مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

جوانب من التواصل الصوفي الليبي المغربي

تميزت العلاقات بين البلدين بطابع خاص على كافة الأصعدة لعل أبرزها التواصل الصوفي المتميز والمتمثل في :

أولا-الحضور المغربي في ليبيا :

لعل أبرز تواصل مغربي ليبي في التاريخ هو لناسك زاهد وهو السلطان يوسف بن تاشفين الذي وصلت دولته إبان حكمه إلى ليبيا، حيث تزوج من زينب بنت إسحاق النفزاوية التي قال عنها ابن خلدون، كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة وهي من قبيلة نفزة من طرابلس الغرب[2] حيث عرفت بحكمتها وحسن تدبيرها وتصرفها السديد، فوقفت بجانب زوجها تسانده وتقف معه.

ونظرا للنسك والزهد اللذان كان عليهما ابن تاشفين، حيث بنى دولته الممتدة والمترامية الأطراف على العدل والمساواة، وعلى حياة البساطة، ولبس الخشن. حرص المغاربة عند تنقلهم أن يدونوا كل ما تراه أعينهم، خصوصا ما يتعلق بالأولياء والأضرحة والطرق الصوفية، الذين كانوا حرصين على تدوينه أكثر من غيرهم، .وقد عرف عن الليبيين التقدير والترحيب بأهل العلم المغاربة، الذين اشتهروا بعلومهم الدينية لاسيما الصوفية منها.

هناك من كانت تصلهم شهرته عن طريق كتبه قبل أن يروه فما بالك إن سمعوا بمقدمه عليهم، فيهرعون إليه للاستفادة من علمه.

إن حلقة التواصل الأهم تلك التي كانت بين رجال التصوف الذين كانوا يجولون البلاد للبحث عن المتصوفة، وأهل الطرق للوقوف على آثارهم.ولعل الأبرز في ذلك أن عدة طرق تأسست في ليبيا وهي ذات أصول مغربية و أبرزها الطريقة الزروقية وهي متفرعة عن الشاذلية، والطريقة المدنية بليبيا المتفرعة عن الطريقة التي أسسها الشيخ المغربي العربي الدرقاوي، أما الطريقة العيساوية التي تنتشر في جميع أنحاء  ليبيا فهي تنتمي إلى مؤسسها الشيخ المغربي محمد بن عيسى ت 930هـ.

لقد عزز التواصل الصوفي بوجود الشيخ زروق في ليبيا، فبمكوثه بها أصبحت مصراتة المحطة الثانية للحجاج والرحالة، أثناء حياته، وازدادت بعد وفاته، حيث أراد الشيخ من مصراتة أن يجعلها حلقة التواصل بين المشرق والمغرب بالإشعاع الذي تم له من خلال طريقته الزروقية، والمريدين الذين تربوا وتتلمذوا على يديه.

فأصبحت المكان الذي يتردد عليه الصوفية والرحالة، خصوصا المغاربة الذين تتبعوا آثار أهل التصوف ودونوا ما رأوه ولاحظوه في كتبهم.

أصبحت مصراتة من المحطات الرئيسة التي يجب على المارين للحج أن يستريحوا بها، ويتوجهون صوب ضريح الشيخ زروق لأخذ البركة.

لقد تناقلوا فيما بينهم الروايات النفعية، والكرامات، من خلال تلك الزيارة “وكان طبيعيا أن يتلقوا منه العهد والتلقين وأن ينتسبوا إلى طريقته”[3]، مما أتاح لهم أن ينشروا الطريقة خارج حدود البلاد، وفي مختلف البقاع، والالتقاء بأهل التصوف في ليبيا وغيرهم من الزائرين والرحالة وعابري السبيل.

السفر لم يكن سهلا على عابري الطريق، حيث الصعوبات والمشاق التي كانوا يلقونها في رحلاتهم والتعب، وقطاع الطريق وغير ذلك.الأمر الذي يترتب عليه الفتور أحيانا، فمن يقوى تلك العزائم والهمم؟

“كانوا يجدون في التضرع أمام ضريح زروق وفي الابتهال لديه نوع زاد روحي قوي يشحذ من عزيمتهم نحو اجتياز تلك الفيافي”[4]

مما غدا الضريح معه مزارا يحرص الرحّالة المغاربة على زيارته، أثناء ذهابهم ورجوعهم من الحج، يحسون في زيارته بالأمن والراحة ويتزودون منه روحيا.

أصبحت مصراته من الأماكن التي يعرج المغاربة إليها، فيبقون فترة في ضيافة الزاوية، وبعضهم كان يتخير البقاء بجوار ضريح الشيخ فلا يبرحه حتى يؤذن له.

تذكر الروايات التاريخية أن نفرا من هؤلاء المغاربة وهو محمد علي الشطيبي ت 963، لازم ضريح الشيخ حوالي ثلاثة أعوام، ولم يرحل إلا بعد أن تلقى الإذن بذلك[5]

يترتب عن تلك الإقامة الالتقاء بالليبيين وغيرهم من المنتسبين للتصوف، وقراءة الوظائف والأوراد بالقرب من ضريح الشيخ، لتعم البركة.وكذلك الزائرون الذين كانوا يأتون إلى الزاوية من أهل التصوف من مختلف البقاع، وأهل الطرق الصوفية فيحدث التواصل فيما بينهم ويتبادلون الآثار والأحاديث والكتب، وهناك من يتبرك برؤيته من هؤلاء خلال اللقاء في ذلك المكان.وقد يطيل بعضهم، فلا يبرح حتى يؤذن له، يقظة أو مناما، فحرصوا كل الحرص أن يزوره ويأخذوا البركة منه.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6الصفحة التالية

ذ.عادل عمر إبراهيم كريم

باحث مختص في التصوف الجمهورية الليبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق