مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

در السحابة في بيان مواضع وفيات الصحابة للعلامة المحدث الحسن بن محمد الصغاني ت 650هـ

 

 

 

بقلم: عبداللطيف السملالي

لقد حفظ لنا علماء الإسلام بعناية كبيرة سير أعلام الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ودونوا أخبارهم وأحوالهم مع النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وسجلوا لنا بدقة مواقفهم وبطولاتهم في ساحة الوغى، وعند نزول الشدائد بهم، كل ذلك لإبراز منزلة الصفوة المباركة وقدرها الرفيع في نصـرة دعوة الإسلام، وسعيها المستميت في نشر قيمه ومبادئه في الآفاق.

ومن جليل ما اعتنى به أهل التاريخ والسير والتراجم: وفيات الصحابة وتحديد مدافنهم، وللمحدثين كبير اهتمام بهذا الموضوع، وخاصة معرفة وفيات الرواة من الصحابة، وقد تمكن النقاد من إبراز زيف كثير من الروايات وكشفوا عن حال الوضَّاعين الذين اختلقوها، ولولا إعمال النظر في وفيات الرواة لما استطاعوا نقد تلك الروايات، وبيان ضعف الاحتجاج بها.

و من الأمثلة المحفوظة في استخدام سني الوفيات في نقد الإسناد وبيان ما فيه من انقطاع أو إرسال، أن سهيل بن ذكوان روى عن عائشة رضي الله عنها وزعم أنه لقيها بمدينة واسط. ولما كانت وفاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (سنة 58هـ)، قبل أن يخط الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95هـ) واسط بزمن طويل حوالي 78هـ، كما أنها لم تطأ أقدامها تلك الربوع، فتبين كذب الرجل وزيف دعواه[1].

 وثمة  قاعدة انتهجها نقاد الحديث في فترة مبكرة في نقد الإسناد، متمثلة في إعمال النظر في تواريخ الرواة، لخصها الإمام سفيان الثوري (ت 161هـ) بقوله: ” لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ”[2].

ومن أشهر الكتب التي اعتنى أصحابها بوفيات الصحابة وغيرهم من الرواة والعلماء:

•    كتاب الوفيات؛ لأبي نعيم الفضل بن دكين (ت 219هـ).
•    كتاب الوفيات؛ لعبد الباقي بن قانع ( ت351هـ).
•    تاريخ مولد العلماء ووفياتهم؛ لمحمد بن عبدالله ابن زبر الربعي (ت 379هـ).
•    كتاب الوفيات؛ لابن قُنْفُذ القَسَنْطِينِي (ت 810هـ).  [ فصل فيمن علمت سنة وفاته من المشهورين من الصحابة] .

وقد توجهت عناية أحد العلماء المحدثين وهو معدود من اللغويين المبرزين، وهو العلامة رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني (ت 650هـ)، إلى تأليف كتاب لم يسبق إليه  في مواضع وفيات الصحابة خاصة، سماه:  (در السحابة في بيان مواضع وفيات الصحابة) وهو كتاب فريد في بابه، غزير الفوائد، مستوعب لأسماء الشهداء من الصحابة، والمشاهد التي حضـروها والمعارك التي سقطوا في ساحتها.

حاول الإمام الصغاني في طالعة كتابه عرض مضمون كتابه بإيجاز مفيد، وعبارات دالة غير متكلفة، وغير مغرقة في المحسنات اللفظية، وأفادنا فيها أنه سبق له أن وضع مختصـراً في بيان مواضع وفيات الصحابة، ثم جعل له ذيلا، ومن ذلك العملين استخلص منهما المؤلف تلك الرسالة اللطيفة (در السحابة..). يقول الصغاني:

” هذا كتاب جمعت فيه من المختصـر الذي كنت ألفته في بيان مواضع وفيات الصحابة رضي الله عنهم ، ومن ذيله الذي ذيّلْته عليه، لتتم الفائدة وتعم العائدة.. “[3].

قسم المؤلف كتابه إلى مقدمة، ورتب بعد ذلك تراجم الصحابة على حروف المعجم (الترتيب المشـرقي) وختمه بأصحاب الكنى من الصحب الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

وقد بلغ مجموع الصحابة المترجم لهم في هذا الكتاب الذي اكتفى صاحبه فيه بذكر مواضع وفياتهم دون التنصيص على سني وفاتهم، 750 صحابياً، وجاءت تراجمه جد مختصـرة جامعة للمقصد الذي رام تحقيقه، ولم تخل تراجمه من إفادات كثيرة متعلقة بأحوال الصحابي ومناقبه، وأطلعتنا على أن كثيراً من الصحابة درجوا في بلاد نائية غير الموطن  الذي نشأوا  فيه، أو الذي عاشوا فيه بين ذويهم، وذلك أن جماعة منهم انتقلوا في مراحل مختلفة إلى أطراف البلاد المفتوحة لمتابعة الفتوحات الإسلامية والجهاد في سبيل الله، ونشـر الهداية في الآفاق، وبث العلم في النفوس، وترسيخ قيم الإسلام بين أبناء تلك البلاد.

حرص الصَّغاني على بناء عناصر تراجمه بدقة كبيرة، معتمدًا على الإيجاز المفيد، مرجحًا أصَحَّ الأقوال حول مدافن الصحابة، مستعرضا أسماء الغزوات والمعارك التي استشهد فيها الصحابي، ولا يفوته التذكير بالحالة التي انتهى إليها الصحابي: (الوفاة، الاستشهاد، القتل..)، وفي الغالب كان لا يُعَرِّجُ على تحديد تاريخ وفاة الصحابي، ويقتصر أحيانا على ذكر الفترة أو الحدث التاريخي الذي توفي فيه الصحابي.

إن كتاب  (در السحابة في بيان مواضع وفيات الصحابة) على صغر حجمه ضم فيه الصغاني معلومات غزيرة الفوائد؛ مبثوثة في مصادر مختلفة من كتب السير والمغازي والتراجم والطبقات، واستطاع المؤلف استيعاب جل تلك المصادر واستخلص منها مواد تراجمه بعناية كبيرة أبانت عن قدرته الكبيرة  في التأليف، وإعماله النظر النقدي في بسط الرأي الصواب، وترجيح الأقوال.

    تنوعت الإفادات حول الصحابة الكرام في هذا الكتاب، وتباينت طرق عرضها بإيجاز  دقيق دلَّ على المنهج المُحْكَم المُتَّبَع من قِبَل الصغاني في صياغة مؤلَّفِه اللطيف، ويمكن استعراض بعض تلك الإفادات في العناوين التالية:

•    ذكر منقبة الصحابي:

             ” البراء بن مالك أخو أنس لأبيه وأمه، وكان ممن لو أقسم على الله لأبره، استشهد يوم تُسْتَر”[4].

•    الإحاطة ببعض الأعمال التي اضطلع بها الصحابي:

             “الحارث بن عُمَير الأزدي، بعث رسولا إلى الروم، وقيل صاحب بصرى، فاستشهد في الطريق”[5].

•    ذكر أول من دفن بالبقيع:

            “عثمان بن مظعون، مات بالمدينة ودفن بالبقيع، وهو أول من دفن به، وهو فرط المسلمين”[6].

•    ذكر أواخر من مات من الصحابة بالشام:

            “عتبة بن النُّدر السلمي: آخر من مات من الصحابة بالشام”[7].

•    ذكر بعض المُعَمَّرين المخضرمين ممن أدرك النبي ولم يره:

          “سويد بن غفلة الجعفي، عمَّر مائة وسبعين سنة”[8].

•    التنبيه على من في صحبتهم نظر:

       “مالك بن أوس بن الحدثان البصري، في صحبته نظر، توفي بالمدينة”[9].

ومما تجب الإشارة إليه أن الصغاني أغفل في كتابه الجليل القدر، ذكر وفيات الصحابيات ومنهن أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم، وبيان مدافنهن، والإحاطة ببعض مناقبهن كما سلك ذلك في تراجم الصحب الكرام.

لقد اعتمد الصغاني في تأليف كتابه: (در السحابة) على مصادر كثيرة وراجع مصنفات متنوعة، لكنه لم يفصح عن جلها في هذا الكتاب المختصـر، وربما ذكَّر بها في المطول، وبين صفحات (در السحابة)  ظفرنا بإشارات عن  بعض موارده في كتابه منها:

  – تاريخ المصريين؛ لعبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي (ت 347هـ).

  – كتاب الأسامي والكنى؛ لأبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحاكم النيسابوري (ت378هـ).

  – الاستيعاب في معرفة الأصحاب؛ لأبي عمر يوسف بن عبد الله النمري المعروف بابن عبدالبر(ت463 هـ).

إن كتاب (در السحابة في بيان مواضع الصحابة) يعد بحق أهم مصدر أفرد فيه صاحبه مواضع الصحابة، واجتهد قدر الإمكان في استيعاب الأسماء، لذلك اعتمده العلماء جيلا بعد جيل في معرفة وفيات الصحابة، مُنَوِّهين بجليل قَدْرِ صاحبه، وعظيم القدر الذي بذله في جمع هذا التصنيف، وهناك من اعتكف على اختصاره، ومن أهم العلماء الذين أفادوا من هذا الكتاب، واجتنوا منه الفوائد الجليلة، واقتبسوا منه النصوص الموثقة في بيان مواضع وفيات الصحابة الصحيحة:

1. الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السَّخَاوي (ت 902هـ)، نوه بهذا الكتاب الذي ظفر بنسخة أصلية بخط الصغاني، وأشار في (فتح المغيث شرح ألفية الحديث إلى وجود اختصار وضعه العلامة  محمد بن أحمد بن سليمان جلال الدين الدمشقي المعروف بابن خطيب داريا(ت810هـ). يقول السخاوي: >وقد جمع الصَّغانِي اللغوِي جزءًا فيمن عرِف أمكنة وفاته من الصحابة، سماه: (دَرُّ السَّحَابَةِ)، وهو عندي بِخطِّهِ. وَاختصره خطيب داريا، وفيهِما فوائد مع احتياجهما إِلَى تنقيب[10].
2. العلامة محمد علي بن محمد ابن عَلَّان البكري الصديقي (ت 1057هـ)، اعتمده في تحديد موضع وفاة الصحابي الجليل أبي أسيد مالك بن ربيعة الذي سكت ابن الأثير عن ذكر ذلك، فوجد ابن علان الصديقي ضالته في كتاب(در السحابة..) [11].
23.    العلامة الأديب الرحالة محمد بن عبدالوهاب ابن عثمان المكناسي (ت 1214هـ)، اعتمده في إبطال زعم أهل حمص أن موضع قبر عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقع في بلدتهم، والصواب أنه مات بمكة ودفن بفخ أو بذي طوى، وأتى المكناسي على الاستشهاد بنص الصغاني في سياق حديثه عن زيارة مشاهد بلاد الشام، وقد دوّن ذلك في رحلته الحجازية المسماة: (إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والخليل والتبرك بقبر الحبيب) [12].

 ويجدر التنويه أن كتاب (در السحابة) وجد طريقه إلى عالم النشر مرتين:

    الأولى: بتحقيق الدكتور سامي مكي العاني. مجلة كلية الشـريعة. جامعة بغداد. العدد 5. 1969. 65 صفحة. (يوجد في فصلة مستقلة من المجلة المذكورة. مطبعة المعارف. بغداد. 1969م).

   الأخرى: بتحقيق طارق الطنطاوي. مكتبة القرآن. القاهرة. 1992م. 144 صفحة.

ولا يفوتني في هذه الورقة التعريفية بهذا الكتاب التذكير بأن النسخ الخطية منه كثيرة في الخزانات العالمية، و بعضها يتوفر على ذيول تفيد في موضوع الكتاب، ربما كانت من وضع المؤلف نفسه، كما أن عدد الصحابة المدرجين فيها يفوق ما هو مذكور في النشرة المصرية من الكتاب.

وأهم النسخ الخطية الأصلية أو مصوراتها المعروفة اليوم من كتاب (در السحابة) توجد في الخزانات التالية:

1.    كوبريلي (تركيا). رقم: 1080/7. ورقة 244 – 254.
2.    مراديه (تركيا). رقم: 6393/1.
3.    سليمانية (تركيا). مجموعة رقم: 1042/8. ورقة 308 – 813.
4.    مكتبة المسجد الأقصى. (القدس). رقم: 667.
5.    مكتبة عارف حكمت (المدينة المنورة). رقم:100/900. نسخة مصورة منه توجد في قسم المخطوطات  بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. تحت رقم: 7948.
6.     قسم المخطوطات  بالجامعة الإسلامية (المدينة المنورة). تحت رقم: 1165/1. مصورة عن نسخة مكتبة برلين.
7.    مكتبة توبجن. ألمانيا. رقم: 1041. نسخة مصورة منه توجد بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة.
8.    مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. الرياض. رقم: 3846 فح.
9.    مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. الرياض. رقم: 9652.
10.    مركز جمعة الماجد. دبي. رقم: 240685.
11.    مركز جمعة الماجد. دبي. رقم: 240479.

وخلاصة القول: إن كتاب (در السحابة في بيان مواضع وفيات الصحابة) مفيد للغاية، ضم فوائد كثيرة، ومعلومات قيمة عن أحوال الزُّمْرَة الطَّيِّبَة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما اجتهد الصغاني في بيان الرأي الصواب في مدافن كثير منهم.

ولأهمية الكتاب وقيمة موضوعه وجلال قدر مؤلفه، ينبغي العناية بهذا الكتاب والبحث عن أصله المطول والعمل على تحقيقه تحقيقا علميًّا يُجَلّي مكانةَ الصحابة الكرام، ودورَهم الكبير في نشـر الإسلام وبث قيمه في البلاد التي فتحوها في فارس والهند والسند ومصر وإفريقية والمغرب.  


[1] . بحوث في تاريخ السنة المشرفة. أكرم ضياء العمري. 191.

[2] ـ علوم الحديث. ابن الصلاح. 484.

[3] . در السحابة. الصغاني. تحقيق طارق الطنطاوي. مكتبة القرآن. القاهرة. 11.

[4] . در السحابة. 18.

[5] .  در السحابة. 29.

[6] . در السحابة. 97.

[7] . در السحابة. 93.

[8] . در السحابة. 55.

[9] . در السحابة. 112.

[10] . فتح المغيث. السخاوي. 3/150.

[11] . دليل الفالحين. ابن علان. 3/7.

[12] . إحراز المعلى والرقيب. محمد بن عبدالوهاب ابن عثمان المكناسي.165.

free viagra samples coupon pfizer coupons for viagra pfizer viagra coupons
prescriptions coupons ningchao.net discount coupon for cialis
why abortion is wrong go abortion techniques
bystolic savings card forest laboratories patient assistance
prescription drugs coupons transfer prescription coupon cialis discounts coupons

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق