وحدة المملكة المغربية علم وعمرانفنون وعمرانغير مصنف

دار المؤقت وبرج النفارة بحاضرة فاس

برج النفارة يتوسط مئذنة القرويين يسارا وصومعة ضريح المولى إدريس الأزهر يمينا

بجوار جامع القرويين المبارك  يوجد برج فريد من نوعه يسمى برج النفارة أو النفار، وقد بني على شكل صومعة،  وتوجد ملحقةً به دارٌ عريقةٌ تعرف بدار المؤقت.

يرتبط اسم برج النفارة المتصل بالقرويين، من جهة الشماعين وسِماط العُدول بمهنة النفار الذي كان يحفز الناس على الاستيقاظ للسحور وأداء الصلاة خلال شهر رمضان، وهو برج مرتبط بدار المؤقت التي قامت بأدوار جليلة في مراقبة أهلة الشهور القمرية، وضبط مواقيت الصلاة، وهي مهمة كان يقوم بها عالم فلكي عرف باسم المؤقت..

تتكون دار المؤقت من بناء أرضي وطابق علوي ينتظمان معا حول فناء مركزي، ويرتفع على الجهة الجنوبية من الدار برج مربع، على شكل صومعة، وهو في الواقع مرصد فلكي، ولتمييزه عن مئذنة القرويين تم بناؤه بدون قبة عليا أو عمود نحاس في أعلاه.

يتعلق الأمر ببرج شيد في عهد السلطان أبي عنان المريني بهدف مراقبة الخريطة الفلكية في السماء، ورصد مدارات النجوم من أجل مقاصدَ مرتبطةٍ بحساب الزمن والمواقيت، أما المنزل الملاصق للبرج فهو سكنى المؤقت المكلف بتحديد مواقيت الصلاة، وكان الميقاتي المشرف على الدار يقوم بضبط الوقت وإعطاء التعليمات لانطلاق الأذان عبر صومعة القرويين ومنها إلى بقية الصوامع..

صحن دار المؤقت بفاس

وقم تم ترميم هذه المعلمة العلمية والدينية بهبة من صاحبة الجلالة ماركريت الثانية ملكة الدنمرك، وهي الآن تستقبل متحفا للأسطرلاب والساعات والمخطوطات والأدوات الفلكية وتساهم في رسم معالم تاريخ فلكي عريق في بلدنا المبارك.

إن ترميم هذه المعلمة التاريخية الفريدة من نوعها يعتبر إحياء لذكرى تألق المغاربة في علم الفلك والتوقيت من جهة، وأيضا الاعتراف بجميل الأسر التي مارست مهنة النفار عبر تاريخ فاس العريق..

ارتكز عمل الترميم بالأساس على تدعيم البرج وتقويته وإصلاح تصدعاته باستعمال أحدث التقنيات المعروفة في مجال الترميم الهيكلي، وقد تمت تقوية هياكل البرج بالآجر التقليدي و قناطر من خشب الأرز.

بعض المخطوطات الفلكية المعروضة في المتحف

أما دار المؤقت التي تمثل مع البرج كُلا متكاملا فقد خضعت للترميم، سواء على المستوى الهيكلي أو على مستوى الزخرفة، وهي تتكون على طريقة الدور المغربية الأندلسية من طابقين وصحن وأروقة وسطح، ويرتبط هذا الأخير بشكل عضوي بالبرج عبر سلالم..

وقد تمت إعادة تقوية أساسات الأعمدة بالروابط وذلك بمواد الآجر التقليدي، كما أعيد كسوة الأرضية بالزليج في كل غرف الدار وفي الصحن. أما الأروقة في الطابق العلوي، فقد كسيت بالزليج متعدد الألوان.

مزولة أو ساعة شمسية في بهو دار المؤقت

وقد تمت إعادة هياكل الأسقف الخشبية بالأرز، كما شمل عمل فن الخشب الغرفَ والأروقة والأبواب والحواجز الخشبية المطلة على السطح، والنوافذ الخشبية البديعة الصنع.

رممت السقاية الصغيرة في صحن الدار، وبدت دار المؤقت وبرج النفارة بعد انتهاء أعمال الترميم غاية في الروعة والإتقان تعبر عن عبقرية الفنون المغربية وتجدر الحضارة فيها.

آلة الربع المجيب معروضة في متحف الدار

والحال، أن رد الاعتبار لبرج النفارة ودار المؤقت لا يعتبر عملا ترميميا وفنيا فحسب، بل عملا حضاريا كبيرا سيخلد لا محالة ذكرى معلمة علمية كبرى شاهدة على عبقرية المغاربة في علم الفلك والنجوم والتوقيت، وهو أيضا اعتراف بالجميل لمهنة النفار والأسر التي مارستها على مدى قرون، وأسدت  بذلك خدمة جليلة للصائمين خلال الشهر المبارك.

آلة الإسطرلاب معروضة في دار المؤقت

إن ربط الماضي بالحاضر عبر جعل البرج ودار المؤقت متحفا يساهم في رسم ملامح حركة علمية مباركة في مجال التوقيت والفلك، يشهد بفضل من الله على عراقة المغرب وتفوقه في العلوم الكونية على مر العصور.

د. جمال بامي

  • رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ومركز علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق