مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

أنموذجات من الوقفات المنتقدة على الإمام أبي عبد الله الهبطي وتوجيهها (1)

الحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن علم الوقف والابتداء من أدق العلوم التي تنبئ عن فهم القارئ لكتاب الله تعالى، وتكشف من أسرار معاني الآيات الكريمة ما لا يحصى عددا، ولا ينقضي عجبا، وبه تتبين معاني الآيات، ويؤمن من الوقوع في مشكلاتها.

فينبغي لكل مَعْني بتلاوة القرءان الكريم، مجتهد في إيفائها حقها ومستحقها أن يُقبل عليه، ويَصرف همته إليه، إذ لا يتحقق فهم كلام الله تعالى ولا يتم إدراك معناه إلا بذلك، فربما يقف القارئ قبل تمام المعنى، ولا يصلُ ما وقف عليه بما بعده حتى ينتهي إلى ما يصحُ أن يقف عنده، وعندئذ لا يَفهم هو ما يقول، ولا يَفهمه السامع، بل ربما يُفهم من هذا الوقف معنى ءاخر غير المعنى المراد من كلام الله عز وجل، وهذا فساد عظيم، وخطر جسيم.

«فبإحسان الوقف والابتداء تتبدَّى للسامع فوائدُه الوافرة، ومعانيه الفائقة، وتتجلّى للمنتجِع مقاصدُه الباهرة، ومناحيه الرائقة، التي لم تستعن العرب على فهمها بمادة خارجة عنها، بل فهمته بفضل طباعها التي بها نُزّل، وعليها فُصّل» (1).

وإن من الوقوف التي اشتهرت وعم النفع بها، وقف الإمام أبي عبد الله الهبطي (930ه‍) رحمه الله؛ فلا يخفى تعلق المغاربة والتزامهم بها في محاريبهم وأحزابهم وإقرائهم وتعليمهم، حتى وصلوا إلى حد التعصب لها ولصاحبها رحمه الله.

وقد انتُقد على الشيخ الهبطي -رحمه الله- بعض هذه الوقوف، وأُلفت بعض التوليفات في ذلك، وهكذا العلم، لا بد فيه من ناقد ومنقود، وكل من ألف فقد استهدف، لكن أغلب من نقد لم ينصف الشيخ رحمه الله، بل بعضٌ لم يتأدب التأدب المطلوب في المطارحات النقدية، ووصل به الأمر إلى الوصم بالجهل.

وفي مقابل هؤلاء، هناك من جاوز الحد في التعصب للشيخ والانتصار له، حتى ثافن تخوم الخرافات، فقال: إنه رأى هذه الوقوف في اللوح المحفوظ، ومن ثم أخذها، وقال غير ذلك…

ونحن لسنا مع هؤلاء ولا هؤلاء، ولا نتعصب للشيخ الهبطي، ولا ندعي فيه العصمة، ولا نقول بإلزامية وقوفه، بل هذا لم يقله واضع هذه الوقوف نفسه، إلا أننا نتعصب له إذا رمي بالجهل، وبأنه كان يضع هذه الوقوف اشتهاءً، وأنه لم يكن يرجع إلى قاعدة بل كان يقف كما يظهر له، وأنه لم يكن يعرف علم العربية ولا شيئا مما اشترطوه لصحة الوقف، وبأنه لم يقرأ المقدمة الآجرومية، أو أنه رجل من الصلاح العباد، ولا حظ له في العلم، أو أنه عامي في العربية وجاهل بعلم الوقوف، وغيرها من الأحكام المجحفة الصادرة عن قلة الاطلاع أو عن تسرع في الحكم أيا كان قائلها.

وما أحسن إنصاف الأستاذ المقرئ الشيخ عبد الواحد المارغني، قال: «واعلم أن أوقاف الشيخ الهبطي -رضي الله عنه- كلها مرضية، موافقة جارية على قواعد فن القراءات ووقوفه، وما تقتضيه العربية وأصولها، نعم، هناك وقوف تعد بالأصابع استشكل وقفه عليها لعدم موافقتها -بحسب الظاهر- لوقوف علماء القراءة والعربية…وهناك وقوف يحسن الوقف عليها، بل ومن السنة الوقف عليها رأينا الشيخ الهبطي لم يقف عليها» (2).

ونذكر في هذه السُّليسلة إن شاء الله أنموذجات للوقفات المنتقدة على الإمام الهبطي وتوجيهها، وبيان سلفه فيها، وخطأ من نسب إليه القصور في الفهم والإدراك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نظام الأداء في الوقف والابتداء لابن الطحان: 20.

(2) رسائل ملحقة بكتاب النجوم الطوالع: 194-195.

 د. محمد صالح المتنوسي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. شيخناأردت أن أسألكم بخصوص موضوع الوقف الهبطي هل يمكن لنا أن نصوغ منه سؤال لغوي يصلح أن يكون عنوانا لمذكرة التخرج؟؟؟
    أفيدونا بارك الله فيكم
    يعني سؤال في اللغة نصوغ سؤال لغوي مثلا في البلاغة كأن نقول :
    الوقوف المنتقدة على الإمام الهبطي دراسة بلاغية
    او بالأحرى ماهو الموضوع المناسب في الوقف الهبطي الذي له علاقة بالجانب اللغوي يمكننا ان نتطرق اليه
    أفيدونا بارك الله فيكم
    ننتظر ردكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق