مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

جوانب من التواصل الصوفي الليبي المغربي

                                                  

تتميز البيئة الليبية والمغربية بوجود تشابه كبير بين البيئتين، فكما أن المغرب بلد الأولياء والمشرق بلد الأنبياء كما يقال، فإن ليبيا أيضا بلد الصالحين حيث يشاهد الداخل لها والزائر، ما يدل على ذلك من كثرة الأضرحة بها، وقيام المزارات السنوية  بها، حيث تجتمع الطرق المختلفة والغالب عليهم اليوم هو التصوف الشعبي، الذي ساد معظم الطرق في ليبيا.

إن تعاليم الشيخ زروق لسالك الطريق الصوفي، يمكن رصدها في كتاباته ورسائله، التي حرص من خلالها على أن يعرف بالتصوف على حقيقته، ومحاولته التوفيق بين الفقه والتصوف، مستندا على القرآن والسنة، فهو القدوة الحسنة، والنموذج الأخلاقي  لمن عاصره و من أتى بعده، فزرّوق أوتي الفهم والمنطق السديد، وجمع بين الفقه في الدين ورسوخ القدم في فهم التصوف، فحمل راية التجديد لهذا الفكر .

ازداد التواصل بين البلدين، باستقرار الشيخ زروق في ليبيا واتخاذها موطنا له، ولقد ساعدت عدة عوامل على توثيق تلك العلاقة حيث طبيعة الجوار، ووحدة الدين، ومدرسة الفقه المالكي، والعقيدة الأشعرية ووحدة العادات والتقاليد.

حيث تعد ليبيا على مر التاريخ البلد الذي  قطنته العديد من الأسر المغربية، مما كان لزاما على المغاربة في أسفارهم ورحلاتهم إلى الحج، أن يمروا على ليبيا، وكانت لهم طرق خاصة يسلكونها، ولهم أماكن ينزلون بها للراحة والتزود في رحلاتهم، ومن بين تلك الطرق ما يعرف بالطريق المجاري للساحل المتوسطي، وهو ما كان يسلكه الركب الفاسي، وممن سلك هذا الطريق “كل من ابن رشيد السبتي، وابن بطوطة، والبارسي، وأحمد زروق والحسن الوزان”[1]

كان المغاربة عندما يمرون على ليبيا فمنهم من يعجبه المقام فيمكث فيها، ويطيب له المكان، ووجدت العديد من الأسر الليبية أصولها مغربية، وظلت محافظة على لقبها المغربي حتى اليوم، لعل أبرزها قبيلة المغاربة.

لقد وجد الصالحون وبعض أهل الطرق المناخ المناسب لهم، فاتخذوها مأوى لهم، نظرا لما لمسوه من مناخ ملائم لنشر طرقهم، وتكوين الأتباع، حيث بساطة السكان والتمسك بالدين، وعدم ظهور تيارات وتعدد المذاهب.

تظهر العلاقات الحديثة بين الدول لاسيما دول المغرب العربي حلقة من حلقات التواصل والإخاء، وتبقى العلاقة الأبعد والأقوى والأوثق، تلك التي كانت بين العلماء والأدباء والرحالة والصوفية، لقد كانت عرى التواصل وثيقة وحاضرة، وتشهد الكتب والمخطوطات على حلقات الوصال التي كانت بين البلدين.

استمر التواصل من قبل الليبيين الذين شدوا الرحال لكي ينهلوا من معين القرويين الذي شاع في الآفاق، على الرغم من وجود الأزهر الذي كان أقرب بقليل.

التبادل العكسي حاضر بين البلدين، وكان الذين يمرون على ليبيا، يبقون فترة من الوقت، مما يتيح هناك فرصة للالتقاء بالعلماء والفقهاء والصوفية، وقد أخذ بعض علماء ليبيا من هؤلاء المغاربة فأصبح لهم شأن كبير، و كانوا يتنقلون مصطحبين معهم كتبهم أحيانا، ولعل أبرز هؤلاء إبراهيم الأجدابي الليبي الذي سئل عن علمه من أين اكتسبه وهو لم يسافر خارج ليبيا، ولم تكن له رحلة فأجاب من بابي هوارة وزناتة حيث يشير أنه أخذ علمه من القادمين إلى ليبيا سواء من جهة الشرق أم الغرب، وكان من بين هؤلاء المغاربة حتما.

1 2 3 4 5 6الصفحة التالية

ذ.عادل عمر إبراهيم كريم

باحث مختص في التصوف الجمهورية الليبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق