مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

وجوه الترجيحات(5)

يقول الإمام الحافظ أبو بكر بن حازم الهمذاني (ت584هـ) مُبيناً وجوه الترجيح: 

الوجه السابع عشر أن يكون أحد الراويين جمع حالة الأخذ بين المشافهة والمشاهدة والثاني أخذه من وراء حجاب، فيؤخذ بالأول لأنه أقرب إلى الضبط وأبعد من السهو والغلط، ولهذا لما اختلف في زوج بريرة هل كان حرا أو عبدا، فرواه القاسم بن محمد وعروة بن الزبير عن عائشة أن بريرة أعتقت وكان زوجها عبدا، ورواه أسود بن يزيد عن عائشة أن زوجها كان حرا، كان المصير إلى حديث القاسم وعروة أولى لأنهما سمعا منها من غير حجاب.

الوجه الثامن عشر أن يكون أحد الحديثين اختلفت الرواية فيه والثاني لم تختلف، فيقدم الحديث الذي لم تختلف الرواية فيه، نحو ما رواه أنس بن مالك في باب الزكاة في صدقة الإبل إذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، وهو حديث صحيح مخرج في الصحاح من حديث ثمامة بن عبد الله بن أنس، ورواه عن ثمامة ابنه عبد الله وحماد بن سلمة، ورواه عنهما جماعة وكلهم اتفقوا على هذا الحكم من غير اختلاف بينهم، وروى عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الإبل إذا زادت على عشرين ومائة قال ترد الفرائض إلى أولها، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة. كذا رواه سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم، ورواه شريك عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون، فهذه الرواية موافقة لحديث أنس بن مالك، و الرواية الأولى تخالفه وحديث أنس لم تختلف الرواية فيه، وحديث علي رضي الله عنه اختلفت الرواية فيه كما ترى، فالمصير إلى حديث أنس أولى للمعنى الذي ذكرناه.

 على أن كثيرا من الحفاظ أحالوا في حديث علي بالغلط على عاصم. وإذا تقابلت حجتان ويكون لأحداهما معارض وليس للأخرى ذلك فما سلمت تكون أولى كالبينات إذا تقابلت، فما وجد لها معارض سقطت، وما سلمت من المعارضة ثبتت، كذلك هذا.  

الوجه التاسع عشر أن يكون أحد الراويين لم يضطرب لفظه والآخر قد اضطرب لفظه، فيرجح خبر من لم يضطرب لفظه لأنه يدل على حفظه وضبطه وسوء حفظ صاحبه، مثاله حديث ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، فهذا حديث يروى عن ابن عمر من غير وجه، وممن رواه الزهري عن سالم، ولم يختلف فيه عليه، ولا اضطرب في متنه، فكان أولى بالمصير إليه من حديث البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود؛ لأن هذا الحديث يعرف بيزيد بن أبي زياد وقد اضطرب فيه، قال سفيان بن عيينة: كان يزيد يروي هذا الحديث ولا يذكر فيه “ثم لا يعود”، ثم دخلت الكوفة فرأيت يزيد بن أبي زياد يرويه وقد زاد فيه “ثم لا يعود” وكان قد لقن فتلقن.


كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار،

الصفحة: 13-14-15.

الطبعة الثانية،

مطبعة دائرة المعارف العثمانية،

حيدر آباد، 1359هـ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق