مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

الواضحة لعبد الملك بن حبيب (ت238ﻫ)

  بقلم الباحثة: فاتحة الأنصاري

ترجمته:

هو عبد الملك بن حبيب بن ربيع بن سليمان بن هارون بن جلهمة أبو مروان السلمي القرطبي. أخذ عن جلة أئمة عصره بالأندلس والمشرق كعبد الملك بن الماجشون، ومطرف، وابن نافع الأصغر، وابن المنذر الجذامي، وأصبغ، وأسد بن موسى، وزياد بن عبد الرحمن، وغيرهم الكثير.

 وأخذ عنه، ابناه: محمد وعبد الله، وبقي بن مخلد، وإبراهيم بن يزيد، وعبد الله بن الفرج، وفضل بن الفضل، وقرعوس بن العباس، ومحمد بن الحارث، ويحيى بن راشد، وغيرهم.

ثناء العلماء عليه:

كان ابن حبيب من أكمل علماء عصره بالأندلس، «حافظا للفقه على مذهب المدنيين، نبيلا فيه»[1]، وكان ابن الماجشون يقدمه في الفقه على سحنون[2]، ووصفه ابن لبابة بـ «عالم الأندلس»[3]، «وقد نقل السجلماسي أوائل شرحه للتحفة عن ابن العربي أنه يقول: إذا تكلم ابن حبيب في الفقه فاستمع لما يوحى»[4]. غير أنه «لم يكن لعبد الملك بن حبيب علم بالحديث، ولا كان يعرف صحيحه من سقيمه» كما قال ابن الفرضي، وقد تعقبه المقري بقوله: «أما… عدم معرفته بالحديث فهو غير مسلم، وقد نقل عنه غير واحد من جهابذة المحدثين»[5].

ومن ناحية أخرى يعد ابن حبيب من المالكية الخلافيين الذابين عن المذهب بالحجة والدلائل، متبعا في ذلك قول مالك، وإن خالفه أحيانا، إلا أنه كان يجنح إلى الصواب في غالب ما يخالف فيه، قال إبراهيم ابن القاسم: «رحم الله عبد الملك لقد كان ذاباً عن قول مالك، وإن خالفه في البعض بما يسوغ إلا الحق. ولا أخذ إلا بالصواب»[6].

مؤلفاته:

لعبد الملك ابن حبيب سماع من المدنيين والمصريين، والواضحة في السنن والفقه، وتفسير الموطأ، وسيرة الإمام في الملحدين، والفرائض، وكراهية الغناء، وكتاب الربا، وكتاب الجامع، وغيرها[7].

التعريف بكتاب الواضحة لابن حبيب:

يعد كتاب الواضحة لابن حبيب من أمهات المذهب الأربعة، قال العدوي: «الأمهات أربع المدونة، والموازية، والعتبية، والواضحة…لابن حبيب»[8]، وهو«أحد الكتب الجامعة في المذهب»[9]، جمع  فيه ابن حبيب سماعاته عن ابن الماجشون، ومطرف، وابن أبي أويس وعبد الله بن عبد الحكم وغيرهم، مع الاستشهاد الأثري لها، إضافة إلى آرائه الفقهية واختياراته وتأويلاته، وآراء شيوخه.

ورغم أن جل كتاب الواضحة مفقود، ولم يصلنا منه إلا النزر اليسير، إلا أنه كتاب فقه كبير الحجم، مرتب على أبواب الفقه المعروفة عند المصنفين، ويدل عليه قول الحميدي: «وله في الفقه الكتاب الكبير المسمى الواضحة في الحديث والمسائل علي أبواب الفقه»[10]، وهو «كتاب كبير مفيد»[11]. كما يدل عليه أيضا كثرة النقول من الواضحة في كافة أبواب الفقه.

وما وصلنا من الواضحة هو عبارة عن أبواب متفرقة من كتب الطهارة والصلاة والحج، مخطوطة في بعض الخزائن، وقد حققت هذه الأجزاء وطبع بعضها، وهذه الأبواب هي كالتالي:

 كتاب الطهارة ويتضمن من الأبواب:

سنن الوضوء وحدوده.

ما يستحب من القصد في الوضوء وما يكره من الغلو والسرف.

العمل في النسيان في الوضوء.

السنة في ما ينقض الوضوء.

ما يجوز الوضوء به من الماء وما لا يجوز.

ما يستحب من السواك عند الوضوء قبل الطهر.

وضوء الجنب إذا أراد النوم وما يجوز للجنب فعله قبل الطهر.

وضوء من مس القرآن.

ما يستحب من العمل في التغوط والبول.

ما جاء في الاستنجاء بغير الماء.

كتاب الصلاة وفيه من الأبواب :

ما يستحب في الإمامة من إحسان أهل العلم بها.

ما جاء في الرغبة في الصف الأول وما يستحب من تقدم أهل الفضل والنهي في مقدم الصف.

ما جاء من الرغبة في سد الفرج في صفوف الصلاة.

السنة والعمل في الوتر في رمضان وغيره.

السنة والعمل في ركعتي الفجر.

السنة  والعمل في قنوت الصبح.

السنة والعمل في صلاة خسوف الشمس.

ما جاء في وقت صلاة الخسوف.

ما جاء في صلاة خسوف القمر.

السنة في صلاة الخوف.

العمل في صلاة المغرب في الخوف.

العمل في صلاة الخوف في الحضر.

صلاة الخائف راكبا وماشيا وقاعدا ومقاتلا.

كتاب صلاة المسافر وهو في الجزء الثامن من الصلاة:

في وجوب قصر الصلاة في السفر.

العمل في صلاة المسافر.

كتاب الحج وفيه من الأبواب:

ما جاء في فرض الحج.

كراهية الدهن للمحرم.

كراهية الكحل للمحرم أو للمحرمة.

كراهية المحرم.

الجزء الرابع من واضح السنن في مناسك الحج ورغائبه وسننه وشعيرته.

العمل في الهدي كله.

خاتمة الجزء  الرابع من الواضحة.

اعتماده:

كتاب الواضحة في السنن والفقه لعبد الملك بن حبيب، أحد الأمهات الأربع في المذهب المالكي، وهو كتاب معتمد، قال الهلالي: «وفي أجوبة الشيخ ابن ناصر…: أمهات الفقه الكبار المعتمد عليها عند المالكية: المدونة، والموازية، والواضحة، والعتبية»[12]، وقال العتبي: «رحم الله عبد الملك، ما أعلم أحدا ألف على مذهب أهل المدينة تأليفه، ولا لطالب علم أنفع من كتبه، ولا أحسن من اختياره»[13]، وقال ابن حزم مفاخرا بما ألف أهل الأندلس: «ومنها في الفقه الواضحة، والمالكيون لا تمانع بينهم في فضلها واستحسانهم إياها»[14]، وقال المقري نقلا عن أبي الوليد  الشقندي: «وإنك إن تعرضت للمفاضلة بين العلماء فأخبرني هل لكم في الفقه مثل عبد الملك بن حبيب الذي يعمل بقوله إلى الآن»[15]، وقال عبد الرحمن بن السالك: «وهي معتمدة عند أهل الأندلس»[16]، وقيل: إنه «لم يؤلف مثلها»[17]، وقال الرجراجي: «الكتب المعتمد عليها كثيرة منها: … الواضحة»[18]، وقال محمد بن محمذ فال التندغي، ناظما للكتب المعتمدة في المذهب:

وإن ترد معتمدات المذهب

 

فأربع هي أمهات الكتب

وهي المدونة والعتبيه

 

واضحة كذلك الموازية[19]




 

وقد ذكر ابن خلدون أن الواضحة اعتمدت بالأندلس أول الأمر، ثم هجرت، واستغنى الناس بكتاب العتبي: المستخرجة، قال: «وعكف… أهل الأندلس على الواضحة والعتبية… وكذلك اعتمد أهل الأندلس كتاب العتبية وهجروا الواضحة وما سواها»[1].

وقد عقب الدكتور عمر الجيدي رحمه الله على قول ابن خلدون بقوله: «ولا نعرف السر في هجران الأندلسيين للواضحة، وإقبالهم على العتبية مع أن هذه الأخيرة، تكلم العلماء فيها، ووصفوا مسائلها بالشواذ والغرائب، حتى إن الكثير من مشايخهم حذروا من مسائلها…لكن ينبغي أن لا نولي كبير اهتمام لما ذكره ابن خلدون، فإقبال الناس على الواضحة ظل مستمرا ما انقطع أبدا على توالي الأزمان»[21].

جهود المالكية على الواضحة:

وقد اعتنى المالكية بكتاب الواضحة اختصارا وتعليقا وتعقيبا وتدريسا، فمن أهم الجهود على هذا الكتاب:

أ.كتاب «استخرج [فيه] من الواضحة وكتاب ابن المواز ما لم يكن في المدونة ولا في المستخرجة» لعبد الملك بن سائح[22] [شيخ فضل بن سلمة (ت319ﻫ)].

ب.  مختصر الواضحة لعبدالله بن محمد بن حنين أبي محمد القرطبي (ت318ﻫ)، قال ابن حارث: «واختصر واضحة ابن حبيب، فأحسن فيها»[23].

ج. اختصار الواضحة لفضل بن سلمة الجهني (ت319ﻫ)[24]. قال عياض: «وله مختصر الواضحة زاد فيه من رأيه وتعقب على ابن حبيب كثيرا من قوله، وهو من أحسن كتب المالكيين»[25].

ويجسد تميز هذا الاختصار تفضيل النقاد له على أصله، حيث نقل أبو الحسن علي بن محمد الغافقي السبتي الشـآري (ت649ﻫ) عن شيخه أبي ذر مصعب الخشني (ت604ﻫ) قال: «المختصرات التي فضلت على الأمهات أربعة… [وذكر منها] مختصر الواضحة لفضل بن سلمة»[26]. وقد نقل من هذا المختصر شيوخ المذهب27.

د. مختصر الواضحة للبرادعي خلف بن أبي القاسم (ت398ﻫ)[28]. اختصر البرادعي الواضحة29.

هـ. ومن الأعمال التي حفظت لنا الواضحة والسماع لعبد الملك بن حبيب مختصرين كتاب النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني (ت386ﻫ)، إذ ضم فيه كتاب الواضحة مختصرا مع غيره من الدواوين التي جمعها فيه.

مخطوطاته وتحقيقاته:

كتاب الواضحة في الفقه والسنن صحيح النسبة إلى مؤلفه ابن حبيب، وقد نسبه له كل من ترجم له، كما أن النقول متظافرة عنه في كتب المتأخرين عنه. وتوجد قطع من المخطوط في القيروان بتونس وبالقرويين بفاس، وإليك بيان كل منها:

نسخة القرويين:

وتحمل رقم 809 تحتوي على 24 ورقة، وهي معنونة بـ: الواضحة في السنن و الفقه، المجلد الأول. الحجم 18/19 سم في الصفحة، 24 سطرا في الصفحة، وقد كتب بخط أندلسي وبتدأ بـ «بسم الله الرحمن الرحيم رغائب الوضوء والغسل»، وينتهي بقوله: «كمل الجزء الأول بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد وسلم يتلوه في الثاني وضوء الذي يستنكحه المذي أو البول إن شاء الله تعالى»، وهذه القطعة تتضمن أبواب الطهارة التي المبينة أعلاه.

وقد حققت هذه القطعة في رسائل جامعية وطبع بعضها وهي:

ـ تحقيق باحثة ألمانية” Beatrix Ossendorf-Conrad” من جامعة بون بإشراف الدكتور ميكلوش موراني  وطبعت الرسالة سنة 1994 ببيروت.

 ـ تحقيق مجموعة من طلبة الدراسات الإسلامية من كلية الآداب ظهر المهراس بشعبة الدراسات الإسلامية تحت إشراف الدكتور أحمد البوشيخي.

ـ تحقيق الباحثة عزيزة الإدريسي في رسالة جامعية بدار الحديث الحسنية بالرباط والتي نوقشت في سنة 1994.

أجزاء من خزانة القيروان:

وهي التي عثر عليها الدكتور ميكلوش موراني وقام بتحقيقها والتقديم لها وطبعت في دار البشائر الإسلامية بيروت لبنان سنة 2010، وتحمل أرقام: 275-277، وهي تحمل العنوانين التاليين: الجزء الرابع من واضح السنن من الحج، والجزء السادس من واضح السنن في الصلاة.

ويبلغ عدد لوحاتها 40 لوحة مكتوبة على رق قيرواني عتيق، وليس فيها ذكر لاسم الناسخ، وضم بعض أبواب كتابي الصلاة والحج.



[1] تاريخ ابن الفرضي (1/313).

[2] ذكر ابن الفرضي في تاريخه: »أنه سئل ابن الماجشون من أعلم الرجلين عندك: القروي التنوخي، أم الأندلسي السلمي؟ فقال: السلمي مقدمه علينا، أعلم من التنوخي منصرفه عنا، ثم قال للسائل: أفهمت؟ قال: نعم. يعنى: سحنونا، وعبد الملك«. (1/315).

[3] تاريخ ابن الفرضي (1/315).

[4] عون المحتسب (ص: 57).

[5] تاريخ ابن الفرضي (1/313)، ترتيب المدارك (4/122). نفح الطيب (2/8).

[6] ترتيب المدارك: 4/126.

[7] ينظر تاريخ ابن الفرضي (1/312) (816)، جذوة المقتبس (ص: 283)، طبقات الفقهاء (ص: 152)، ترتيب المدارك (4/122)، بغية الملتمس (ص: 377)، الديباج (ص: 252) (327)، التعريف (ص: 234)، نفح الطيب (2/5)، الفكر السامي (ص: 452).

[8] حاشية العدوي على الخرشي (1/38).

[9] نور البصر (ص: 179).

[10] بغية الملتمس (ص: 377)، جذوة المقتبس (ص: 283).

[11] نفح الطيب (2/6).

[12] الفكر السامي (ص: 452).

[13] ترتيب المدارك (4/126)، الديباج (ص: 254).

[14] رسائل في فضل الأندلس وذكر رجالها لابن حزم، ضمن رسائل ابن حزم (1/181).

[15] نفح الطيب (3/192).

[16] عون المحتسب (ص: 55).

[17] تاريخ ابن الفرض (1/313)، ترتيب المدارك (4/127)، الديباج (ص: 254).

[18] منار السالك (ص: 52 ـ 53).

[19] عون المحتسب (ص: 44).

[20] المقدمة ص: 450.

[21] مباحث في المذهب المالكي بالمغرب ص69-70.

[22] الديباج ص: 258 (334).

[23] أخبار الفقهاء والمحدثين بالأندلس ص: 288 (305).

[24] الجزء السادس منه مخطوط بالمغرب. يشتمل على كتاب الأكرية، وكتاب المزارعة، وكتاب المساقاة، وكتاب القراض، وكتاب الجعل، وكتاب الأحباس، وكتاب التدبير والكتابة وامهات الأولاد. وكتبا أخرى طمست معالم عناوينها بالرطوبة. وهو مسجل أطروحة دكتوراه  دراسة وتحقيق بإحدى الجامعات المغربية.

[25] ترتيب المدارك: 5/222، الديباج ص: 315 [421].

[26] المزهر: 1/87.

[27] انظر مؤلفات أبي الوليد ابن رشد المسائل: 1/967، والمقدمات الممهدات 1/300، 2/463. أما البيان والتحصيل ففيه نقول كثيرة عنه.

[28] قال في العمر: «كانت المكتبة العتيقة بالقيروان تحتفظ بقطعة منه، حسب ما هو مثبت في سجلها القديم». ص: 654.

[29] شجرة النور ص: 105 (270).

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. من صاحب المقال؟
    .حبذا لو يتم تأريخ المقالات بمعنى وضع تاريخ نشر المقال على الموقع
    وشكرا

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق