مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

الاحجام عن التصحيح والإصلاح قبل التبيين و البيان.

        

          قال الشيخ الفقيه الحافظ الناقد القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى ورضي عنه:

         “فأما الجسارة فخسارة، فكثيرا ما رأينا من نبه بالخطأ على الصواب فعكس الباب، ومن ذهب مذهب الإصلاح والتغيير فقد سلك كل مسلك في الخطأ، ودلاه رأيه بغرور. وقد وقفت على عجائب في الوجهين، وسنُنَبه من ذلك على ما توافيه العبر، وتحقق من تحقيقه أن الصواب مع من وقف وأحجم لا مع من صمم وجسر، وتتأمل في هذه الفصول ما تكلمنا عليه وتكلم عليه الأشياخ والحفاظ فيما أصلحه أبو عبد الله بن وضاح في الموطأ على يحيى بن يحيى فيمن تقدم، وعلى ما أصلحه القاضي أبو الوليد الكناني على هذه الكتب فيمن تأخر، وإظهار الحجج على الغلط في كثير من ذلك الإصلاح، وبيان صحة الرواية في ذلك من الأحاديث الصحاح، وكما وجدنا معظما من حفاظ المتأخرين المغاربة أصلا البغداديين نزلا قد روى حديث جليبيب وقول المرأة: أجُليبيب انيه؟ فقيده: الجليبيب الابنة: لما كان الحديث في خطبة ابنة هذه المرأة، وهي قائلة هذا الكلام، ولم ينفهم لمن لم يعرف معنى: انيه وإلحاق بعض العرب هذه الزيادة الأسماء في الاستفهام عند الإنكار، ظن أنه مصحف من الابنة، وكذلك فعل في حديث جويرية. وشك يحيى بن يحيى في سماعه اسمها في حديثه وقوله: أحسبه، قال: جويرية أو البتة، ابنة الحارث، فقيده: أو أليته بفتح الهمزة وكسر اللام بعدها ياء باثنتين تحتها مخففة، وظنه اسما وأن شك يحيى، إنما هو في تغيير الاسم لا في إثباته أو سقوطه، ويحيى إنما شك هل سمع في الحديث زيادة اسم جويرية، أو إنما سمع ابنة الحارث فقط، ثم نفى الشك عن نفسه بعد قوله: أحسبه قال: جويرية، فقال: أو البتة، أي أني أحقق أنه قالها، ومثل هذا في حديث يحيى بن يحيى كثير، وسنذكر منه في موضعه إن شاء الله. وكذلك روى حديث ادام أهل الجنة باللام فقال: باللأْيٌ يعني الثور. وهكذا وجدت معظما من شيوخنا قد أصلح في كتابه من مسلم في حديث أم زرع من روايته عن الحلواني عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة في قوله: وعَقْرُ جارتها فأصلحه وعُبْرُ بالباء وضم العين اتباعا لما رواه فيه ابن الأنباري وفسره بالاعتبار أو الاستعبار على ما نذكره، إذ لم ينفهم له ذلك في عقر، والمعنيان بينان في عقر إذ هو بمعنى الحيرة والدهش، وقد يكون بمعنى الهلاك، وكله بمعنى قوله في الرواية المشهورة: وغَيْظُ جارتها، وسنبينه في موضعه بأشبع من هذا إن شاء الله في أمثلة كثيرة نذكرها في مواضعها إلا قصة جليبيب، فهذا اللفظ ليس في شيء من هذه الأصول. فبحسب هذه الإشكالات والإهمالات في بعض الأمهات واتفاق بيان ما يسمح به الذكر، و يقتدحه الفكر مع الأصحاب في مجالس السماع والتفقه و مسيس الحاجة إلى تحقيق ذلك ما تكرر علي السؤال في كتاب يجمع شواردها ويسدد مقاصدها، ويبين مشكل معناها وينص اختلاف الروايات فيها ويظهر أحقها بالحق  وأولاها، فنظرت في ذلك فإذا جمع ما وقع من ذلك في جماهير تصانيف الحديث وأمهات مسانيده ومنثورات أجزائه يطول ويكثر، وتتبع ذلك مما يشق ويعسر والاقتصار على تفاريق منها لا يرجع إلى ضبط ولا يحصر”.

مشارق الأنوار على صحاح الآثار في شرح غريب الحديث

الموطأ والبخاري ومسلم، للقاضي عياض.

 الطبعة الأولى 1423هـ – 2002م، دار الكتب العلمية، 1/13.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق