مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

سلسلة تفريد الآي فسرا ودراسة (2)

 مقدمة

الحمد لله المتفرد بالجلال والجمال، المتوحد في العظمة والكمال، ليس فوقه أحد، ولا دون قضائه ملتحد، على نعم ظاهرة، ومنح خفيات سابلة: يعلم السرائر، ويغفر الجوائر، يقيل العثرات، ويجزي وافرا على المكرمات، فله الحمد جزيلا، وهب الكثير، ومنح الغزير: سدد فألهم، وعلم فأحكم: ▬ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا♂.

وبعد: فهذه هي الرسالة الثانية مقروءة محققة على نحو نراه مرضيا للقارئ الكريم، كما سلف في الرسالة الثانية رسالة البشارة. ولقد قلت حينها في التقديم ما أنا ناقله هـهنا كيما يطلع عليه من أراد النظر في هذه استقلالا: فقد وقع بين يدي نسخة عزيزة بخط المؤلف لرسالتين رائقتين أولاهما تناولت بالفسر والتحليل الآية 24 من سورة البقرة، والثانية في آية الخلافة رقم 29 من السورة نفسها، ولقد ترددت كثيرا في النظر فيهما وإخراجهما للقارئ الكريم في حلة لائقة؛ سيما وأن تفسير الكتاب الكريم أسهل منالا، وأجدى فائدة، وأغزر معارف للقارئ من هاتين الرسالتين ؟ فكنت أقف واجما حائرا لا ألوي على رأي حتى كان التشجيع من صديق حميم باحث مفضال مشيرا بالقيل إلى أن مثل هذه الرسائل التي وضعت في خصوص الآية والآيتين لربما كفت المتقصد لموضوعها المتزهد المتعجل في الموسوعات العلمية الزاخرة، ويسرت اطلاعه؛ إذ كانت بأسلوب يناسب القرأة فى عصرنا من خلال رصفه وطريق وضعه، ناهجة منهج السهولة والسلاسة، مع تحقيق المسائل العلمية مما اشتملت عليه الآية أو أومأت إليه من بلاغة ونحو وصرف وفقه وأصول وتوحيد إلى نحو أولئك.

وكان من المؤكدات أن التفاسير تشعبت موضوعاتها، وتباينت وجهاتها؛ إذ كتاب الله بحور زاخرة، ومدد لا ينفد، فالكل يرتشف حسب مرتامه، ويغرف ماتيسر له من اختصاصه، حتى أضحى التفسير لكتاب الله تفاسير منها:   النقلي والعقلي، واللغوي والبياني، والنحوي الصناعي، والكلامي والإشاري، والتربوي الإرشادي، والفقهي الأصولي، فلا غضاضة أن تجد الحيرة سبيلها في نفس المتهمم بكتب التفسير قديمها وحديثها؛ إذ لا سبيل لاختيار واحدة منها؛ إذ كلها تستمد من كلام الله مابه يعينها على معالجة ضرب من العلم، ولون من الفن، ولذلك وقع تفريد الآية والآيتين بالبحث والمفاتشة، اقتراء لمداليلها، واستيعابا لإشاراتها  في مثل هذه الرسائل العلمية الرائقة

ولقد وقع مثيل له أيضا في علم الحديث، إذ برزت للوجود قديما أجزاء الحديث، حتى إن الناظر في كتب التراجم والمشيخات والأثبات والبرامج ليأخذه العجب من كثرتها، وعناية الحفاظ بها، وليس ذلك إلا لأنها تحصر الموضوع في نطاق ضيق يسهل معه الاستيعاب لمروياته، ومن ذلك آداب الصحبة لأبي عبد الرحمان السلمي، وآداب النساء لعبد الملك بن حبيب، وآداب النفوس للآجري، وأحاديث السفر لأبي اليمن، وجزء أحاديث الشعر للحافظ عبد الغني المقدسي، وسواها من الأجزاء الحديثية التي تستوعب ما ورد مرويا في موضوعه.

من أجل ذلك كتبنا هذه الرسالة في تعليق وتصحيح، ومفاتشة وتسديد، ومباحثة وتصويب، مقدمين لها بترجمة ضافية لكاتبها، وحديث واف عن موضوعها وما احتفلت به من المعارف والعلوم. فدونكموها:

المبحث الأول: نبذة عن المؤلف وأسرته، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: أسرة آل البصير:

يعد شيخنا علي بن عثمان في آل البصير المتمهرين في النظر الفقهي، واللسان العربي، أئمة الفتوى في القطر الطرابلسي؛ إذ تواردوا عليها خلائف جيلا مديدا: فـ >منذ بداية العصر العثماني برزت في طرابلس هذه الأسرة الحموية الأصل: أسرة آل البصير الحنفي الحموي، وجدها الأعلى عثمان البصير الحموي، حيث تعاقب ستة من أبنائه وأحفاده وذراريه على الإفتاء بطرابلس والخطابة في جامعها الكبير ومنصب القضاء، وذلك على مدى نحو مائة وخمسين عامًا أو يزيد؛ إذ تولى علي بن عثمان البصير الحموي إفتاء طرابلس مدة أربعين عامًا إلى أن توفي سنة: 1090 هـ ما يعني أنه قدم إلى طرابلس قبل عام: 1050هـ. بعدة سنوات، وكان آخر أبناء هذه الأسرة لا يزال موجودًا في القضاء والإفتاء إلى ما بعد سنة 1180هـ .

 ولقد أتى على ذكر أبناء هذه الأسرة ثلاثة من الرحالة الذين زاروا طرابلس في القرن الثامن عشر الرومي هم على التوالي:

 الشيخ عبد الغني نابلسي في كتابيه: >الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز< و >التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية<

ورمضان العطيفي في كتابه: >رحلة إلى طرابلس الشام<.

وابن محاسن الدمشقي في كتابه: >المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية<([1]).

فصاحبنا إذن من أسرة ذات عراقة علمية ليس بها خفاء؛ يرتد أصله إلى مدينة حماه السورية، لكنه ـ كما تبدى لك ـ طاب له المقام مفتيا وقاضيا وإماما مدرسا في طرابلس الشام، ثم خلف من بعده خلف أصيل نسج على المنوال، ونهج ذات السبيل، حتى ذاع صيتهم، وطبق الآفاق سمي مكانتهم، فلا غضاضة أن يتراءى لك بها كريم الحفاوة، وخطير الاهتبال،  بشريف الكلمة، وجزيل اللفظ، وتلك الدلالة الأجلى على سمو الأرومة، وعتاقة المحتد، وإليك من ذلك نماذج تتبعت من رحلتي النابلسي رحمه الله :

فقد حلى الحفيد الأصغر بقوله: > فأقبل علينا أيضا من أعيان البلدة وفضلائها أناس كثيرون، تنشرح بهم الصدور، وتبتهج بهم العيون، منهم .. السيد الحسيب، والبارع الأديب السيد أحمد بن شيخ الإسلام السيد هبة الله المفتي يومئذ بطرابلس المحمية، فجرت عنده أبحاث شريفة وعبارات لطيفة، وجرى ذكر السيد أحمد الحموي محشي الأشباه والنظائر فأنشدنا له هذين البيتين، وقد ذكرهما في خطبة حاشيته، وهما:

كتاب لو تأمله ضرير   لعادت كريمتاه بلا ارتياب
ولو مرت حواصله بقبر   لعاد الميت حيا في التراب<([2])

ثم يبرز أثيل كرمه، وأصيل منزلته، وعميق نظره ومفاتشته، فيقول: >وقد كان دعانا حضرة سليل الأئمة الأعلام وفخر الأفاضل الكرام، السيد أحمد أفندي بن فخر المدرسين السيد هبة الله المفتي ..، فذهبنا بعد أن صلينا الظهر في محله الشريف ومقامه المنيف، فرأينا بمجلسه عدة من الأفاضل ذوي الآداب والفضائل، فجرى بيننا وبينهم أبحاث شريفة ومسائل فقهية وأدبية لطيفة، ومما أنشدنا حضرة السيد أحمد المذكور ـ لما طالعنا عنده في كتبه، ومن جملة ذلك  >البحر الرائق< المشهور ـ هذين البيتين:

على الكنز في الفقه الشروح كثيرة   بحار تفيد الطالبين لآليا
وكل بهذا البحر صارت سواقيا   ومن ورد البحر استقل السواقيا<([3])

فأنت ترى سني المقام، وعظيم المنزلة للشيخ القاضي الأجل أحمد بن هبة الله بن علي بن عثمان البصير، فهو الحسيب البارع الأديب، فخر الأفاضل الكرام، والأئمة الأعلام، من أعيان البلدة وأئمتها، فما بالك بأبيه هبة الله، أوجده صاحبنا علي بن عثمان، أو جده الأعلى عثمان البصير.

وذلك ما نتبينه هـهنا مع أبيه شيخ الإسلام ومفتي الأنام حضرة العلامة هبة الله بن علي؛ إذ حلاه في ثنايا رحلتيه بحلى تستشف من خلالها تجلة الخاصة له؛ بما أنه المفتي والخطيب لقطره، كما تناثرت له في الرحلتين محاورات ومناقشات دلت على وفير علم، وسعة اطلاع، وعميق نظر، وقوة عارضة، وسداد رأي، نقفك على نموذجين منها:

الأول قوله فيه؛ إذ شرفهم بزيارته: >ثم جاء إلى مجلسنا وشرفنا حضرة سليل العلماء الأعلام، ومرجع الخاص والعام، العالم العلامة، والبحر الفهامة، السيد هبة الله، المفتي يومئذ بطرابلس المحمية، لازالت مشرقة بطلعته السنية..وأنشدنا حين أقبل علينا من لفظه لوالده هذين البيتين:

قلبي إليكم ناظر متشوق   والطرف في أبواب كل طريق
مترقب فعسى أرى أشخاصكم   جاءت فيُلفَى فيَّ بَلُّ الريق([4])

والثاني تتبدى لك فيه سامي المكانة، وسامق المنزلة، مع شريف وقار، وقوة عارضة، وسعة اطلاع، وحميد مذاكرة، ووفير حفاوة وكرم، قال رحمه الله: >أجبنا دعوة أخينا الكامل الهمام، الحسيب النسيب، السيد هبة الله أفندي المتقدم ذكره، والفائح في طي هذه الأوراق نشره، فدخلنا من باب داره المحفوفة بالأنوار الإلهية باب السلام، فحيانا بأنواع التحيات والسلام، وجلسنا منه في قصر الرضا المطل على نهر الغضبان، ونحن في كمال السرور والمؤانسة مع الأحباب والإخوان، وطالعنا في جملة من كتبه اللطيفة، ومجاميعه الشريفة، كطبقات الإمام الشعراني المشتملة على لطائف المعاني.. والعلوم الأدبية والرقائق الغزلية، وغير ذلك من أنواع العلوم الشرعية، .. وحضر هناك عندنا جماعة من الفضلاء، الكرام النبلاء، وجرى بيننا وبينهم أبحاث علمية، ومسائل فقهية، واصطلاحات حديثية، ومطارحات أدبية، ومساجلات شعرية، وكان مما أنشدنا السيد هبة الله أفندي..<([5])

تلك نصوص تتبعت مما تناثر في رحلتي النابلسي تبين عراقة هذه الأسرة في العلم والنظر، وأصالتها في هذا الشأن تدريسا وإفتاء، خطابة وقضاء.

المطلب الثاني: علي بن عثمان البصير:

قد مضى لك أن الشيخ رأس هذه الأسرة، وواسطة عقدها، ولا أدل على ذلك مما أنشده أبناؤه من شعره، وتذاكروه من أبحاثه ودرره، ولذلك قال فيه النابلسي: > الشيخ الإمام، المحقق الهمام، الحسيب النسيب السيد علي أفندي البصير المفتي بالديار الطرابلسية، وقد أدركناه بالسن، ولم نجتمع به<([6])

اسمه ونسبه ومولده: هو الشيخ علي أفندي بن عثمان البصير الحنفي الحموي ترعرع في كنف والده العالم العلامة عثمان البصير، في بلدته حماة، وبها قضى أزهى مراحل العمر، ينهل من علم والده، ويكرع من علماء حماة وأفذاذها، حتى إذا ما استوى عوده، وقويت شكيمته، وبلغ أشده آثر الرحيل ميمما شطر طرابلس الشام مفتيا وخطيبا ومدرسا، قال المحبي: > ولد بحماة وقرأ بها، ثم رحل إلى طرابلس وعمره أربعون سنة، وتوطنها وولي الإفتاء بها مدة حياته<([7]).

وليس ثمة أحد ممن ترجم له قد عرج على ذكر سنة مولده، وقد تستشف ـ تقديرا وتقريبا ـ من خلال ما ورد أنه قدم طرابلس وعمره أربعون سنة، ثم تولى الإفتاء بها مدة أربعين سنة، حتى توفي سنة: 1090هـ، فعمره إذن هو ثمانون سنة؛ إذ قضى أربعين عاما في موطنه الأصلي حماة، ومثلها إفتاء وخطابة في طرابلس الشام. فيكون مولده سنة 1010هـ والله أعلم.

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه: بحسبنا في الإبانة عن مكانته أنه المأم في طرابلس خطابة وإفتاء، تدريسا وقضاء، فقد كان ـ رحمه الله ـ الخطيب المفلق، والشاعر المرهف، والمفتي المسدد، والمدرس المربي، قال ـ رحمه الله ـ :> قد ولج في فكري وخطر على سري عند إقرائي لـ >مغني اللبيب عن كتب الأعاريب<..<([8])، فمكانته إذن لائحة، وصيته ذائع، ومما قد يدل على بعض من مكانته تلك القصة الرائقة الرقيقة بينه وبين مفتي حلب الشاعر العلامة محمد الكواكبي([9])؛ إذ وهبه الكواكبي كتابًا فكتب على ظهره أبياتـًا مطلعها:

مِنْ مَن مَنْ مَنّ به   من فضل لطفه الخفي
على أقـل خـلقه   علي البصير الحنفي
بهـبة تمت من الـ   ـمولى الأجل المقتفي
أثر لآباء مضوا   بالعلم والفضل الوفي

فلما رآها الكواكبي كتب تحتها قوله:

أبــديعة تختـال في   حلل الجمال اليوسفي
تُنسي المشوق صبابة   ذكرى حبيب مسعف
إن مر حُلوُ حديثها   بقديم رسم قد عُفي
دبت له روح الحيا   ة دبيب صرف القرقف
أم ذاك نظم العالم الـ   مولى العلي الأشرف
أحيا ربوع أولي العلو   م بعذب نظم مُتحِف
يا فاضلا طلب العلى   قد حزته فاستوقف
إن رمتُ حصر خلالكم   ما ذاك وسع الأحرف

ثم هاك بعضا من ثناء العلماء عليه:

قال النابلسي: >شيخ الإسلام مفتي الخاص والعام السيد علي الشهير بالبصير عليه رحمة الملك القدير<([10]) ، >المحقق الهمام، الحسيب النسيب السيد علي أفندي البصير .. أدركناه بالسن، ولم نجتمع به<([11])

وقال المحبي: > كان آية باهرة في الحفظ والإتقان <([12])

وقال عمر رضا كحالة: >فقيه، نحوي، ناظم>([13])

وفي كشف الظنون: >الشيخ علي البصير الحنفي الحموى مفتي طرابلس الشام الفقيه<([14])

مؤلفاته وآثاره: له تآليف كثيرة في الفقه وغيره منها:

1- قلائد الأنحر في شرح ملتقى الأبحر في الفقه الحنفي.

2- نظم غرر الأحكام لمنلا خسرو ، في ألفي بيت، في فروع الفقه الحنفي.

3- نظم العوامل الجرجانية.

4- نظم قواعد الإعراب.

5- >الحور العين< منظوم في ألغاز الفقه، يشتمل على ألف سؤال وأجوبتها، ومفتتحه:

قول علي الحنفى المسكين   من بعد بسم الله ذي التمكين([15]).

وغان عن البيان أن المترجم كان على مذهب الأحناف  ـ كما يظهر من خلال ما سلف ـ فهو حنفي المذهب، ما تريدي المعتقد، صوفي المسلك، بكري الهوى حد الإفراط، كما يتراءى لك من  قصيدته:>مدح الصديق لحضرة الصديق<، وأولها ـ كما رواها ابنه العلامة هبة الله المفتي ـ :

بسم الله الرحمن الرحيم  يقول العبد الفقير إلى ربه القوي الغني، علي بن عثمان الضرير الحنفي الحموي: كنت في ليلة جمعة من شهر رمضان سنة اثنين وستين وألف ضيق الصدر عظيم الكرب، وقلت في نفسي: أما تمدح حضرة الصديق رضي الله تعالى عنه بأبيات، وتطلب منه الجائزة، وهي: تفريج كربك، وشرح صدرك، ثم شرعت في الأبيات ونظمت اثني عشر بيتا وأنا واضع رأسي على الوسادة، ثم غلبني النوم فنمت؛ وإذا بموكب عظيم وبينهم رجل مهاب عليه ثياب خضر والجميع حوله، فأقبل علي واحد منهم وقال لي: هذا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فنهضت وقبلت قدميه فقال لي: مرحبا بك، اقرأ القصيدة، ونعطيك الجائزة…، ثم تلا قصيدة من أربعين بيتا، هذه نماذج منها:

فرضوانك اللهم يا عالم السر   مع العزِ والإكرامِ أرواحُه تسري
إلى حضرة الصديق والصادق الذي   لقد فاز قبلاً بالإجابة للأمرِ 
ومن جاء في التنزيل إثباتُ صحبة   له، كيف لا؟ وهو الإمام أبو بكرِ
ومن جاء في آي الكتاب الذي أتى   فأعظِم بذكرٍ ذكرُه جاء في الذكر
إلى أن قال:    
فيا سيدي الصديق عبدكم الذي   تَسمى علياًّ نجلُ عثمان ذو كسر
ضعيف نحيف عاجز ومُقَصر   كثير الذنوب مثقلاتٍ على ظهر
فكن لي شفيعاً يا إمامي وعمدتي   ليُطرح عني ما عليَّ من الوزر([16])

وفـاته: اتفق كل من ترجم له على أن وفاته كانت سنة 1090هـ ودفن ـ رحمه الله ـ بجبانة الغرباء ظاهر طرابلس، بعد عطاء مديد، وفقه سديد رشيد في جامع المنصوري الكبير([17]).

المبحث الثاني: عن المؤلَّف:

المطلب الأول: توثيق نسبة الرسالة إلى المصنف:

قال المحبي:> له تآليف كثيرة في الفقه وغيره منها.. <([18]) ثم سرد مجموعة ليس منها الرسالتان، ثم نسج على منواله من ترجم له، وفي كشف الظنون: >وللشيخ علي البصير، نظم الغرر في ألفي بيت <([19]) ولم يزد.

وبذلك تكون المصادر خلوا من التنصيص عليهما تسمية أو موضوعا، وغاية الأمر دخولهما في مطوي الذكر من قول المحبي: >له تآليف كثيرة في الفقه وغيره منها<، ومع ذلك فبالمكنة محاولة توثيق نسبتهما من خلال أمور:

الأول: قوله ـ رحمه الله ـ > ولما لاح لي على دوام دولته إشارة، أحببت أن أضم إلى هذه الرسالة رسالة، كنت أمليتها في البشارة<([20]) ، ومراده رسالته في تفسير قوله تعالى: ▬وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصلحت ..♂ الآية. وبه نستفيد من النص تسمية الرسالة الأولى بالبشارة، ونسبتها إليه، كما نستفيد نسبة الأخرى كذلك من ذلك.

الثاني: تشابه الافتتاح في كلتا الرسالتين؛ إذ دأب مفتتحه قوله: > وبعد فيقول العبد الضعيف الفقير إلى مولاه القوي الغني علي بن عثمان الحنفي الحموي< كما في الرسالة الأولى، أو: > وبعد فيقول العبد الضعيف الفقير، علي الحموي الحنفي البصير <، كما في الرسالة الثانية، وفي ذلك التشابه دلالة اتحاد المخرج، ووحدة التأليف، مع التصريح بالاسم والنسب.

الثالث: يمتد هذا التشابه إلى ما وقف عليه من مفتتحات كتبه المروية عنه صحاحا، منها قوله في فاتحة نظمه >الحور العين< :

>قول عليّ الحنفيْ المسكين *** من بعد بسم الله ذي التمكين<([21]).

وكذا في تقدمته لقصيده في مدح أبي بكر الصديق: >يقول العبد الفقير إلى ربه القوي الغني، علي بن عثمان الضرير الحنفي الحموي<([22]) ومنها يقول:

 فيا سيدي الصديق عبدكم الذي *** تَسمى علياًّ نجلُ عثمان ذو كسر

وقريب منه قوله للكواكبي:

مـِنْ مَن مَنْ مَنّ به *** من فضل لطفه الخفي

عـلى أقــل خـلقه *** علي البصير الحنـفي.

المطلب الثاني: معالم الرسالة منهجا وموضوعا:

أما المنهج فقد نحا في الرسالتين منحى النظر فيما تكتنزه الآيات من جواهر الإعراب والبيان، والصرف والاشتقاق، وما يثمر ذلك من القواعد الحاكمة، والنكت العاضدة، والدرر المفيدة: فقد خاض في مسائل اللغة خوض المتمهر الحاذق مستعرضا اشتقاق ألفاظها واستعمالات العرب فيها، وشواهدها من مأثور المنثور، وذائع المنظوم، مفصلا في مسائل النحو والإعراب تفصيل من سبر أغوارها، وخاض بحارها، في إلمام بمتضارب أقوالها، ومتناثر شواردها، معرجا على الخليل وسيبويه والفراء وابن مالك والرضي وابن هشام وسواهم، وقوفا على متواتر الحرف القرائي وشاذه، فإذا لاحت له من الآيتين صور بيانية تلقفها بالإبانة والتحليل مستشهدا بالزمخشري والسكاكي والقزويني وسواهم، فإن عرضت له مسألة في أصول الدين كمفهوم الإيمان وسواه أرز إلى مذهب الأحناف والماتريدية مصوبا،  وعلى أهل الاعتزال مناقشا مفندا، فإن افترت الآيات عن أنوار ربانية، وحكم إلهية انساب في ميدان التصوف في وله النقشبدي، وتأملات ابن عربي.

وبذلك تكون الرسالتان جمهرة لعلوم شتى من فنون اللغة وطرائقها، إلى أصول الدين وبراهينه، بيد أن غالب تهممه كان بما له وطيد الصلة بفصاحة الكلمة، وأصالة بنيتها، وأناقة الأسلوب، وبراعة تركيبها، وتلك هي فنون اللغة من نحو وتصريف، واشتقاق وإعراب، وبلاغة وبيان.

وبذلك يكون على كثير من الصواب من يزعم أنهما رسالتان للتدريب والمران على التأمل والاستنباط، وصنعة البيان والإعراب … قال رحمه الله: > قد ولج في فكري وخطر على سري عند إقرائي لـ >مغني اللبيب عن كتب الأعاريب<..<([23]).  

المطلب الثالث: مصادرهما: 

وقد تقيل رحمه الله آثار من مضى من كبار أقطاب مدرسة الرأي والبيان، التي عليها مدار هذا اللون من التدبر في الخطاب؛ اعتمادا على بيان العرب في استخراج دفين معانيه، وإنشاد شريد مراميه، وتقييد أوابد أغراضه، وأولهم  الكشاف فيما له علقة بالإعراب والمعانى والبيان، والثاني: التفسير الكبير للرازي فيما يرام من الحكم والكلام والثالث: الراغب فيما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات، على أن غالب تهممه كان بالبيضاوي في >أنوار التنزيل وأسرار التأويل<، والنسفي في >مدارك التنزيل وحقائق التأويل<، مستعينا بكتب البيان كالمفتاح للسكاكي والإيضاح للقزويني، والنحو كشرح الكافية للرضي، والخلاصة لابن مالك،  غائصا على درر الفوائد، مقتنصا لضوال الفرائد، مناقشا محللا، مفندا تارة، ومتابعا أحايين كثيرة، ودونك ـ إيجازا ـ ما في تضاعيف الرسالة من ثمين النقول، ورصين الاقتباس.

 

المطلب الرابع: منهج التحقيق:

وقد كان على أشطر أربعة: قراءة وتعليق، توثيق وتنسيق: فأما القراءة فقد آثرت بعد النسخ والتحرير التأني والتأمل في كل كلم الرسالة وجملها؛ حتى إذا استوت على سوقها كان العمل في تقسيمها على فقرات تتغيى المعنى وتروم المقصود؛ ليتبدى للناظر فيها بكل جلاء ما كان قد اعتاص من جملها، أو أُشكل من كلمها، ناهيك عن لائح المراد، وبائن المرتام.

 وأما التعليق: فقد رام الإبانة عما التبك من مصطلح، والإعراب عما انبهم من معنى، والكشف عما جهل من أعلام، والمناقشة لما حقه المفاتشة من الرأي والوجهة؛ تسديدا وتقويما، اتباعا وتأييدا، في إيجاز لا يرتد على الغرض بإخلال.

وأما التوثيق فقد تهمم بالنقول عن علماء التفسير، وأرباب البيان، وأساطين لغة العرب، مرورا بما ندر هـهنا من أقاويل الفقهاء، وآراء علماء الكلام والأصول؛ عزوا لكل اقتباس إلى ذويه في مقارنة بين المنقول ومصدره. ناهيك عن التعريف بالمؤلف والمؤلف، وتوثيق نسبته إليه، وترقيم آيه، وتخريج ما كان من مرويه.

وأما التنسيق فغايته تفقير الرسالة إلى فقر تبين المراد، وتفتر عن المروم، مع عناوين فرعية أريد لها أن تكون كشافا لمضمونها، وإعرابا عن مخدراتها.

المطلب الخامس: توصيف النسخة المعتمدة:

بعد دائب بحث لما نجد إلا هذه النسخة التي بين أيدينا من المستودع الرقمي الأوربي برقم 17، ضمن مجموع يحوي الرسالتين معا: تبتدئ الأولى منهما (وهي رسالة في تفسير قوله تعالى: ▬ وإذ قال ربك للملـئكة إني جاعل في الأرض خليفة..♂) من اللوحة الأولى إلى اللوحة 14. والثانية من 15 إلى 26. بخط واحد واضح سليم جدا، قد خلا من الأخطاء، مما يغلب على الظن أنه خط المؤلف ذاته؛ مع نظام التعقيبة، واستداراكات قليلة في الهامش بذات الخط.

ولعلك واجد في نفسك التأثم من تحقيق نص على نسخة وحيدة، وتلك وجهة قد ولاها غير يسير من ذوي الشأن، ثم شاعت في الأوساط واستحسنت فكانت السبب في إقبار كثير من نصوص التراث؛ للفرادة في نسختها. وليس الأمر على ذات المهيع عند المتمهرين الحذاق من المحققين: فقد حقق الشيخ الفذ محمد بنشريفة كتاب >الذيل والتكملة< على نسخة فريدة تآكلت أطرافها، وانطمس كثير من جملها، فاجتهد في إحسان قراءتها، وتسديد ما اندرس من كلمها. وكذا صنيع الشيخ محمد رضوان الداية في تحقيق كتاب >أحكام صنعة الكلام< على نسخة فريدة سقيمة. وإنما المرد إلى تمهر المحقق، ومرانه على التراث، وحسن قراءته، وعمق فهمه للمرتام، وآية ذلك ما تجد من البون الشاسع بين سخافة تحقيق قد قوبل على نسخ تسع، ورصانة إخراج قد قرئ على نسخة أو نسختين؛ والعلة ما ذكرنا من التفاوت بين الناظرين.

فإن قيل: إنما يكون ذلك في عتق النصوص، ومستجاد التراث، وليس ذلك بمرعي ولا مرضي في الرسائل التعليمية، والنصوص الحديثة؛ إذ ليس ثمة داع إلى بذل نفيس الوقت في قراءتها، ناهيك عن محاولة إخراجها؟ وهو قيل له سداد من النحو إن انحصرت دواعي التحقيق فيما أشير إليه من العتاقة والاستجادة، والحال أن دواعي التحقيق متشعبة متناثرة: بعضها يئل إلى التراث إحياء واعتزازا. وبعضها يرتد إلى المصنف كشفا عن مغمور شخصيته، واحتفاء بعلمه وجهوده. وأخرى ترجع إلى المحقِّق تمرسا ومرانا. وغيرها تؤول إلى المحقَّق إعجابا بمضمونه، أو اهتبالا بموضوعه، أو احتفاء بطريقة تأليفه، وذلك ما نحن بسبيله هـهنا؛ إذ قصر النظر والجهد والتأمل في آية من كتاب الله، وإيراد ما فيها من الفوائد والفرائد، وما احتوته من الأحكام والعقائد، وما اشتملت عليه من الشرائد اللغوية والبيانية، من مجموع كتب التفسير والغريب، واللغة والبيان، قمين بالحفاوة، وجدير بالاهتبال، . وحسبنا أن المتعلق آية من كلام الله، ▬ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيـرات♂.

بين يدي الرسالة

بسم الله الرحمان الرحيم

حمدا لك يا موجد الوجود، وشكرا لك يا مولي النعم والجود، وصلاة وسلاما على نبيك الذي هو بالشفاعة منك موعود، ورسولك الذي حضر محاضر الإنس و رقي مَدارج معارج القدس و الشهود، وعلى آله وأصحابه الذين عاهدوك على بيع نفوسهم في مرضاتك، ووفوا بالعهود.

إهداء الرسالتين للإمام السلطان

وبعد فيقول العبد الضعيف الفقير، علي الحموي الحنفي البصير، لما انتظمت في سلك أتباع ولي النعم حضرة شيخ الإسلام، وصرت ممن يستوعب بالدعاء له الليالي والأيام، أحببت أن أقدم إلى حضرته العالية لا برحت على ممر الأزمان مستمرة باقية، أوراقا مما كنت أمليته عند الدروس، وسنح الخاطر الفاتر به فرسمه في الطروس، فتأملت ما أمليت من فكرتي الضعيفة، فرأيت منها رسالة في قوله جل جلاله: إني جاعل في الأرض خليفة♂، [البقرة:29] والمناسبة ظاهرة([24])، كيف وهو إمام العلماء وحاوي أنواع المحامد الشريفة، أدام الله  دولته وأبقى رتبته العالية منيفة، ولما لاح لي على دوام دولته إشارة، أحببت أن أضم إلى هذه الرسالة رسالة كنت أمليتها في البشارة([25])، وقصدي لذلك أن أكون في خاطره الشريف إذا لثم([26]) أناملَه إملاءُ هذا العبد الضعيف، ولا مؤاخذة؛ فإنني ألزمت نفسى بتلاوة سورة الأنعام ليلة الاثنين والخميس والجمعة، وأدعو([27]) الله لحضرتكم، دمتم منهلا للواردين وكعبة للوافدين. آمين.[ل 18]

بسم الله الرحمـن الرحيم

خطبة الرسالة

نحمدك يا من خولنا في نعمه وجوده وكرمنا بآلائه، وعمر ديننا بدعائم توحيده مذ غمر يقيننا بسعة عطائه، وأحيا قلوبنا بهباته الحقيقية الحقية لما أمات إرادتنا ومطلوبنا بالفناء([28]) في وحدته وبقائه، وفصل لنا من أنواع مننه حين فضلنا في سكان سمائه، ونصلي و نسلم على رسولك الذي أجريت الصدق على لسانه وقلبه في جميع كلامه وآرائه، وأسريت به في جنح الظلام حتى رفعته إلى العرش بجسمه وأعضائه، وعلى آله وأصحابه وخلفائه، صلاة تغاديه وتراوحه في صباحه ومسائه.

سبب تأليف الرسالة

وبعد فيقول العبد الضعيف المفتقر إلى لطف مولاه القوي الغني علي بن عثمان الضرير الحموي الحنفي: قد سألني من أعد محبته علي فرض عين، ولا أقابل مسألته إلا بعلمي الرأس والعين، عن قوله عز وجل: ▬أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء♂ قائلا: ما فائدة إعلامه تعالى لهم([29])، وقولهم ذلك لم؟

 فأحببت أن أجيبه بإملاء غير ممل فيه، على هذه الآية الكريمة مع ما تعلق بها وما تحويه، على أنني قليل البضاعة كثير الشواغل الموجب للإضاعة، فاستمديت منه سبحانه وتعالى أن يلهمني الصواب، ويبعدني عن الخطأ في الخطاب، إنه سميع مجيب، ومن الداعي قريب.

الشروع في تفسير الآية

 قال الله تعالى: وإذ قال ربك للملائكة الآية.

 تضمنت هذه الآية نعمة ثالثة؛ فإن الآيتين السابقتين لها دلتا على نعمتين:

تأويل الآية الأولى على كون الخطاب لخصوص الكفار، والسياق يعضده
الإبانة عن مناسبة الآية لما قبلها، بجامع كون ثلاثتهن نعم المنعم: حياة في الاولى، وتسخير في الثانية، واستخلاف في الثالثة.

 الأولى: نعمة الحياة في قوله تعالى: ▬كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم♂ الخطاب مع الذين كفروا؛ فإنه لما وصفهم بالكفر و توابعه من نقض الميثاق و الفساد في الأرض وغيره قبل هذه الآية بقوله تعالى: ▬و أما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا♂ إلى أن قال: ▬الذين ينقضون عهد الله♂ الآية. خاطبهم على طريق الالتفات توبيخا لهم على الكفر، وإنكارا له، مع علمهم بحال يقتضي خلاف ذلك؛ فإن الإنكار و التوبيخ إذا وجه إلى المخاطب كان أبلغ، مع أن المقصود بـ ▬كيف♂ هذا الإنكار، وهو معنى النفي، ونفي الحال، بل هي كالنكرة الواقعة في سياق النفي في إفادة العموم؛ فاستغرق الإنكار جميع حالات الكفر، [ل: 2] فالمعنى: على أي حالة تكفرون؟ ولا يصح ولا ينبغي أن توجد حالة مَّا لكفركم، وقد علمتم أنكم كنتم أمواتا؛ فإذا لم يوجد حالة مَّا لكفركم مع وجود صارف من تضمن آيات بينات، أو نعم جسام حقها أن لا يكفر بمولاها؛ فينبغي أن لا يوجد كفركم؛ لأن وجوده بلا حال محال، فإن وجد مع الصارف، فهو مظنة توبيخ و إنكار.

إعراب الآية الأولى «كيف تكفرون بالله وكنتم ….»

 والواو في: ▬وكنتم للحال يؤول مدخولها بجملة اسمية أو فعلية مأخوذ فيها العلم.

أي: وأنتم عالمون بأنكم كنتم أمواتا. أو: وقد علمتم أو تعلمون أنكم كنتم أمواتا. وهي حال من فاعل ▬تكفرون♂ ؛ وإنما يؤول بما ذكرنا؛ ليقارن مضمون الحال مضمون عامل كيف أعني: تكفرون ؛ لأن الجمل الواقعة بعد الواو هنا بعضها ماض، وبعضها مستقبل، لا يقارن مضمونها مضمونه، فلذا احتيج إلى التأويل.

 وأما أخذ العلم فيها؛ ليكون صارفا عن الكفر؛ فإن مجرد كون تلك الجملة قصة وشأنا لهم بدون اعتبار تعلق علمهم بذلك لا يوجب توبيخا، فأما كونهم كانوا أمواتا فأحياهم ثم يميتهم فهم عالمون بذلك، وأما إحياؤهم([30]) ثانيا ورجوعهم إلى الله تعالى فلتمكنهم من العلم بهما بالدلائل الواضحة الدالة عليهما، فكان العلم بهما حاصلا؛ على أنه في الآية تنبيه وإشارة إليهما تدل على صحتهما؛ فإن قدرة الله تعالى على إحيائهم أولا ليست بأهون عليه من إعادتهم ثانيا، وهو الذي يبدئ الخلق ثم يعيده و هو أهون عليه([31]).

 والأموات جمع ميت، و هو الذي لا حياة فيه ، و إنما عطف ▬فأحياكم♂ بالفاء، و ما بعده بـ ▬ثم♂ ؛ لأن نفخ الروح غير متراخ عن حصول المزاج، وفيما بعده تراخى المعطوف عن([32]) المعطوف عليه.

 والمعنى: كنتم أمواتا أي: أجساما لا حياة لها، عناصر ممتزجة منتقلة من حال إلى حال حتى استقرت على مزاج واحد قابل لنفخ الروح فيه، فأحياكم بنفخ الروح فيكم. ثم يميتكم بعد هذه الحياة بانقضاء أجلكم، ثم يحييكم في القبر للسؤال، ثم إليه ترجعون بإحيائكم([33]) يوم النشور.

 أو: ثم يحييكم يوم النشور، ثم إليه ترجعون: تصيرون بعد الحشر؛ ليجازيكم.

 ويلزم على الأول إهمال إماتتهم في القبر بعد  السؤال، إلا أن يقال: معنى ▬إليه ترجعون♂ أنهم يرجعون إليه بتلك الإماتة، وأحيا يوم النشور.

والظاهر على الثاني أنه لم يعتد بالإحياء في القبر؛ لأنه ليس زمانا يعتد به.

ولا مانع من أن يجعل قوله: ▬ثم يحييكم♂ شاملا [ل: 3] للإحياءين جميعا، والمعنى حينئد: يحييكم مرة بعد أخرى، وسياق الآية قرينة عليه.

بيان أن الخطاب في قوله: )كيف تكفرون..( يحتمل خصوص المؤمن أو الكافر، أو هما معا.

فإن قلت: يلزم على هذا الإهمال الإماتة بعد السؤال ؟

 قلت: يلزم من الإحياءين تخلل إماتة بينهما.

و يحتمل أن يكون الخطاب للفريقين: المؤمنين والكافرين([34]) المتقدم ذكرهم في الآية السابقة، أو المؤمنين خاصة.

تأويل الآية؛ بناء على أن الخطاب لخصوص المؤمنين. وغير خاف ما فيه من التكلف، والعدول عن الحقيقة إلى المجاز

 و تأويل الآية مع الكافرين ما ذكر.

 و مع المؤمنين: كيف تكفرون بالله أي: تحجبون عنه، أي: لا يتصور ذلك منكم أيها المؤمنون السائرون إلى الله، و الحال أنكم كنتم أمواتا بموت الجهل والنكرة، فأحياكم بحياة العلم والمعرفة؛ إذ الحياة في القوة الحساسة المدركة حقيقة، وفي نحو ما يخص الإنسان من عقل وعلم وإيمان مجاز؛ من حيث إنها كمالها وغايتها، والموت يقابلها، قال الله تعالى: ▬قل الله يحييكم ثم يميتكم♂ وقال تعالى: )أو من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا( [الأنعام: 123] فالأولي شاهد للحقيقية، و الثاني للمجازية.

 ثم يميتكم عن أنفسكم بالموت الإرادي الذي هو الفناء في الوحدة، ثم يحييكم بالحياة الحقيقية التي هي البقاء بعد الفناء بالوجود الموهوب الحقاني، ثم إليه ترجعون للمشاهدة.

 فتضمنت هذه الآية نعمة جسيمة هي الحياة على التأويلين([35]).

 فإن قلت: هل تعد الإماتة في قوله: ▬ ثم يميتكم♂ نعمة؟

 فالجواب أنها تعد باعتبار ما تؤول إليه وتوصل من النعيم الباقي في الآخرة نعمة جسيمة يجب معها الشكر، و يعظم عندها معصية الكفر.

تفسير الآية الثانية )هو الذي خلق لكم( بيانا للمناسبة

 وأما قوله تعالى : ▬هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا♂ فهي نعمة ثانية مرتبة على النعمة الأولى؛ إذ الانتفاع بالأرض والسماء و ما فيهما إنما يكون بعد موهبة الحياة، ومعنى ▬لكم♂ لأجلكم ولانتفاعكم في أمر دينكم و دنياكم:

نعمة الانتفاع بالأرض تشمل الدنيوي الظاهر، والدين المتمثل في الاعتبار والتفكر

 أما الانتفاع الدنيوي فظاهر.

وأما الانتفاع الديني فهو النظر والتفكر فيه، وفيما حواه من عجائب الصنع الدالة على قدرة الصانع الحكيم، و التذكر بلذات الآخرة؛ لاشتماله على أسباب الأمن واللذة من أصناف المطاعم والمشارب والفواكه والمناكح والمراكب والمناظر الحسنة.

 ومشقاتها الشاملة أنواع المكاره كالنيران والصواعق والسباع والسموم والغموم والمخاوف.

معنى «الاستواء» يدور على الاعتلاء والاستقامة والقصد والاستلاء، والمصدر مصدر.  

 والمراد بالأرض إن كان جهة السفل فما في الأرض [ل:4] يتناول الغبراء وما فيها، وإن كان المراد به الغبراء فلا يشمل إلا ما فيها؛ لأن الشيء لا يكون ظرفا لنفسه.

 والموصول مفعول ▬خلق♂ و▬جميعا♂ حال منه.

 وأما قوله: ▬ثم استوى إلى السماء♂ أي: قصد إلى([36])  خلق السماء بعد خلق الأرض، ولم يخلق بينهما شيئا آخر؛ إذ الاستواء يستعمل في الاعتدال والاستقامة، يقال: استوى([37])  العود وغيره: إذا قام واعتدل؛ إذ أصل الاستواء طلب السوي، و في الاعتدال معنى الاستواء استعير من هذا المعنى معنى >قصد<

بحث في خلق السماء والأرض، وأيهما كان الأسبق.

 وقيل: معنى ▬استوى♂ استولى وملك. و الأول أولى؛ لمناسبة الأصل؛ والتعدي بـ▬الى♂ شاهد عليه([38]).

و ظاهر هذه الآية تدل على تقدم خلق ما في الأرض على خلق السماء.

فإن قلت يعارضه آية النازعات و هي قوله تعالى: ▬ءانتم أشد خلقا أم السماء بنيها♂ إلى قوله: ▬والأرض بعد ذلك دحاها♂  [النازعات: 27 ـ 30]؛ فإنه يدل على تقدم خلق السماوات ؟

أجيب عنه بأن المتقدم على خلق السماء خلق ما في الأرض، والمتأخر خلق الأرض([39]). يخدشه: أن المظروف لا يكون بلا ظرف.

 قلت: لا تعارض أن «الأرض» في النازعات منصوبة بتقدير >تدبر< أي: تدبر الأرض بعد ذلك، ثم استأنف فقال: ▬دحاها♂ ، و بعضهم نصب «الأرض» بفعل محذوف دل عليه المذكور؛ على شريطة التفسير، و جعل الإشارة إلى ذكر بناء السماء ورفع سمكها، لا إليها، و إن علق الظرف بإضمار فعل نحو: >أقول< والإشارة إلى ذكر السماء فهو وجه.

 فإن قلت: كان([40]) خلق السماء عقب خلق ما في الأرض فورا، فما فائدة ▬ثم♂ في هذه الآية؟

 قلت: فائدتها التراخي في الرتبة لا في الوقت؛ لأن رتبة خلق السماء وفضيلته أعلى وأتم من رتبة خلق ما في الأرض؛ على طريقة الترقي.

استشكال فيما تحتمله آيات فصلت من خلق الزمان قبل المكان، والتفصي عنه بما ترى.

 فإن قلت: آيات فصلت وهي قوله تعالى:  ▬قل أينكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين♂ إلى أن قال: ▬و قدر فيها أقواتها في أربعة أيام♂، وقوله: ▬فقضيهن سبع سموات في يومين♂([41])  فهذه الآيات تدل على وجود الأيام والليالي قبل خلق ما ذكر؟

 قلت: لا شك أنه قبل خلق السماوات و الأرض لم يكن يوم ولا ليل، فالتفصي عن ذلك بما قاله العارفون: إن لليوم نسبة إلى التجلي و الظهور، كما أن لليل نسبة إلى [ل:5] الاستتار والخفاء؛ فيمكن أن يكون المراد بـ>الأيام الستة< التجليات الكلية المتفاوتة الدرجات؛ لإيجاد ما أوجد. و يكون التعبير عنها بأسماء الأيام؛ لبيان تفاوت تلك الدرجات، لا لبيان تقدم الموجودات و تأخرها بحسب الزمان.

شروع في تفسير آية الاستخلاف، بعد التمهيد لها بالآيتين السالفتين؛ إبانة لكمال تناسب الآي.

 وما روي عن الحسن([42])  ـ أنه خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر، وهي حجر على الكف في الاستدارة، عليها دخان ملتصق بها لا يتميز عنها إلا باللطافة والكثافة ثم أصعد الدخان وخلق منه السماوات، وأمسك الفهر وبسط منها الأرض؛ فذلك قوله تعالى: ▬ كانتا رتقا♂ [الأنبياء:30] وهو الإلصاق ـ يساعد ما قاله الواحدي في البسيط: > والحق أن خلق السماء مقدم على خلق الأرض، و الخلق في هذه الآية، وآية فصلت بمعنى التقدير لا بمعنى الإيجاد<([43]) وهذا وجه وجيه. وقوله: >في موضع بيت المقدس< أي: في مرتبة التقدس.

 وما تقدم من الكلام على هاتين الآيتين ذكر تمهيدا لما نحن فيه؛ فإذا قد عرفت أن النعمة الأولى هي الحياة في الآية الأولى، والثانية خلق ما في الأرض في الثانية. فقوله تعالى: ▬وإذ قال ربك للملائكة♂ نعمة ثالثة تعم الناس كلهم؛ فإن خلق آدم وتفضيله وإنعامه عليه([44])  يعم ذريته.

بحث مستفيض في إعراب «إذ» ومعناها واستعمالاتها في اللغة.

 و >إذ< اسم وضع لزمان مميز بإضافته إلى نسبة مضت، ثم قد يستعمل ظرفا لنسبة أخرى ماضية وهو الغالب، كما أن >إذا< وضع لزمان مميز بإضافته إلى نسبة مستقبلة، ويجعل ظرفا لنسبة مثلها؛ ولهذا أوجبوا إضافتها إلى الجمل، كما أن >حيث< في المكان كذلك، وبنيتا؛ لافتقارهما إلى الجملة بعدهما افتقارا أصيلا غير معارض بمانع كالموصولات.

 و قد تجعل اسما برأسه؛ فينصب على أنه مفعول به لـ >اذكر< ظاهرا كقوله ▬واذكروا إذ كنتم قليلا♂ [الأعراف:85] ومقدرا كما في هذه الآية، أي: >اذكر إذ قال ربك< والقرينة عليه مناسبة استئناف القصص، وكونه منصوبا به لفظا في القرآن مرارا نحو: ▬واذكر أخا عاد إذ انذر♂ [الأحقاف:20] فإن >إذ< بدل من >أخا<، ▬واذكروا إذ انتم♂ [الأنفال:26]  وكون الخطاب في ▬ربك♂ [ل:6] في هذا المقام للنبي × من أوضح القرائن على نصبه بـ >اذكر< مقدرا، واعتمد القاضي البيضاوي أنه منصوب أبدا على الظرفية، و أول له في مثل هذه المواضع >اذكر الحادثة أو القصة إذ كان كذا < و اعتماده معارض.

 وقال: >إنه من الظروف الغير متصرفة<([45]) معارض بما في مغني اللبيب أن: >”إذ” على أربعة أوجه:

أحدها : أن تكون اسما للزمن الماضي، و لها أربعة استعمالات:

أحدها: أن تكون مفعولا به، نحو: ▬واذكروا إذ كنتم قليلا فكثرتم♂[الأعراف:85]

 ثم قال: والثالث أن تكون بدلا من المفعول، نحو: ▬واذكر في الكتاب مريم إذ انبتذت♂  فـ>إذ<: بدل اشتمال من >مريم< على حد البدل من ▬يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه♂ [البقرة: 215].

 وقولُه تعالى: ▬ واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء♂ [المائدة:22] يحتمل كون >إذ< فيه ظرفا لـ>نعمة<، وكونها بدلا منها.

والرابع: أن يكون مضافا إليها اسم زمان: صالح للاستغناء عنه نحو: >يومئذ< و >حينئذ<، أو غير صالح له نحو قوله تعالى: ▬إذ هديتنا♂([46])   [آل عمران: 8]

 فهذا يقتضي أن قول >أبدا<([47])  مخدوش بما ذكر، وبقول الزمخشري في الكشاف عند قوله تعالى: ▬لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا♂ [آل عمران: 164] : > وقرئ: ▬لـمن منَ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم♂([48]) وفيه وجهان:

أن يراد: لمن من الله على المومنين منه، أو بعثه إذ بعث فيهم رسولا فحذف لقيام الدلالة.

 أو يكون «إذ» في محل الرفع كـ>إذا< في قولك: >أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما< أي: من من الله على المومنين وقت بعثته انتهى([49]) 

قال التفتازاني:  مبنى الوجهين على أن كلا من >إذا< و>إذ< إذا كانت تستعمل ظرفا تستعمل اسما:

 فعلى الظرفية ههنا المبتدأ المحذوف أي: منه، أو بعثه. والظرف متعلق به، و>▬ من من الله♂ خبره، والدال على المحذوف هو الخبر: إن قدر >منه<([50]) ، و الظرف إن قدر >بعثه<.

 وكذا في المثال يكون محذوفا، والظرف دال عليه، أي: أخطب كون الأمير وأوفاه حاصل إذا وجد قائما.

وعلى الاسمية لا حذف؛ لأن >إذ< مرفوع على الابتداء، و >من من< خبره، أي: >من من الله وقت بعثه< على طريقة >نهاره صائم<.

 و>إذا< مرفوع على الخبرية، أي: أخطب أوقات [ل: 7] الأمير وقت كونه قائما.

 وما ذكر من لزوم حذف الخبر بما هو على تقدير ظرفية >إذا< انتهى([51])

 و قال الشمني في المصباح: ما يقتضي أن لذلك قائلا وهو >إذ< و >إذا< لا يلزمان الظرفية، نص على ذلك سيبويه في الكتاب([52]) ، و أجاز: >إذ يقوم زيد إذا يقعد عمرو< بمعنى: وقت قيام زيد وقت قعود عمرو. فأوقع ها هنا >إذا< مبتدأ وخبرا انتهى

 لكن في نسبة هذه المقالة إلى سيبويه نظر؛ فإن ابن جني وهو إمام مطلع نقل ذلك في شرح الحماسة عن ابن عباس المبرد ولم ينسبه إلى غيره([53]).

بحث في الإبانة عن المعطوف عليه، بناء على نصب « إذ» بمقدر هو «واذكر» أو غيره، في قوله )وإذ قال ربك(.

 وأيضا الرضي إمام مطلع، ولم ينسبها إلى سيبوبه، بل قال: وعن بعضهم أن >إذا< الزمانية تقع اسما صريحا نحو: >إذ يقوم زيد إذ يقعد عمرو< أي: وقت قيام زيد وقت قعود عمرو. وإنا لم نعثر على شاهد على ذلك من كلام العرب انتهى([54])

فإن قلت: إذا كان التقدير: >واذكر< على ما العطف؟

 قلت: العطف على ▬وبشر♂ فيكون من عطف قصة على قصة، و أما ما تخلل بينهما من الآيات فمن تمام القصة الأولى و ليس بأجنبي.

 وأحسن من هذا أن يجعل عطفا على فعل مضمر مناسب للمقام مقدر بعد:  ▬و هو بكل شيء عليم♂ تقديره: فتدبروا شكر النعم في خلق السماء والأرض واذكر.

 ويجوز أن ينتصب بـ>قالوا< و تقديره حينئذ: وقالت الملائكة إذ قال ربك. فعلى هذا يكون ظرفا. واستحسن القاضي هذا الوجه فقدمه([55]).

 فإن قلت: عطفه في هذا الوجه على ما؟

 قلت: عطفها على ما قبلها قصة على قصة من غير التفات إلى تفاوت ما فيهما من الجمل إنشاء وإخبارا.

 وقيل: إنه منصوب بمضمر دل عليه مضمون الآية السابقة، تقديره: >وبدأ خلقكم إذ قال< والجملة على هذا معطوفة على الصلة في قوله : ▬ هو الذي خلق لكم♂([56])

 وقيل: إنه زائد([57]).

 وقد تستعمل للتعليل والمفاجأة مجازا، كقوله تعالى: ▬ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم♂ [الزخرف:39] أي: لأجل ظلمكم. وقوله:

> فبينما العسر إذ دارت مياسير<([58])

أي : بينما العسر موجود فاجأته([59]) المياسير.

بحث في أصل «قال» صرفيا، ومعناه، وعلاقته باللفظ والكلم والكلام والكلمة عموما وخصوصا

ومجيئها للاستقبال مجاز أيضا، ومنه قوله تعالى: ▬فسوف يعلمون إذ  الأغلال في أعناقهم♂ [غافر:71ـــــ70] .

 >قال<: فعل ماض [ل: 8] أجوف، وأصله: >قول< تحركت الواو بفتح ما قبلها قلبت([60]) ألفا.

 واشتقاقه من القول وهو اللفظ الدال على معنى، فهو أخص من اللفظ؛ إذ اللفظ يشمل المهمل والمستعمل؛ ولهذا احتاج ممن جعل اللفظ جنسا للكلمة إلى اشتراط الوضع كابن الحاجب في كافيته([61])، دون من جعل القول كابن هشام في قطره([62]).

وهو يعم الكلام والكلم والكلمة كما قال ابن مالك: >والقول عم<([63])

إن أريد بالقول هـهنا الإلهام احتمل المكالمة الحسية في العالم المثالي، والكلام النفسي في عالم الأرواح.

 ويطلق ويراد الإلهام، و هنا يحتمل الأمرين؛ لأنه إن كان في العالم المثالي فهو كالمكالمة الحسية؛ وذلك بأن يتجلى لهم الحق تجليا كتجليه لأهل الآخرة.

 وإن كان واقعا في عالم الأرواح من حيث تجردها؛ فهو كالكلام النفسي؛ فيكون قول الله لهم إلقاءه في قلوبهم المعنى المراد: وهو جعل آدم خليفة في الأرض. ويكون قولهم: >أتجعل< كناية عن عدم رضاهم و إنكارهم الناشئين عن احتجابهم عن مرتبة من هو أكمل منهم؛ لما رأوا أنفسهم وتسبيحهم فعظموهما بقولهم: ▬نحن نسبح♂ حتى نظروا إلى نقائصه، و لم يحيطوا بكمالاته.

 ▬ربك♂ الرب هو المالك، فهو:

بحث في معنى «الرب» وأصله الصرفي، وإطلاقاته اللغوية.

إما صفة مشبهة أصله فعل متعد، يقال: ربه يربه، بعد جعله لازما ـ بنقله إلى فعُل بالضم ـ يبني منه صفة مشبهة، يقال: ربه يربه ربا بفتح العين في الماضي وضمها في الحاضر([64]) : كان مالكا له، كما أن معنى >ساده< كان سيدا له.

وإما هو مصدر يوصف للمبالغة، كما يقال: زيد عدل.

 و لا يستعمل الرب مفردا لغيره تعالى إلا نادرا، ولغيره مع الإضافة، كقوله تعالى: ▬ارجع إلى ربك♂ [يوسف:50]

 فائدة: الرب في اللغة هو المصلح و السيد والمالك والثابت والمربي؛ ولهذا قال بعض العارفين: هذا الاسم يفيد إثبات خمسة أحكام للحق سبحانه و تعالى، وهي: الثبات والسيادة والإصلاح والملك والتربية.

 وإن أردت([65])  بيان إثبات وجه هذه الأشياء فراجع تفسير الفاتحة للشيخ صدر الدين القونوي.

بحث في أصل كلمة «الملائكة» واشتقاقها وأنها دائرة بين معنيي القوة والرسالة، والمصدر مصدر عنده.

 ▬للملائكة♂ الملائكة: جمع ملاك بزيادة التاء؛ لتأنيث الجمع، أو لتأكيد تأنيث الجمع؛ فإن الجمع مؤنث بدون التاء؛ لأنه بتأويل الجماعة.

 فإن قيل [ل:9]: التأنيث ليس بأمر مطلوب فكيف يؤكد؟

 قلت: كان المراد به ما قيل إنها للمبالغة كعلامة.

 ووزنه: شمائل وشمال.

 وهل اشتقاقه من مَلْك بزيادة الهمزة، يعني: الشدة والقوة. أو: الألوك والألوكة بمعنى الرسالة، وجهان، والأول أولى؛ لأنه يعم الملائكة؛ فإنهم كلهم أقوياء شديدون، ويكفيك قوله تعالى: ▬يسبحون الليل و النهار لا يفترون♂ [الأنبياء: 20] بخلاف الثاني؛ فإنه بمعنى الرسالة، وليس من الملائكة رسل إلا البعض، قال الله تعالى: ▬ يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس♂ [الحج:73]

 فإن قلت: قد قال الله تعالى أيضا: ▬جاعل الملائكة رسلا♂ [فاطر:1] فهذا يقتضي كونهم رسلا جميعا ؟

قلت: هذه الآية مخصوصة؛ توفيقا بين الآيتين؛ إذ ما من عموم إلا وله خصوص، فإطلاق الرسالة عليهم باعتبار بعضهم.

على([66])  أن الأول سالم من الزيادة و القلب؛ فإن اشتقاق ملاك من الألوكة يستدعي زيادة الميم، و قلب بين الفاء والعين؛ إذ أصله >ملاك< وقياس >مَلَك< أن يجمع على أملاك؛ كجمل وأجمال.

 قال ابن حجر : ولفظ ملك مشتق من الألوكة و هي الرسالة، و يقال لها:مالكة، والأصل فيه مالك، ثم قلب فصار ملاكا، على وزن مفعل، ثم خفف بعد قلبه و نقله حركة الهمزة إلى اللام فصار ملك وزنه فعل، و حينئد فقياس هذه جمعه على أفعال، وإنما جمعوه على ملائكة؛ لأنهم راعوا الأملاك بعد القلب وقبل أن يخفف انتهى فهذا شاهد لما قدمناه([67]).

بحث في المراد بالملائكة الذين وقعت المقاولة معهم.

 والظاهر أن المراد بالملائكة الذين وقعت مقاولة الحق سبحانه معهم هنا هم المأمورون بالسجود لآدم حتى آل أمرهم آخرا إلى الاعتراف بفضيلته.

 فإن قلت: الضمير في قوله تعالى بعد ▬فسجدوا♂ يرجع إلى الذين وقعت لهم المقاولة، أم للملائكة مطلقا؟

 قلت: يحتملهما، وقيل إليهما.

فإن قلت: هل كان إبليس داخلا فيهم؟

 قلت: نعم حقيقة أو تغليبا، وقيل: إنه خارج عنهم؛ وعلى هذا فأمره بالسجود معهم على طريق التبعية؛ فإن الأعلى إذا كان مأمورا [ل:10] بالسجود يكون الأدنى مأمورا به بالطريق الأولى.

 وعلى القول بأنه كان داخلا فيهم حقيقة، أو خارجا عنهم داخلا فيهم تغليبا، يكون استثناؤه في آية السجود متصلا. و إن كان خارجا عنهم مطلقا فمنقطع.

 والمراد بالملائكة ما عدا الملائكة المهيمين الذين منذ خلقوا هاموا في جلال الله و جماله، ولاشعور لهم بوجود العالم، فكيف بوجود آدم، كما وقع في الأحاديث النبوية.

 وقيل: ملائكة الأرض.

 وقيل: إبليس ومن كان معه في محاربة الجن؛ فإن الله أسكنهم في الأرض أولا، ففسدوا فيها، فبعث إليهم إبليس في جند من الملائكة فدمرهم وقهرهم وفرقهم في الجزائر و الجبال.

بحث في طبيعة الملائكة أهي أجساد لطيفة أم نفوس فاضلة أم جواهر مجردة..؟

 واختلفوا العقلاء([68]) في حقيقة الملائكة، فقال أكثر المتكلمين: هم أجساد لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة؛ مستدلين بأن الرسل كانوا يرونهم كذلك.

 وقالت طائفة من النصارى: هي النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للأبدان.

وزعم الحكماء: أنها جواهر مجردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة، وتنقسم إلى قسمين: قسم هم المقربون يسبحون بالليل و النهار لا يفترون. وقسم هم المدبرات أمرا، يدبرون الأمور على ما جرى به القلم الإلهي لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فمنهم سماوية ومنهم أرضية.

«جاعل» مقول «قال» ومفعولاه: في الأرض خليفة. وعُدل عن «خالق» لنكتة التعميم.

▬إني جاعل♂ مقول >قال<، و >جاعل< إما بمعنى >مصير< فيتعدى إلى مفعولين وهما: >في الأرض خليفة<، أو بمعنى >خالق< فيتعدى إلى واحد وهو: >خليفة<.

 >في الأرض< إن تعلق بـ >جاعل< فهو مفعول غير صريح، أو بمحذوف فهو حال من >خليفة< تقدم عليه؛ لأنه نكرة.

 فإن قلت: لم لا قيل >خالق< مكان ▬جاعل♂؟

 فالجواب: أن >جاعلا< أعم من الإبداع و التكوين، والإنسان مركب من المبدعات المجردة والمكونات المادية.

 فإن قلت: هل يقع الجار و المجرور مفعولا ثانيا؟([69])

 قلت: نعم؛ إذا كان أصله مع المفعول الأول مبتدأ وخبرا، و الأصل: >هنا في [ل: 11] الأرض خليفة<

بحث في معنى «خليفة»، وهل عن الله إن قصد آدم وصالحو بنيه، أو عمن سكن الأرض إن قصد العموم؟

 والخليفة: من يخلف غيره، والتاء فيه للمبالغة، والمراد به  ـ إن كان آدم وحده وهو الظاهر؛ إذ الكلام في ابتداء الخلق، أو هو مع بعض بنيه وهم الأنبياء والكمل من الأولياء الذين لهم مرتبة الخلافة ـ فالمعنى ظاهر أي : خليفة عن الله في عمارة الأرض؛ لأن الله استخلف آدم في الأرض وكذلك الأنبياء والأولياء الذين استخلفهم الله في عمارة الأرض وسياسة الناس و تكميل نفوسهم و تنفيذ أمره فيهم؛ إذ المستخلف عليهم قاصرون عن فيضه، وتلقي أمر[ه] ([70]) إلا بواسطة.

 وإن كان الخليفة كناية عن آدم وجميع بنيه فالمعنى: خليفة عمن سكنوا الأرض من قبل: ملائكة أو جنا.

أو خليفة يخلف بعضهم بعضا.

 فإن قيل: لفظ >الخليفة< مفرد، فكيف يراد به آدم مع بنيه بعضا أو كلا ؟

قلت: يحتمل أمرين:

 أحدهما: أن يكون كناية عن آدم ، واستغني به عن ذكر بنيه، كما استغنى عن مضر([71]) وهاشم عن ذكر قبيلتهما؛ لأنهما أبواهما.

 والثاني: أن يكون المراد به المجموع، باعتبار أنه مفرد اللفظ مجموع المعنى أي: من يَخلُف ويُخلَف.

فائدة خطاب الله للملائكة قبل وجود آدم مزيد تكرمة له وتشريف..
تخصيص الأرض بالذكر مع إرادة العالم كله قرينة رجحت سالف خلف في المراد بالمقاولة من الملائكة.

 وفي تخصيص الأرض بالذكر ـ وإن كان المراد خليفة في العالم كله في الحقيقة ـ إيماء إلى أن المراد بالملائكة الطاعنين في آدم ملائكةُ الأرض الذين غلبت عليهم ظلمة النشأة المقتضية للحجاب؛ لأن الطعن لا يصدر إلا ممن هو في معرض ذلك؛ إذ أهل السماوات مدبرات للعالم العلوي والسفلي، وقد غلبت النورية عليهم؛ فيعرفون شرف الإنسان الكامل ويحيطون برتبته، وإن لم يعرفوا حقيقته كما هي.

 وفائدة خطابه تعالى لهم قبل وجوده تكرمتُه بعدم مواجهته بذلك؛ لما علم منهم، و تعظيم شأنه بتلقبه بالخليفة، وتبشيرهم بوجوده، ورجحان مصالحه على مفاسده، قيل: وتعليم المشاورة لعباده.

بحث لطيف في زن الملائكة لآدم ولما يستخلف، وباعثه

 ▬قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء♂ تعجب من استخلاف من يفسد في الأرض لا إصلاحها، واختيار أهل المعصية على أهل الطاعة، واستكشاف عما خفي عليهم من الحكمة [ل: 12] فيه، و عما يزيل([72]) شبهتهم.

 فان قلت: من أين علموا ذلك حتى حكموا به؟

 قلت: إنهم لما علموا([73]) أن المجعول خليفة هو هذا النوع الأخير من الحيوان، وكانوا يشاهدون من أنواعه المتقدمة عليه وجود آثار القوة الشهوية الغضبية تنبهوا لوجودهما فيه حكموا عليه من ترتب آثارهما من الفساد والسفك و غيرهما.

 أو بإخبار من الله، أو تلق من اللوح، أو استنباط عما ثبت في علمهم أن العصمة من خواصهم، أو قياس لأحد الثقلين ـ أعني([74]) الإنس ـ على الآخر ـ أعني الجن الذين تقدموا وأفسدوا ـ .

بحث لغوي في «السفك» ومرادفاته

 فائدة: السفك والسبك والسفح والشن([75]) أنواع من الصب: فالسفك يستعمل في الدماء والدمع، والسبك: في الجواهر المذابة، و السفح: للصب من علو. و السن: الصب من فم القربة ونحوها([76]).

 ومن قرأ ▬يسفك♂ بالبناء للمجهول حذف الراجع إلى >من< أي: يسفك الدماء فيهم.

بحث في إعراب الآية، ومبنى الدماء صرفيا.

 والدماء جمع دم، بحذف اللام؛ إذ أصله: >دمو< أو: >دمي<، بدليل تصغيره على >دمي<، أو >دميو<.

>من<: يحتمل أن يكون موصولة أو موصوفة، ▬ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك♂ هذه جملة حالية مقررة لمعني التعجب والاستكشاف المذكورين، كما تقول: أتحسن إلى فلان وأنا أحق منه بالإحسان؟

بحث في معنى التسبيح والتقديس، والباء الداخلة على «حمدك»

 و>التسبيح و التقديس< من سبح في الأرض والماء، وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد.

 وقال بعض العارفين: والتسبيح تنزيه الجناب الإلهي عن النقائص ونفيها عنه، والتقديس: تنزيهه عن النقائص وعن صلاحية قبوله إياها وإمكانها فيه؛ فهو أبلغ من التسبيح؛ و لذلك أخر عنه في هذه الآية ترقيا.

 و>بحمدك< حال، أي: نسبح ونقدس حامدين، أو متلبسين([77]) بحمدك، تداركوا به إيهام إسناد التسبيح إلى أنفسهم.

 وقيل الباء للسببية؛ فيتعلق بالتسبيح، وفيه إيماء إلى أن تسبيح الحق نوعان:

 أحدهما: الثناء عليه بالصفات الثبوتية والكمالية؛ فإنه يتضمن تنزيهه عن نقائصها التي هي صفات النقصان.

 وثانيهما: الثناء عليه بالصفات [ل: 13] السلبية.

 وإلى الأول أشار بقوله: ▬نسبح بحمدك♂ ؛ فإن المتبادر منه إثبات الصفات الثبوتية الكمالية.

وإلى الثاني بقوله: ▬ونقدس لك♂ ؛ رعاية للمقابلة.

الكلام في اللام في «لك» واحتمال كونها للتعليل أو التعدية، أو الزيادة لتأكيد التعلق.

 واللام في >لك< زائدة؛ للتأكيد، أي: تأكيد تعلق التسبيح والتقديس به تعالى؛ لا لتقوية العمل؛ لأنه لا ضعف للعامل هـهنا.

وقيل: للتعليل، والمعنى: نطهر نفوسنا عن المعاصي؛ لأجلك، وفيه بعد.

الكلام في تأويل الآية تفصيلا.

 وقيل: التسبيح يتعدى بنفسه وباللام، وكذلك التقديس، واللام في >لك< على هذا المعنى متعلق بالفعلين، وكذا الحال ـ أعني >بحمدك< ـ متعلقا([78]) بهما، ومعنى الآية: أتستخلف العصاة ونحن معصومون([79]) أحق بذلك، فكأن الملائكة اطلعت على أن آدم ذو ثلاث قوى عليها مدار أمره: شهوية وغضبية يؤديان إلى الفساد وسفك الدماء، و عقلية تدعوه إلى المعرفة والطاعة، ونظروا إليها مفردة وقالوا: ما الحكمة في استخلافه وهو باعتبار تينك القوتين لا تقتضي الحكمة إيجاده، فضلا عن استخلافه، وأما باعتبار القوة العقلية فنحن نقوم بما يتوقع منها سليما عن معارضة تلك المفاسد؟ وغفلوا عن فضيلة كل واحدة من القوتين إذا صارت مهذبة مطاوعة للعقل، متمرنة على الخير كالعفة والشجاعة ومجاهدة الهوى والإنصاف.

 و كأنهم قابلوا بقولهم >نسبح< الفساد المفسر عند قوم بالشرك، وبالتقديس ـ الذي هو تطهير النفس عن الآثام ـ سفك الدماء الذي هو أعظم الأفعال الذميمة.

 ▬قال إني أعلم ما لا تعلمون♂، أي: أعلم من المصالح في جعله([80]) ما خفي عليكم: إني أعلم أن في ذريته من يطيعني و يعبدني من الأنبياء والأولياء، وإني أعلم أن فيكم من يعصيني كإبليس وجنوده.

 وقيل: إني أعلم أنهم يذنبون وأنا أغفر لهم. ذكره البغوى([81]).

 فإن قلت: هلا بين ذلك لهم؟

 قلت: كفى العباد أن يعلموا أن أفعال الله كلها حسنة، وهذا مجمل بين بعضه بالآية بعده.

فائدة في الإدغام الكبير لأبي عمرو البصري.

 فائدة: اجتمع في هذه الآية أربع([82]) إدغامات: إدغامان متقاربان، وإدغامان [ل: 14] مثلان: فالمتقاربان اللام في الراء في قوله: ▬وإذ قال ربك♂ والكاف في القاف في قوله : ▬لك قال♂. و المثلان: النون بالنون في قوله: ▬نحن نسبح لك♂ والميم بالميم في قوله: ▬أعلم ما لا تعلمون♂ والله أعلم بالصواب والحمد لله وحده و صلى الله و سلم على نبيه محمد عبده و رسوله و على آله و أصحابه و أتباعه و ذريته وسلم تسليما كثيرا.

 


([1]) آثار طرابلس الإسلامية دراسات في التاريخ والعمارة للدكتور عمر عبد السلام تدمري:  دار الإيمان طرابلس.

([2]) التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية للشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي: 49

([3]) نفسه: 86

([4])التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية : 52

([5]) الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز:71، وشبيه به قوله في التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية (59): >ثم سرنا فزرنا حضرة السيد العلامة والبحر الفهامة السيد هبة الله أفندي المفتي المتقدم ذكره، لازال يعبق فينا نشره، وكان محله محفوظا بالأفاضل، وبالكمالات والفواضل، فجرت بيننا وبينهم أبحاث علمية، ومسائل فقهية، وأحاديث نبوية، ولطائف أدبية، وأنشدنا أشعارا رقيقة، وأبياتا رائقة أنيقة، وكان مما أنشدنا حضرة السيد هبة الله المفتي من لفظه لوالده شيخ الإسلام مفتي الخاص والعام السيد علي الشهير بالبصير عليه رحمة الملك القدير خطبة كتابه المسمى >بحور العين نظم الدرر والغرر في فقه الحنفية..<.  

([6]) الحقيقة والمجاز:69

([7]) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر  للمحبي: 3/ 201.

([8])  لوحة: 15، من الرسالة الأولى.

([9])  محمد بن الحسن الكواكبي مفتي حلب  (ت: 1090هـ ) ترجم له المحبي في نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة: 662.

([10]) التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية: 59

([11]) الحقيقة والمجاز:69

([12])  خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي: 3/201.

([13])  معجم المؤلفين:7/44.

([14])  كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لمصطفى بن عبد الله حاجي خليفة: 3/ 401

([15])  ن خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي: 3/201.

([16]) الحقيقة والمجاز للنابلسي:71

([17])  ن ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي : 3/201. معجم المؤلفين: 7/44. كشف الظنون: 3/401. وشذرات متناثرة في:  >التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية<، و>الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز<.

([18])   خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي: 3/201.

([19])  كشف الظنون للمرعشي: 3/ 401

([20]) لوحة 17 من الرسالة الثانية

([21])  خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي: 3/201.

([22]) الحقيقة والمجاز للنابلسي:71

([23])  لوحة: 15، من الرسالة الأولى.

([24]) من جهة أن المخاطب من ذوي السلطان والخلافة.

([25]) يومئ إلى الرسالة المتقدمة في تفسير قوله تعالى:▬ وبشر الذين ءامنوا…♂.

([26]) في المخطوط: >لتم< بالمهملة فوق، والجملة بحاجة إلى تأمل.

([27]) كذا بالمخطوط: >وأدعو< بالعطف، وله وجه متكلف، والأظهر بلا عطف.

([28]) >بالفناء< استدركت في هامش المخطوط

([29]) >لهم< مستدركة في هامش المخطوط

([30]) في المخطوط: >أحياهم<، ولعلها كما أثبتنا

([31]) اقتباس من قوله تعالى: ▬ وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه..♂ الروم:26

([32]) في المخطوط: >على<، صحح في الهامش

([33]) في المخطوط: باحياكم

([34]) راجع ما تقدم في كون الخطاب خاصا بالكافرين.

([35])  يعني: كونها خطابا لخصوص الكافرين، أو المؤمنين، أو لهما.

([36]) >إلى< مستدركة في الهامش.

([37]) >استوى< مستدركة في الهامش.

([38])قال أبو جعفر الطبري: > الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاء شباب الرجل وقوته، فيقال، إذا صار كذلك: قد استوى الرجل. ومنها استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره. إذا استقام بعد أود..  ومنها: الإقبال على الشيء يقال: استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه. ومنها. الاحتياز والاستيلاء، كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها. ومنها: العلو والارتفاع، كقول القائل، استوى فلان على سريره. يعني به علوه عليه. وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: ▬ثم استوى إلى السماء فسواهن♂، علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سموات< جامع البيان في تأويل القرآن: 1/429.

([39]) >الأرض< مستدركة من هامش المخطوط

([40]) كذا، على الإخبار المقصود به الاستخبار، وتقديره: إن كان..

([41]) سورة فصلت: الآيات: 8، 9، 10

([42]) ن تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن  للعلامة محمد الأمين الهرري الشافعي: 1/ 263

([43])التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي (ت: 468 هـ):.تحقيق: مجموعة من الباحثين. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.ط1، 1430هـ ن:

([44]) >عليه< مستدركة من هامش النسخة.

([45]) قال البيضاوي: > ومحلهما ـ يعني  >إذ<  و>إذا< ـ النصب أبدا بالظرفية؛ فإنهما من الظروف الغير المتصرفة؛ لما ذكرناه، وأما قوله تعالى: ▬واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف♂  ونحوه فعلى تأويل:  اذكر الحادث إذا كان كذا< . أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 1/277.

([46]) مغني اللبيب: 1/94،95. بتصرف.

([47])  يعني  قول البيضاوي: >النص أبدا على الظرفية<.

([48]) قال أبو حيان: >وقرىء شاذاً : لمن منّ الله على المؤمنين بـ >من< الجارة و>من< مجرور بها< البحر المحيط: 3/81.

([49]) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل:1/477.  بتصرف يسير.

([50]) >منه< مسستدركة في الهامش.

([51]) حاشية التفتازاني على الكشاف.

([52]) الكتاب لسيبويه.

([53]) ن للتوسع ن مغني اللبيب لابن هشام: الفصل الأول في خروجها عن الظرفية. 1/109.

([54]) شرح الرضى على كافية ابن الحاجب 4/136، مع اختلاف يسير في العبارة، ونصه في شرح الكافية: > تقع اسما صريحا في نحو : إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو.. وأنا لم أعثر لهذا على شاهد من كلام العرب<.

([55]) قال البيضاوي: >وعامله في الآية: >قالوا<،  أو >اذكر<….< ن أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 1/278.

([56]) قال البيضاوي: >أو مضمر دل عليه مضمون الآية المتقدمة مثل: وبدأ خلقكم إذ قال،  وعلى هذا فالجملة معطوفة على ▬خلق لكم♂ داخلة في حكم الصلة< نفسه.

([57]) قال البيضاوي:  >وعن معمر أنه مزيد..< نفسه:1/279.

([58]) عجز بيت للشاعر جبلة العذري عبد المسيح بن بقيلة كما في الحماسة البصرية() وصدره:

> استقدر الله خيرا وارضين به<

 وهو من شواهد الكتاب: (3/528)، والمغني لابن هشام(1/98) وسواهما، والشاهد فيه ما قال ابن هشام:>والرابع أن تكون للمفاجأة، نص على ذلك سيبويه، وهي الواقعة بعد >بينا< أو >بينما<…ثم قال ـ معلقا على محل الشاهد ـ وهل هي ظرف مكان أو زمان أو حرف بمعنى المفاجأة ، أو حرف توكيد، أي: زائد؟ أقوال…< مغني اللبيب:1/98.

([59]) في المخطوط: >فاجئية<. ولعل الأليق ما أثبت.

([60]) كذا، والمتعارف: >فقلبت<، وهو الأوفق.

([61]) قال ابن الحاجب :>الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد< شرح الكافية للرضي:1/5.

([62]) قال في قطر الندى وبل الصدى: ص 5 >الكلمة قول مفرد<

([63])توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك للمرادي: (1/ 274)

([64]) في المخطوط: >في الغابر<، ولعل ماأثبت الأليق.

([65]) >أردت< مستدركة من الهامش.

([66]) وجه آخر؛ لترجيح معنى القوة على معنى الرسالة في اشتقاق الملائكة.

([67])فتح الباري لابن حجر: 6/ 306 بتصرف منه. وحاصل المسألة: أن  >أصل ملك مألك، ثم قلبت الهمزة قلبا مكانيا فردت في موضع اللام فصارت >ملْأك<، فأصل وزنه مفعل مقلوب إلى معفل، ثم ألقيت حركة الهمزة على اللام فصارت >مَلَك<، فلما جمع رد إلى أصله بعد القلب؛ فلذلك وقعت الهمزة بعد اللام في ملائكة، ولو جمع على أصله قبل القلب لقلت: >مآلكة< على مفاعله، فملائكة: وزنه معافلة، وأصله: مفاعلة، فالهمزة فاء الفعل في أصله، واللام عين الفعل، والكاف لام الفعل؛ لأنه مشتق من >مألكت<،  من الألوكة وهي الرسالة. وقال ابن كيسان: هو مشتق من >ملَكْت<، فالهمزة زائدة عنده كزيادتها في شمأل؛ فيكون وزن ملك فعل، ووزن ملائكة فعائلة؛ لأن الميم أصلية، والهمزة زائدة. وقال أبو عبيد: هو مشتق من >لَأَك< إذا أرسل، فالهمزة عين، ولا قلب فيه على قول أبي عبيد< مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي: 1/36 .

 

([68]) كذا على لغة: ▬وأسروا النجوى الذين ظلموا♂، و ▬يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل..♂  و >أكلوني البراغيث<.

([69])  يريد المفعول الثاني لـ >جاعل< بمعنى >مصير< وهو: > في الأرض<

([70]) زيادة اقتضاها مساق الكلام.

([71])  كتبت الكلمة في النسخة هكذا: >عنصر<، والتصويب من تفسير النسفي: 1/40.دار الكتاب العربي.

([72]) كأنها في المخطوط: >يزيد< والظاهر المثبت.

([73]) >علموا< مستدركة من هامش المخطوطة.

([74]) >أعني< مستدركة من الهامش

([75]) في المخطوط: >السن< بالسين المهملة، والتصويب من >أنوار التنزيل وأسرار التأويل< للبيضاوي: 1/283.

([76]) > ونحوها < من هامش المخطوطة. ن تفسير البيضاوي المتقدم.

([77]) كتبت كلمة >متلبسين< في المخطوط هكذا: >متلبيين< فما أدري ما هي؟ فصوبت إلى ما ترى.

([78]) كذا بالنصب، على أنه حال من >الحال<؟ والأظهر الرفع على الإخبار.

([79]) كذا: >معصومون<، ولعل الأليق أحد وجهين: >معصومين< على الحالية، أو >المعصومون< على البدل ونحوه، ويجوز: >المعصومين< على الاختصاص. والله أعلم.

([80]) أي: في جعله >خليفة<: والظاهر سقوطها، و يبعد الاستغناء عنها؛ لمعلوميتها.

([81]) معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت 516): 1/33،  تح محمد عبد الله النمر وصاحبيه، دار طيبة، ط3، 2010.

([82]) كذا، ولعله: أربعة، على الذائع في النحو. ومراده بالإدغام هاهنا الكبير لأبي عمرو، أو لراويه السوسي، كما هو معلوم.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

د. عبد الهادي السلي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق