مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

وقفات مع حديث:« قد أبدلكم الله خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


إعداد الباحثة دة: خديجة أبوري* 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فإن من حكمة الله تعالى أن جعل لعباده جوائز كثيرة يفرحون بها، منها: جوائز في الدنيا تُشعرهم بلذة ومتعة العبادة، ومنها: جوائز في الآخرة يحصل عليها المؤمن في الجنة، ومن أروع الجوائز الدنيوية التي منحها الله لعباده: يوم العيد،  ويسمى أيضا بـ: «يوم الجائزة»،  وقد شرع الله في ذلك عيدان يكونان بعد ركنٍ من أركان الإسلام؛ وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى. فعيد الأضحى يكون بعد عبادة الحجِّ، وعيد الفطر يكون بعد عبادة الصَّوم،  فعن أنسٍ رضي الله عنه  قال: قدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما، قال: «ما هذان اليومان؟». قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال: «قد أبدلكم الله خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفِطْر».

فهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده[1]، وأبو داود [2]، والنسائي في سننيهما[3]، والحاكم في المستدرك[4]، والبيهقي في سننه وشعبه [5] كلهم من طرق عن حميد الطويل عن أنس بن مالك.  الحديث بنحوه.

وأخرجه البيهقي في موضع آخر في شعبه عن الحسن وحميد الطويل وقال: زاد الحسن فيه: «أما يوم الفطر فصلاة وصدقة، وأما يوم الأضحى فصلاة ونسك»[6].

إن هذا الحديث مع كونه قليل الكلمات، ويحكي قصة قصيرة إلا أن له دلالات إيمانية بديعة، ومعان تربوية نفيسة، وفوائد فقهية عظيمة، أقف معها باختصار:

الوقفة الأولى:

عند قوله صلى الله عليه وسلم: «ما هذان اليومان؟» وهذا فيه إشارة وتأكيد لتميز المسلم عن غيره، واستغنائه بالشرع المبارك عن عادات وتقاليد الأمم الماضية.

الوقفة الثانية:

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «قد أبدلكم الله خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفِطْر». دلالة على إلغاء الأعياد التي كانت في زمن الجاهلية، وإبدالها بأعياد إسلامية، فلم يقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على أعيادهم في حال شرعه لعيدي المسلمين، بل ألغى احتفالهم بذلك اليومين حين قال:« أبدلكم» والإبدال يقتضي ترك المبدل منه.[7]

فأشعر فعله هذا بأنه لا يمكن أن يكون في الإسلام أي عيد آخر غير العيدين اللَّذين شُرعَا لأهل الإسلام، أو ما أضيف إليهما بنص شرعي آخر، ولذلك قام بإلغاء الأعياد التي كانت أيام الجاهلية.

الوقفة الثالثة:

ومن القضايا المثارة كذلك في قوله: «إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما» أن فيه دلالة على أنه لم ينكر اللعب عليهم، ولكن أنكر التوقيت الزمني، فأخبرهم بأن الله تعالى أبدلهم يومين بيومين آخرين، واللعب على ما هو عليه.

 

وفي هذا دلالة على  أن هذين اليومين يعدان يوما فرح وسعة، يُرَوِّح بها المؤمن عن نفسه من ثقل العمل المتتابع الجاد، ليعود إلى الجادة مرة أخرى أجود ما يكون وأكمل رغبةً ونشاطاً. إلا أن هذا الترويح لا يصح أن يخرج به عن حدود وتعاليم الإسلام.

الوقفة الرابعة:

ثم إن هذين اليومين ارتبط كل واحد منهما بالمواسم الدينية، فيوم الفطر مرتبط بانتهاء صيام رمضان، ورمضان هو الذي أُنزِل فيه القرآن، الذي حدَّد الله فيه معالم الطريق السوي لقيام هذه الأمة، فناسب أن يُتخَذ اليوم الذي يلي ذلك الشهر يوم عيد، تعبيراً عن الشكر له سبحانه على ما أنعم به على عباده من إنزال القرآن الكريم في ذلك الشهر، وشكراً له سبحانه على توفيقه لهم. وكذلك الحال في يوم الأضحى؛ فهو مرتبط بموسم الحج، ويأتي عقب يوم عرفة. فإنه يُذكّر عباده بيوم إكمال النعمة وإتمامها ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾[8]، فناسب أن يتخذ ذلك اليوم كذلك يوم عيد.  

الوقفة الخامسة:

في قول الحسن: «أما يوم الفطر فصلاة وصدقة، وأما يوم الأضحى فصلاة ونسك» فيه دلالة على  مشروعية الصلاة والزكاة  في عيد الفطر، والصلاة والأضحية في عيد الأضحى تعبيرا على الشكر لله تعالى على إتمام نعمتي الصيام والحج.

قال ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة: «وضم مع التجميل فيهما ذكر الله وأبوابا من الطاعة، لئلا يكون اجتماع  المسلمين بمحض اللعب، ولئلا يخلو اجتماع منهم من إعلاء كلمة الله .  أحدهما يوم فطر صيامهم وأداء نوع من زكاتهم، فاجتمع الفرح  الطبيعي من قبل تفرُّغهم عما يشق عليهم، وأخْذِ الفقير الصدقات، والعقلي  من قِبَلِ الابتهاج بما أنعم الله عليهم من توفيق أداء ما افترض عليهم،  وأسبل عليهم من إبقاء رؤوس الأهل والولد إلى سنة أخرى. والثاني يوم ذبح إبراهيم ولده إسماعيل عليهما السلام وإنعام الله عليهما  بأن فداه بذِبْح عظيم؛ إذ فيه تذكُّر حال أئمة الملة الحنيفية والاعتبار بهم  في بذل المهج والأموال في طاعة الله وقوة الصبر، وفيه تشبه بالحاج وتنويه  بهم وشوق لما هم فيه، ولذلك سنَّ التكبير.. »[9].

الخاتمة

أرجو بعد هذه الوقفات أن أكون قد وفقت في بيان معنى هذا الحديث وما اشتمل عليه من الفوائد، واللَّهَ أسأل أن يجعل عملي صالحاً،  ولوجهه خالصاً، وأن يجمعنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم، وأن ينفع بهذه الوقفات إنه جواد كريم.

********************

المراجع المعتمدة في المقال:

1- الجامع لشعب الإيمان. البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي. تحقيق: د/ عبد العلي عبد الحميد حامد. مكتبة الرشد الرياض. ط1/ 1423-2003.

2- حجة الله البالغة. ولي الله الدهلوي: أحمد ابن عبد الرحيم الدهلوي. تحقيق: السيد سابق. دار الجيل بيروت.ط1/ 1426-2005

3- سنن أبي داود. أبو داود: سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني. حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي. دار الرسالة العالمية.ط 1430-2009.

4- سنن البيهقي الكبرى. البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي. تحقيق : محمد عبد القادر عطا.  مكتبة دار الباز – مكة المكرمة. ط/ 1414 – 1994.

5- سنن البيهقي الكبرى. البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي. تحقيق : محمد عبد القادر عطا.  مكتبة دار الباز – مكة المكرمة. ط/ 1414 – 1994

6- سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي. النسائي: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي. حققه ورقمه ووضع فهارسه: مكتب تحقيق التراث الإسلامي. دار المعرفة. بيروت لبنان.

7- فيض القدير شرح الجامع الصغير. المناوي: محمد عبد الرؤوف المناوي. دار المعرفة بيروت. ط2 /1391-1972.

8- المستدرك على الصحيحين. الحاكم النيسابوري: محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم. تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية  بيروت. ط1/ 1411 – 1990

9- مسند الإمام أحمد بن حنبل. ابن حنبل:  أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون. مؤسسة الرسالة. ط2/ 1420-1999.

 

هوامش المقال:

([1])  مسند أحمد (21 /226-225)  برقم: (13622).

([2])  سنن أبي داود (2 /345) برقم: (1134).

([3])  سنن النسائي (3 /199) برقم: (1155).

([4]) المستدرك على الصحيحين (1 /434) وقال:هذا حديث صحيح على شرط مسلم،ولم يخرجاه . ووافقه الذهبي في تلخيصه.

([5])  سنن البيهقي (3 /277) برقم: (5918)، شعب الإيمان (5 /286) برقم: (3436).

([6])  شعب الإيمان (5 /286) برقم: (3437).

([7]) انظر: ما نقله المناوي عن المجد ابن تيمية في فيض القدير: (4 /511)

([8]) سورة المائدة من الآية: 3.

([9]) حجة الله البالغة (2 /48).

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق