مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

من خصائص الأيام العشر من شهر ذي الحجة

 

 

 

بقلم الباحثة: دة/ خديجة أبوري*

تمهيد:

إن من فضل الله تعالى على الأمة المحمدية أن خصهم بمواسم يتزودون فيها من الخيرات الكثيرة، ويتنافسون بها على الطاعات النافعة، التي تقربهم إلى الله تعالى. ومن هذه المواسم المباركة والأيام الفاضلة أيام عشر من ذي الحجة، فهي موسم للطاعات ومضمار للسباق في تحصيل الأجور والحسنات. وهي التي جاء ذكرها في آي القرآن في قوله تعالى: ﴿والفجر وليال عشر﴾[1] وجمهور أهل التفسير على أنها عشر ذي الحجة.

      ولما كان الموضوع بهذه الأهمية رأيت أن أفرده بمقال، وسأعرف من خلاله أولا: على فضل هذه الأيام بأدلة من  القرآن والسنة، ثم أذكر ثانيا:  بعضا من خصائصها، ومزاياها.

وهذا آوان الشروع في المقصود، فأقول وبالله أستعين:

1-فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة 

أولا: فضلها في القرآن الكريم

وردت الإشارة إلى فضل هذه الأيام العشرة في بعض آيات القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾ [2]وقد أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية قوله: عن ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات أيام العشر[3].

وقد ورد في فضلها أيضا في بعض الآيات الأخرى من القرآن الكريم منها قوله تعالى: ﴿والفجر وليال عشر﴾[4]. قال ابن كثير رحمه الله: المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله           ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم[5].

ثانيا: فضلها في السنة النبوية

كما وردت الإشارة إلى عظيم فضلها في بعض أحاديث الرسول ﷺ ومنها:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: ) ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ( ، فقالوا : يا رسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)[6].

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد) [7].

عن ابن عباس –رضي الله عنهما– عن النبي  ﷺ أنه قال : ( ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله ؟) قال : (ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء) قال: (وكان سعيد بن جُبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يُقدرُ  عليه)[8]

وغيرها من الأحاديث الدالة على فضلها.

2-من خصائص هذه الأيام العشر:

للأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة من المزايا والخصائص العظيمة أذكر منها ما يلي:

-مشروعية الحج فيها: وهو من أفضل ما يُعمل في هذه الأيام.

-أنهن الأيام المعلومات التي أقسم الله بها في كتابه الكريم ﴿والفجر وليال عشر﴾، ولا شك أن قسم الله تعالى بها دليل واضح على عظيم شرفها.

-أنها من أعظم أيام السنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) [9].

-أن فيها يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة.

-أن فيها يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وله فضائل عظيمة فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال:(ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم تباهى بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)[10].

-أن فيها ليلة جمع وهي التي يبيت فيها الحاج ليلة العاشر بالمزدلفة بعد دفعهم من عرفة.

-أن فيها يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر[11][12]

-أن هذه الأيام مكان اجتماع أمهات العبادات وهي: الصلاة والصيام والصدقة والحج كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر. قال: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة أنها م ذلك في غيرها» [13].

-أنها أفضل من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان ؛ لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل ؟ فأجاب :«أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان ، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة ». قال ابن القيم –رحمه الله-: «وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيها يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التروية. وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان الرسول ﷺ يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر، فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة[14].

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

**********************

لائحة المراجع المعتمدة في هذا المقال

1-تفسير القرآن العظيم. ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي.تحقيق: سامي بن محمد سلامة. دار طيبة للنشر والتوزيع. ط2/ 1420- 1999.

2-الجامع الكبير.الترمذيأبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي.حققه،  وخرج أحاديثه، وعلق عليه: د. بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي بيروت.ط 1- 1996.

3-السنن. أبو داود: سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني. حققه، وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي – شادي محسن الشياب. دار الرسالة العالمية ط 1430/2009.

4-صحيح مسلم بشرح النووي. النووي: أبو زكرياء يحي بن شرف النووي.حققه، وخرجه، وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة ط1-1415/1994.

5-الفائق في غريب الحديث. الزمخشري: محمود بن عمر الزمخشري. تحقيق : علي محمد البجاوي -محمد    أبو الفضل إبراهيم.  دار المعرفة – لبنان. ط2.

6-فتح الباري شرح صحيح البخاري. ابن حجر: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار السلام الرياض. ط1/ 1421-2000.

7-مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية. جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنفي. طبع بأمر صاحب السمو الملكي ولي العهد المعظم فهد بن عبد العزيز آل سعود. ط1/ 1398.

8-مسند الإمام أحمد بن حنبل. أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرنؤوط- وآخرون، مؤسسة الرسالة. ط1/ 1416-1995.

9-مسند الدارمي المعروف بـ: سنن الدارمي. الدارمي:  أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي. تحقيق: حسين سليم أسد الداراني. دار المغني السعودية. ط1/1421-2000 .

************

هوامش المقال:

([1]) سورة الفجر الآيتان (1-2).

([2]) سورة الحج من الآية: ( 26-27).

([3]) تفسير ابن كثير(1 /560)

([4]) تقدمت.

([5]) تفسير ابن كثير (8 /390)

([6]) أخرجه الترمذي في السنن (2 /122) كتاب الصوم، باب: ما جاء في العمل في أيام العشر برقم: (757). قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

([7]) أخرجه أحمد في مسنده (9 /323 ) برقم:( 5446).

([8]) أخرجه الدارمي في سننه ( 2 /1113) برقم:( 1815).

([9]) تقدم تخريجه.

([10]) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب:  الحج باب: في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة .صحيح مسلم بشرح النووي ( 5 /127) برقم:( 1348).

([11]) يوم القر: ثاني يوم النحر لأنهم يقرون فيه، أي: يقيمون ويستحمون مما تعبوا في الأيام الثلاثة. الفائق في غريب الحديث (3 /172).

([12]) أخرجه أحمد في مسنده 31 /427 برقم: 19075، وأبو داود في سننه  (2 /179-180) كتاب الحج باب: في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ برقم: ( 1765).

 ([13]) فتح الباري (2 /593).

([14]) مجموع الفتاوى ( 25 /287).

*راجع المقال الباحث محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق