مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

جوانب من التواصل الصوفي الليبي المغربي

ثالثا – التواصل الصوفي عن طريق الكتب:

تعد الكتب من أهم الوسائل التي ربطت بين ليبيا والمغرب، حيث يتم نسخها، ومن ثَمّ تداولها على نطاق أوسع، فكثير من العلماء عرفوا عن طريق كتاباتهم، وقد كان الكتاب المغربي حاضراعلى نطاق واسع في مجالس الذكر والعلم بليبيا ومتداولا

، حيث وجدت مؤلفات أسهمت في إثراء الفكر، ومن تلك المؤلفات ما يتعلق بالحقل الصوفي ومبادئه وطرقه، وتشير الكتابات أن العديد من الكتب المغربية والمخطوطات كانت موجودة في ليبيا، و كذلك الكتب والمخطوطات الليبية وجدت في المغرب أيضا.

لقد حدث هذا التلاقح الفكري للبلدين والكل منهما محمل بأفكاره وآرائه، فزادت اللحمة والترابط والاطلاع الأوسع والأشمل، خصوصا من خلال تلك الكتب النادرة، فقد يتطلب الأمر أحيانا نسخ الكتاب إن كانت توجد منه نسخ قليلة، ففي رحلة الوزير الشرقي إلى طرابلس صحبة الأمير محمد بن عبد الله 1143 هـ 1731، أن القاضي أبا القاسم العميري أثناء وجوده سمع عن “كتاب الحافظ التوزري الذي شرح فيه قصيدة الشقراطسي فطلب من صاحب الكتاب أن يبقى عنده حتى ينسخ الكتاب وحبس نفسه في الدار إلى أن قام بذلك “13 .

كما أن استجلاب الكتب يكشف لنا عن وجود كتب صوفية، حرص الصوفية على أن تكون بين أياديهم وفي متناولهم. فيشير العياشي في رحلته وكتابه ماء الموائد، أنه التقى بطرابلس محمد المكنى أحد علماء البلاد أشاد بذكائه ورجاحة عقله، وقد استعار منه كتابين  المطول لسعد الدين وكتاب العضد على مختصر ابن الحاجب، ويبدو أن هذين الكتابين نادران في المغرب.

ومن شدة حرص أهل المغرب على اقتناء الكتاب، فإنهم يدفعون الأموال للحصول عليه، فهذا الرحاّلة المغربي الناصري وجد نسخة نادرة فريدة من صحيح البخاري بخط الإمام الصدفي ت 414 هـ وجدها في مكتبة الشيخ أحمد بن الطبل ت 1252 هـ، فتعلق بها وحاول شراءها بمائة دينار ذهبا فأبى صاحبها بيعها وبعد رجوع الناصري إلى بلاده فاتح بها ملك المغرب السلطان سليمان 1823م فبعث إلى صاحبها يريد شراءها وعرض عليه ألف مثقال، حبا لأهل العلم والعلماء.

أما الرحّالة المغربي عبد المجيد المنالي الزبادي، صاحب رحلة بلوغ المرام بالرحلة إلى بيت الله الحرام سنة 1158 هـ اطلع على كتب زروق ورسالته وتأليفه قال “وقفت له على تأليف لم أر من ذكره في كتبه أطلعني عليه شيخنا العارف بالله سيدي محمد المدعو عبد الكبير السرغيني أتى به من بلاد طرابلس”15

وهذا الشيخ محمد الريفي اطلع على كتاب الدرة المحمدية القرشية على الدرة الفلكية القرشية في الأحكام العرشية في التصوف لابن قاجة” وقد أثنى على الكتاب وأطراه وقال بأنه من الكتب التي تشد لها الرحال”16

وقد زادت حركة التواصل من القرب والاطلاع على الطرق الصوفية وحال المتصوفة، فكان العلماء المغاربة عندما يمرون على ليبيا يجيزون ويمنحون الإجازة لبعض العلماء هناك، فقد التقى اليوسي بالفقيه محمد بن أحمد المكنى” وأسفر ذلك اللقاء عن إجازة الشيخ اليوسي للمعني المذكور وأهداه كتاب المحاضرات”17 .

حرص الليبيون على لقاء هؤلاء الأعلام خصوصا من أجل الحصول على الإجازة العلمية، والتزكية من مثل هؤلاء العلماء، فتسارعوا إليهم.

ومن التواصل الذي تَمّ في القرن التاسع عشر تواصل الشيخ ماء العينين بن العتيق مع الشيخ محمد بن محمد بن عامر سنة 1357هـ حيث أشاد ماء العينين بالزيارة وقال :

“فأطلعونا على مكتبتهم فوجدناها مشتملة على كثير من الكتب المعبرة، وبالغوا في إكرامنا والإحسان إلينا، ولهم أخلاق طيبة وآداب جمة وكرم زائد”.

ضم ذلك اللقاء الكثيرين من علماء وأعيان طرابلس، ذكر منهم الشيخ ماء العينين في رحلته : الشيخ عبد الرزاق الطاهر البشتي، وهو من أكابر العلماء، وتولى القضاء في عدة مناطق، والشيخ عبد الرحمن بن علي المكهود، وهو من أكبر المدرسين بكلية أحمد باشا، والشيخ أحمد كامل أفندي بن خاتمة من الحفاظ المهرة في القراءات، والشيخ مصطفى الهوني، والشيخ الطاهر بن أحمد الشريف المدرس بالمدرسة الأهلية بطرابلس، وكذلك الأستاذ الأديب الشاعر أحمد الفقيه حسن الذي قام بتحية الحجيج المغربي بقصيدة جاء فيها :

                        طَرابُلُسُ لازَالَ يَشْهدُ أهْلـــــُــهَا            بِفَضْلِكُمُ فِي كُلِّ نادٍ ومَشْـهـــــدِ

         لَقَدْ أْخْصَبَتْ لَمّا نَزَلْتُمْ بِأَرْضِها          وَكَيْفَ وَمَا فِيكُمْ سِوَى كُلِّ سيِّدِي (بحر الطويل)

وقد ردّ عليها الشيخ ماء العينين بتحية جاء فيها :

                       زَفَفْتَ إِليْنا أَحْمَدُ بْنُ مُحمًــــــدٍ             مُخَدرةً مِنْ ذِهْنِكَ الْمُتوقِّدِ

     تَحَمَلُنَا فِيها تَحِيّةَ شيِـّــــــــــــقٍ             لِنقْرأَها عِنْدَ اُلْمَقامِ اُلْمُحمّدِ “18(بحر الطويل)

أمّا في العصر الحديث فنذكر أن هناك تواصلا بين البلدين لبعض الأعلام الذين زاروا ليبيا، خصوصا ما يتعلق بالتبادل العلمي والثقافي، الذي كان يتخلله زيارة لبعض المعالم الحضارية والدينية، ومنها الزاوية الزروقية الآن ومن بين الذين زاروها ووقفوا على معالمها ودورها الصوفي الريادي الدكتور عبد الله نجمي صاحب كتاب التصوف والبدعة، وأهدى كتابه لمكتبة زروق، وزيارته كانت سنة 2003، والشيخ الفقيه الأستاذ محمد طيب وهو من أحفاد الشيخ زروق يسكن بمكناس زار زاوية الزرّوق وأهدى للمكتبة كتابه أحمد زروق محتسب العلماء والأولياء وقد طبعته إحدى مطابع مصراته، وقد تواصل مع شيخ  الطريقة الزروقية الآن محمد عمر الرعيض منطقة مصراته بليبيا وأجازه الشيخ طيب في 21– 4 – 2010 وأوصاه ومن جملة ما قال له : “أوصيك أخي في الله محمد عمر الرعيض ونفسي بتقوى الله وطاعته ومراقبته في السر والعلن”

أيضا تواصل من الأساتذة المشايخ المغاربة إدريس الفاسي الفهري في سنة 2010 حيث قام بزيارة الجامعة الأسمرية بليبيا، وقام كذلك بزيارة الشيخ زروق ومنطقة زروق و معالمها المرافقة لها، وزيارة بعض الأماكن العلمية في مصراته.

كما تجدد التواصل عبر تبادل الكتب بين رئيس وحدة التصوف الدكتور عبد الوهاب الفيلالي من خلال كتابه عوارف معرفية من التصوف وأدبه في المغرب  حيث أهدى نسختين لمكتبة زروق، لأمين مكتبة زروق الأستاذ مصطفى عبد الرحيم  أبو عجيلة الذي أهدى بدوره كتابه الأنوار السنية على الوظيفة الزروقية تحقيق الأستاذ مصطفى أبو عجيلة، بواسطة الباحث الذي كان حلقة التواصل

ويستمر تواصل الطلاب الليبيين بالدراسة في الجامعات المغربية، على نهج السلف من الليبيين الذين أخذوا العلم من أهل المغرب، وتشهد الأطاريح الجامعية والرسائل، على ذلك التواصل، ومن بينها التواصل الوثيق والعميق مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله خصوصا، التي مازالت تشهد هذا الزخم والحضور للطلاب الليبيين، والباحث من بين هؤلاء الطلاب، أراد أن ينهل من معين أهل فاس بلد الصلحاء والأولياء، بلد نشأة الشيخ زروق وأحفاده البررة.

كل ذلك التواصل احتوى على النفحات والنفائس الروحية والصوفية، التي زادت من القرب  الحميمي الصادق، الذي يعبر عن عمق التواصل، وقوة العلاقات بين البلدين.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6الصفحة التالية

ذ.عادل عمر إبراهيم كريم

باحث مختص في التصوف الجمهورية الليبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق