مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

جوانب من التواصل الصوفي الليبي المغربي

لقد تحتّمّ على الزائرين لضريح زروق أو غيره من الأضرحة التي شدت الرحال إليها، أن يلتقوا برجال أهل التصوف، حيث حرص الرحالة أن يتتبعوا الآثار والأضرحة والزوايا، فهذا العياشي أشار إلى ذلك بالتقائه بالعديد من أهل التصوف، والطرق الصوفية، حيث لاحظ كثرة الزوايا والأضرحة بالبلاد الليبية، وكثرة المزارات التي تقام لهذه الأضرحة وسجل الزوايا التي مرّ عليها في كل من الزاوية، زاوية صرمان، زاوية عبد السلام الأسمر، زاوية زروق بمصراته. وقد دقق في تلك الزيارات لكل الظواهر والأحداث، وقد “حضر بعضها لقراءة الوظائف والأوراد واجتمع إلى مريديها بها” 6

تواصل أبو سالم العياشي في أثناء رحلته مع بكثير من أهل الصلاح والمجاذيب وأهل التبرك في ليبيا، فقد أشار إلى أنه التقى ببعض هؤلاء المجاذيب منهم “ابن بومجيب، ومحمد بن أبي القاسم الغرياني، وأبو تركية”7  فتخلل تلك الرحلة  الاطلاع على المناطق، والطرق الموجودة بها، وإسنادها في الطريق الصوفي ودوّن ملاحظاته في كتابه ماء الموائد بتفصيل أدق.

كان هؤلاء الصوفية رحّالة أو غيرهم عندما يمرون على البلاد ويلتقون بعلمائها وأهل الفضل والصلاح، يتبادلون القصص والكرامات والأسانيد، ويتبادلون الكتب، فيحدث التواصل والاندماج بينهم، لذلك خص أهل المغرب بزيارة ضريح زروق، باهتمام خاص وتناقلوا بركته يقول العياشي في رحلته، “وأودعنا عند قبره أنفسنا وأموالنا وأدياننا فرأينا بركة ذلك”.

هنا نلمس المعتقد الذي شاع عند الجميع ببركة الصالحين، وأنهم محفوظون ومحروسون برعاية الشيخ زروق الذي يحرسهم مما سيتعرضون له من أحداث في طريقهم، وتناقل الزائرون لضريح الشيخ زروق بركته ومنهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي عبد الله محمد الملقب بالمرابط الدلائي ت 1099 هـ في أثناء حجه حيث أصابه في الطريق، ألم وورم في فخذه واشتد به وجعه وتصلبه حتى كاد أن يقضي عليه، وعندما وصلوا الضريح أدخل فيه متصارخا على ضريح الشيخ وقال :

                            يَا أبَا اُلْعَبّاسِ زَرُّوقَ فَهَل        مِنْ شِفاءٍ أوْ عِلاجٍ لِضَرَرْ

فَحِمَاكَ الْيَوْمَ يمّمَتُ فَإِنْ         تَكْشِفِ اُلْبَلْوى فَفَضْلٌ قدْ ظهَرْ( بحرالرمل )

قال” فوالذي نفسي بيده ما برحت مكاني ولا خرجت من ضريح الشيخ زروق حتى كأنما أنفذ فيها بالشفاء، فتفجّرت قيحا وصديدا وخرج يمشي”8

هذه القصص وغيرها، حرص الصوفية أن يتناقلوها على سبيل التواتر، فيتزايد الإقبال والزيارة لضريح الشيخ وغيرها من الأضرحة، وأورد بعض الصوفية ممن كانوا قريبي  العهد بالشيخ زروق وذاع صيتهم وتركوا آثارهم، وهو ابن غلبون وهو من الذين رأوا الشيخ زروق، أنه عاش وعمّر طويلا حيث “كان يأتي كل يوم جمعة إلى ضريح الشيخ ويختم عنده القرآن ويقرأ الوظيفة في المسجد”9، فابن غلبون كان قد انضوى تحت لواء الطريقة الزروقية و يعد أبرز من أخذوا بها في ليبيا، و قراءته للوظيفة تدل على مدى حرصه عليها وتلاوتها بأوراده. كان لزاما أن يلتقي بالعلماء والصوفية الزائرين، فيتبادلون الأحاديث والحوارات المتعلقة بالحقل الصوفي، وكل منهم يستفيد من الآخر، فينقل ذلك لبلاده. ويستقبل أهل البلاد كل من قدم  إليها ويحمل معه علمه وكتبه، وقد تواجد العديد من المغاربة العلماء في ليبيا، فنهل أبناء ليبيا على أياديهم كزروق وغيره كثير.

ويظهر أن نزول زروق بليبيا كان بؤرة تواصل عميق بين البلدين.فيذكر الإسحاقي في رحلته وكان في ركب الأمير سيدي محمد بن عبد الله 1143هــ  – 1731 م أثناء زيارته للحج مع جدته حيث دخلوا مصراته وزاروا ضريح الشيخ زروق حيث إنه” أخذ الركب راحته وعاشوا مع ذكرياتهم وتضرعاتهم داخل الضريح…وأطالت أم السلطان مولانا عبد الله في العبادة والتبتل ؛إنك تشعر في الروضة الزروقية بنوع من الانقياد والاطمئنان، “10 وتستشعر مدى الارتياح الذي يشعر به الزائر للمكان، حيث كانوا يقطعون المسافات الطوال في سفرهم، فينعمون بالراحة وزوال التعب عند تلك الزيارة، فيتزودون بالزاد الروحي.

عند زيارة الإسحاقي لليبيا، وزيارته للأولياء كان قد أصابته وعكة صحية، وكان يحس بآلام في الركبتين وكان يعاوده منذ أعوام ويقاسي منه ألاما بشدة، وصحبه عندما خرج من فاس، ولم يزل  إلا عندما “استجار بالشيخ زروق، وشكاه ومن ذلك رفعه الله عنه”11.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6الصفحة التالية

ذ.عادل عمر إبراهيم كريم

باحث مختص في التصوف الجمهورية الليبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق