مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

وظائف ذي الحجة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بقلم الباحثة: دة خديجة أبوري

الحمد لله الذي خلق الزمان، وفضَّل بعضه على بعض، فخص بعض الشهور والأيام والليالي بمزيد من الفضل والثواب والشرف، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم﴾([1])  فالسعيد كما قال ابن رجب الحنبلي: «من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه، بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار، وما فيها من اللفحات»([2])

ومن هذه الأوقات شهر ذي الحجة؛ وفيها أيام فضلها الله تعالى على سائر الأيام، ويستحب استغلالها بكثرة الطاعات والعبادات وفعل الخيرات، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال:  ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا :  يا رسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله :  ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)([3]).

وعنه أيضا عن النبي ﷺ أنه قال : ( ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله ؟) قال : (ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء) قال: (وكان سعيد بن جُبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يُقدرُ  عليه)([4])

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: (ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد) ([5]).

وهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على تفضيل العمل في هذه الأيام العشر على العمل في سائر الأيام، ولذا أقسم الله تعالى بها، والإقسام بالشيء دليل على أهميته ومكانته، قال تعالى: ﴿والفجر وليال عشر﴾([6]) وجمهور أهل التفسير على أنها عشر ذي الحجة.

قال ابن كثير: «وبالجملة فهذا العشر قد قيل: إنه أفضل أيام السنة، كما نطق به الحديث، وفضله كثير على عشر رمضان الأخير؛ لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك، من صلاة، وصيام، وصدقة وغيره، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه. وقيل: ذلك أفضل، لاشتماله على ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر»([7]).

وتوسط آخرون فقالوا: أيام هذا أفضل، وليالي ذلك أفضل، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟

فأجاب :«أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة ».

قال ابن القيم –رحمه الله-: «وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيها يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التروية. وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله  يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر، فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة»([8]).

وقد علل الحافظ ابن حجر المسوغ لهذا الفضل وهذه المكانة بقوله: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره»([9]).

فمن وظائف هذه العشر والتي ينبغي للمسلم القيام بها:

أداء الحج والعمرة: والحج من أفضل القرب، وأعظم الطاعات، وهو أشرف عمل يؤديه المسلم في هذه الأيام، لما فيه من الثواب العظيم، والأجر الجزيل، الموهوب بلا عد، ولا حد، من صاحب المن والفضل.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه»([10]).

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرورليس له جزاء إلا الجنة» ([11]).

التكبير: يسن التكبير، والتحميد،  والتهليل،  والتسبيح أيام العشر، مصداقا لقوله تعالى: ﴿ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البآئس الفقير﴾([12])

والأيام المعلومات هي أيام العشر؛ لما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال: «الأيام المعلومات: أيام العشر. والأيام المعدودات: أيام التشريق» ([13]). ويكون ذلك في كل موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى من المساجد ، والأسواق والمنازل وغيرها. وقد ثبت أن ابن عمر، وأبا هريرة رضي الله عنهم كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما ([14]).وهذه من السنن التي غفل عنها كثير من الناس في هذا الزمان، ولهذا ينبغي على المسلم إحياؤها.

الأضحية: لقول الله تعالى: ﴿فصل لربك وانحر﴾([15]) والمراد بالنحر: «ذبح المناسك ، لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ، ثم ينحر نسكه»([16])  وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر([17]))([18])

صلاة العيد: وهي شعيرة من شعائر الإسلام التي حث عليها الشرع، والتي ينبغي على المسلم الحرص عليها، وعدم التساهل بها.

الإكثار من العمل الصالح: فمن الأوقات الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يضاعف فيها الجهود «عشر ذي الحجة» لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر »([19]) فالعمل في هذه الأيام أحب إليه تعالى من العمل فيما سواها من الأيام لمضاعفة الأجر والثواب.

      وفي الختام أحمد الله  تعالى الذي وفقني في هذا المقال للحديث عن بعض وظائف ذي الحجة سائلة المولى أن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع بقبول حسن وأن ينفع به.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

*************

المراجع المعتمدة في المقال

 

1- تفسير القرآن العظيم. ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير تحقيق: سامي بن محمد سلامة. دار طيبة للنشر والتوزيع. ط2/ 1420- 1999.

2- الجامع الصحيح (المسند من حديث رسول الله ﷺ وسننه وأيامه). البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. قام بشرحه وتصحيح تجاربه وتحقيقه: محب الدين الخطيب- رقم كتبه،  وأبوابه،  وأحاديثه،  واستقصى أطرافه: محمد فؤاد عبد الباقي- نشره،  وراجعه،  وقام بإخراجه،  وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب. المطبعة السلفية القاهرة. ط1- 1400.

3- الجامع الكبير.الترمذيأبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي.حققه،  وخرج أحاديثه، وعلق عليه: د. بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي بيروت.ط 1- 1996.

4- سنن أبي داود. أبو داود: سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني. حققه،  وضبط نصه،  وخرج أحاديثه،  وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي – شادي محسن الشياب. دار الرسالة العالمية ط 1430/2009.

5- الفائق في غريب الحديث. الزمخشري: محمود بن عمر الزمخشري. تحقيق : علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم.  دار المعرفة – لبنان. ط2.

6- فتح الباري شرح صحيح البخاري. ابن حجر: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار السلام الرياض. ط1/ 1421-2000.

7- لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف. ابن رجب الحنبلي: زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب الحنبلي. تحقيق: ياسين محمد السواس. دار ابن كثير بيروت. ط5/ 1420-1999.

8- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية. جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنفي. طبع بأمر ولي العهد فهد بن عبد العزيز آل سعود. ط1/ 1398.

9- مسند الإمام أحمد بن حنبل. أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرنؤوط- وآخرون، مؤسسة الرسالة. ط1/ 1416-1995.

10- مسند الدارمي المعروف بـ: سنن الدارمي. الدارمي:  أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي. تحقيق: حسين سليم أسد الداراني. دار المغني السعودية. ط1 /1421-2000.

****************

هوامش المقال:

([1]) سورة التوبة من الآية: (36).

([2])  لطائف المعارف ص: (40).

([3]) أخرجه الترمذي في السنن (2/122) كتاب الصوم، باب: ما جاء في العمل في أيام العشر برقم: (757). قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

([4]) أخرجه الدارمي في سننه ( 2 /1113) برقم:( 1815).

([5]) أخرجه أحمد في مسنده (9 /323 ) برقم:( 5446).

([6]) سورة االفجر الآيتان (1-2)

([7]) تفسير ابن كثير (5 /416).

([8]) مجموع الفتاوى ( 25 /287).

([9]) فتح الباري ( 2 /593).

([10]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الحج، باب: فضل الحج المبرور (1/ 470، 471).

([11]) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب: العمرة، باب: العمرة، وجوب العمرة وفضلها (1 /537).

([12]) سورة الحج: (28).

([13]) أخرجه البخاري تعليقا في كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق (1 /306).

([14]) أخرجه البخاري تعليقا في كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق (1/ 306).

([15]) سورة الكوثر الآية:  (2).

([16]) تفسير ابن كثير (8 /503).

([17]) يوم القر: ثاني يوم النحر؛ لأنهم يقرون فيه، أي : يقيمون ويستحمون مما تعبوا في الأيام الثلاثة  الفائق في غريب الحديث (3 /172).

([18]) أخرجه أحمد في مسنده 31 /427 برقم: 19075، وأبو داود في سننه  (2 /179-180) كتاب الحج باب: في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ برقم: ( 1765).

 ([19]) تقدم تخريجه.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق