرآن آية مثل «يد الله فوق أيديهم» هل يمكن أن نفهمها بشكل حرفي؟ والمجاز في القرآن له بنية خاصة، فهو يعبر عن الرؤية التوحيدية؛ وهذه الرؤية كما يراها تأخذ شكل هرم، قمته هي الله سبحانه وتعالى غير منظورة، ومع ذلك فهي التي تعطي العالم التماسك والمعنى والهدف والغاية والحركة، ومن ثم نجد أن معمار المسجد مبني على عدم التركيز على أي مركز على عكس الكاتدرائيات مثلا.[12]

فكل أشكال المجاز مهما بلغت من تجريد وتنوع واختلاف تحتوي على صورة مجازية وهذا هو موضوع هذه الدراسة، فقد بين المسيري أن المجاز يظهر في الخطاب السياسي الغربي، وقد حاول المؤلف تطبيق منهج تحليل النص من خلال تحليل الصور المجازية فذكر أن توماس فريدمان في كتابه سيارة الليكسوس التويوتا وشجرة الزيتون، يحاول أن يتحكم في الصور المجازية، ولكن بدلا من ذلك تهزمه الصورة بل تفضحه، إذ إن منطقها الداخلي قد يعبر عن عكس ما يرمي المتحدث إليه، فتوماس فريدمان في حديثه عن العولمة استخدم صورتين مجازيتين للتعبير عن رؤيته للمجتمع التقليدي  باعتبارها رمز الجذور الثقافية، واستخدم صورة سيارة التويوتا المعروفة باللكسوس ليرمز بها لمجتمع العولمة باعتبارها رمز الحركة  والتجديد. ويؤكد فريدمان أنه يمكن الجمع بين الاثنين، ولكن منطق الصورة إن أخضعناه للتحليل الدقيق يقول غير ذلك، فشجرة الزيتون ثابتة، أما السيارة اللكسوس فمتحركة، وشجرة الزيتون تم استيعابها في المجتمع الإنساني، فالإنسان هو الذي يزرعها ويرعاها ويستخدمها ويوظفها لصالحه، أي إنها اكتسبت بعدا إنسانيا من خلاله[13]، أما السيارة اللكسوس فلم يذكر فريدمان شيئا عن الهدف من استخدامها، أو عن المكان الذي تتوجه إليه، فهي تشبه مفهوم التقدم الغربي، الذي لم يخبرنا أحد حتى الآن عن غايته أو هدفه، ويمكن أن نذكر في هذا السياق كيف حول المنتفضون عام 1987 شجرة الزيتون إلى رمز للحياة والهوية، فهي تمد الفلسطينيين بزيت الزيتون الذي يعد مكونا أساسيا لطعامهم، كما أنها كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني يمكن للمرأة أن تتعرى تحتها، أي أن الشجرة تستر الإنسان ولا تعريه كما تفعل منظومة الحداثة [14]. وفي الكتاب نفسه الذي وردت فيه الصورتان السابقتان أشار توماس فريدمان إلى أنه لم يحدث أن خاضت دولتان يوجد بهما مطاعم ماكدونالدز حربا فيما بينها، ويدلل على حجته بالإشارة إلى حالة الشرق الأوسط: أنظر إلى الشرق الأوسط، في إسرائيل الآن توجد محلات ماكدونالدز كوشير وفي السعودية محلات ماكدونالدز، لم تحدث في أي من هذه الدول حرب منذ دخول الأقواس الذهبية ( علامة ماكدونالز إليها) وفي المقابل يتساءل: أين يوجد اليوم التهديد الكبير بالحرب في الشرق الأوسط؟ ويشير إلى الدول الثلاث التي لا يوجد بها ماكدونالدز، أي سورية وإيران والعراق، ولذا فهي في تقديره الدول المؤهلة لخوض الحروب، وإذا ما وصلت دولة ما إلى مستوى التنمية الاقتصادية الذي يؤدي إلى وجود طبقة وسطى تكفي لنجاح شبكة من محال ماكدونالدز بها، فإنها تصبح إحدى دول ماكدونالدز![15]. الماكدونالدز هنا تحول إلى رمز على شيء يؤدي في تصور فريدمان إلى حالة من الهدوء، فهذا الشيء ليس ماديا قطعة من اللحم المفروم يوضع في الساندوتش وإنما هو شيء معنوي، ولكن لم يبين فريدمان طبيعة هذا الشيء، وإن كان يلمح له حين يقول: إن الشعوب في دول ماكدونالدز لم تعد تحب خوض الحروب، بل تفضل الانتظار في طوابير البيرجر. فإن دققنا النظر  وقمنا بتحليل الصور فسنكتشف أن الإنسان الذي يتردد على مطاعم ماكدونالدز حسب تصور فريدمان؛ إنسان ضمرت هويته ولم يعد يهمه مسائل مثل الكرامة والوطن، فهو إنسان طبيعي، اقتصادي جسماني، ومن مزايا العناصر الاقتصادية والجسمانية أنه يمكن قياسها وحسابها، وبذلك يمكن تسوية أية خلافات قد تنشأ بشأنها.

وفي دراسته عن جمال حمدان  «اليهود في عقل هؤلاء» وهو من أهم المفكرين العرب الذين وظفوا الصور المجازية للتعبير عن رؤيتهم المركبة استخدم منهج دراسة الصور المجازية، محاولا الوصول إلى إحدى جوانب رؤيته التي يصعب الوصول إليها عن طريق منهج آخر، فأشار إلى أن اللغة المجازية جزء من العملية الإدراكية، ولأن إدراك جمال حمدان للواقع مركب وفريد، فإنه كثيرا ما يلجأ للمجاز، ففي وصفه لتوزيع اليهود في العالم يقول: إنه ليس صحيحا أن «تحت كل حجر في العالم يهوديا» ويأخذ صورة الحجر المجازية ويقترح صورة أخرى مشتقة منها، ولكنها تقف على طرف النقيض منها، «الأصح أن نقول إن توزيع اليهود العالمي توزيع رشاش متطاير في معظمه يتحول أحيانا إلى تراب رمزي بحت» وهكذا يتحول الحجر الصلب إلى رشاش متطاير ثم إلى تراب[16]، فجمال حمدان حينما يريد أن يتحدث عن عروبة مصر وهي عروبة لا تنفي ماضيها الفرعوني، يقول: إن مصر فرعونية بالجد، عربية بالأب، فالأب والجد من أصل واحد مشترك، هذه هي الصورة المجازية الأولى، ولكنه يعدلها بعد ذلك إذ يقول: غير أن العرب هنا، وقد غيروا ثقافة مصر، هم الأب الاجتماعي في الدرجة الأولى، وليسوا الأب البيولوجي إلا في الدرجة الثانية، فالتعريب والإسلام هما أعظم حقيقة في تاريخ مصر الثقافي والروحي، ويمثلان انقطاعا حضاريا، ونقطة تحول حاسمة، وخطا مستقيما في وجودنا اللامادي. فالصور المجازية التي يستخدمها جمال حمدان تشي بولائه العربي على حساب جذوره المصرية، فنحن نحب الجد ونتذكر الأب فنحن ننتمي إليه ونسير معه، خاصة إذا كان الأب العربي هو آخر انقطاع في الاستمرارية المصرية.[17]

وفي الفصل الثاني من الباب الأول تحدث المسيري عن النموذجين الإدراكيين الأساسيين، هما النموذج الآلي والنموذج العضوي ومواطن التشابه والاختلاف بينهما، ثم تناول تاريخ تطور الصور المجازية والعضوية باعتبارهما تجليا لتطور الفكر الغربي وتأرجحه بين النماذج الآلية والنماذج العضوية، فيرى عبد الوهاب المسيري أن كل نموذج معرفي إدراكي أو تحليلي يترجم نفسه إلى صورة مجازية، والصورة المجازية قد تكون واضحة صريحة وبسيطة ومألوفة، ووضع مثالا لذلك «هذا الرجل يسير كالأسد»، وقد تكون واضحة ومركبة وغير مألوفة «تهطل الأحزان كسحابة باكية»، وقد تكون كامنة ومألوفة لدرجة لا يلاحظها الدارس.[18]

إن النموذج الإدراكي حسب المسيري ليس له وجود مادي، وهو ليس حقيقة تجريبية ولا قانونا علميا فهو كامن في كل ثنايا النص أو الظاهرة، ويقوم الباحث باستخلاصه وتجريده من خلال قراءته المتمعنة، فالنموذج إن هو إلا أداة تحليلية تهدف إلى الوصول إلى جوانب الواقع الجوهرية وإبرازها، وإلى هذا الواقع في كليته وتكامله[19]، فالإنسان يدرك العالم من خلال عدة صور مجازية تعبر عن نماذج إدراكية، من أهمها الصورتان المجازيتان الآلية والعضوية اللتان تجسدان نموذجين أساسيين، نموذج آلي ونموذج عضوي، وقد سميا كذلك لأن كل واحد فيهما يحوي صورة مجازية مختلفة، فهو ينمو بشكل عضوي، أما الثانية فتصور العالم على هيئة آلة حركتها آلية، فهو يتحرك بشكل آلي رتيب، والصورة المجازية هنا كامنة إلى حد كبير في النموذج، ولهذا أشار في الجزء الأول من الفصل إلى النموذج بدلا من الصورة المجازية، أما في الجزء الثاني فأشار إلى الصورة المجازية بدلا من النموذج. وعند حديث المسيري عن تاريخ الصورتين المجازيتين وقف عند مصطلح أساسي في الحضارة الغربية هو مصطلح «لوجوس» وهي كلمة تعني في الأصل قول، أو كلام، أو فكر، أو عقل، أومعنى، أو دراسة، ولكن معنى الكلمة تطور، فاستخدمها بعض الفلاسفة اليونانيين مثل هرقليطس بمعنى المبدأ الذي يسير به الكون، وهو الذي يفسر الثبات وراء التغير والنظام وراء الفوضى، فالأشياء رغم تنوعها تحدث حسب اللوجوس، ويوجد استخدامان أساسيان لكلمة لوجوس فهناك لوجوس أورثوس logos orthos ولوجوس سبرماتيكوس logos spermaticus ، أما الأول فهو العقل السليم أو الحجة السليمة فاللوجوس هنا هو قواعد خارجية عن العالم يجب أن تمتثل لها أفعال الإنسان، والعالم من منظور اللوجوس أورثوس يشبه الآلة التي تدار من الخارج. أما الكلمة الثانية وهي لوجوس سبرماتيكوس بمعنى الكلمة التي تعطي الحياة، وهي عبارة تعني أن الكلمة بمنزلة البذرة أو المني أو سائل الحياة الذي ينثر في العالم بأسره فيسبب الولادة والنمو والتغير في كل الأشياء، فالعالم من منظور لوجوس سبرماتيكوس يشبه الكائن الحي[20].

ويرى المسيري في الفصلين الثالث والرابع أن مع تصاعد معدلات الحلول والكمون تم توليد صورة مجازية عضوية تتكون من صورتين مجازيتين عضويتين معبران عن رؤية الإنسان الغربي وهما الجسد والجنس، فيرى أن الجنس كصورة مجازية قد حقق شيوعاً غير عادي في الآونة الأخيرة في العالم الغربي، كما يرى أن الحلولية تترجم نفسها إلى النزعة الجنينية وهي محاولة الانسحاب من العالم المركب وإدراكه من خلال صور مجازية ومقولات مادية بسيطة اختزالية تفيد معنى الالتصاق وذوبان الذات واختفاء الهوية والحدود [21]، ثم تستمر عملية اختزالية الجسد بشكل متتابع تكون الأرض هي أهم عناصر هذا الاختزال متمثلة في القوميات العلمانية التي تنتج بدورها تفسيرات وتطبيقات تتمثل في عدة أشياء مثل نظرية داروين والنازية والصهيونية، ثم تستمر عملية الاختزال من الجسد إلى النشاط الجنسي ثم إلى أعضاء التذكير والتأنيث، فقد مُنح الجسد والجنس تدريجياً أسبقية معرفية وأخلاقية على كل شيء، فأصبحا المرجعية الكامنة في المادة فحلّا محل الإله في المنظومات التوحيدية الروحية [22]، ثم يتم تجديد فكرة مركزية الجسد في فسلفة كثير من الفلاسفة المحدثين مثل برجسون وروسو ونيتشة وأيضاً في فكر فرويد وماركس، وفي تطوير ذلك الاتجاه أيضا يعبر المسيري عن ذلك في أن الجنس أُعطي أسبقية معرفية على كل شيء في الفلسفة الغربية وأن الجنس قد بدأ أيضاً يحل محل اللغة، وأن تلك الفلسفة المادية تتبناها الفلسفة الغربية والتي ليس لها أصل رباني أصبحت هي المرجعية المادية الكامنة والتي لاتعرف أي تجاوز، والتي نجحت في تحقيق ثنائية الذات والموضوع وكل الثنائيات لتصل بالإنسان إلى العلم الجنيني الواحدي.

وانتقل المؤلف من المجال المعرفي والإدراكي إلى المجال السياسي من خلال تطبيق منهج تحليل الصور المجازية على الفكر الصهيوني كمثال، فالصورة الأساسية في الوجدان الصهيوني هي أن العالم بأسره مجرد سوق، فالأرض عقار ليس لها قيمة غير ذلك وعلاقة الإنسان بالإنسان علاقة نفعية تعاقدية، فكل شيء بناء على الرؤية الصهيونية له سعر، وبناء على تلك الرؤية فإن السلعة التي تقدمها الدولة الصهيونية هي وظيفتها ونفعها، فحتى وقت قريب كانت الوظيفة القتالية هي المسيطرة وبالتالي فإن القيمة الأساسية التي تنتجها هي القتال مقابل المال، ثم يتم الإشارة إلى كون الدولة الصهيونية في صورتها المجازية وهي تبعيتها للغرب تتجسد في عدة أوصاف مثل الحارس الأجير ومخلب القط وما إلى ذلك، فيرى أن صهيونية الكيان هي السبب في عدم أمنه وهي السبب في الزج بجماهيرها في حروب متتالية، وأن لا أمن للكيان إلا من خلال إطار يشمل كل سكان المنطقة ولا يستبعد الإسرائيليين أو الفلسطينيين، ثم يشير إلى الصور المجازية التي تم رصدها عن استجابة المستوطنين الصهاينة لانتفاضة 87 من خلال مقولتين وهما الاعتدال والتشدد الذي يشار لهما من خلال صورتين مجازيتين هما الحمائم والصقور[23]؛ فالحمائم كما يقال مسالمة دائما، والصقور يفترض فيها أنها عدوانية شرسة، أما الدجاج فهو متخصص في الهرب، ويجيد النعام دفن رأسه في الرمال، والنعام هو أكثر أنواع الطيور الإدراكية انتشارا في المستوطن اليهودي، وبخاصة بعد انتفاضة 1987، وإن كنا لا نعدم عددا كبيرا من الدجاج الذي يتحدث كالصقور، وتوجد قلة نادرة من الحمائم ليس لها وزن كبير، وإن كان يوجد عدد كبير من الصقور التي تتحدث كالحمائم! ويقول الدكتور قدري حفني: إن اليهود الشرقيين مثلا حمائم تود أن تكون صقورا لتثبت إخلاصها للنخبة الحاكمة الإشكنازية، وقد أسقط كثير من المعلقين السياسيين كل التدرجات والتداخلات من إدراكنا، لأن نموذجهم المعرفي قاصر ساذج يحوي مقولتين اثنتين، ولذا لم نر الدجاج أو النعام ولا عشرات الطيور الإسرائيلية الأخرى القابعة التي تنتظر من يكتشفها ويرصدها[24]، ثم يرى أنه من المفيد توسيع النموذج الإدراكي لتضم الدجاج والنعام، فكل صورة لها خصائصها ومن يمثلونها، ثم ينتقل إلى الإنتفاضة فيرى المسيري أن من أهم الوقائع التي تُجسِد الصورة المجازية والنموذج الكامن وراء الانتفاضة نموذج التدوير؛ أي إعادة استخدام المواد (بالإنجليزية: ري سايلكلينج recycling) فالحجر يتميز بإمكانية استخدامه عدة مرات، وربما إلى ما لا نهاية، والمجتمعات التقليدية معروفة بقدرتها على التدوير، على عكس الحضارة الحديثة المبنية على التبديد وفكرة التخلص من الفوارغ، وهذا يعود إلى ولاء الحضارة الحديثة لفكرة السرعة وتنظيم الحركة واستهلاك الطاقة[25]، وقد لجأ إليه الفلسطينيون من خلال حيلة البطيخة والتي تشير إلى العلم الفلسطيني عندما يتم قطعها إلى نصفين، وأن ذلك السلاح في نهاية الأمر يُعبِر عن الهوية، فالهوية كما يعبر المسيري هي حلبة الصراع الحقيقية.[26]

ومنهج تحليل النصوص من خلال الصور المجازية هو منهج يستخدم في تحليل النصوص الأدبية، فكيف وظفه عبد الوهاب المسيري في دراسته للظاهرة الصهيونية؟ يذكر في هذ ا المنحى أن تحليل الصور المجازية هو أحد الخبرات الأدبية المهمة، الذي أستخدمه وبكثرة في دراستي للصهيونية، لأن الصورة المجازية هي مقولة إدراكية متخفية في شكل صورة، فحينما نقول حمائم وصقور فنحن لا نزخرف وإنما نحاول إدراك صفات موجودة في الواقع، لا يمكن أن نمسك بها إلا من خلال الصورة المجازية، وكي يجعل أداته التحليلية أكثر تركيبا أضاف الدجاج والنعام باعتبارها طيورا إدراكية أكثر أهمية من الحمائم والصقور[27] ، وأضاف المسيري بقوله وقد درست وظيفية الدولة الصهيونية من خلال مجموعة من الصور المجازية التي استخدمها الصهاينة وأعداؤهم في وصف الدولة الصهيونية، فكثير من الصهاينة ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها رقعة أو مساحة أو مكانا تابعا أو بلدا تحت الوصاية، فهي مكان تم نزع القداسة عنه وتمت حوسلته تماما؛ أي تحويله إلى وسيلة حتى أصبح موضوعا محضا، وهم يعدون المستوطنين الصهاينة حراسا [خدمة عسكرية جاهزة]: جماعة من المماليك أو المرتزقة على أهبة الاستعداد دائما، والمملوك أداة ووسيلة وليس إرادة وقيمة، بل إن إحدى الصحف الإسرائيلية وصفت الدولة الصهيونية بأنها عاهرة الموانئ[28]. إن جوهر الصور المجازية التي استخدمها المسيري في وصف الدولة الصهيونية هو التبعية الكاملة للغرب، والتحوسل الكامل لحسابه كما أشار، وتحويل المكان والإنسان إلى أداة منعزلة عن المحيط الحضاري الشرقي.

ومن الصور المجازية المتواترة التي ذكرها المسيري في هذا الشأن، صورة إسرائيل بحسبانها كلب حراسة، فقد وصف البروفيسور يشعياهو ليبوفيتس في حديث له في صحيفة لوموند سنة 1974 إسرائيل بأنها عميل للولايات المتحدة، ووصف الإسرائيليين بأنهم كلب حراسة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد طور الصحفي الإسرائيلي عاموس كينان هذه الصورة المجازية المثيرة من عالم الحيوان وجعلها أكثر حدة وإثارة، إذ وصف إسرائيل بأنها كلب حراسة في واشنطن وذيله في القدس، وهي كلب حراسة قوي لكنه يحتاج إلى حماية.[29]

و في الباب الثاني من الكتاب تناول إشكالية علاقة الدال بالمدلول، فربط اللغة بفكرة الدال والمدلول، وهي أن اللغة كأي ظاهرة يجب أن يكون لها مركز فإن لم يكن لها مركز تكون الكلمات في حالة فوضى كاملة، ثم لضمان هذه الفكرة يثبت المسيري مصداقيتها بقاعدة أن الضمان الوحيد هو وجود شيء متجاوز للحاضر والمستقبل ويكون هو المركز والركيزة الأساسية لكل الدوال، ثم يثبت أن هذا المركز يقف خارج كل الدوال كمتجاوز مفارق وهو الإله في المنظومات الدينية وهو الكل المادي الثابت المتجاوز في المنظومات المادية، وأن علاقة هذا الدال بالمدلول تأخذ ثلاثة أشكال أساسية وهي الانفصال الكامل، والالتحام الكامل، والانفصال والاتصال؛ فالإنفصال الكامل تصبح اللغة فيه نظاما دلاليا مستقلا تماما عن الواقع، أو على علاقة به واهية للغاية، ومعنى ذلك أن العقل لا يتفاعل مع الواقع ولا يمكنه أن يتعامل معه. أما الإلتحام الكامل في هذه الحالة يصبح الدال مدلولا كما هو الحال في حالة الأيقونات واللغة الجبرية والتفسيرات الحرفية واللغة المحايدة، وهذا يعني أيضا أن العقل لا يدخل في علاقة مع الواقع، فهو جزء لا يتجزأ من الواقع. أما الإتصال والإنفصال في هذه الحالة ثمة مسافة للفصل بين الواحد والآخر، ولكنها ليست هوة، إذ توجد نقطة مرجعية نهائية يتصل من خلالها الدال بالمدلول، فهي تشيرإلى الواقع رغم وجود مسافة بينهما، وهذا يعني أن العقل قادر على معرفة الواقع والتعامل معه[30]، ثم يشير إلى أن علاقة الدال بالمدلول في واقع الأمر علاقة العقل بالواقع (والإنسان بالطبيعة/المادة والإنسان بالإله)، وهي تأخذ شكلين وهما علاقة بسيطة وعلاقة مركبة بين الدال والمدلول؛ فالعلاقة البسيطة بين الدال والمدلول يرى البعض أنها علاقة بسيطة ومباشرة، وأن الدال يعكس المدلول بشكل مباشر، أما العلاقة المركبة بين الدال والمدلول فيذهب البعض إلى أن ثمة علاقة قوية ومركبة بين الدال والمدلول، ومع هذا لا توجد علاقة تطابق بينهما، فثمة مسافة تفصل بين الواحد والآخر[31]،  ثم يبدأ المسيري في إعطاء الأمثلة عن علاقة الدال بالمدلول، فيقول إن جوهر النسق التوحيدي الإسلامي يؤكد على فكرة المسافة فهي علاقة اتصال وانفصال بحيث لايلتحم الدال بالمدلول، فالمدلولات متشابكة وفضفاضة فاللغة هنا تصبح كذلك وتصلُح للتواصل بين البشر رغم عدم كمالها[32]، ثم انفصال الدال عن المدلول في الخطاب الفلسفي الغربي، والذي يؤدي إلى أن اللغة الإنسانية تسقط في قبضة الصيرورة شأنها شأن الظواهر الطبيعية وتصبح نظاماً مستقلاً له قواعده المستقلة عن إرادة الإنسان، ثم يتوصل أيضاً إلى أن المنظومة الحلولية والتي تكون في ظل فصل الدال عن المدلول تؤدي إلى تحطيم اللغة، وتحطيم الثنائية التكاملية وإطلاق الصيرورة وإنكار الأصل الرباني للإنسان والطبيعة بحيث يسقط كل شيء في قبضة الصيرورة. وعن انفصال الدال والمدلول يرى المسيري أن فرديناند دي سوسير من أوائل المفكرين اللغويين الذين تناولوا هذه الإشكالية، فـدي سوسير يذهب إلى أن علاقة الدال بالمدلول لا تستند إلى أية صفات موضوعية كامنة في الدال، وبالتالي فالعلاقة بين الدال والمدلول ليست ضرورية أو جوهرية ثابتة، ويرى دي سوسير أن النظام اللغوي هو نسق إشاري مبني على علاقة الاختلاف بين الثنائيات المتعارضة، فالاختلاف بين «قطة» و«بطة» ليس هو الاختلاف بين الحيوان الذي يحمل ذلك الاسم والطائرالذي يحمل ذلك الاسم، وإنما هو اختلاف بين الأصوات والإشارات الدالة بين القاف والباء، تقابلها اختلافات بين الأفكار والأشياء المدلولات.[33]

وانفصال الدال عن المدلول قضية لغوية لها أبعاد معرفية كلية ونهائية وهي تضمر أشياء منها أسبقية اللغة على العقل الإنساني وهذا يقابل أسبقية الطبيعة والمادة على الإنسان، وهو ما يعني إزاحة الإنسان عن مركز الكون، والشيء الثاني ضمور الواقع تماما، إذ إن اللغة هي التي تنتج الواقع وليس الواقع هو الذي ينتج اللغة، والشيء الثالث تأكيد أن اللغة نسق مكتف بذاته، قوانينها كامنة فيها، هو تأكيد بأن اللغة لا أصل لها أو أنها غير معروفة الأصل[34]. يستنتج المسيري أن مقولة اللغة هنا حلت محل مقولة المادة مثل حلول الجسد والجنس محل المادة في سياقات أخرى، وبذلك تصبح اللغة المبدأ الواحد قوة كامنة في الكون والطبيعة والإنسان، دافعة له تتخلل ثناياه وتضبط وجوده وتوحده، وهي النظام الضروري والكلي للأشياء.

وعن اللغة المجازية واللغة الحرفية يوضح المسيري محاولة إدراك الإنسان للإله في الإطار التوحيدي، حيث يعرف أنه لن يدركه في كل جوانبه رغم محاولاته لعجز كل الدوال عن إدراك الإله لأن المدلول الرباني متجاوز لكل ماهو مادي، فإن في تلك النظرة تكون اللغة النثرية المحايدة عاجزة عن إدراك المدلول المتجاوز الرباني، وأيضاً علاقة التواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان، وفي هذا الصدد يذكر المسيري أن المجاز ليس وسيلتنا لإدراك الوجود الإنساني المركب وحسب، وإنما هو أيضا وسيلتنا لإدراك الإله، إذ إنه يربط بين صفات الإله المتجاوزة للأسماع والأبصار من جهة وبعض الشواهد المادية التي تدركها الأسماع والأبصار من جهة أخرى، ورغم محاولة الإنسان إدراك الإله من خلال المجاز فإنه في الإطار التوحيدي يعرف أنه لن يدركه في كل جوانبه فهو «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»، فالإله ليس كامنا أو حالا في الإنسان أو الطبيعة أو التاريخ، ومهما بلغ المجاز من تركيب وعمق وجمال، فإن المسافة تظل واسعة، إذ إنه لا يمكن تشبيهه عز وجل بشيء، وهو لا يتجسد في الأشياء أو يكمن أو يحل فيها، وهو لا يتواصل مع البشر من خلال التجسد والكمون والحلول واختزال المسافات والمساحات والثغرات، فهو المركز، أو المدلول المتجاوز الموجود خارج المادة، ولكنه مع هذا يرسل للإنسان رسالة مكتوبة مركبة للغاية، ولأن الإله المطلق هو صاحبها فإن مضمونها أكثر تركيبا مما يمكن للإنسان أن يحيط به، ولأن الإله يريد التواصل مع الإنسان، فقد أرسل رسالته بلغة بشرية مفهومة «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ»[35]

ثم الانتقال إلى فكرة التأيقن والحرفية والتي تتسم بالواحدية وعدم تعدد المستويات ومحو الثنائيات والمسافات وسد الثغرات، فمصطلح الأيقونية مصطلح يوناني يعني صورة أو تمثيل، وفي السياق المسيحي تعني الكلمة لوحة أو رسم بارز للمسيح أو مريم العذراء [36]، ولذلك نستطيع أن نفسر مع المسيري أن وجود التماثيل في مختلف الديانات في الحقيقة ما هو إلا تعبير أيقوني يحل محل موضوع الإله الفعلي والحقيقي، فالتمثال ليس مجرد رمز للإله، وإنما التمثال الذي يقف أمامه مجموعة معينة من البشر، قد حل فيه الإله، فأصبح التمثال هو الإله [37]، وهنا يكمن الفرق بين التماثيل المؤلهة المقدسة وتلك التي وضعت للزينة والجمال والآثار التاريخية، فالتأيقن هو التَّصَنُّم والتّوَثُّن.

ويعرف المسيري التأيقن في عالم اللغة بأنه محاولة إلغاء المساحة بين الدال والمدلول، إلى حد يصبح فيه الدال مثل الصورة، يتحد من خلالها مع المدلول، فنحن حين ننظر إلى صورة نرى أن ألوانها وأشكالها هي مضمونها نفسه، أي أن التأيقن هو أن يصبح الدال مدلولا، ملتفا حول نفسه لا يشير إلى شيء خارج ذاته، وبالتالي فحالة التأيقن الكاملة هي حالة الالتفاف الكامل حول الذات، وحالة الواحدية التامة[38]، ويرى بيرس أن الأيقونة هي علامة تدل على موضوعها من حيث إنها ترسمه أو تحاكيه، وبالتالي يشترط فيها أن تشاركه بعض الخصائص، ومن منظور بيرس فالسِّمة المحدِّدة للأيقونية هي فقط التشابه المحسوس، فالأيقونة تتجلى في كون الدال يشبه ما يشير إليه[39]، وفي هذا المنحى يوظف المسيري أمثلة على محاولة أيقنة اللغة والرموز والوصول بها إلى الواحدية، واحدية الدال والمدلول، ومن ذلك الكلمات التي يحاكي صوتها معناها مثل أزيز الطائرات، ونهيق الحمير، والوشوشة والغرغرة والسقسقة والفرقعة والطرطقة، ومثال آخر عن لفظة «أم» وهي لفظة تتكرر في كل اللغات تشبه حينما ينطقها الطفل الصوت الذي يحدثه أثناء عملية الرضاعة، والدال «أم» هنا قد التصق تماما بالمدلول ذاته حركة فم الطفل أثناء الرضاعة، فهي إذن كلمة جنينية بمعنى الكلمة[40]. أما اللغة الحرفية لا تعطي للدال أية قيمة، فيكون تركيزها على المدلول لا على الدال، يقول المسيري: «ولكننا لو تعمقنا قليلا ووصلنا إلى مستوى أكثر كمونا لاكتشفنا التشابه التام بين التأيقن والحرفية، فكلاهما يتسم بالواحدية وعدم تعدد المستويات، وثمة محو للثنائيات والمسافات، وسد للثغرات، فالتأيقن هو محاولة الوصول إل دال ابتلع مدلوله، أما الحرفية فهي محاولة للوصول إلى مدلول ابتلع داله»[41].

وفي فصل آخر تحدث المسيري عن الأصولية والحرفية، فما هي الأصولية عنده؟ يرى المسيري أن الأصولية هي رفض لبعض الممارسات والتفسيرات التي يرى الأصوليون أنها تتنافى مع تعاليم الدين، وهي دعوة إلى إعمال الفكر وممارسة الاجتهاد لتجديد الثوابت والأصول الفكرية والمعرفية للدين، فالأصولية دعوة للعودة إلى أصول الدين الأولى وممارسات واجتهادات الأولين والصالحين والحكماء ومحاولة تفسيرها تفسيرا جديدا، وتوليد معان جديدة منها تتلاءم والزمان والمكان اللذين يوجد فيهما المفسر الأصولي، وهذه الأصول لأنها الكل والجذر والقيمة الحاكمة تشكل الإطار العام لعملية اجتهاد مستمرة في كل عصر، يقوم بها عقل المؤمن المفسر المجتهد بالعودة إلى النص القرآني، فالمفسر الأصولي رغم رفضه لبعض التفاسير الموروثة، لا يلجأ إلى التفسير الحرفي، إلا إذا تطلب النص القرآني ذلك، وهو لا يجتزئ من النص مقطعا ينتزعه من سياقه ثم يفرض عليه أي معنى حرفي قد يروق له، بل يفسره في إطار ما تتصوره المنظومة الدينية الكلية، وفي إطار النص في شموليته وكليته وتركيبته[42]، ويعني ذلك أن الاجتهادات التي يصل إليها الإنسان ليست هي ذاتها النص القرآني وإنما تتراوح في قربها وبعدها عنه.أما الحرفية في التفسير فهي أن يلجأ المؤمن بكتاب مقدس ما إلى التمسك بحرفية النص، دون اجتهاد أو إعمال عقل، وكأن النص يحمل رسالة واضحة مباشرة صريحة مثل القاعدة العلمية، أو اللغة الجبرية، بل كأن النص هو تجسد للإله في العالم وكأن العالم هو كل عضوي مصمت لا ثنائيات فيه ولا أسرار، إن ما يحدث في التفسيرات الحرفية هو أنه يتم إلغاء المسافة التي تفصل بين الدال والمدلول، وتلغى فكرة الزمان تماما كما تلغى ثنائية الدنيا والآخرة.[43]

وأين تفاحة الفردوس الحمراء المغروسة في أحلامي من تلك الموجودة عند طرف إصبعي؟! هاتان تفاحتان حمراوان وشتان شتان بينهما! بهذه العبارة واستخدامه للمجاز يحاول المسيري التعبير عن فكرة كتابه بشكل جمالي، فيقصد بتفاحته الأرضية تلك التفاحة المصمتة المُعبرة عن الوجود المادي الواحدي الذي يمكن أن لا يشير إلى مدلولات وإلى إله متجاوز، فتلك التفاحة الأرضية التي لم تتحرك من طرف إصبعه مرئية تنتظر فنائها لاتشير إلى معنى متجاوز، أما تلك التفاحة الفردوسية والتي بحث عنها في أرجاء الدنيا وعواصمها، لم يجدها إلا في أحلامه فهي مثل الخطوط العربية الجمالية والمباني القديمة التي اختفت، مثل جماليات ومجازات اختفت ولا تزال تختفي هي الأخرى، لكن المفكر يعبر عن عدم استسلامه لذلك الفقد والمعاني الدنيوية المصمتة التي لاتشير إلى مدلول متجاوز، فيبحث عن تفاحته بذلك الرفض البطولي باحثاً عن حلمه وعالمه الأصلي الذي فُقِد ولم يبقى إلا في أحلامه، فكان هذا الفصل الأخير من الكتاب هاتان تفاحتان حمراوان: دراسة في التحيز وعلاقة الدال بالمدلول: والتحيز كان من أهم الانشغالات الفكرية للمسيري، ففي نظره أن التحيز مسألة حتمية لأسباب عديدة؛ من أهمها أن اللغة الإنسانية مرتبطة ببنية العقل الإنساني ذاتها، فالعقل ليس كيانا سلبيا أو متلقيا يسجل تفاصيل الواقع كالآلة الصماء دون اختيار أو إبداع، وهذا يعود إلى أن العقل الإنساني محدود، ليس بوسعه أن يسجل كل شيء، ولا بد أن يختار بين كم التفاصيل الهائل. ويضيف المسيري من الأسباب الأخرى التي ساعدته على إدراك التحيز إدراكه أنه لا توجد لغة إنسانية واحدة تحتوي على كل المفردات الممكنة للتعبير عن الواقع بكل مكوناته، أي إنه لا بد من الاختيار وكل لغة مرتبطة إلى حد كبير ببيئتها الحضارية وأكثر كفاءة في التعبير عنها[44]، وفي هذ الفصل الذي ذكرنا عنوانه يذكر المسيري أن هناك دال وهذا الدال يدل على مدلول، والربط بين الدال والمدلول ليس أمرا آليا ولا حتميا، بل هناك مستويات للارتباط على متصل طرفه لغة الجبر المصمتة التي يعني الدال فيها مدلولا واحدا بعينه يتطابق معه، والطرف الآخر للمتصل لغة الحلم حيث قد لا يعني الدال أي مدلول مادي أو أي مدلول على الإطلاق لأنه حلم، ويفصل بين الدال والمدلول مساحة داخل الزمان والمكان من قدرات الإنسان وأحلامه، سواء كان هو المرسل أو المستقبل، ولذا يختار الإنسان دائما من الدوال ومن المدلولات ما يمكنه استيعابه والتعامل معه، ومن هنا تبدأ أهمية المصطلح ويبدأ معها التحيز، الذي لا يهم إن كان واعيا أم غير واع[45]، ويرصد المسيري عددا من أشكال التحيز منها:

– ارتباط الدال بسياقه الحضاري الذي نشأ فيه ومحدودية حقله الدلالي، ومن ثم قصوره عن الإخبار بمدلوله حين ينقل من حضارة إلى أخرى، فكلمة الأسرة في سياق غربي علماني لا تعني نفس المدلول لنفس الكلمة أسرة في سياق عربي إسلامي إذ تختلف درجة التماسك ودفء العلاقات ومستوى المسؤوليات وحتى الوظائف واستمراريتها بالنسبة لعضو الأسرة.[46]

– المصطلح المستورد من حضارة لأخرى يحمل وجهة نظر صاحبه، حيث يضع نفسه في المركز ويرتب الأشياء حوله وفقا لرؤيته، مثال ذلك مصطلح «عصر النهضة».

– والتحيز أيضا يبرز عند نقل كلمات مختلطة الدلالة من لغاتها، فمصطلح الترشيد تعرفه المعاجم بأنه استبعاد الغيب من المعرفة وتطبيق المناهج العلمية البيروقراطية على إدارة المجتمع، ولكن فيبر واضع المصطلح نفسه يعرفه بأنه تحويل العالم إلى حالة المصنع، وأن الترشيد سيؤدي حتما إلى إدخال الإنسان القفص الحديدي وإلى أزمة المعنى، ورغم تحقق نبؤات فيبر، يصر المسيري على تسمية الظاهرة «الترشيد».

– ويبلغ التردي مداه فلا نترجم المصطلح وإنما نُعَرِّبه فنقول رومانتيكية نسبة إلى رومانس الغربية، وهي كلمة تستدعي الإحساس بالدهشة، ولكنها في العربية ليس لها صلة بأي كلمة أخرى.

– ومن التحيز اعتبار اسم العلم دال فإذا أسمت المنظمة الصهيونية نفسها بـ«المنظمة الصهيونية العالمية» فنترجم نحن الاسم ببراءة شديدة ويتحول إلى دال يعني أن المنظمة عالمية بالفعل.

ويبقى شكل من التحيز هو المصطلح الغائب، بمعنى غياب الدال رغم وجود المدلول.[47]

وحتى يتسنى تجاوز هذا التحيز في المصطلح يذكر المسيري أن أول ما يجب عمله هو عدم الترجمة والنظر للظاهرة مباشرة ثم نقوم بتسميتها، ثم نحاول التوليد من داخل القاموس العربي فنقول «تدجين» بدلا من «الترشيد» وهكذا، إضافة لذلك ينبغي أن نكتشف إمكانيات المعجم العربي نفسه، ثم محاولة نحت مصطلحات جديدة أصلا مع إدراك البعد المجازي في المصطلحات.[48]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

 [1] انظر ترجمته: رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر سيرة غير ذاتية غير موضوعية، ص: 9-10.

[2] اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود، عبد الوهاب المسيري، ص: 13، الطبعة الأولى: 1422هـ-2002م.

[3] اللغة والمجاز، ص: 17.

[4] اللغة والمجاز، ص: 28.

[5] اللغة والمجاز، ص: 72 .

[6] اللغة والمجاز، ص: 93.

[7] اللغة والمجاز، ص: 176.

[8] فصوص الحكم للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، شرح الشيخ عبد الرزاق القاشاني، ص: 25 ، الطبعة الأولى، دار آفاق للنشر والتوزيع- القاهرة.

[9] فصوص الحكم، ص: 26-27.

[10] الثقافة والمنهج، حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري، تحرير: سوزان حرفي، ص: 358 ،  دار الفكر- دمشق، الطبعة الثانية: 1431هـ-2010م.

[11] اللغة والمجاز، ص:  18.

[12] الثقافة والمنهج، سوزان حرفي، ص: 359.

[13] اللغة والمجاز، ص: 21.

[14] اللغة والمجاز، ص: 21 .

[15] اللغة والمجاز، ص: 22.

[16] اللغة والمجاز، ص: 23.

[17] الثقافة والمنهج، ص: 387-388.

[18] اللغة والمجاز، ص: 28.

[19] الثقافة والمنهج، ص: 283.

[20] اللغة والمجاز، ص: 38.

[21] اللغة والمجاز، ص: 47.

[22] اللغة والمجاز، ص: 50 .

[23] اللغة والمجاز، ص: 110.

[24] اللغة والمجاز، ص: 111.

[25] اللغة والمجاز، ص: 125.

[26] انظر اللغة والمجاز النص الذي يتحدث عن حيلة البطيخة في الصفحة 126.

[27] انظر اللغة والمجاز النص الذي يتحدث عن الحمائم والصقور والنعام ابتداء من الصفحة:  110.

[28] الثقافة  والمنهج، ص: 381.

[29] اللغة والمجاز، ص: 97.

[30] اللغة والمجاز، ص: 132 .

[31] اللغة والمجاز، ص: 133 .

[32] اللغة والمجاز، ص: 134.

[33] اللغة والمجاز، ص: 136.

[34] اللغة والمجاز، ص: 137.

[35] اللغة والمجاز، ص: 158-159.

[36] اللغة والمجاز، ص: 161.

[37] اللغة والمجاز، ص: 162.

[38] اللغة والمجاز، ص: 162.

[39] أسس السميائية، دانيال تشاندلِر، ترجمة طلال وهبة، مراجعة: ميشال زكريا، ص: 87، المنظمة العربية للترجمة-بيروت،  الطبعة الأولى: 2008.

[40] اللغة والمجاز، ص: 163.

[41] اللغة والمجاز، ص: 164.

[42] الثقافة والمنهج، ص:  371 .

[43] اللغة والمجاز، ص:177.

[44] الثقافة والمنهج، ص: 305 .

[45] إشكالية التحيز رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، عبد الوهاب المسيري، 1/112 ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1417هـ-1996م.

[46] اللغة والمجاز، ص: 197.

[47] إشكالية التحيز رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، تحرير: عبد الوهاب المسيري، 1/112-113.

[48] نفسه، 1/113-114.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق