مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

تمرين الصبيان على العبادة: الصلاة والصيام

 

 

 

إعداد الباحث: يوسف أزهار*

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه

أما بعد؛

فإن الطفل مذ أن يولد وحتى سن التكليف يعيش مرحلة التربية الأساسية، وهي مرحلة جد حساسة، فيها يُحدد مصار الناشئة، لذا كان لزاما على الأسرة الإلمام بالأساليب التربوية الصحيحة، والتي من بينها: التربية بالترغيب والترهيب، والتربية بالقدوة، والتربية بالمتابعة، والتربية بالعادة.

وأورد في هذا المقال الأسلوب الأخير، وهو: التربية بالعادة، وترجع أهميتها إلى أن حسن الخُلق بمعناه الواسع يتحقق من وجهين: الأول: الطبع والفطرة، والثاني: التعود والمجاهدة، ولما كان الإنسان مجبولاً على التدين والخلق الفاضل، كان تعويده عليه يرسخه ويزيده[1].

لهذا كان لزاما تدريب الناشئة على العبادة، ليتسنى لهم ممارستها بحب وانتظام، فالصلاة مثلا التي تفرض عند البلوغ؛ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندربهم عليها منذ السابعة، قال صلى الله عليه وسلم: (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها)[2].

فتعليم الصلاة بشروطها وأركانها في الصغر من شأنه مواظبتهم عليها في الكبر وعدم تركها، فقد قال علي القاري (1014): “ليعتادوا ويستأنسوا بها”[3].

وقال ابن علان الصديقي (1057): “ليتمرّن عليها ويعتادها فلا يتركها إذا بلغ إن شاء الله تعالى”[4].

وقال المباركفوري (1353): “قال العلقمي في شرح الجامع الصغير؛ بأن يعلموهم ما تحتاج إليه الصلاة من شروط وأركان، وأن يأمروهم بفعلها بعد التعليم”[5].

 ومن حرص السلف على معاهدة أبناءهم، وخصوصا ما يتعلق بالعبادة، ما رُوي في المعرفة والتاريخ، وتاريخ دمشق: “أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر بن عبد العزيز إلى المدينة يتأدب بها، فكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، فكان يلزمه الصلوات، فأبطأ يوما عن الصلاة، فقال: ما حبسك؟ قال: كانت مُرَجِّلَتي[6] تُسَكِّن شعري، فقال: بَلَغ منك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة، فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك، فبعث إليه عبد العزيز رسولا، فلم يكلمه حتى حلق شعره”[7].

ونجد العلماء يهتمون بهذا الجانب في كتبهم، إذ عقد الإمام ابن أبي الدنيا رحمه الله في كتابه: العيال، بابا سماه: باب تعليم الصبيان الصلاة، روى فيه أحاديثا وآثارا بسنده في الصلاة والصيام، من ذلك قوله رحمه الله: “حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا جرير عن هشام ابن عروة عن أبيه: أنه كان يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه، وبالصلاة إذا عقلوا”[8].

 كما بَوَّب الإمام البخاري رحمه الله في الجامع الصحيح باباً سماه: باب صوم الصبيان وقال عمر رضي الله عنه لنَشْوان[9] في رمضان: “ويلك وصبياننا صيام فضربه”. أورد فيه حديث الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ[10]، قالت: “أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: (من أصبح مفطرا  فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم)، قالت: “فكنا نصومه بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صبياننا، ونجعل لهم اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ[11]، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار”[12].

لقد اتفق العلماء على أن المقصد من تَصْويم الصبيان، هو: تمرينهم على فعل الخير، فقد قال القاضي عياض (544): “فيه تمرين الصغار على فعل الخير، ورجاء نزول الرحمة بصومهم والأجر بذلك لأوليائهم”[13].

وقال النووي (676): “في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات، وتعويدهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلفين “[14].

وقال محمد صديق حسن خان (1308): “هذا تمرين للصبيان على الطاعات، وتعويدهم العبادات”[15].

وقال محمد الطاهر بن عاشور (1393): “وعندي أنه يحسن بالأولياء أن يُعَودوا صبيانهم الذين قاربوا المراهقة على الصوم اليوم واليومين والثلاثة، على حسب تفاوت أسنانهم وقواهم، ليشبُّوا على ذلك”[16]. 

ونخلص في ختام هذا المقال إلى أن الغاية من تمرين الناشئة على العبادة، هي: ترسيخ أصول الإسلام في نفوسهم، حتى تكون كالغريزة لهم، إذا وصلوا مرحلة البلوغ، وهي بمثابة انتقال معلن وصريح من الطفولة إلى التكليف.

 

هوامش المقال:

*****************

[1]) بسط الكلام عن هذا الموضوع الغزالي في إحياء علوم الدين (دار الفكر، بيروت، ط2: 1409 /1989) 3 /63 بقوله: “قد عرفت أن حسن الخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل وكمال الحكمة، وإلى اعتدال قوة الغضب والشهوة، وكونها للعقل مطيعة وللشرع أيضا. وهذا الاعتدال يحصل على وجهين:

أحدهما: بجود إلهي وكمال فطري؛ بحيث يخلق الإنسان ويولد كامل العقل، حسن الخلق قد كفى سلطان الشهوة والغضب، بل خلقتا معتدلتين منقادتين للعقل والشرع، فيصير عالما بغير تعليم، ومؤدبا بغير تأديب كعيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا عليهما السلام، وكذا سائر الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. ولا يبعد أن يكون في الطبع والفطرة ما قد ينال بالاكتساب، فرب صبي خلق صادق اللهجة سخيا جريا، وربما يخلق بخلافه فيحصل ذلك فيه بالاعتياد ومخالطة المتخلقين بهذه الأخلاق وربما يحصل بالتعلم.

والوجه الثاني: اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة، وأعني به: حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب، فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق الجود، فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجواد: وهو بذل المال فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفا مجاهدا نفسه فيه، حتى يصير ذلك طبعا له ويتيسر عليه؛ فيصير به جوادا، وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع، وقد غلب عليه الكبر، فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة، وهو فيها مجاهد نفسه ومتكلف، إلى أن يصير ذلك خلقا له وطبعا فيتيسر عليه”.

[2]) رواه من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده: أبو داود في سننه (اعتناء: مشهور حسن سلمان، مكتبة المعارف، السعودية، ط2: 1427 /2007) ص: 91: كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم الحديث: 495، والترمذي في سننه (اعتناء: مشهور حسن سلمان، مكتبة المعارف، السعودية، ط2: 1429 /2008) ص: 111: كتاب الصلاة: باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة، رقم الحديث: 407، وقال الترمذي: “حسن صحيح”، ولفظه: (علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر). وبنفس اللفظ رواه الحاكم في المستدرك (دار الحرمين، القاهرة، ط1: 1417 /1997) 1 /378، وقال: “هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه”.

[3]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي القاري (تحقيق: جمال عيتاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1: 1422 /2001) 2 /257.  

[4]) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لابن علان (دار الكتاب العربي، بيروت)  3 /173. 

[5]) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري (اعتناء: عصام الصبابطي، دار الحديث، القاهرة، ط1: 1421 /2001) 2 /241. 

[6]) رجل شعره، ورجل رأسه، ويرجل رأسه، أي: مشطه وأرسله. مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض (المكتبة العتيقة ودار التراث) 1 /282.

[7]) المعرفة والتاريخ للفسوي (تحقيق: أكرم ضياء العمري، مكتبة الدار، المدينة المنورية، ط1: 1410) 1 /567-768، وتاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل لابن عساكر (تحقيق: عمر بن غرامة العمري، دار الفكر، بيروت، 1995) 45 /136.

[8] ) كتاب العيال لابن أب الدنيا (تحقيق : نجم عبد الرحمن خلف، دار ابن القيم، السعودية، ط1: 1990) 1 /470.

[9]) نَشْوان أي: سكران، والنَشْوة -بفتح النون وسكون الشين-: السكر. مشارق الأنوار على صحاح الآثار 2 /29.

[10]) من مناقبها رضي الله عنها ما أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير، باب رد النساء الجرحى والقتلى (تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) ط1: 1422)، 4 /34، رقم الحديث: 2883 عن الربيع بنت معوذ قالت: “كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة”.

توفيت رضي الله عنها في خلافة عبد الملك سنة بضع وسبعين. الطبقات الكبرى لابن سعد(دار صادر، بيروت) 8 /447، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1: 1412) 7 /641.

[11] )  العِهن بالكسر: شجرة لها وردة حمراء، والقطعة من العهن للصوف أو المصبوغ ألوانا. القاموس المحيط للفيروز آبادي (مطبعة دار المأمون. ط4: 1357/1938) 4/251. وقال القاضي عياض: “لا يقال للصوف: عهن إلا إذا كان مصبوغا”. إكمال المعلم بفوائد مسلم (تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء، مصر، ط3: 1426 /2005) 4 /90.

[12]) أخرجه من طريق خالد بن ذكوان عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها: البخاري في كتاب الصوم: باب صوم الصبيان، 3 /37، رقم الحديث: 1960، ومسلم مع شرح النووي (تحقيق: عصام الصبابطي، حازم محمد، عماد عامر، دار الحديث، القاهرة، ط1: 1415 /1994) كتاب الصيام،  باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه، 4 /268، رقم الحديث 1136.  

[13]) إكمال المعلم بفوائد مسلم 4 /91.

[14]) صحيح مسلم بشرح النووي 4 /269.

[15] ) عون الباري بحل أدلة البخاري لمحمد صديق حسن خان (اعتناء: نور الدين طالب، دار النوادر، ط2: 1431 /2010) 5 /130-131.

[16]) النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح لمحمد الطاهر بن عاشور (دار سحنون، تونس، دار السلام، مصر، ط1: 1428 /2007) ص: 57. 

* راجعت هذا المقال بتكليف من رئيس المركز، لجنة مكونة من: فاطمة المساري، خديجة أبوري، ومحمد إليولو. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق