مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

تصحيح مفاهيم خاطئة:(3) غلط بعض الأصوليين بقولهم: “إن ثاني قول المجتهد ناسخ كقول الشارع.” والصواب :”الشارع رافع وواضع والإمام بان على دليله وتابع “

سئل الشريف  التلمساني(ت: 710-771هـ) – رحمه الله تعالى- من غرناطة عن قول الإمام المرجوع عنه، وعن القولين المختلفين، أو الثلاثة ينقلها أهل المذهب من غير تعيين متأخر منها، يجب الأخذ به، من متقدم يترك، وقائلها واحد، مع اتفاق الأصوليين، على أنه لايوخذ بأحد أقوال العالم حتى يعلم أنه المتأخر، لأنهما كدليلين نسخَ أحدُهما الآخر، فلا يعمل بمقتضى واحد، هذا في المقلد.

وأما المجتهد فله رأيه. وقد تردد النظر في المسألة فلم يوقف، إلا أن الضرورة داعية لذلك، وإلا ذهب معظم فقه مالك. ومستنَدُ الأخذ به مع الضرورة أنه لم يقل بالأول إلا لدليل، فيوخذ به من حيث الدليل، وإن رجع عنه. وأيضا قد قال أصحابه بغالب أقواله فيعمل بها من حيث اجتهادهم. ولهذا سطر المصنفون الأقوال وأفتوا بها دون تعرض لهذا الإشكال. وبعيدٌ اجتماعهم على الخطإ.وقد أجاب القرافي عن الأخير في شرح التنقيح بما في علمكم.

فأجاب: المجتهد إما مطلق، فيتكلم عن النازلة بنظره في الأدلة، فيعمل براجحها وناسخها ويصير المنسوخ لغوا، وإما مجتهد في المذهب، وهو المطلع على قواعده وأصوله، ووجوه النظر فيها، ونسبتُه إليها كالمجتهد المطلق في قواعد الشريعة، كابن القاسم وأشهب، فإنهما قرآ على مالك كالشافعي، فترقى هو للاجتهاد المطلق دونهما، أما ابن القاسم فيقول: سمعت مالكا يقول كذا، وبلغني عنه كذا، ومسألتك مثله، فهذا هو الاجتهاد المذهبي…ومخالفته في بعض المسائل…فإما أنه رأى خروج مالك عن قواعده فيها فجرى هو عليها، أو اجتهد مطلقا بناء على[تجزؤ]الاجتهاد…

وأما أشهب فالمحققون على أنه مقلد غير مجتهد…وقولُه [لما] قيل له: قال: مالك…قال: وإن قاله [ مالك] فلسنا له بمماليك يقتضي اجتهادَه،كما قال ابن رشد، وهو خلاف ما قاله الجمهور.

إذا تقرر هذا فقولا الإمام يَنْظُرُ فيهما مجتهد مذهبه أيهما أجرى على قواعده، فيرجحه، ويفتي به، ولاينبغي اعتقادهما كأقوال الشارع إذا علم المتأخر فيلغي الأول؛لأن الشارع واضع ورافع لاتابع، فالمنسوخ لايعتبر أصلا، وإمام المذهب لا واضع ولارافع، بل طالبُ دليل الشرع، وحكمه في اعتقاده ثانيا أنه غالط في الأول يجوز مثله أيضا في الثاني ما لم يرجع لقاطع، وكذا مقلدوه يجوزون عليه الغلط فيهما معا، فلذا كان لمقلده المجتهد في مذهبه اختيارُ ما رآه أجرى على قواعده من قولَيه، وأما المقلد الصرف فيعمل بآخرهما لأغلبية إصابته ظنا، فهذا سر الفرق بين صنفَي الاجتهاد.

وحاصله أن أقوال الشارع إنشاءات، واختيار المجتهد إخبار، وبهذا يظهر غلط بعض الأصوليين في قوله إن ثاني قول المجتهد ناسخ كقول الشارع، ويظهر صحة ما في إقليد التقليد لابن أبي جمرة أن رجوع المجتهد عن قول لا يبطله ما لم يرجع لقاطع؛ لأنه رجع من اجتهاد لاجتهاد، فيرجح أصحابه، قال: وفي المدونة منه مسائل، ولم يُصِب من اعترض عليه بأن الأخذ بالمرجوع عنه، إنما هو لقوة مدركه عنده، لا أنه قلد مالكا فيه، وإنما لم يصب لأن نظرالأخذ به من أصحابه نظر مقيد بقواعده لا كنظر المجتهد المطلق، فلذا كان مقلدا له لتمسكه بقواعده وأصوله وإن خالف نصه…

وقولكم:” اتفق أهل الأصول على عدم العمل، الخ” لا أعرفه في كتبهم إلا في المقلد تفريعا على أن أحدهما مرجوع عنه، قالوا: لا يعمل بواحد حتى يظهر المتأخر، وأما مجتهد المذهب فيعمل بما يوافق المذهب، كما يفعل المجتهد في أقوال الشارع.

وقولكم: “إن الضرورة تدعو إلى العمل، الخ” قلنا: كان ماذا وأين هذه الضرورة من وجوب التوقف في أقوال الشارع إن لم يعلم متأخرها، إذ لا يعمل بواحد حينئذ؟

وقولكم في مستند الأخذ وأن مالكا لم يقل به إلا لدليل، الخ… [قلنا لايصح] هذا المستند عند القائل بأنهما كدليلين نسخ أحدهما الآخر، ولم يعلم  الناسخ، وأي بقاء لدليل مع نسخه؟ وإنما يتم ذلك المستند على ما أصلناه أن الشارع رافع وواضع والإمام بانٍ على دليله وتابع.

وقولكم: إن غالب أقواله أخذ بها أصحابه، الخ…أين هذا من قولكم أولا إنهم يعملون بها مع تقليد صاحبها؟ اللهم إلا أن يحقق لما قلناه أن عملهم بأول أقواله بناء على جريه على أصوله، فما زالوا على التقليد وإن اجتهدوا في مذهبه، وأما إن كان على مطلق الاجتهاد فقد خرجوا على المذهب.

وقولكم: إن المصنفين سطروها، الخ… [فهو] ردإجمالي ما تبين فيه نكتة، مستند هذا الإجماع السكوتي، وهو ما أشرنا إليه. وأما جواب القرافي فضعيف عند النظر.

كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج: تأليف أحمد بابا التنبكتي، دراسة وتحقيق: الأستاذ محمد مطيع، ج2ص(79/83)، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية. 1421هـ/2000م

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق