مركز الأبحاث والدراسات في القيمدراسات وأبحاث

خرافة قيم التحديث وتطوير الذهنية المغربية في الفكر الكولونيالي الفرنسي 6/6

الوظيفة الأخلاقية للمدرسة في المشروع”الحضاري”الفرنسي:

يسترسل الأستاذ محمد أعمار قراءته في كتاب المنهاج التربوي بالمدرسة الغربية زمن الحماية للأستاذ الدكتور محمد بلكبير موضحا الوظيفة الأخلاقية للمدرسة في المشروع”الحضاري”الفرسي:

“يعتبر التعليم مسألة حساسة في أي نمط من أنماط المجتمعات فيما يتعلق بالمحافظة على البنيات الاجتماعية المرغوب فيها.

وكما سبقت الإشارة,في الفصول الأولى من هذا الكتاب,فإن التعليم المغربي- قبل الاستعمار- كان شديد الصلة بحياة المغاربة الاجتماعية بمعناها المادي والروحي,كما أنه لم هناك أي انفصال بين التعليم والأنشطة الإنتاجية,أو بين التعليم النظري والتعليم المهني،مما يجعلنا نقول ونؤكد أن هذا التعليم كان مرتبطا ارتباطا مباشرا بأهداف المجتمع.

ولكن الهدف الرئيسي لنظام المدرسة في المستعمرات هو الغزو الفكري والنفسي للمواطنين بدعوى التحديث.وهكذا ظل الفرنسيون يرددون أن الهدف الأساسي من فتح المدارس في المغرب هو إخراج المغاربة من الجهل الذي يعيشون فيه:”ففي المغرب- كما هو الشأن في كل الأرجاء- يتحدد دور الأمة المتحضرة في إخراج الشعوب المتخلفة من الجهل الذي يغمرها,ولذلك فإن أولى انشغالاتنا تكمن في فتح المدارس”1 .

وعلى هذا الأساس,يقتعد المستعمر كرسي الأستاذية ليعلم الشعوب أصول الحضارة وقواعد التقدم. ويصبح دور المدرسة الفرنسية بموجب هذه الرسالة”الحضارية السامية”,دورا قياديا,كما يصبح بناء المدارس واجبا على فرنسا,وحقا للمغاربة:”إن وجودنا بالمغرب يجعلنا أمام واجب هو العمل على تطوير شعب مغرق في التخلف,وذلك عن طريق تعليم حي,من شأنه أن يحمي الأجيال الشابة من مخاطر المفارقات والتناقضات التي يحملها إليهم تعليم متخلف في وسط عصري”2.وقد حدد المستعمر دور المدرسة الكولونيالية في الوظيفتين:وظيفة أخلاقية- تربوية ووظيفة تكوينية- تعليمية3.وقد كان التركيز بالدرجة الأولى على الوظيفة التربوية رغم أنها تتكامل مع الوظيفة التعليمية.

لقد راهن المستعمر على دور المدرسة في إفساد القيم الأساسية للمغاربة,وجعلهم أكثر ولاء لفرنسا وإخلاصا لرجالاتها.ولهذا الغرض بالذات,حرص المستعمرون على أن تقوم المدرسة الفرنسية بتنشئة أباء الأهالي منذ الطفولة,وأن تتيح لهم الفرص للإحتكاك مع الفرنسيين باستمرار,لكي يمتصوا عاداتهم الفكرية وتقاليدهم الحياتية.وقد لخص برينوالمهمة التربوية والأخلاقية للمدرسة الفرنسية التي تستقطب الأطفال المغاربة في قوله:”على المدرسة أن ترسخ في أذهان الأطفال المغاربة مبادئ الصدق والاستقامة والصراحة والشجاعة وروح الصداقة,وكل المبادئ التي يبدو أنها تنقص المغاربة”4.وطبيعي أن برينو لم يكن يريد أن يعلم الأطفال المغاربة تلك السجايا بشكل مجرد,لأنه يعلم أن المغاربة يتميزون بأخلاق في غاية النبل,ولكنه كان يريد أن يغير سلوكهم لما فيه صالح المستعمر.هذا ما يفسر اعتماد المدرسة,في كل مستوياتها,على دروس الأخلاق,وقد تأكد هذا الميل الغربي في تنشئة الأطفال المغاربة في قول أحد الفرنسيين:”يجب جلب فكر الأطفال المغاربة بل قلوبهم إلى طرائقنا في التفكير والمحاكمة والعمل,وهكذا فإنهم سيتعلمون ماهية الحضارة الغربية”5.

لقد شكلت المدرسة مفتاح هيمنة فرنسا وبسط نفوذها.ولطالما ردد المستكشف والمغامر الفرنسي السيد بونفالو   Bonvalot) 6) أن نجاح المستعمر يكمن في الإشهار المعتمد على الصورة,ولكن داخل المدرسة.ولذلك كانت نصيحته المتكررة:”ابدأوا بالمدرسة وستنجحون”7.ولهذا ربط المستعمر بين المدرسة والتمدين حيث نقرأ عند السيد لفيس- Lavisseمايلي:”عملت فرنسا على إيجاد المدرسين في مستعمراتها,وقد بذلت الجهود,وستبذل المزيد لتثقيف السكان وتمدينهم”8.

ورغم أن المدرسة لم تحقق للمستعمرين أهدافهم بشكل فوري,فإنهم ظلوا متحلين بالصبر واثقين من أن المستقبل سيكون واعدا.ولذلك ظل برينو,وهو الخبير بشؤون التربية,يؤكد أن المدرسة مست ذكاء الطفل المغربي وفتقته,وإن كانت لم تصل بشكل جوهري إلى أعماقه,لتحدث فيه التأثير المطلوب.

ومن أجل ذلك دعا غلى توسيع وتعميق العمل المدرسي ودعمه بمناهج أكثر فعالية:”إن توسيع العمل المدرسي مسألة ضرورية إذ لا يمكن,ومن خلال سنوات محدودة من التمدرس,أن نترك أثرا عميقا,حتى حينما يتعلق الأمر بالعقول الشابة …”9.واعتبر المسألة قضية وقت فقط,ودعا إلى دروس ما بعد المدرسة,لسبب بسيط يتجلى في أن الطفل المغربي,وهو في المدرسة,يحيا في أنوار القرن العشرين,لكنه,وهو في بيته وبين أفراد عائلته,يغرق في ظلمات القرون الوسطى المليئة بألوان الهلع الأسطوري.فهو ممزق:”يتلئ بالشجاعة الحضرية وهو بيننا,لكنه,وهوبين أهله وذويه,لا يملك إلا أن يخضع لضغوط وآراء الكبار”10.وهو ممزق أيضا لأنه متفتح,يحمل أفكارا كونية,يؤمن بالعقلانية,يثق في الطبيب الفرنسي…في نفس الوقت الذي لايزال يعلق في عنقه تميمة أعدتها له أمه وقاية له من الأمراض11.

وعلى العموم,فإن الوظيفة التربوية للمدرسة الاستعمارية تكمن إجمالا في خلق جيل جديد متعاطف مع الفرنسيين وثقافتهم,مجتث من واقعه,داعية للحضارة الغربية.وقد لخص هذه الوظيفة أحد أعضاء مجلس النواب سنة1838م في قوله:” علينا أن نشد المواطن الأهلي إلينا…عن طريق طيب عاداتنا وجاذبية فنوننا,وأن نعلمه ثقافتنا تدريجيا…حتى نخلق شعبا صديقا لفرنسا,يمكنه مستقبلا أن يتوحد معها وينصهر فيها.تلكم هي مصلحتنا الأولى التي يجب أن نجنيها من وراء حيازتنا لإفريقيا”12.

 

(1)-‘’La France au Maroc’’.op.cit.p.155. 

(2)- Ibid.p.154.   

(3)- Ibid

(4)- L-Brunot « premiers conseils »p15.

(5)-« La France au Maroc » op.cit.p.158.

(6)- هو مؤسس‘’Le commité Duplex ‘’سنة 1894.                                

 (7)-« La France coloniale »op.cit.p.247.

 (8)- Lavisse. ‘’Hitoire de La France’’cours moyen.édition1972 .

 (9)– L.Brunot.‘’Premiers Conseils ‘’p.161.

(10)- Ibid.p.160.

(11)- Ibid.

(12)- Le députe dufaure «Chambre des Députés ».29Mai1938. 

ذ. محمد أعمار

• خريج جامعة السربون باريس فرنسا.
• حاصل على الإجازة في الآداب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، تخصص الفلسفة.
• حاصل على شهادة التخرج من المدرسة العليا للأساتذة سابقا. وكلية علوم التربية حاليا.
• أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي بالعديد من المؤسسات التربوية بالمغرب.
• أستاذ مادة علوم التربية بالعديد بالمراكز التربوية، بالمغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق