مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأخبار

تقرير حول مناقشة أطروحة دكتوراه بعنوان: جماليات شروح همزية البوصيري بالمغرب دراسة من خلال نماذج

    نوقشت يوم الاثنين 29 يونيو 2015 برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان:” جماليات شروح همزية البوصيري بالمغرب دراسة من خلال نماذج”، للطالب الباحث عبد الناصر أشلواو، تحت إشراف الدكتور أحمد زكي كنون. 

  وتأتي هذه الأطروحة في سياق دراسة الأدب المغربي وتحليله، بغاية إبراز خصوصياته ومميزاته الجمالية وخاصة في مجال الشروح الشعرية، والذي يعد من المجالات التي تمثل جزءا كبيرا من منظومة الأدب بشكل عام، ولا تخفى أهمية هذه الشروح في الأدب العربي، فهي لبنة من لبناته التي حددت بعض معالمه وسماته في مختلف الأعصار والأمصار؛ إنه مجال خصب ينم عن تراث أدبي رفيع، أبان الشراح من خلاله عن علو كعبهم ورسوخ أقدامهم في باب فهم الخطاب الأدبي وإفهامه.

   كما تختزن الشروح الشعرية كثيرا من مناهج الشراح واختلاف اتجاهاتهم وتنوع مشاربهم وتعدد آليات القراءة عندهم، ولعل تسخير مهاراتهم العلمية وثقافتهم الأدبية في شرح النصوص الشعرية، يجعل القارئ يقف على ما يتمتع به هؤلاء الشراح من حس جمالي وذوق رفيع أكسبا الشروح الشعرية أبعادا جمالية بديعية، جعلت منها موضوعا يغري القارئ المحلل، ويدفعه إلى استجلاء مواطن الجمالية فيه.

   وإذا كان البحث قد وجد في شروح الشعر ميدانا خصبا له، فإنه من حيث الزمان والمكان قد حصر في مرحلة العصر العلوي الثاني بالمغرب وهي حقبة من حقب تاريخ الأدب العربي بالمغرب الأقصى، تمتد من حكم المولى محمد بن عبد الله إلى حكم المولى سليمان أي من واحد وسبعين مائة وألف هجرية (1171هـ) إلى ثمانية وثلاثين مائتين وألف هجرية (1238هـ).

   وقد تميز هذا العصر بازدهار الحياة الأدبية والثقافية رغم ما شهده من فترات عدم الاستقرار السياسي، وشكلت الشروح الأدبية عامة والشعرية خاصة مظهرا من مظاهر هذا الازدهار، الذي نعتبره استمرارا للحركة الأدبية والثقافية التي شهدها العصر العلوي الأول قبله.

  هذا بخصوص السياق العام للبحث، أما بخصوص الموضوع فيتحدد في استقصاء جماليات شروح همزية البوصيري بالمغرب من خلال دراسة وتحليل أربعة نماذج تنتمي إلى العصر العلوي الثاني، وهي:

● منهل الظمية في شرح الهمزية، لمحمد بن أحمد الحضيكي المتوفى سنة تسع وثمانين مائة وألف هجرية (1189هـ)

● الإرشادات الربانية بالفتوحات الإلهية، لعلي حرازم برادة المتوفى سنة واحد وتسعين مائة وألف هجرية (1191هـ)

● لوامع أنوار الكوكب الدري في شرح همزية البوصيري, لمحمد بنيس، المتوفي سنة ثلاث عشرة مائتين وألف (1213هـ)

● الأنوار القدسية في شرح القصيدة الهمزية، لأحمد بن عجيبة، المتوفى سنة أربع وعشرين  مائتين وألف هجرية (1224هـ)

  وقد تم الدراسة هذه النماذج، دون غيرها لما فيها من ميزات ليست في غيرها، كما أنها تستجيب لغايات البحث ومراميه.

 إنها قراءات شارحة تجاوزت البنية السطحية للمتن المشروح إلى البنية العميقة وتجاوزت الظاهر إلى الباطن، فكانت بذلك أبعد عن الشروح اللغوية البسيطة.                                   

  ومن أهم البواعث التي دعت الباحث إلى البحث في هذا الموضوع كون شروح همزية البوصيري لم تنل بعد من الدراسة والبحث العلمي الأكاديمي ما تستحق، سواء شروح المغاربة أو المشارقة أو الأندلسيين، وهي في حقيقة الأمر شروح كثيرة متنوعة يصعب عدها وحصرها ما لم نتتبعها تتبعا دقيقا، خصوصا وأنها ابتدأت منذ القرن السابع الهجري (تاريخ وفاة البوصيري) إلى اليوم.

   أما بخصوص الحقبة التاريخية قيد الدرس والتحليل والتي تم حصرها في العصر العلوي الثاني (1171هـ- 1238هـ)، فقد نبغ فيها عدد لا يستهان به من الشراح المغاربة الذين اختلفت توجهاتهم ومشاربهم في شرح الهمزية البوصيرية، وقد تبين من خلال ما أنتج من دراسات أن هذه الفترة التاريخية لم تنل بعد حظها من البحث العلمي – سيما ما تعلق منها بشروح المغاربة على الهمزية – .

منهج البحث.

   إن طبيعة الموضوع والأهداف التي تروم الأطروحة تحقيقها، قد فرضا على الدراسة أن تسلك منهجا يجمع بين الوصف والتحليل والمقارنة ثم التفسير كلما اقتضى الأمر ذلك.

– بالنسبة للوصف، فقد اعتمده الباحث في تتبع خصائص منهج الشرح عند الشراح وتبيان مرتكزات منهج كل واحد منها، وقد نتج عن ذلك أن كل شارح يقرأ نص الهمزية حسب ما جادت به قريحته من آليات القراءة والتأويل، واقتضى الوصف أن يقف الباحث على كل عنصر من عناصر الشرح في منهج كل شارح، للنظر في ما إذا شكل العنصر ظاهرة عند الشارح أم أنه يرد عنده عرضا، فإن شكل ظاهرة اعتبر ذلك مرتكزا من مرتكزات المنهج عند الشارح، ومن ثمة خاصية من خصائص الشرح عنده.       

– أما التحليل، فهي عملية تواكب الوصف، حيث عمل الباحث على تحليل عناصر الشرح والوقوف عند كيفية توظيفها عند الشراح ثم هل يشكل هذا العنصر ميزة جمالية من جماليات الشرح أم يظل آلة تقود إلى ما هو جمالي؟ ولعل التحليل أساس ضروري في أية دراسة تهدف إلى التفسير وتقريب القارئ من جماليات شروح الشعر، وقد اقتضى ذلك التركيز والدقة ما أمكن والارتباط بالنص الشارح.

   وبخصوص المقارنة فقد اعتمدها الباحث للمقارنة بين مناهج الشراح والنظر في أوجه الائتلاف والاختلاف بينها, وانتهى من ذلك إلى أنهم يشتركون في كثير من عناصر الشرح ومستوياته سواء المعطيات النصية أو التناصية منها، ولعل أبرز عنصر يجمعها هو الشرح الإشاري.

– أما التفسير فهو يواكب التحليل وما تخلص إليه المقارنة من نتائج.

  ولئن كانت الدراسة اعتمدت منهجا قوامه الوصف والتحليل والمقارنة والتفسير، فإنها لم تألوا ظهرا للمناهج النقدية الحديثة، إذ استفادت من بعضها كلما دعت المناسبة لذلك، ومثال ذلك ما استخلصه الباحث من منهج جمالية التلقي في سياق الحديث عن جمالية التفاعل الجمالي بين المبدع والنص والقارئ في تلقي همزية البوصيري من لدن الشراح، وكذا التفاعل الجمالي بين القارئ والنص الشارح.

خطة البحث:

   ولتحقيق الإحاطة بالموضوع قُسِمت الدراسة إلى مدخل وبابين وخاتمة مع مقدمة، تناول المدخل مفهوم الجمال والجمالية، حيث تتبع الباحث المفهوم في اللغة وعند الفلاسفة، ثم ربطه بالدين الإسلامي، ثم الأدب، ثم شروح الشعر مع الإشارة إلى مفهوم الشرح والتفسير والتأويل.

  أما الباب الأول, فقد قُسِم إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول: حول نشأة شروح الشعر وتطور عناصرها وما تولد عن ذلك من اتجاهات في الشرح.

الفصل الثاني: تناول العصر العلوي الثاني بالمغرب: ظروفه السياسية والثقافية، وركز فيه الباحث على فترة المولى محمد بن عبد الله والمولى سيلمان، كما أشر فيه إلى الحركة العلمية وما عرفته من ازدهار في الحياة الأدبية بما فيها شروح الشعر.

الفصل الثالث: عنونه الباحث بجمالية متن همزية البوصيري وشروحها، وعرف فيه بالبوصيري وإسهامه في مسار المدحة النبوية، ثم أبرز القيمة الأدبية لقصيدة الهمزية وخصائصها الجمالية مع تحديد مضامينها الرئيسية مع التأكيد على التفاعل الجمالي القائم بين الهمزية ومبدعها ومتلقيها، وبعد ذلك عرض الباحث عددا كبيرا من شراح الهمزية وشروحها سواء في المشرق والمغرب.

    وبخصوص الباب الثاني: فقد عنونه الباحث بشروح همزية البوصيري بالمغرب في العصر العلوي الثاني: جمالياتها من خلال مناهج شراحها، وقسمه إلى ثلاثة فصول:

 الفصل الأول: تناول دوافع شرح الشعر والغاية منه عامة، ثم ركز فيه الباحث بعد ذلك على تتبع دوافع شرح همزية البوصيري والغاية من ذلك عند شراح العصر العلوي الثاني قيد الدراسة والتحليل من خلال قراءة في مقدمات شروحهم.

 الفصل الثاني: خُصِصِ لمناهج الشراح، حيث وقف الباحث من خلاله على خصائص كل منهج على حدة من خلال عناصر الشرح ومستوياته مع التعريف بشخصية الشارح واعتبرت هذه الخطوة ضرورية للحديث عن جماليات الشروح.

 الفصل الثالث: تناول ما استخلصه البحث من جماليات، والتي تتحدد فيما هو نصي مثل جمالية العنصر اللغوي والنحوي والصرفي والبلاغي، وما هو تناصي مثل الشاهد بأنواعه والعنصر التاريخي، ثم بين من خلاله الباحث جمالية العنصر الإشاري من خلال المضمون الصوفي للهمزية وحضور المصطلح الصوفي وبعض الحقائق الصوفية ثم مقولات أعلام التصوف وأنهى الباحث هذا الفصل بجمالية التفاعل الجمالي بين المتلقي والنص الشارح.

 أما الخاتمة فقد لخص فيها الباحث مختلف خلاصات البحث و نتائجه، مع الإشارة إلى ما فتحه من آفاق.

– صعوبات البحث:

   أجمل الباحث أهم الصعوبات التي اعترضت بحثه في ما يلي:

– صعوبة في اختيار النماذج التي سيتم إخضاعها للدراسة والتحليل، علما أن شروح همزية البوصيري كثيرة جدا وأغلبها مخطوط. ليهتدي الباحث فيما بعد بفضل توجيهات أستاذه المشرف إلى ضرورة اختيار نماذج من حقبة زمنية محددة من حقب تاريخ الأدب المغربي, إلى أن استقرت الدراسة على فترة العصر العلوي الثاني للدواعي التي ذكرناها.

– واجه الباحث صعوبة على مستوى المنهج، حيث عزم في البداية على محاولة مقاربة جماليات الشروح من خلال مبادئ ومقومات منهج جمالية التلقي، كخلفية معرفية، لكن الأمر لم ينته به إلى ذلك، لتستقر الدراسة على منهج قوامه الوصف والتحليل والمقارنة والتفسير والتأويل مع الاستفادة مما تمد به المناهج النقدية الحديثة نظريا وتطبيقيا.

– صعوبة الاستفادة من بعض المخطوطات، لأسباب منها: طبيعة المخطوط نفسه، غياب أسماء المؤلفين في عدد من شروح الهمزية…

– نتائج البحث.

  لقد خلصت الدراسة من خلال النماذج المدروسة إلى أن شروح الشعر في العصر العلوي الثاني ليست شروحا لغوية بسيطة تروم بيان معنى البيت الشعري، بل هي قراءات للمتن المشروح وتحليل له، يتجاوز البنية السطحية للبيت الشعري إلى بنيته العميقة، عن طريق تسخير مختلف عناصر الشرح ومستوياته النصية والتناصية، كل ذلك من أجل كشف النقاب عن معاني جليلة وأسرار بديعة ورقائق لطيفة تخفيها لغة المتن الشعري المشروح، الأمر الذي جعل من تلك الشروح موطنا لما هو جمالي.

 وفي هذا المقام انتهى الباحث إلى نتيجة مفادها أن أصل جمالية شروح الشعر تعود بالأساس إلى أمرين هما:

– الأول: جمالية المتن المشروح: يتمثل في هذه الدراسة في متن همزية البوصيري، فقد استنتج الباحث بعد بيان قيمته الأدبية وميزاته الفنية، أنه من المتون الشعرية التي حضيت بعناية الشراح -قديما وحديثا- على اختلاف أمصارهم وأعصارهم نظرا لجماليته؛ ولعل أبرز عنصر جمالي جعل همزية البوصيري تنال الشهرة والذيوع، موضوعها المتمثل في مدح خير البرية سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وسرد سيرته العطرة بطريقة فنية جمالية جسدها القالب الشعري العمودي وما يحويه من الصور والأساليب البلاغية والمحسنات البديعية وغيرها.

الثاني: الذوق الأدبي والحس الجمالي لدى الشراح: حيث توصلت الدراسة إلى أن شراح العصر العلوي الثاني – سيما هؤلاء الذين وقف الباحث على شروحهم لقصيدة الهمزية البوصيرية- قد أبانوا عما يتمتعون به من حس جمالي وذوق أدبي رفيع أهلهم إلى إنتاج قراءات شارحة لمتن الهمزية بلغت درجة يمكن القول عنها: إن هذا الإنتاج الشارح إبداع جمالي في حد ذاته يضاهي جمالية المتن المشروح في كثير من الأحيان من خلال ما يقدمه الشراح من لطائف الإشارت ورقائق المعاني، بأسلوب أدبي رفيع.

–         وإذا كانت الدراسة قد قامت على فكرة مفادها أن شروح الشعر لا تخلو من البعد الجمالي مادام موضوع اشتغالها هو الشعر باعتباره إبداعا جماليا، فقد عمد الباحث في بعض مباحثها على رفع الحجاب عن تجليات هذا البعد في سياق ما سماه جماليات شروح همزية البوصيري, فخلص الباحث إلى أن هذه الجماليات تتمثل في ما يوظفه الشراح من عناصر الشرح ومستويات القراءة والتأويل التي أسعفتهم في التغلغل في أعماق المتن المشروح، واعتبر ذلك ضربا من جمالية الوسائل أو الوسائط؛ إذ لولا الواسطة لذهب – كما قيل- الموسوط.

  و تتمثل هذه الجماليات فيما يلي: جمالية العنصر اللغوي والنحوي والصرفي والبلاغي، وضمن هذا الأخير نجد جمالية التشبيه والاستعارة و المعاني المقامية للخبر والإنشاء.

– جمالية الشاهد القرآني والحديثي والشعري والقولي، ثم جمالية العنصر التاريخي.

– جمالية العنصر الإشاري.

– جمالية التفاعل الجمالي بين الشارح والنص المشروح.

  وبناء عليه فقد اعتبر الباحث كثيرا من عناصر الشرح ومستويات القراءة عناصر جمالية في شروح همزية البوصيري على خلاف ما ذهب إليه كثير من الدارسين من أنها مجرد آليات وأدوات يتوسل بها في بلوغ المعاني، وإذ لا يختلف في ذلك اثنان، بل هي أقرب ما تكون إلى تلك الدرر والغرر التي تؤثث فضاء الشرح، وحجته في ذلك أن الشروح التي غابت فيها الثقافة النحوية والصرفية والبلاغية… للشراح لا تعدو أن تكون مجرد شروح جافة سطحية بسيطة، ولا ترقى إلى مستوى القراءة الأدبية الذوقية الجمالية.  

 فضلا عن جمالية عناصر الشرح ومستوياته تتحدد جمالية الشروح أيضا في ما استخلصه الشراح من درر المعاني وغرر الفوائد ولطيف الإشارات، وقد اعتبر الباحث ذلك وجها من وجوه الجمالية في الشروح، بداعي تميزها عن الشروح اللغوية البسيطة، التي تظل حبيسة إظهار معاني الألفاظ الغامضة أو بيان المعنى الإجمالي للبيت في أحسن الأحوال.                                   

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق