مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

سلسلة تفريد الآي فسرا ودراسة (1)

إن « الإنسان وإن زعم في الأمر أنه أدركه وقتله علما، لا يأتي عليه الزمان إلا وقد عقل فيه ما لم يكن عقل، وأدرك من علمه ما لم يكن أدرك قبل ذلك، كل أحد يشاهد ذلك من نفسه عيانا..»الاعتصام: 2/ 835

   قال الإمام أبو عمرو بن العلاء: «إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال».السبعة لابن مجاهد: 48

 

مقدمة

الحمد لله المتفرد بالجلال والجمال، المتوحد في العظمة والكمال، ليس فوقه أحد، ولا دون قضائه ملتحد، على نعم ظاهرة، ومنح خفيات سابلة: يعلم السرائر، ويغفر الجوائر، يقيل العثرات، ويجزي وافرا على المكرمات، فله الحمد جزيلا، وهب الكثير، ومنح الغزير: سدد فألهم، وعلم فأحكم: ▬ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا♂.

وبعد: فقد وقع بين يدي نسخة عزيزة بخط المؤلف لرسالتين رائقتين أولاهما تناولت بالفسر والتحليل الآية 24 من سورة البقرة، والثانية في آية الخلافة رقم 29 من السورة نفسها، ولقد ترددت كثيرا في النظر فيهما وإخراجهما للقارئ الكريم في حلة لائقة؛ سيما وأن تفسير الكتاب الكريم أسهل منالا، وأجدى فائدة، وأغزر معارف للقارئ من هاتين الرسالتين ؟ فكنت أقف واجما حائرا لا ألوي على رأي حتى كان التشجيع من صديق حميم باحث مفضال مشيرا بالقيل إلى أن مثل هذه الرسائل التي وضعت في خصوص الآية والآيتين لربما كفت المتقصد لموضوعها المتزهد المتعجل في الموسوعات العلمية الزاخرة، ويسرت اطلاعه؛ إذ كانت بأسلوب يناسب القرأة فى عصرنا من خلال رصفه وطريق وضعه، ناهجة منهج السهولة والسلاسة، مع تحقيق المسائل العلمية مما اشتملت عليه الآية أو أومأت إليه من بلاغة ونحو وصرف وفقه وأصول وتوحيد إلى نحو أولئك.

وكان من المؤكدات أن التفاسير تشعبت موضوعاتها، وتباينت وجهاتها؛ إذ كتاب الله بحور زاخرة، ومدد لا ينفد، فالكل يرتشف حسب مرتامه، ويغرف ماتيسر له من اختصاصه، حتى أضحى التفسير لكتاب الله تفاسير منها:   النقلي والعقلي، واللغوي والبياني، والنحوي الصناعي، والكلامي والإشاري، والتربوي الإرشادي، والفقهي الأصولي، فلا غضاضة أن تجد الحيرة سبيلها في نفس المتهمم بكتب التفسير قديمها وحديثها؛ إذ لا سبيل لاختيار واحدة منها؛ إذ كلها تستمد من كلام الله مابه يعينها على معالجة ضرب من العلم، ولون من الفن، ولذلك وقع تفريد الآية والآيتين بالبحث والمفاتشة، اقتراء لمداليلها، واستيعابا لإشاراتها  في مثل هذه الرسائل العلمية الرائقة

ولقد وقع مثيل له أيضا في علم الحديث، إذ برزت للوجود قديما أجزاء الحديث، حتى إن الناظر في كتب التراجم والمشيخات والأثبات والبرامج ليأخذه العجب من كثرتها، وعناية الحفاظ بها، وليس ذلك إلا لأنها تحصر الموضوع في نطاق ضيق يسهل معه الاستيعاب لمروياته، ومن ذلك آداب الصحبة لأبي عبد الرحمان السلمي، وآداب النساء لعبد الملك بن حبيب، وآداب النفوس للآجري، وأحاديث السفر لأبي اليمن، وجزء أحاديث الشعر للحافظ عبد الغني المقدسي، وسواها من الأجزاء الحديثية التي تستوعب ما ورد مرويا في موضوعه.

من أجل ذلك كتبنا هذه الرسالة في تعليق وتصحيح، ومفاتشة وتسديد، ومباحثة وتصويب، مقدمين لها بترجمة ضافية لكاتبها، وحديث واف عن موضوعها وما احتفلت به من المعارف والعلوم. فدونكموها:

 

المبحث الأول: نبذة عن المؤلف وأسرته، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: أسرة آل البصير:

يعد شيخنا علي بن عثمان في آل البصير المتمهرين في النظر الفقهي، واللسان العربي، أئمة الفتوى في القطر الطرابلسي؛ إذ تواردوا عليها خلائف جيلا مديدا: فـ >منذ بداية العصر العثماني برزت في طرابلس هذه الأسرة الحموية الأصل: أسرة آل البصير الحنفي الحموي، وجدها الأعلى عثمان البصير الحموي، حيث تعاقب ستة من أبنائه وأحفاده وذراريه على الإفتاء بطرابلس والخطابة في جامعها الكبير ومنصب القضاء، وذلك على مدى نحو مائة وخمسين عامًا أو يزيد؛ إذ تولى علي بن عثمان البصير الحموي إفتاء طرابلس مدة أربعين عامًا إلى أن توفي سنة: 1090 هـ ما يعني أنه قدم إلى طرابلس قبل عام: 1050هـ. بعدة سنوات، وكان آخر أبناء هذه الأسرة لا يزال موجودًا في القضاء والإفتاء إلى ما بعد سنة 1180هـ .

 ولقد أتى على ذكر أبناء هذه الأسرة ثلاثة من الرحالة الذين زاروا طرابلس في القرن الثامن عشر الرومي هم على التوالي:

 الشيخ عبد الغني نابلسي في كتابيه: >الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز< و >التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية<

ورمضان العطيفي في كتابه: >رحلة إلى طرابلس الشام<.

وابن محاسن الدمشقي في كتابه: >المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية<([1]).

فصاحبنا إذن من أسرة ذات عراقة علمية ليس بها خفاء؛ يرتد أصله إلى مدينة حماه السورية، لكنه ـ كما تبدى لك ـ طاب له المقام مفتيا وقاضيا وإماما مدرسا في طرابلس الشام، ثم خلف من بعده خلف أصيل نسج على المنوال، ونهج ذات السبيل، حتى ذاع صيتهم، وطبق الآفاق سمي مكانتهم، فلا غضاضة أن يتراءى لك بها كريم الحفاوة، وخطير الاهتبال،  بشريف الكلمة، وجزيل اللفظ، وتلك الدلالة الأجلى على سمو الأرومة، وعتاقة المحتد، وإليك من ذلك نماذج تتبعت من رحلتي النابلسي رحمه الله :

فقد حلى الحفيد الأصغر بقوله: > فأقبل علينا أيضا من أعيان البلدة وفضلائها أناس كثيرون، تنشرح بهم الصدور، وتبتهج بهم العيون، منهم .. السيد الحسيب، والبارع الأديب السيد أحمد بن شيخ الإسلام السيد هبة الله المفتي يومئذ بطرابلس المحمية، فجرت عنده أبحاث شريفة وعبارات لطيفة، وجرى ذكر السيد أحمد الحموي محشي الأشباه والنظائر فأنشدنا له هذين البيتين، وقد ذكرهما في خطبة حاشيته، وهما:

كتاب لو تأمله ضرير   لعادت كريمتاه بلا ارتياب
ولو مرت حواصله بقبر   لعاد الميت حيا في التراب<([2])

ثم يبرز أثيل كرمه، وأصيل منزلته، وعميق نظره ومفاتشته، فيقول: >وقد كان دعانا حضرة سليل الأئمة الأعلام وفخر الأفاضل الكرام، السيد أحمد أفندي بن فخر المدرسين السيد هبة الله المفتي ..، فذهبنا بعد أن صلينا الظهر في محله الشريف ومقامه المنيف، فرأينا بمجلسه عدة من الأفاضل ذوي الآداب والفضائل، فجرى بيننا وبينهم أبحاث شريفة ومسائل فقهية وأدبية لطيفة، ومما أنشدنا حضرة السيد أحمد المذكور ـ لما طالعنا عنده في كتبه، ومن جملة ذلك  >البحر الرائق< المشهور ـ هذين البيتين:

على الكنز في الفقه الشروح كثيرة   بحار تفيد الطالبين لآليا
وكل بهذا البحر صارت سواقيا   ومن ورد البحر استقل السواقيا<([3])

فأنت ترى سني المقام، وعظيم المنزلة للشيخ القاضي الأجل أحمد بن هبة الله بن علي بن عثمان البصير، فهو الحسيب البارع الأديب، فخر الأفاضل الكرام، والأئمة الأعلام، من أعيان البلدة وأئمتها، فما بالك بأبيه هبة الله، أوجده صاحبنا علي بن عثمان، أو جده الأعلى عثمان البصير.

وذلك ما نتبينه هـهنا مع أبيه شيخ الإسلام ومفتي الأنام حضرة العلامة هبة الله بن علي؛ إذ حلاه في ثنايا رحلتيه بحلى تستشف من خلالها تجلة الخاصة له؛ بما أنه المفتي والخطيب لقطره، كما تناثرت له في الرحلتين محاورات ومناقشات دلت على وفير علم، وسعة اطلاع، وعميق نظر، وقوة عارضة، وسداد رأي، نقفك على نموذجين منها:

الأول قوله فيه؛ إذ شرفهم بزيارته: >ثم جاء إلى مجلسنا وشرفنا حضرة سليل العلماء الأعلام، ومرجع الخاص والعام، العالم العلامة، والبحر الفهامة، السيد هبة الله، المفتي يومئذ بطرابلس المحمية، لازالت مشرقة بطلعته السنية..وأنشدنا حين أقبل علينا من لفظه لوالده هذين البيتين:

قلبي إليكم ناظر متشوق   والطرف في أبواب كل طريق
مترقب فعسى أرى أشخاصكم   جاءت فيُلفَى فيَّ بَلُّ الريق([4])

والثاني تتبدى لك فيه سامي المكانة، وسامق المنزلة، مع شريف وقار، وقوة عارضة، وسعة اطلاع، وحميد مذاكرة، ووفير حفاوة وكرم، قال رحمه الله: >أجبنا دعوة أخينا الكامل الهمام، الحسيب النسيب، السيد هبة الله أفندي المتقدم ذكره، والفائح في طي هذه الأوراق نشره، فدخلنا من باب داره المحفوفة بالأنوار الإلهية باب السلام، فحيانا بأنواع التحيات والسلام، وجلسنا منه في قصر الرضا المطل على نهر الغضبان، ونحن في كمال السرور والمؤانسة مع الأحباب والإخوان، وطالعنا في جملة من كتبه اللطيفة، ومجاميعه الشريفة، كطبقات الإمام الشعراني المشتملة على لطائف المعاني.. والعلوم الأدبية والرقائق الغزلية، وغير ذلك من أنواع العلوم الشرعية، .. وحضر هناك عندنا جماعة من الفضلاء، الكرام النبلاء، وجرى بيننا وبينهم أبحاث علمية، ومسائل فقهية، واصطلاحات حديثية، ومطارحات أدبية، ومساجلات شعرية، وكان مما أنشدنا السيد هبة الله أفندي..<([5])

تلك نصوص تتبعت مما تناثر في رحلتي النابلسي تبين عراقة هذه الأسرة في العلم والنظر، وأصالتها في هذا الشأن تدريسا وإفتاء، خطابة وقضاء.

المطلب الثاني: علي بن عثمان البصير:

قد مضى لك أن الشيخ رأس هذه الأسرة، وواسطة عقدها، ولا أدل على ذلك مما أنشده أبناؤه من شعره، وتذاكروه من أبحاثه ودرره، ولذلك قال فيه النابلسي: > الشيخ الإمام، المحقق الهمام، الحسيب النسيب السيد علي أفندي البصير المفتي بالديار الطرابلسية، وقد أدركناه بالسن، ولم نجتمع به<([6])

اسمه ونسبه ومولده: هو الشيخ علي أفندي بن عثمان البصير الحنفي الحموي ترعرع في كنف والده العالم العلامة عثمان البصير، في بلدته حماة، وبها قضى أزهى مراحل العمر، ينهل من علم والده، ويكرع من علماء حماة وأفذاذها، حتى إذا ما استوى عوده، وقويت شكيمته، وبلغ أشده آثر الرحيل ميمما شطر طرابلس الشام مفتيا وخطيبا ومدرسا، قال المحبي: > ولد بحماة وقرأ بها، ثم رحل إلى طرابلس وعمره أربعون سنة، وتوطنها وولي الإفتاء بها مدة حياته<([7]).

وليس ثمة أحد ممن ترجم له قد عرج على ذكر سنة مولده، وقد تستشف ـ تقديرا وتقريبا ـ من خلال ما ورد أنه قدم طرابلس وعمره أربعون سنة، ثم تولى الإفتاء بها مدة أربعين سنة، حتى توفي سنة: 1090هـ، فعمره إذن هو ثمانون سنة؛ إذ قضى أربعين عاما في موطنه الأصلي حماة، ومثلها إفتاء وخطابة في طرابلس الشام. فيكون مولده سنة 1010هـ والله أعلم.

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه: بحسبنا في الإبانة عن مكانته أنه المأم في طرابلس خطابة وإفتاء، تدريسا وقضاء، فقد كان ـ رحمه الله ـ الخطيب المفلق، والشاعر المرهف، والمفتي المسدد، والمدرس المربي، قال ـ رحمه الله ـ :> قد ولج في فكري وخطر على سري عند إقرائي لـ >مغني اللبيب عن كتب الأعاريب<..<([8])، فمكانته إذن لائحة، وصيته ذائع، ومما قد يدل على بعض من مكانته تلك القصة الرائقة الرقيقة بينه وبين مفتي حلب الشاعر العلامة محمد الكواكبي([9])؛ إذ وهبه الكواكبي كتابًا فكتب على ظهره أبياتـًا مطلعها:

مِنْ مَن مَنْ مَنّ به   من فضل لطفه الخفي
على أقـل خـلقه   علي البصير الحنفي
بهـبة تمت من الـ   ـمولى الأجل المقتفي
أثر لآباء مضوا   بالعلم والفضل الوفي

فلما رآها الكواكبي كتب تحتها قوله:

أبــديعة تختـال في   حلل الجمال اليوسفي
تُنسي المشوق صبابة   ذكرى حبيب مسعف
إن مر حُلوُ حديثها   بقديم رسم قد عُفي
دبت له روح الحيا   ة دبيب صرف القرقف
أم ذاك نظم العالم الـ   مولى العلي الأشرف
أحيا ربوع أولي العلو   م بعذب نظم مُتحِف
يا فاضلا طلب العلى   قد حزته فاستوقف
إن رمتُ حصر خلالكم   ما ذاك وسع الأحرف

ثم هاك بعضا من ثناء العلماء عليه:

قال النابلسي: >شيخ الإسلام مفتي الخاص والعام السيد علي الشهير بالبصير عليه رحمة الملك القدير<([10]) ، >المحقق الهمام، الحسيب النسيب السيد علي أفندي البصير .. أدركناه بالسن، ولم نجتمع به<([11])

وقال المحبي: > كان آية باهرة في الحفظ والإتقان <([12])

وقال عمر رضا كحالة: >فقيه، نحوي، ناظم>([13])

وفي كشف الظنون: >الشيخ علي البصير الحنفي الحموى مفتي طرابلس الشام الفقيه<([14])

مؤلفاته وآثاره: له تآليف كثيرة في الفقه وغيره منها:

1- قلائد الأنحر في شرح ملتقى الأبحر في الفقه الحنفي.

2- نظم غرر الأحكام لمنلا خسرو ، في ألفي بيت، في فروع الفقه الحنفي.

3- نظم العوامل الجرجانية.

4- نظم قواعد الإعراب.

5- >الحور العين< منظوم في ألغاز الفقه، يشتمل على ألف سؤال وأجوبتها، ومفتتحه:

قول علي الحنفى المسكين   من بعد بسم الله ذي التمكين([15]).

وغان عن البيان أن المترجم كان على مذهب الأحناف  ـ كما يظهر من خلال ما سلف ـ فهو حنفي المذهب، ما تريدي المعتقد، صوفي المسلك، بكري الهوى حد الإفراط، كما يتراءى لك من  قصيدته:>مدح الصديق لحضرة الصديق<، وأولها ـ كما رواها ابنه العلامة هبة الله المفتي ـ :

بسم الله الرحمن الرحيم  يقول العبد الفقير إلى ربه القوي الغني، علي بن عثمان الضرير الحنفي الحموي: كنت في ليلة جمعة من شهر رمضان سنة اثنين وستين وألف ضيق الصدر عظيم الكرب، وقلت في نفسي: أما تمدح حضرة الصديق رضي الله تعالى عنه بأبيات، وتطلب منه الجائزة، وهي: تفريج كربك، وشرح صدرك، ثم شرعت في الأبيات ونظمت اثني عشر بيتا وأنا واضع رأسي على الوسادة، ثم غلبني النوم فنمت؛ وإذا بموكب عظيم وبينهم رجل مهاب عليه ثياب خضر والجميع حوله، فأقبل علي واحد منهم وقال لي: هذا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فنهضت وقبلت قدميه فقال لي: مرحبا بك، اقرأ القصيدة، ونعطيك الجائزة…، ثم تلا قصيدة من أربعين بيتا، هذه نماذج منها:

فرضوانك اللهم يا عالم السر   مع العزِ والإكرامِ أرواحُه تسري
إلى حضرة الصديق والصادق الذي   لقد فاز قبلاً بالإجابة للأمرِ 
ومن جاء في التنزيل إثباتُ صحبة   له، كيف لا؟ وهو الإمام أبو بكرِ
ومن جاء في آي الكتاب الذي أتى   فأعظِم بذكرٍ ذكرُه جاء في الذكر
إلى أن قال:    
فيا سيدي الصديق عبدكم الذي   تَسمى علياًّ نجلُ عثمان ذو كسر
ضعيف نحيف عاجز ومُقَصر   كثير الذنوب مثقلاتٍ على ظهر
فكن لي شفيعاً يا إمامي وعمدتي   ليُطرح عني ما عليَّ من الوزر([16])

وفـاته: اتفق كل من ترجم له على أن وفاته كانت سنة 1090هـ ودفن ـ رحمه الله ـ بجبانة الغرباء ظاهر طرابلس، بعد عطاء مديد، وفقه سديد رشيد في جامع المنصوري الكبير([17]).

 

المبحث الثاني: عن المؤلَّف:

المطلب الأول: توثيق نسبة الرسالة إلى المصنف:

قال المحبي:> له تآليف كثيرة في الفقه وغيره منها.. <([18]) ثم سرد مجموعة ليس منها الرسالتان، ثم نسج على منواله من ترجم له، وفي كشف الظنون: >وللشيخ علي البصير، نظم الغرر في ألفي بيت <([19]) ولم يزد.

وبذلك تكون المصادر خلوا من التنصيص عليهما تسمية أو موضوعا، وغاية الأمر دخولهما في مطوي الذكر من قول المحبي: >له تآليف كثيرة في الفقه وغيره منها<، ومع ذلك فبالمكنة محاولة توثيق نسبتهما من خلال أمور:

الأول: قوله ـ رحمه الله ـ > ولما لاح لي على دوام دولته إشارة، أحببت أن أضم إلى هذه الرسالة رسالة، كنت أمليتها في البشارة<([20]) ، ومراده رسالته في تفسير قوله تعالى: ▬وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصلحت ..♂ الآية. وبه نستفيد من النص تسمية الرسالة الأولى بالبشارة، ونسبتها إليه، كما نستفيد نسبة الأخرى كذلك من ذلك.

الثاني: تشابه الافتتاح في كلتا الرسالتين؛ إذ دأب مفتتحه قوله: > وبعد فيقول العبد الضعيف الفقير إلى مولاه القوي الغني علي بن عثمان الحنفي الحموي< كما في الرسالة الأولى، أو: > وبعد فيقول العبد الضعيف الفقير، علي الحموي الحنفي البصير <، كما في الرسالة الثانية، وفي ذلك التشابه دلالة اتحاد المخرج، ووحدة التأليف، مع التصريح بالاسم والنسب.

الثالث: يمتد هذا التشابه إلى ما وقف عليه من مفتتحات كتبه المروية عنه صحاحا، منها قوله في فاتحة نظمه >الحور العين< :

>قول عليّ الحنفيْ المسكين *** من بعد بسم الله ذي التمكين<([21]).

وكذا في تقدمته لقصيده في مدح أبي بكر الصديق: >يقول العبد الفقير إلى ربه القوي الغني، علي بن عثمان الضرير الحنفي الحموي<([22]) ومنها يقول:

 فيا سيدي الصديق عبدكم الذي *** تَسمى علياًّ نجلُ عثمان ذو كسر

وقريب منه قوله للكواكبي:

مـِنْ مَن مَنْ مَنّ به *** من فضل لطفه الخفي

عـلى أقــل خـلقه *** علي البصير الحنـفي.

المطلب الثاني: معالم الرسالة منهجا وموضوعا:

أما المنهج فقد نحا في الرسالتين منحى النظر فيما تكتنزه الآيات من جواهر الإعراب والبيان، والصرف والاشتقاق، وما يثمر ذلك من القواعد الحاكمة، والنكت العاضدة، والدرر المفيدة: فقد خاض في مسائل اللغة خوض المتمهر الحاذق مستعرضا اشتقاق ألفاظها واستعمالات العرب فيها، وشواهدها من مأثور المنثور، وذائع المنظوم، مفصلا في مسائل النحو والإعراب تفصيل من سبر أغوارها، وخاض بحارها، في إلمام بمتضارب أقوالها، ومتناثر شواردها، معرجا على الخليل وسيبويه والفراء وابن مالك والرضي وابن هشام وسواهم، وقوفا على متواتر الحرف القرائي وشاذه، فإذا لاحت له من الآيتين صور بيانية تلقفها بالإبانة والتحليل مستشهدا بالزمخشري والسكاكي والقزويني وسواهم، فإن عرضت له مسألة في أصول الدين كمفهوم الإيمان وسواه أرز إلى مذهب الأحناف والماتريدية مصوبا،  وعلى أهل الاعتزال مناقشا مفندا، فإن افترت الآيات عن أنوار ربانية، وحكم إلهية انساب في ميدان التصوف في وله النقشبدي، وتأملات ابن عربي.

وبذلك تكون الرسالتان جمهرة لعلوم شتى من فنون اللغة وطرائقها، إلى أصول الدين وبراهينه، بيد أن غالب تهممه كان بما له وطيد الصلة بفصاحة الكلمة، وأصالة بنيتها، وأناقة الأسلوب، وبراعة تركيبها، وتلك هي فنون اللغة من نحو وتصريف، واشتقاق وإعراب، وبلاغة وبيان.

وبذلك يكون على كثير من الصواب من يزعم أنهما رسالتان للتدريب والمران على التأمل والاستنباط، وصنعة البيان والإعراب … قال رحمه الله: > قد ولج في فكري وخطر على سري عند إقرائي لـ >مغني اللبيب عن كتب الأعاريب<..<([23]).  

المطلب الثالث: مصادرهما: 

وقد تقيل رحمه الله آثار من مضى من كبار أقطاب مدرسة الرأي والبيان، التي عليها مدار هذا اللون من التدبر في الخطاب؛ اعتمادا على بيان العرب في استخراج دفين معانيه، وإنشاد شريد مراميه، وتقييد أوابد أغراضه، وأولهم  الكشاف فيما له علقة بالإعراب والمعانى والبيان، والثاني: التفسير الكبير للرازي فيما يرام من الحكم والكلام والثالث: الراغب فيما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات، على أن غالب تهممه كان بالبيضاوي في >أنوار التنزيل وأسرار التأويل<، والنسفي في >مدارك التنزيل وحقائق التأويل<، مستعينا بكتب البيان كالمفتاح للسكاكي والإيضاح للقزويني، والنحو كشرح الكافية للرضي، والخلاصة لابن مالك،  غائصا على درر الفوائد، مقتنصا لضوال الفرائد، مناقشا محللا، مفندا تارة، ومتابعا أحايين كثيرة، ودونك ـ إيجازا ـ ما في تضاعيف الرسالة من ثمين النقول، ورصين الاقتباس. 

 

المطلب الرابع: منهج التحقيق:

وقد كان على أشطر أربعة: قراءة وتعليق، توثيق وتنسيق: فأما القراءة فقد آثرت بعد النسخ والتحرير التأني والتأمل في كل كلم الرسالة وجملها؛ حتى إذا استوت على سوقها كان العمل في تقسيمها على فقرات تتغيى المعنى وتروم المقصود؛ ليتبدى للناظر فيها بكل جلاء ما كان قد اعتاص من جملها، أو أُشكل من كلمها، ناهيك عن لائح المراد، وبائن المرتام.

 وأما التعليق: فقد رام الإبانة عما التبك من مصطلح، والإعراب عما انبهم من معنى، والكشف عما جهل من أعلام، والمناقشة لما حقه المفاتشة من الرأي والوجهة؛ تسديدا وتقويما، اتباعا وتأييدا، في إيجاز لا يرتد على الغرض بإخلال.

وأما التوثيق فقد تهمم بالنقول عن علماء التفسير، وأرباب البيان، وأساطين لغة العرب، مرورا بما ندر هـهنا من أقاويل الفقهاء، وآراء علماء الكلام والأصول؛ عزوا لكل اقتباس إلى ذويه في مقارنة بين المنقول ومصدره. ناهيك عن التعريف بالمؤلف والمؤلف، وتوثيق نسبته إليه، وترقيم آيه، وتخريج ما كان من مرويه.

وأما التنسيق فغايته تفقير الرسالة إلى فقر تبين المراد، وتفتر عن المروم، مع عناوين فرعية أريد لها أن تكون كشافا لمضمونها، وإعرابا عن مخدراتها.

المطلب الخامس: توصيف النسخة المعتمدة:

بعد دائب بحث لما نجد إلا هذه النسخة التي بين أيدينا من المستودع الرقمي الأوربي برقم 17، ضمن مجموع يحوي الرسالتين معا: تبتدئ الأولى منهما (وهي رسالة في تفسير قوله تعالى: ▬ وإذ قال ربك للملـئكة إني جاعل في الأرض خليفة..♂) من اللوحة الأولى إلى اللوحة 14. والثانية من 15 إلى 26. بخط واحد واضح سليم جدا، قد خلا من الأخطاء، مما يغلب على الظن أنه خط المؤلف ذاته؛ مع نظام التعقيبة، واستداراكات قليلة في الهامش بذات الخط.

ولعلك واجد في نفسك التأثم من تحقيق نص على نسخة وحيدة، وتلك وجهة قد ولاها غير يسير من ذوي الشأن، ثم شاعت في الأوساط واستحسنت فكانت السبب في إقبار كثير من نصوص التراث؛ للفرادة في نسختها. وليس الأمر على ذات المهيع عند المتمهرين الحذاق من المحققين: فقد حقق الشيخ الفذ محمد بنشريفة كتاب >الذيل والتكملة< على نسخة فريدة تآكلت أطرافها، وانطمس كثير من جملها، فاجتهد في إحسان قراءتها، وتسديد ما اندرس من كلمها. وكذا صنيع الشيخ محمد رضوان الداية في تحقيق كتاب >أحكام صنعة الكلام< على نسخة فريدة سقيمة. وإنما المرد إلى تمهر المحقق، ومرانه على التراث، وحسن قراءته، وعمق فهمه للمرتام، وآية ذلك ما تجد من البون الشاسع بين سخافة تحقيق قد قوبل على نسخ تسع، ورصانة إخراج قد قرئ على نسخة أو نسختين؛ والعلة ما ذكرنا من التفاوت بين الناظرين.

فإن قيل: إنما يكون ذلك في عتق النصوص، ومستجاد التراث، وليس ذلك بمرعي ولا مرضي في الرسائل التعليمية، والنصوص الحديثة؛ إذ ليس ثمة داع إلى بذل نفيس الوقت في قراءتها، ناهيك عن محاولة إخراجها؟ وهو قيل له سداد من النحو إن انحصرت دواعي التحقيق فيما أشير إليه من العتاقة والاستجادة، والحال أن دواعي التحقيق متشعبة متناثرة: بعضها يئل إلى التراث إحياء واعتزازا. وبعضها يرتد إلى المصنف كشفا عن مغمور شخصيته، واحتفاء بعلمه وجهوده. وأخرى ترجع إلى المحقِّق تمرسا ومرانا. وغيرها تؤول إلى المحقَّق إعجابا بمضمونه، أو اهتبالا بموضوعه، أو احتفاء بطريقة تأليفه، وذلك ما نحن بسبيله هـهنا؛ إذ قصر النظر والجهد والتأمل في آية من كتاب الله، وإيراد ما فيها من الفوائد والفرائد، وما احتوته من الأحكام والعقائد، وما اشتملت عليه من الشرائد اللغوية والبيانية، من مجموع كتب التفسير والغريب، واللغة والبيان، قمين بالحفاوة، وجدير بالاهتبال، . وحسبنا أن المتعلق آية من كلام الله، ▬ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيـرات♂.

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

مقدمة المؤلف

 

نحمدك يا من بشر المؤمنين بما أعد لهم؛ إذ عدلهم عن الزيغ بالاستقامة، وعداهم حزن التعب و العناء لما دعاهم إلى سواء طريق السلامة، و خفض عنهم ما ارتفع عليهم من الشقاء، و نصب على إسكانهم في دار البقاء علما عالي العلامة، و الصلاة و السلام علي من أعرب لسانه عن الإتيان بجوامع الكلم وفصل الخطاب، و بنى إرساله على فتح أبواب الحق و الصواب، و علي آله وأصحابه الحاوين كل فضيلة وكرامة.

سبب تأليف الرسالة

 وبعد فيقول العبد الضعيف الفقير إلى مولاه القوي الغني علي بن عثمان الحنفي الحموي عامله الله تعالى بأنواع لطفه الخفي، و أعاد عليه من عوائد بره الحفي، قد ولج في فكري و خطر على سري عند إقرائي لـ >مغني اللبيب عن كتب الأعاريب< وسألني بعض الإخوان أن أملي لهم شيئا من الكلام بحسب الإمكان، على آية جليلة من القرآن، فمرت معي من الكتاب المذكور في أضيق الأوقات قوله عز و جل: وبشر الذين ءامنوا و عملوا الصالحات أن لهم جنات([24])، [البقرة:24] فأحببت أن يكون الكلام عليها، و إشارة الفكر و الخاطر إليها، مع اشتغالهما بتراكم الهموم والأكدار، و تزاحم الشواغل وعدم مساعدة الأقدار، فاستمديت من الله أن يلهمني الصواب، و أن يجنبني الزيغ و الخطأ في الخطاب، إنه على كل شيء رقيب، ومن السائل قريب و للدعاء مجيب.

 قال تعالى: و بشر الذين امنوا إلي خالدون[البقرة:]  

الكلام في البشارة

 

البشارة علي ما اختاره الزمخشري هي أول خبر خير، و استعمالها في نقيضه لا يسوغ إلا على سبيل التهكم والاستهزاء؛ لما علم من أن استعمال أحد الضدين مكان الآخر تهكم و استهزاء، كما في قوله تعالى: فبشرهم بعذاب اليم([25]).

وذهب سيبويه و غيره: إلى أنها أول كل خبر من خير أو [ل: 16] غيره؛ لأن أثرهما يظهر في بشرة الإنسان وهي ظاهر جلده؛ فهي تنبئ عن الأولية والظهور، و منه تباشير الصبح لما ظهر من أول ضوئه، و منه قول الفقهاء فيمن قال لعبيده: > من بشرني بقدوم ولدي فهو حر< فأخبروه فرادى، عتق الأول؛ لأنه هو الذي أظهر سروره بخير دون الباقين، إلا أن سيبويه يرى أنها أكثر ما تستعمل في الخير([26]).

الإعراب

الكلام في إعراب الآية

 

قوله تعالى وبشر الذين ءامنوا إلى خالدون هذه جملة متعددة مسوقة لترغيب المؤمنين، معطوفة على جمل متعددة متضمنة لترهيب الكافرين وهي قوله تعالى: وإن كنتم في ريب إلي أعدت للكافرين  وهذا وجه التناسب بين المتعاطفين؛ فهي من قبيل عطف قصة على قصة، لا جملة على جملة حتى يرد اختلاف المتعاطفين خبرا وإنشاء.

 أو على فاتقوا  بمعنى أن عجزهم عن الإتيان ـ لا الفعل نفسه ـ بمعارض بعد التحدي، مظهر عمل إعجازه، وإذا ظهر فمن كفر به استوجب العقاب فيحذر، ومن آمن استحق الثواب فيبشر.

 فإن قلت: هل يجوز عطف بشر على فأتوا♂ ؟ 

 قلت: يجوز، لكنه ضعيف؛ لأن عطف الفعل لمخاطب على الفعل لمخاطب آخر إنما يحسن إذا صرح بالنداء، وأما بدونه فقد منعه النحاة.

 واختار صاحب المفتاح([27]) أنه معطوف على >قل< مقدرا قبل يا أيها الناس إلا أن قوله: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا يمنع منه؛ لأنه لا يصلح أن يكون مقولا للنبي صلى الله عليه و سلم إلا أن يتعسف و يقال: جاء ذلك على طريقة حكاية كلام الأمر.

وأحسن من هذا ما اختار صاحب الإيضاح([28]) أنه معطوف على جملة مقدرة بعد أعدت للكافرين أي: >فأنذر الذين كفروا و بشر الذين آمنوا< و هذا نظير قول الزمخشري في قوله تعالى: واهجرني مليا أن التقدير: فاحذرني واهجرني مليا([29]).

المأمور بالتبشير يحتمل الخصوص والعموم. والمرجح الثاني 

 

 والمأمور بالتبشير إما الرسول صلى الله عليه و سلم أو من يصلح منه التبشير، و هذا الوجه أحسن؛ لأن المبشر به؛ لعظم [ل: 17] شأنه جدير بأن يبشر به كل من يصلح للتبشير، و قد قال صلى الله عليه و سلم:  بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة([30])، و الأمر بذلك لكل أحد([31]).

 

توجيه قراءة زيد ابن علي في الشاذ

 

 وأما قراءة بشر([32]) على البناء للمفعول فمعطوف على أعدت على طريقة جعل الواو للاستئناف.

بحث نحوي في الموصول الاسمي والحرفي

 >الذين< جمع >الذي< و يكون للعالم كما في قوله تعالى: و هو الذي يرسل الرياح مبشرات  ولغيره كما في نحو:>اليوم الذي أنت فيه مبارك <.

 وتكون موصولا اسميا كما مر، و حرفيا كقوله تعالى : و خضتم كالذي خاضوا ؛ إذ التقدير كخوضهم، فمحلها هنا النصب على المفعولية؛ لأنه مبني مطلقا.

وبعضهم يرفعه بالواو كقوله:

نحن اللذون صبحوا الصباحا([33]) 

حقيقة  الإيمان وتفاضله.

 امنوا< صلته، و الإيمان لغة: التصديق مطلقا، و شرعا: تصديق النبي صلى الله عليه و سلم بالقلب في جميع ما جاء به من عند الله، و الإقرار به على ما اختاره شمس الأئمة و فخر الإسلام و عليه بعض العلماء.

 و ذهب جمهور المحققين إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط؛ يدل عليه إضافة التصديق إلى القلب في قوله تعالى: كتب في قلوبهم الإيمان[المجادلة:21] و قلبه مطمئن بالإيمان [النحل:106] و غيره من الآيات، فالإقرار إنما هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية.

 و حقيقة الإيمان عند أبي حنيفة ـ رحمه الله  ـ لا تزيد و لا تنقص([34])، فقد ذكر أنه التصديق القطعي البالغ حد الجزم و الإذعان، و هذا لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان، وأما ما ورد من الآيات الدالة على زيادة الإيمان فمحمول عنده على أنه كان يزيد بزائدة([35]) الفرائض التي يجب الإيمان بها؛ فإنه كانوا قد آمنوا في الجملة، ثم يأتي فرض بعد فرض، و كانوا يؤمنون بكل فرض خاص ، و هذا لا يتصور في غير عصر النبي صلى الله عليه و سلم.

 

 وهو والإسلام واحد؛ لأن الإسلام هو الخضوع و الانقياد، بمعنى قبول الأحكام و الإذعان، و ذلك حقيقة التصديق، و يعني باتحادهما أنه لا ينفك أحدهما عن الآخر حتى لا يحكم على أحد في الشرع أنه مؤمن ليس بمسلم، [ل: 18] ولا مسلم ليس بمؤمن، ويؤيده قوله تعالى: فأخرجنا من كان فيها من المومنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين [الذاريات:36 ] فالمراد بالمؤمنين والمسلمين لوط وآله.

 فإن قلت فهم مما تقرر أن الإسلام هو الانقياد و الإذعان، و قد جاء في الحديث الشريف: الإسلام أن تشهد أن لا اله إلا الله و أن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة و توتي الزكاة و تصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا([36]) وأن الإيمان هو التصديق و قد جاء: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لاإله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق([37]) فما التوفيق بين التعريفين و الحديثين؟

 قلت: المراد ثمرات الإسلام أن تشهد إلى آخره، و ثمرات الإيمان بضع وسبعون إلى  آخره، فلا منافاة.

العمل بين كونه ركنا أو شرطا

 

 وعطف >عملوا< على امنوا< مؤذن بأن الأعمال الصالحة خارجة عن مسمى الإيمان؛ لأن الشيء لا يعطف عليه نفسه.

 وورد جعل الإيمان شرطا لصحة الأعمال، كما في قوله تعالى: فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن [الأنبياء:93] والمشروط لا يدخل في الشرط قطعا.

 وبأنه لا يستحق التبشير بدخول الجنات إلا من جمع بين الإيمان والأعمال الصالحات، أما الإيمان وحده فإنه كاف للدخول ولو بعد حين لا للتبشير.

بحث في لام التعريف

 

 واللام في >الصالحات< للجنس،  وهي إذا دخلت على الجمع يصلح أن يراد به كل أحد من أفراده؛ فيصير المعنى: أن كل مؤمن عمل جميع ما كلف به من الأعمال على حسب حاله، أو: أن كل مؤمن يعمل جميع الصالحات إلا ما ليس مكلفا به. و هذا الاستثناء مستفاد من([38]) التقييد؛ إذ ما من عام إلا وخصص، وأن يراد به بعضه، لكن لا إلى ما دون الثلاثة؛ إذ لا يبقى مع إرادة ما دونها معناه الأصلي، أعني: الجنسية مع الجمعية؛ لأن استغراقه يتناول آحاد مداخله، و هي كل جماعة.

 و إذا دخلت([39]) على المفرد يصلح أن يراد به الجنس بحيث لا يخرج شيء من آحاده، و أن يراد بعضه إلى الواحد منه؛ لأن معناه الأصلي ـ أعني: الجنسية المطلقة ـ باق مع إرادته.

فظهر أن الفرق بين اللام إذا دخلت على الجمع و بينها داخلة على الفرد بأنها إذا دخلت على الجمع يصح [ل: 19]  أن يراد به جميع الجنس، و أن يراد به بعضه لا إلى الواحد.

وقد يسقط اعتبار الجمعية حتى قالوا: >يحنث بتزوج امرأة< في قوله: >لا أتزوج النساء<، و إذا دخلت على المفرد صلح أن يراد به الجنس؛ بحيث لا يفوت واحد، وأن يراد به بعضه إلى الواحد.

و الصواب أن استغراق الجمع في مثل هذا المقام كاستغراق الفرد في تناول كل فرد فرد، و ذلك لئلا يلزم اعتبار التكرار في مفهومه بتداخل مراتب الجموع بعضها في بعض، و عدم صحة استثناء فرد أو فردين منه مع أنه يصح.

 و > الصالحات < جمع صالحة و هي ما سوغه الشرع و حسنه من الأعمال، و تأنيثها على تأويل الخصلة، و هي من الصفات الجارية مجرى الأسماء؛ لأنها تستعمل بلا قصد إلى موصوف.

بحث نحوي في تقديم خبر >أن< والنصب بنزع الخافض

 >أن< حرف توكيد >لهم< جار و مجرور محله الرفع على الخبرية؛ لـ >أن واللام للملك أو للعلة، أي: لأجل إيمانهم وأعمالهم.

 >جنات< اسمها مؤخر، و كون الخبر هنا جار و مجرور مسوغ([40])؛ لجواز تقديمه على اسمها؛ إذ لو لم يكن ظرفا أو عديله لم يجز تقديمه، قال([41]):

كأني من أخبار إن و لم يُجِز *** له أحد في النحو أن يتقدما([42]) 

و محل الجملة من >أن ومعمولها> إما نصب بنزع الخافض كما ظهر النصب في قوله:

كما عسل الطريق الثعلب([43]) 

 أو جر على إضماره، كقوله:

أشارت كليب بالأكف الأصابع([44]) 

 و التقدير: بأن لهم جنات([45]).

بحث في  معنى  الجنة لغة وشرعا

 و الجنات جمع جنة، و هي في الأصل مرة من الجن بفتح الجيم، مصدر جنه إذا ستره، ثم نقلت عن المصدرية إلى الأشجار الملتفة المظللة؛ لأنها تستر بنفسها وجه الأرض عن وصول شعاع الشمس إليه سترة واحدة.

 والمراد بوحدة السترة أن لا تكثر بتخلل الشعاع فرج ما بين الأشجار والأغصان؛ لأنه إذا تخلل صارت السترة سترات، فهي ـ لالتفافها و كثرة أوراقها ـ تمنع الشعاع عن وجه الأرض؛ بحيث إنه لا يتخلل بينهما. ثم نقلت([46]) إلى البستان؛ لما فيه من الأشجار المظللة، ثم إلى دار الثواب؛ لأنها ذات جنات.

 وقيل سميت بذلك؛ لأنها تستر في الدنيا ما أعد [ل: 20] فيها للمبشرين من أفنان النعيم، قال تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء [السجدة:17]  

فإن أريد بالجنات الإجزاء، فيكون من قبيل مقابلة الجمع بالجمع، و توزيع الآحاد على الآحاد، فيصير المعنى أن لكل مؤمن عامل جنة تخصه، فهي متعددة بحسب تعداد العاملين. 

وإن أريد بها الدرجات الكلية، تكون مقابلة لطبقات العاملين موزعة عليهم، فالمعنى: >لكل طبقة درجة<، فالتنوين في هاتين الصورتين للتكثير أو للتعظيم.

 و قد يراد بها الجنات الجزئية في مقابلة طبقات العاملين؛ فيكون لكل طبقة جنات متعددة، بحسب أفراد كل طبقة، و التنوين على هذا للتعظيم أو النوعية؛ لأن جنات كل طبقة من نوع واحد، و على هذا لا يكون من التوزيع في شيء أو في مقابلة كل فرد من أفراد العاملين، و يؤيد هذا الوجه قول الشيخ الأكبر قدس الله سره العزيز في >الفتوحات المكية<([47]) في الباب الخامس و الستين منها: >ما من عمل من الأعمال من فريضة و لا نافلة و لا فعل خير و لا ترك محرم و مكروه إلا وله جنة مخصوصة و نعيم خاص يناله من دخلها< و أيد ذلك بحديث نبوي، فالمعنى على هذا: أن لكل واحد من المؤمنين العاملين جنات متعددة، فيكون التنوين للتعظيم أو للتكثير.

الجنان من حيث الدرجة ثمانية

 وقد اشتهر أن الجنان ثمانية متفاوتة الدرجات ذكر الشيخ الأكبر في الباب المذكور أن أعلاها الجنة التي فيها الكثيب يجتمع الناس عليه؛ لرؤية الله تعالى، وتليها جنة الفردوس، ثم جنة الخلد، ثم جنة عدن، ثم جنة النعيم، ثم جنة المأوى، ثم دار السلام، ثم دار المقامة، و أما الوسيلة فهي أعلى درجة في جنة عدن، فهي لرسول الله صلى الله عليه و سلم حصلت له بدعاء أمته.

 فيجمع الجنة على هذا تعددها بحسب هذه الدرجات، و يكون المعنى: أن لجميعهم جنات متعددة لا يكتنه كنهها، و هي موزعة على جميعهم كما تقتضيه[ل: 21] مشيئة الله تعالى.

حسن الخاتمة شرط  الاستحقاق

 و مطلق الإيمان لا يكفي في استحقاق الجنة، بل يشترط الاستمرار عليه إلى الموت([48]).

 و إنما لم يقيد هذه الآية بعدم إحباط الإيمان والعمل الصالح بالكفر والموت عليه؛ استغناء عنه بقوله تعالى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم[البقرة:215] وأشباه ذلك.

بحث كلامي في الجنة والنار خلقا ومحلا.

 والجنة والنار مخلوقتان الآن عند جمهور المسلمين بدليل قصة آدم و حواء، وإسكانهما الجنة ثم إخراجهما، إلى غير ذلك من الدلائل الذي نطق بها الكتاب والسنة خلافا للمعتزلة، والحجة عليهم ما ذكرنا([49]).

 وأما محلها فقال الأكثرون: إن الجنة فوق السماوات السبع تحت العرش؛ لقوله تعالى : عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى[النجم: 14، 15] و قول النبي صلى الله عليه و سلم: سقف الجنة عرش الرحمان، و النار تحت الأرضين السبع([50]) 

 وقال التفتازاني : >والحق تفويض ذلك إلى علم العليم الخبير<([51]).

عودة إلى الإعراب

 تجري من تحتها الأنهار: صفة لـ>جنات< على حذف مضاف، أي: من تحت أشجارها.

 وإن أريد بالجنات وضميرها الأشجار فلا حذف،أي: تجري من تحت الأشجار كما تراها جارية تحت الأشجار النابتة على شواطئها.

و >من< إما ابتدائية أو  تبعيضية؛ فإن الماء لا تجري في جميع أسافل الأشجار بل في بعضها.

بحث بلاغي في لام الانهار

واللام في >الأنهار< للجنس من غير قصد إلى العموم والاستغراق كما في قولك: لفلان بستان فيه الماء الجاري.

 أو بدل عن المضاف إليه، أي: أنهارها، كما عوض التعريف باللام عن التعريف بالإضافة في قوله تعالى: و اشتعل الرأس شيبا [مريم: 3] أي رأسي، و هو مذهب كوفي، لكن صاحب الكشاف منعه لا في هذه الآية، بل في قوله تعالى: فإن الجحيم هي المأوى[النازعات:38] حيث قال: المعنى فإن الجحيم هي مأواه، كما تقول: للرجل غض الطرف تريد طرفك، و ليس الألف و اللام بدلا من الإضافة، و لكن لما علم أن الطاغي هو صاحب المأوى، و أن الرجل لا يغض طرف غيره تركت الإضافة.

 أو للعهد، والإشارة [ل:22] بها إلى الأنهار المذكورة في قوله تعالى: أنهار من ماء غير ءاسن الآية.[محمد: 16] 

 و >الأنهار< جمع نهر بالسكون، أو بالفتح  وهي الأفصح، و هو المجرى الواسع فوق الجدول دون البحر كالنيل و الفرات.

بحث  بلاغي في المجاز المرسل والعقلي

وإسناد الجري إليها على إضمار الماء، أو على التجوز في المفرد، بإطلاق اسم الحال على المحل، أو في الإسناد بإسناد فعل الحال إلى المحل([52]).

وعن مسروق: أن أنهار الجنة تجري في غير أخدود.

 وإنما وصفت الجنات بجري الأنهار من تحتها؛ لأن البساتين والرياض ـ و إن كانت أحسن شيء ـ إذا لم يجر فيها الماء كانت كتماثيل لا روح فيها، و صور لا حياة فيها ؛ ولهذا قدمها على سائر صفاتها، و لم يذكر الله تعالى الجنات إلا مشفوعا بذكر جري الأنهار مسوقين على قران واحد فكانا كالشيئين لا بد لأحدهما من الأخر.

جملة >كلما..< صفة أو خبر أو استئناف

 كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا صفة ثانيه لـ>جنات< و ترك العاطف بينهما إشارة إلى أن كل واحد منهما صفة على الاستقلال.

 أو خبر مبتدإ محذوف أي: >هي< أو >هم<.

 أو مستأنفة، كأنه لما قيل: أن لهم جنات وقع في فكر السامع أثمارها مثل إثمار الدنيا، أم أجناس أخر ؟ فأزيل بذلك.

 و كلما نصب على الظرف، وكذا >كثيرا ما< و >قليلا ما< منصوب على الظرف؛ لأنه من صفات الأحيان.

 و >ما< تأكيد لمعنى الكثرة، والعامل فيه ما بعده.

 و >من< الأولى والثانية للابتداء([53]) ، متعلقان بـ >رزقوا<.

بحث نحوي في  تعلق الجارين المتحدين بفعل واحد

 فإن قلت: قد ذكر النحو يون أن تعلق الجارين المتحدين بفعل واحد ممنوع، و ما ورد من ذلك فهو شاذ، كقولك: >أكلت من بستانك من حب رمانك< و لا يتخرج القرآن عليه؟

 قلت: نعم لو اتحد الفعل في الإطلاق و التقييد، و إنما الفعل هنا مختلف؛ لأن >من< الأولى متعلق به مطلقا، و الثانية به مقيدا بكونه من الجنات، و هذا كقولك: رزقني فلان، فيقال لك : من أين؟ فتقول: من بستانه. فيقال: من أي ثمرة؟ فتقول: من الرمان.

جواز البدل والبيان والرد على البيضاوي

 و لو اتحد الفعل [ل: 23] في الإطلاق أو نقيضه لم يجز تعلقها به إلا على نية الإبدال، ولا مجال له في الآية؛  فإنهما لم يتعلقا بفعل واحد، بل بفعلين مختلفين إطلاقا وتقييدا.

 فإن قلت: هل لجواز البدل هنا وجه؟

قلت: نعم، إذا قدر مع الثاني صفة، أي: من ثمرة كائنة منها؛ فإنه يجوز.

 ففهم بما ذكرنا أنه لا حاجة إلى تقدير الظرف الأول حالا من >رزقا< والثاني من ضميره كما ذكره القاضي([54])؛ لأنه تكلف يستغنى عنه، بل الظرفان لغو لـ>رزقوا<؛ لاختلافه.

 ويجوز أن يكون الظرف الثاني بيانا للمفعول و هو: >رزقا<؛ لكونه بمعنى >مرزوقا<، فيكون مستقرا حالا من >رزقا<، والأول لغو.

و يجوز أن يكون بيانا لما قبله، كما في قولك: >رأيت منك أسدا<  تريد: أنت أسد([55]).  

 فإن كانت >من< ابتدائية؛ فالمراد بها النوع لا المفرد، و هو المرزوق، ولا يصح أن يكون مبتدأ لنفسه، فلابد أن يتكلف و يجعل أكله مبدوءا  بقطعه. وركاكته ظاهرة.

بحث في احتمال اسم الإشارة >هذا< للحقيقة والمجاز.

 ▬>ApöajB]ZX A^q#<ӌ •ù^qj@]A B]óEö>ZX`Ztbt vöù‚ $+h÷YEö]ZX أي: هذا الظاهر المحسوس من الرزق الذي رزقناه في الشكل و اللون لا في الطعم. هذا إن كانت الإشارة إلى عينه فحذفت أداة التشبيه؛ لاستحكام التشبيه بينهما، كأن ذا ته ذاته كقولك: أبو يوسف أبو حنيفة.

وإن كانت الإشارة إلى النوع فلا حاجة إلى اعتبار التشبيه؛ فإن نوع المرزوق في الآخرة هو نوع المرزوق في الدنيا، و هذا كقولك: ـ مشيرا إلى نهر جار ـ هذا الماء لا ينقطع. تريد النوع المستمر بتعاقب جريانه لا العين المشار إليها

 و لكن يخدشه أن لفظ >هذا< إذا لم يذكر بعد الوصف كان إشارة إلى المحسوس الخاص، و هو الذات الجزئية لا الماهية الكلية التي هي النوع، و لم يذكر هنا الوصف فتنتفي النوعية.

 و أيضا لا يلائم قوله: LB‹`YEö#<{y]ôEöb‚ ؛ فإنه يدل على مشابهته لما رزقوه في الدنيا، لا على أنه عين نوعه.

>لهم< يحتمل الخصوص والعموم

 ÷ ولهم فيها أزواج مطهرة الزوج يقال للذكر و الأنثى، و هو في الأصل لما له قرين من جنسه كزوج الخف.

 فـالذين ءامنوا  إن كان شاملا للمؤمنين والمؤمنات تغليبا، فمعنى لهم أزواج أي: للذكور أزواج من جنس الإناث، وللإناث أزواج من جنس الذكور.

توجيه قراءة  عبيد بن عمير  >مطَّهِّرة<.

 وإن كان خاصا بالمؤمنين اكتفي بهم؛ لأنه يعرف حال المؤمنات بالقياس إلى حالهم. فمعناه: أن للمؤمنين أزواجا مطهرة.

 وقرئ : أزواج مطَّهِّرة بتشديد الطاء وكسر الهاء([61])، بمعنى: متطهرة ومطهرات، وهو يؤيد الاحتمال الثاني؛ إذ لو احتمل الأول لكان: >مطهرون<. لا يقال: إنه من باب التغليب؛ لأنه لم يعهد تغليب النساء على الرجال.

و >مطهرة< أبلغ من >طاهرة< و >متطهرة<؛ لأنها تنبئ عن أن مُطهِّرا طهَّرها، وليس هو إلا الله عز وجل.

 وإنما لم تجمع([62]) الصفة كالموصوف؛ لتأويل الموصوف بالجماعة، كما يقال: >النساء فعلت< أي: جماعة النساء.

 والمراد بالتطهير تطهيرهن مما يختص بالنساء، و يذم من أحوالهن كالحيض والاستحاضة والدرن ودنس الطبيعة و سوء الخلق؛ فإن التطهير كما يستعمل في الأجسام يستعمل في الأخلاق والأفعال.

 وهذه الجملة صفة لـجنات معطوفة على جملة: كلما والأولى أن تكون مستأنفة، قاله أبو حيان([63]).

 و دليل أبي([64]) حيان رفع أزواج ؛ لأنه مشعر بالقطع والاستئناف ؛ إذ لو كانت صفة لـجنات بواسطة العاطف لنصب أزواج وكان من قبيل: >إن في الدار زيدا والحجرة عمرا<([65]).

كلام في معنى الخلود حقيقة ومجازا.

وهم فيها خالدون أي: دائمون، والخلد والخلود في الأصل الثبات المديد دام أم لم يدم، [ل: 26] فإطلاقه على المكث الطويل المنقطع وعلى غيره إما بالاشتراك اللفظي، و إما على أحدهما بالحقيقة و الآخر بالمجاز. و لو كان وضعه للدوام الدائم كان التقيد بالتأبيد في قوله تعالى: خالدين فيها أبدا لغوا.

 

خاتمة:

 مجامع اللذات المسكن والمطعم والمنكح:

فوصف الله تعالى المسكن بقوله: جنات تجري من تحتها الأنهار 

 والمطعم بقوله: كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا 

 والمنكح: و لهم فيها أزواج مطهرة 

 ثم هذه الأشياء إذا حصلت و قارن بها خوف الزوال كان التنعم بها منغصا؛ فأزال الله تعالى هذا الخوف بقوله: وهم فيها خلدون 

 فصارت الآية دالة على كمال التنعم والسرور.

فــائدة: 

الجنان ثلاث: اختصاص وميراث وأعمال

الجنات ثلاث:

 جنة الاختصاص الإلهي وهي التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا، والمجانين الذين ما عقلوا، و أهل القراَن، و من لم يصل إليه دعوة الرسول.

 والجنة الثانية جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكر من المؤمنين، وهي الأماكن التي كانت معينة لأهل النار لو دخلوها.

 والجنة الثالثة جنة الأعمال، و هي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم، فمن كان له من الأعمال أكثر كان له من الجنات أكثر. أورده الجامي([66]) في بعض رسائله

 و الحمد لله وحده و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه  وسلم تسليما كثيرا.  

 


([1]) آثار طرابلس الإسلامية دراسات في التاريخ والعمارة للدكتور عمر عبد السلام تدمري:  دار الإيمان طرابلس.

([2]) التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية للشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي: 49

([3]) نفسه: 86

([4])التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية : 52

([5]) الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز:71، وشبيه به قوله في التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية (59): >ثم سرنا فزرنا حضرة السيد العلامة والبحر الفهامة السيد هبة الله أفندي المفتي المتقدم ذكره، لازال يعبق فينا نشره، وكان محله محفوظا بالأفاضل، وبالكمالات والفواضل، فجرت بيننا وبينهم أبحاث علمية، ومسائل فقهية، وأحاديث نبوية، ولطائف أدبية، وأنشدنا أشعارا رقيقة، وأبياتا رائقة أنيقة، وكان مما أنشدنا حضرة السيد هبة الله المفتي من لفظه لوالده شيخ الإسلام مفتي الخاص والعام السيد علي الشهير بالبصير عليه رحمة الملك القدير خطبة كتابه المسمى >بحور العين نظم الدرر والغرر في فقه الحنفية..<.  

([6]) الحقيقة والمجاز:69

([7]) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر  للمحبي: 3/ 201.

([8])  لوحة: 15، من الرسالة الأولى.

([9])  محمد بن الحسن الكواكبي مفتي حلب  (ت: 1090هـ ) ترجم له المحبي في نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة: 662.

([10]) التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية: 59

([11]) الحقيقة والمجاز:69

([12])  خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي: 3/201.

([13])  معجم المؤلفين:7/44.

([14])  كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لمصطفى بن عبد الله حاجي خليفة: 3/ 401

([15])  ن خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي: 3/201.

([16]) الحقيقة والمجاز للنابلسي:71

([17])  ن ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي : 3/201. معجم المؤلفين: 7/44. كشف الظنون: 3/401. وشذرات متناثرة في:  >التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية<، و>الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز<.

([18])   خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي: 3/201.

([19])  كشف الظنون للمرعشي: 3/ 401

([20]) لوحة 17 من الرسالة الثانية

([21])  خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي: 3/201.

([22]) الحقيقة والمجاز للنابلسي:71

([23])  لوحة: 15، من الرسالة الأولى.

([24]) ن مغني اللبيب لابن هشام: 2/603.

([25]) عبارة الكشاف قد لا تسعف المؤلف في وضوحه من كون البشارة  أول الخبر السار، وإن كانت تحتمله، قال رحمه الله: >والبشارة: الإخبار مما يظهر سرور المخبر به، ومن ثم قال العلماء: إذا قال لعبيده: أيكم بشرنى بقدوم فلان فهو حر، فبشروه فرادى، عتق أولهم، لأنه هو الذي أظهر سروره بخبره دون الباقين. ولو قال مكان «بشرنى» «أخبرنى» عتقوا جميعا؛ لأنهم جميعا أخبروه. ومنه: البشرة لظاهر الجلد، وتباشير الصبح: ما ظهر من أوائل ضوئه< (الكشاف: 1/254). وأوضح منها قول البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 1/242): >والبشارة الخبر السار؛ فإنه يظهر أثر السرور في البشرة؛ ولذلك قال الفقهاء: البشارة هي الخبر الأول<.

([26]) كلام المؤلف في معنى البشارة وإطلاقها بحاجة إلى مزيد تحر ليس هـهنا موضعه، لكن يشار إلى أن أرباب اللغة فيها على مذاهب ثلاثة: الأول: إطلاقها في الخير والشر على السواء، قال ابن سيده: >والتبشير يكون بالخير والشر كقوله تعالى: فبشرهم بعذاب أليم< (المخصص في اللغة: بشر)، والثاني: إطلاقها في الخير هو الأصل، وفي الشر بحاجة إلى تقييد أو قرينة فتكون مجازا فيه، قال في الصحاح (2/ 590): >و(البشارة) المطلقة لا تكون إلا بالخير، وإنما تكون بالشر إذا كانت مقيدة به، كقوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم<، والثالث: إطلاقها فيهما، لكنه يغلب على الخير، قال في التعريفات:45  >البشارة: كل خبر صدق تتغير به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشر، وفي الخير أغلب< فعلى الأول والثالث لامجاز ولا تهكم، وعلى الثاني يصح.

([27]) مراده أبو يعقوب السكاكي (ت: 626) قال رحمه الله في مفتاح العلوم: (368): >وأما قوله تعالى: ▬وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات♂  بعد قوله ” أعدت للكافرين ” فيعد معطوفا على ▬فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة♂ ، وعندي أنه معطوف على >قل< مرادا قبل  ▬يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم♂ ؛ لكون إرادة القول بواسطة انصباب الكلام على معناه غير عزيزة في القرآن<.

([28])الإيضاح في علوم البلاغة لجلال الدين القزويني، وعبارته: >والأقرب أن يكون الأمر في الآيتين معطوفا على مقدر يدل عليه ما قبله، وهو في الآية الأولى: فأنذر أو نحوه أي: فأنذرهم وبشر الذين آمنوا ، وفي الآية الثانية: فأبشر أو نحوه أي: فأبشر يا محمد وبشر المؤمنين..<

([29])قال الزمخشري رحمه الله: >فإن قلت: علام عطف >واهجرني<؟ قلت: على معطوف عليه محذوف يدل عليه >لأرجمنك< أي: فاحذرنى واهجرني؛ لأن >لأرجمنك< تهديد وتقريع<. الكشاف:2/511

([30]) سنن أبي داود وغيره، >باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم<.

([31]) قاله في الكشاف:1/252، وعبارته: >وهذا الوجه أحسن وأجزل؛ لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمه وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به.. <

([32]) في البحر المحيط لأبي حيان: 1/110 >وقرأ زيد بن علي: وبشر فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول<.

([33]) وصدره: >يوم النخيل غارة ملحاحا<. قال البغدادي في خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: 6/ 23: >قطعة من أرجوزة أوردها أبو زيد في نوادره، وقال: هي لأبي حرب الأعلم من بني عقيل بالتصغير، وهو شاعر جاهلي<.

([34]) كلامه في تعريف الإيمان مبني على أصل مذهبه الماتريدي، مخالفا مذهب الأحناف المقرر بقول الطحاوي :>والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان.. والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء<، وقد لخص شارحه المذاهب فقال: >وحاصل الكل يرجع إلى أن الإيمان : إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح كما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم رحمهم الله..، أو بالقلب واللسان دون الجوارح كما ذكره الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله، أو باللسان وحده كما تقدم ذكره عن الكرامية، أو بالقلب وحده وهو إما المعرفة كما قاله الجهم، أو التصديق كما قاله أبو منصور الماتريدي رحمه الله، وفساد قول الكرامية والجهم بن صفوان ظاهر، والاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة – اختلاف صوري..< شرح العقيدة الطحاوية: 267.

([35])  كذا، ولها وجه، وأظهر منها >بزيادة<

([36]) صحيح مسلم (1/ 12) باب: >بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى<.

([37])صحيح مسلم (1/ 62) باب >بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان<.

([38]) >من< استدركت في هامش المخطوط.

([39]) ضمير المؤنثة عائد على >اللام< الجنسية

([40]) في المخطوط: >مصوغ<.

([41]) هو الشاعر العباسي أبو المحاسن محمد بن نصر بن الحسين بن عنين ـ بضم العين المهملة وفتح النون وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون ـ الأنصاري، الملقب شرف الدين، الكوفي الأصل الدمشقي المولد الشاعر المشهور؛ كان خاتمة الشعراء لم يأت بعده مثله، ولا كان في أواخر عصره من يقاس به، ولم يكن شعره مع جودته مقصوراً على أسلوب واحد بل تفنن فيه، وكان غزير المادة من الأدب مطلعاً على معظم أشعار العرب (ت 630هـ) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان:(5/14) تح  إحسان عباس دار صادر .

([42]) هو أحد بيتين لابن عنين في ديوانه، بصنعة خليل مردم بك: 75، والبيت الثاني قوله:

عسى حرف جرٍّ من نداك  يجرُّني *** إليك فأضحى من زماني مسلما

ومثله في الاقتباس النحوي:

أَضمرتُ في القلب هوَى شادن *** مشتغل في النحو لا ينصف
وصفت ما أضمرْتُ يوما لـه *** فقال لي: المضمر لا يوصف

قالت وقد حاولتُ نيلَ وصالهـا *** من غير شيء لا تجوز المسألهْ
بالله قل لي أين نحوُكَ يا فـتـى *** أرأيت موصولا يجيء  بلا صلهْ.

([43]) أي: في الطريق، والبيت لساعدة بن جؤية الهذلي، وتمامه:

لدن بهز الكف يعسل متنه ***  فيه..

ن، المغني لابن هشام:2/602، وهمع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي: 3/154، 5/12، والدرر اللوامع على همع الهوامع للشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي: 3/86.

([44]) أي: إلى كليب، فحذف حرف الجر اضطرارا، وهو عجز بيت للفرزدق(الديوان: 520) يهجو جريرا، وصدره:

إذا قيل أي الناس شر قبيلة؟

ن همع الهوامع للسيوطي:4/221، 5/13، والدرر اللوامع للشنقيطي:4/191

([45]) يشير إلى الخلاف بين الخليل والكسائي في محل >أن< مع ما دخلت عليه، ونصه في همع الهوامع: 5/12>ومحلهما أي: >أن وأن < بعد الحذف فيه خلاف، قال الخليل: والأكثر نصب؛ حملا على الغالب فيما ظهر فيه الإعراب مما حذف منه، وقال الكسائي : جر؛ لظهوره في المعطوف عليه في قوله: ـ يعني الفرزدق ـ

وما زرت ليلى أن تكون حبيبة  *** إلي، ولا دين بها أنا طالبه<.

والتقدير: وما زرت ليلى لكونها حبيبة ولا لدين .. ن مغني اللبيب لابن هشام:2/604

([46]) >ثم نقلت< مستدرك من هامش المخطوطة.

([47]) الفتوحات المكية لمحي الدين بن عربي.

([48]) راجع إلى ما تقدم من الكلام عن الإيمان رغم هذا الفصل الطويل كعادة المتقدمين، ولو تلا قوله: >.. لا يستحق التبشير بدخول الجنات إلا من جمع بين الإيمان والأعمال الصالحات، أما الإيمان وحده فإنه كاف للدخول ولو بعد حين لا للتبشير < كان أنهج.

([49])قال الطحاوي: >والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان؛ فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلا..<  قال شارحه: >..اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية فأنكرت ذلك وقالت : بل ينشئهما الله يوم القيامة< شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي: 354 .

([50]) لم أقف عليه بهذا اللفظ، لكن دلت الأحاديث الصحاح أن عرش الرحمن عز وجل سقف الجنة، منها حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن”. وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: ▬وكان عرشه على الماء♂ قال: كان عرش الله جل وعز على الماء، ثم اتخذ لنفسه جنة، ثم اتخذ دونها أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة، ثم قال: ▬ومن دونهما جنتان♂ وهي التي لا يعلم الخلائق ما فيهما، وهي التي قال: ▬فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين♂  تأتيهم منها أو منهما كل يوم تحية… ن كتاب: العرش وما روي فيه لأبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي:311، وفي معالم التنزيل للبغوي:2/104: >وقال قتادة: كانوا يرون أن الجنة فوق السموات السبع، وأن جهنم تحت الأرضين السبع<.

([51]) شرح المقاصد في علم الكلام لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني.

([52]) فعلى التجوز في المفرد يكون مجازا مرسلا، وفي الإسناد يكون مجازا عقليا. هذا مراده ـ رحمه الله ـ.

([53]) يعني ليستا للتبعيض ولا للبيان، والمقصود  قوله تعالى: ▬كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا ♂. قال البيضاوي 1/240: > ▬رزقا♂ مفعول به، و>من< الأولى والثانية للابتداء، واقعتان موقع الحال، وأصل الكلام ومعناه: كل حين رزقوا مرزوقا مبتدأ من ثمرة. قيَّد الرزق بكونه مبتدأ من الجنات، وابتداؤه منها بابتدائه من ثمرة <.

 

([54]) القاضي البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) : 1/240 > فصاحب الحال الأولى رزقا، وصاحب الحال الثانية ضميره المستكن في الحال<.

([55]) قاله القاضي 1/240: >ويحتمل أن يكون >من ثمرة< بيانا تقدم كما في قولك: رأيت منك أسدا<.

([56]) ن أنوار التنزيل وأسرار التأويل للقاضي البيضاوي: 1/249

([57]) يشير إلى المراد من قوله تعالى:  >من قبل< أهي الدنيا كما تقدم، أم الجنة كما هو بصدده الآن.

([58]) كذا بحذف النون، ولا أدري ما وجهه؟

([59]) ن جامع البيان عن تأويل آي القرآن  لابن جرير الطبري: 1/387.

([60]) قال الإمام الزيلعي في كتابه: تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري (1/ 55): رواه الحاكم في مستدركه في كتاب الفتن.. وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ورواه الطبراني في معجمه والبزار في مسنده…

 

([61]) قال أبو حيان في البحر المحيط: 1/110 >وقراءة عبيد بن عمير ▬مطهرة♂ ، وأصله: متطهرة ، فأدغم. وفي كلام بعض العرب: ما أحوجني إلى بيت الله فاطهر به أطهرة ، أي : فأتطهر به تطهرة ، وهذه القراءة مناسبة لقراءة الجمهور؛  لأن الفعل مما يحتمل أن يكون مطاوعاً نحو : طهرته فتطهر ، أي: أن الله تعالى طهرهن فتطهرن..<.

([62]) كأنها في المخطوط: >تجتمع<، والظاهر ماأثبت.

([63]) قال: > والأولى أن تكون هذه الجملة مستأنفة< البحر المحيط:1/110.

([64]) في المخطوط: >أبو< رغم الإضافة، ولا حاجة بالظاهر أصلا؛ إذ المقام مقام إضمار: >ودليله<.

([65]) في المخطوط : >عمروا< بالإبقاء على الواو حال النصب، وليس بالمعروف.

([66]) نور الدين عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الجامي الحنفي النقشبندي، قيل: ينتهي نسبه إلى الإمام محمد بن الحسن الشيباني – رضي الله عنه – تلميذ الإمام أبي حنيفة رحم الله الجميع (ت898هـ). ولمحقق >الفوائد الضيائية شرح كافية ابن الحاجب< للجامي الدكتور أسامة طه الرفاعي دراسة ضافية عن حياته وشيوخه ومؤلفاته في مقدمة تحقيقه. فلتنظر.

د. عبد الهادي السلي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق