مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

تعظيم أمر الحبيب عليه الصلاة والسلام ووجوب توقيره وبـره

 

         قال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى ورضي عنه:

          “قال الله تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) [الأحزاب: 45]، (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) [الفتح 9].

         و قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) [الحجرات1].

         و: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له، بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون، إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم، إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) الحجرات.

        و قال تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) [سورة النور 63] . فأوجب الله تعالى تعزيزه و توقيره، و ألزم إكرامه و تعظيمه.
قال ابن عباس: تعزروه: أي تجلّوه. و قال المبرد: تعزروه : تبالغوا في تعظيمه.
و قال الأخفش: تنصرونه. و قال الطبري: تعينونه. و قرىء: تعززوه ـ بزايين ـ من العز .

و نهي عن التقدم بين يديه بالقول ، و سوءالأدب بسبقه بالكلام ، على قول ابن عباس و غيره ، و هو اختيار ثعلب .

قال سهل بن عبد الله : لا تقولوا قبل أن يقول ، و إذا قال فاستمعوا له و أنصتوا .
و نهوا عن التقدم و التعجل بقضاء أمر قبل قضائه فيه ، و أن يفتاتوا بشيء في ذلك من قتال أو غيره من أمر دينهم ، و لا يسبقوه به .

و إلى هذا يرجع قول الحسين ، و مجاهد ، و الضحاك ، و السدي ، و الثوري .

ثم وعظهم و حذرهم مخالفة ذلك ، فقال: (واتقوا الله إن الله سميع عليم)
قال الماوردي : اتقوا ـ يعني في التقدم .

و قال السُّلَمي : (واتقوا الله) في إهمال حقه و تضييع حرمته، إنه سميع لقولكم، عليم بفعلكم.

ثم نهاهم عن رفع الصوت فوق صوته، و الجهر له بالقول كما يجهر بعضهم لبعض و يرفع صوته . و قيل: كما ينادي بعضهم بعضاً باسمه .

قال أبو محمد مكي : أي لا تسابقوه بالكلام ، و تغلظوا له بالخطاب ، و لا تنادوه باسمه نداء بعضكم بعضاً ، و لكن عظموه و نادوه بأشرف ما يحب أن ينادى به : يا رسول الله يا نبي الله .

و هذا كقوله في الآية الأخرى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا على أحد التأويلين .

و قال غيره لا تخاطبوه إلا مستفهمين . ثم خوفهم الله تعالى بحبط أعمالهم إن هم فعلوا ذلك ، و حذرهم منه.

1250- و قيل : نزلت الآية في وفد بني تميم ـ و قيل : في غيرهم ، أتوا النبي صلى الله عليه و سلم فنادوه : يا محمد ، يا محمد ، اخرج إلينا . فذمهم الله تعالى بالجهل، و وصفهم بأن أكثرهم لا يعقلون .

1251- و قيل : نزلت الآية في محاورة كانت بين أبي بكر و عمر بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم ، و اختلاف جرى بينهما ، حتى ارتفعت أصواتها .
1252- و قيل : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي صلى الله عليه و سلم في مفاخرة بني تميم ، و كان في أذنيه صمم ، فكان يرفع صوته ، فلما نزلت هذه الآية أقام في منزله ، و خشي أن يكون حبط عمله ، ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا نبي الله ، لقد خشيت أن أكون هلكت ، نهانا الله أن نجهر بالقول، و أنا امرؤ جهير الصوت .

فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أما ترضى أن تعيش حميداً ، و تقتل شهيداً ، وتدخل الجنة ! فقتل يوم اليمامة .

1253- وروي أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال : و الله يا رسول الله ، لاأكلمك بعدها إلا كأخي السرار .

1254- وأن عمر كان إذا حدثه كأخي السرار ،ما كان يسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه ، فأنزل الله تعالى فيهم : إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم [ سورة الحجرات3 ] . و قيل : نزلت : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ـ في غير بني تميم ، نادوه باسمه : وروى صفوان بن عسال : بينا النبي صلى الله عليه و سلم في سفر إذا ناداه أعرابي بصوت له جهوري : أبا محمد . قلنا له : اغضض من صوتك ، فإنك قد نهيت عن رفع الصوت .

و قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا [سورة البقرة الآية: 104].
125- قال بعض المفسرين : هي لغة كانت في الأنصار ، نهوا عن قولها تعظيماً

للنبي صلى الله عليه و سلم ، و تبجيلا له ، لأن معناها : ارعنا نرعك ، فنهوا عن قولها ، إذ مقتضاها كأنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم ، بل حقه أن يرعى على كل حال .

و قيل : كانت اليهود تعرض بها للنبي صلى الله عليه و سلم بالرعونة ، فنهي

المسلمون عن قولها، قطعاً للذريعة، و منعاً للتشبيه بهم في قولها، لمشاركة اللفظة. و قيل غير هذا”.

“الشـفـا بتعـريف حقـوق المصطـفى”

تحقـيق وتقـديم عـامر الجزار

طبعة 1425 هـ -2004م

دار الحديث القاهرة

ص296.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق