بعد تحديد المصطلحات المرتبطة بالموضوع وتجلية معانيها وحدودها، خاصة مفهوم المقاصد الشرعية لغة واصطلاحا، ومعنى التصرفات المالية عند أصحاب لغة الضاد وأهل الأصول، وبيان أقسام المقاصد من حيث كونها عامة وخاصة، وما يلحق بهذا القسم الأخير من المقاصد الجزئية، وبيان تنوع المقاصد إلى نوعين باعتبار حظ المكلف وعدمه:
أ. المقاصد الأصلية: وهي التي ليس فيها حظ ظاهر للمكلف؛ مثالها أمور التعبد والامتثال في الغالب.
ب. المقاصد التبعية: وهي التي فيها حظ ظاهر للمكلف؛ مثالها الزواج والبيع..
وبيان وتأكيد ما قرره علماء الأمة المقاصديين من أن الأحكام الشرعية الغاية منها إسعاد الناس وتحقيق مصالحهم في الدنيا والآخرة، وإبعاد الضرر عنهم في الدنيا والآخرة، قال صرح به القرافي[1] رحمه الله تعالى: "الشرائع مبنية على المصالح[2]". وقال ابن تيمية[3] رحمه الله تعالى: "جاءت هذه الشريعة لتحصيل المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد وتعطيلها[4]"، ونجده القاضي عياض ينص على: "أن الشريعة جاءت بنفي الضرر ورفعه ودرئه حيث يقول: "الحكم بقطع الضرر واجب[5]."
الملاحظة أن مقاصد الشريعة الإسلامية تتميز بالشمولية والتنوع، والإحاطة بما فيه خير الإنسان في الدنيا والآخرة، وهو ما عبر عنه الشيخ القرضاوي بقوله: "وينبغي أن نعلم أنها مقاصد روحية أو دينية، فإن أول المقاصد أو المصالح التي تسعى إليها الشريعة هو: المحافظة على الدين، وهو يشمل العقائد والعبادات.
والدين جوهر الوجود، وروح الحياة، وهي مقاصد أخلاقية؛ فالأخلاق لا تنفصل عن الدين. وهي مقاصد إنسانية؛ لأنها تعمل على المحافظة على كل حرمات الإنسان: دمه وماله وعرضه وعقله، كما تحافظ على كرامته وحريته.
وهي مقاصد اقتصادية؛ لأنها جعلت المال من المصالح الضرورية التي تجب المحافظة عليها بكل الوسائل الممكنة.
وهي مقاصد مستقبلية؛ لأنها لم تكتف برعاية الإنسان الحاضر، بل وجهت اهتمامها أيضا إلى إنسان المستقبل، حين جعلت من المصالح الضرورية التي ترعاها المحافظة على النسل[6]."
تجلية المقاصد الشرعة في التصرفات المالية
معلوم أن الإنسان محب بفطرته للمال، وقد خلقه الله تعالى ليكون خليفة في الأرض، حتى يعمرها ويطبق شريعته فيها، ويقيم الحضارة الفاضلة على أسس من العدل والمساواة والأخوة والرحمة والتعاون على الخير والبر وعمارة الأرض تحتاج إلى المال والبنين؛ لذلك خلق الله الخلق وجعلهم مفطورين على حب المال والبنين.
وإذا كان البنون هم الوسيلة لحفظ النوع البشري واستمرار الحياة على وجه الأرض فإن المال هو عصب الحياة، وزينة الدنيا والمعين على بناء الحضارات.
فالإنسان بفطرته يحب تملك المال وجمعه والاستزادة منه، مهما كثر عنده فإنه يظل يتمنى ويطلب المزيد منه، وقد بين سبحانه مدى حب الإنسان للمال في قوله تعالى: ﴿وتحبّون المال حبا جما﴾ (الفجر: 22)؛ وقال سبحانه: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ﴾ (ءال عمران: 14).
فحب المال بجميع أنواعه غريزة بشرية موجودة في كل إنسان بدرجات متفاوتة، وهو لا يملكه مهما كثر، ولا يسأم من الجري وراءه، محاولا كسبه وتملكه مهما تقدم به العمر، ووهن من العظم، ولا يفارق الإنسان حب المال إلا حين تفارقه الحياة نفسها، والإنسان قد يفوق حبه للمال الأهل والولد، يقول الدكتور عبد النعيم حسنين: "لأنه قد يعادي أحيانا الولد والأهل من أجل المال، والله جلت حكمته قدم المال على البنين في أكثر الآيات التي اجتمع فيها ذكر المال والبنين معا ونذكر على سبيل المثال قول الله العليم جل شأنه: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (الكهف: 45)[7] ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ (التغابن: 15).
ولا جدال في أن المال شيء لازم لا غنى عنه للإنسان وللمجتمع على السواء وهو من أجل نعم الله على الإنسان، وبه يستطيع تحقيق الخير والرفاهية له ولأسرته وللمجتمع الذي يعيش فيه. لذلك أثبت الإسلام حق تملكه، وأمر المسلم بالسعي في الأرض لكسبه كما يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك: 15).
فالإسلام يأمر الإنسان بكسب المال عن طريق السعي في الأرض، والعمل الجالب للكسب ويبيح له تملك المال والاستمتاع به شريطة أن يكون ذلك كله بالطرق المشروعة التي أقرها الشرع وتكسب الإنسان ثواب الدنيا والآخرة.
كما أن الشارع الحكيم أولى السياسة المالية حظا وافرا من العناية والرعاية حتى يكون المسلمون على بينة من أمرهم حين يمارسون تبادل المنافع فيما بينهم في هذه الدنيا، ولم تترك الشريعة هذا الموضوع الخطير لرأي الناس يتصرفون فيه كيف شاؤوا، حسب ما تملي لهم شهواتهم وأهواؤهم، ولكنها حددت لهم أحكامه، ووضعت طريقته ومنهاجه فجاءت نصوص الكتاب والسنة تحدد القوانين والأحكام التي ينبغي أن يسير الناس على هديها كي يسود العدل والحق ولا يقع الظلم والجور.
والشريعة الإسلامية إنما اعتنت بالمال كل العناية لما له من أهمية في نظر الإسلام، وحياة المسلمين يقول الأستاذ عمر الجيدي: "فعلى المال تتوقف مصالح الناس، وبالمال يدبرون شؤون حياتهم في دنياهم وبه تنتظم أمورهم وتقضى حوائجهم وترعى مصالحهم، وبسببه تكثر النزاعات والخصومات بينهم، ولأهميته وعظيم منفعته. وقدره تولى الله أمره بنفسه فبين قيمته، وأبرز خطورته، وحث على طلبه، وأوصى بحفظه وعدم تبذيره أو احتكاره أو الإسراف فيه، أو البخل به، يدلك على هذا الاهتمام وهذه الرعاية، أن الله ذكره في محكم كتابه في تسع وثلاثين سورة بدءًا بسورة البقرة لدى قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ (البقرة: 154). وانتهاء بسورة المسد عند قوله تعالى: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ (المسد: 2)[8] مما يضفي على المال كل هذه الأهمية أن الله أضاف المال إلى نفسه، وبين سبحانه أن المال الذي يؤتاه الإنسان إنما هو جزء من مال الله، وأن الإنسان مأمور بإنفاقه والتصدق به كما قال سبحانه: ﴿وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ﴾ (النور: 33).
ومما يدلنا أيضا أن كلمة المال نجدها تتكرر في القرآن ستا وثمانين مرة[9] كلها بلفظ صريح إفرادا وجمعا ومصدرا، وقد عد علماء الإسلام المال أحد الضروريات الخمس التي يجب أن تراعى في كل الأحوال، ومقصدا هاما من مقاصد الشريعة الغراء. ومع هذا الاهتمام البالغ بالمال، فإن الإسلام ينظر إلى المال من خلال نظرة اعتقاديه دعا إليها القرآن الكريم في معرض حديثه عن الإنسان والكون والمجتمع والمال. وهذه النظرة تقوم على أساس الإيمان بالله الخالق الرازق المدبر لشؤون الكون، خلق الإنسان بحكمته وأوجده لعبادته، وأنه سبحانه المالك الحقيقي لكل ما في السموات والأرض؛ كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (ءال عمران: 189).
وقد بين الإسلام أن الإنسان مستخلف من الله في تملك المال والسيادة على الأرض، يدل لذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ (الحديد: 7) لذلك كانت نظرة الإسلام إلى المال على أنه وسيلة لا غاية، وسيلة الإنسان للاستمرار في حياته الدنيوية "وليرتبط مع مجتمعه البشري بروابط إنسانية حقوقية تقوم على أساس العدل والتوازن[10]"؛ لذلك لا يمكننا أن نعتبر المال في حد ذاته شرا أو خيرا، وإنما هو أداة في يد الإنسان، إن سخره في أوجه الخير وأبواب النفع وأدى حقوق الله والعباد فيه، فهو خير كله، وإن هو سلك به مسالك العصيان والفساد وأدى به إلى الطغيان فهو شر لا خير فيه.
وقد جاء في الحديث الشريف: "نعم المال الصالح للرجل الصالح[11]". فمن خلال هذه النظرة الاعتقادين جاءت دعوة القرآن الكريم الإنسان إلى الكسب والعمل في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك: 15)، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الجمعة: 10).
كما جاءت التوجيهات القرآنية في الاستفادة من المال دون تقتير أو إسراف في قوله سبحانه: ﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ (الاِسراء: 26-27)[12].
وقوله أيضا: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ (الفرقان: 67).
كما جاءت توجيهات القرآن والسنة تنهى عن الاعتداء على المال أو محاولة تنميته عن طريق الإضرار بالناس وأكل أموالهم بالباطل.
من هذه النصوص قوله، عليه الصلاة والسلام، في خطبة حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا[13]" وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه[14]."
وهكذا فإن الدارس لكتاب الله، والمتتبع لسنة رسوله يجد أن الشريعة الإسلامية قد تناولت شؤون المال بالتنظيم والتوجيه فبينت أهميته وخطورته ودعت إلى تنميته واستثماره والمحافظة عليه كما أوضحت كيفية إنفاقه، ولا أدل على ذلك أننا نجد في القرآن الأمر " باكتساب المال وتحصيله عن طريق التجارة والصناعة والزراعة وهي المصادر الطبيعية لتحصيل المال، والأسس القوية لبناء الحضارات.
كما نجد في القرآن الكريم إشارات صريحة وواضحة إلى جملة من العلوم والصناعات على اختلاف أنواعها، وفيه الحث على ممارسه الزراعة والاشتغال بالتجارة فمن خلال توجيهات القران والسنة لقضايا المال وعلاقة الإنسان به، يتضح ويتحدد الدور الاجتماعي للمال، فهو كما أوضحه الدكتور فاروق النبهان: "دور يتنافى مع النظرة الفردية للمال، فالمال يرتبط بمالكه من خلال معادلة يمثل المجتمع الركن الثابت لها، سواء في الدعوة إلى العمل أو الدعوة إلى الاعتدال في الإنفاق أو الدعوة إلى عدم تنمية هذا المال عن طريق الظلم وأكل أموال الناس بالباطل[15]."
وتنظيم الإسلام للمال يرجع إلى رغبته في خطورتين:
ـ الخطورة الأولى؛ طغيان المال على نفسية صاحبه واستبداده به كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾ (العلق: 6-7)، وقوله أيضا: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ (المعارج: 19-21).
ـ الخطورة الثانية؛ هي الفقر وأثاره المدمرة على الفرد والجماعة، فإنه يمحو في صاحبه منابع العزة والقوة، ويجعل الإنسان يرضى بالذل والهوان، بل ويدفعه إلى ارتكاب الرذائل والجرائم. والملاحظ أن توجيهات الإسلام في صلة الإنسان بالمال" لا يقتصر دورها على التوجيه الأخلاقي الخالي من صفة الإلزام، وإنما هي توجيهات أخلاقية وتشريعية، وهي ملزمة كل الإلزام، ولهذا فقد اعتبر التشريع الإسلامي أن كل مال ينمو عن طريق الظلم الإضرار فهو مال باطل، وأن كل تصرف في الأموال بطريقة خارجة عن حدود الاعتدال الذي يقره العرف الاجتماعي فهو تبذير، ويستحق المبذر الحجر عليه لمنعه من التصرف في الأموال[16]."
والخلاصة: أن الأخذ بنظام الإسلام في المال وسائر المعاملات هو الضمان الوحيد لإنقاذ البشرية من شرور المادة، ومن سيطرة الشهوات، وهو الكفيل بإرشاد الناس إلى سبل الخير والتراحم وفق منهج الإسلام، عندها يتحقق الخير للأمة فتختفي نوازع الشر والظلال ويسود الأمن والاستقرار؛ لأنه منهج الله الذي يعلم ما يصلح للإنسان ويعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
وفي ختام هذه الورقة، يمكن تقديم بعض الخلاصات والنتائج أوجزها فيما يأتي:
ـ أن الشريعة الإسلامية أولت السياسة المالية حظا وافرا من العناية والرعاية حتى يكون المسلمون على بينة من أمرهم حين يمارسون تبادل المنافع فيها بينهم في هذه الدنيا، ولم تترك هذا الموضوع الخطير لرأي الناس يتصرفون كيف شاءوا حسب ما تملي لهم شهواتهم وأهواؤهم.
ـ أن الشريعة الإسلامية قد اعتبرت المال أحد الضروريات الخمس التي يجب أن تراعى في كل الأحوال، وأنه مقصد هام من مقاصدها المعتبرة.
ـ أن نظرة الإسلام للمال تقوم على أساس الإيمان بالله الخالق الرازق المدبر لشؤون الكون الذي خلق الإنسان بحكمته وأوجده لعبادته، فالإنسان إنما هو مستخلف من الله في تملك المال، والسيادة على الأرض وأن المال إنما هو أداة في يد الإنسان، مسؤول عن تسخيره واستعماله فهو ليس خيرا أو شرا في حد ذاته.
ـ أن الشريعة الإسلامية قد تناولت شؤون المال بالتنظيم والتوجيه وأنها قد بينت أهميته وخطورته، ودعت إلى تنميته واستثماره والمحافظة عليه، كما أوضحت كيفية إنفاقه وكل ذلك لتلافي خطورتين كبيرتين:
الأولى؛ طغيان المال على نفسية صاحبه واستبداده به.
الثانية؛ الفقر وأثاره المدمرة على نفسية الفرد والجماعة.
ـ أن تنظيم بيت المال وضبط واردات الدولة ونفقاتها من المهمات الخطيرة للدولة المسلمة وأنها هي أول من استخدم الموازنة العامة بعنصريها الإيرادات والنفقات كوسيلة اقتصادية تؤدي إلى زيادة الإنتاج ونمو الاقتصاد نموا طبيعيا حقيقيا متوازنا في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي طبقا للحاجات العامة.
ـ أن من واجب الدولة المسلمة العمل على الرفع من المستوى المادي والمعنوي لعموم الناس وتحقيق الكفاية لهم والتخفيف عنهم، كما هو من واجبها القيام بتحقيق حاجات الأمة الأساسية، والإنفاق على جميع المرافق التي يعتبر وجودها ضروريا.
ـ أن من أهم المقاصد الشرعية في التصرفات المالية رواج الأموال، ذلك أن للرواج أهمية كبيرة في توزيع الثروة بين أفراد الأمة والتقليل من الفوارق الاجتماعية بينهم، والقضاء على الحسد والأثرة والحرمان وغيرها من الآفات والأخلاق السيئة، ولقد دلنا لذلك ترغيب الشارع في المعاملة بالمال ومشروعية التوثق في انتقال الأموال من يد إلى أخرى وقصد استنفاذ جزء من الثروة المالية وتوزيعها عن طريق النفقات الواجبة والمستحبة وفرضه للحقوق العامة والخاصة في المال ودعوته إلى التعامل بالنقد واستثماره ومحاربته الاحتكار والاكتناز.
ـ أن مقاصد الشريعة في الأموال وضوحها وذلك بإبعادها عن الضرر والخصومات قد الإمكان وذلك عن طريق الدعوة إلى كتابة الدين والإشهاد عليه، ومشروعية أخذ الرهن في التداين والنهي عن بيوع الغرر.
ـ أن من أهم مقاصد الشارع المحافظة على المال، وذلك بمنع وتحريم جميع أنواع وأشكال الاعتداء عليه، سواء كان مال الفرد أو الجماعة ولأجل تحقيق هذه المقصد سن الإسلام جملة من الضوابط الأخلاقية والتشريعية لتنظيم الأسواق وجعلها ميدانا للمنافسة الحرة الشريفة.
ـ أن من مقاصد الشارع إثبات الأموال وتقريرها لأصحابها بوجه لا خطر فيه ولا منازعة وذلك عن طريق كتابة العقود المالية وجعل الناس على الوفاء بها وفسخ ما تطرقه الفساد منها لمناقضته مقصد الشارع.
ـ أن مقاصد الشارع العدل في الأموال، وذلك بأن يسلك الفرد في اكتسابها الطرق والوسائل المشروعة فيحصل عليها عن طريق العمل أو التعاقد، أو الخلافة بميراث أو وصية.
أن الشريعة الإسلامية متضمنة لجميع مصالح الإنسان الدنيوية والأخروية كبيرة كانت أو صغيرة ثابتة أو مستحدثة، وأن هدفها الأعظم هو أن يدخل المكلفون تحت أحكامها ويسيروا وفق تعاليمها فيسعدوا في الدنيا والآخرة.
ـ أن الإسلام أوجب على المكلفين الجهاد بالمال لحماية الدين والوطن؛ لأن الحفاظ على المقاصد الضرورية أو المصالح الضرورية الأولى مقدم على المحافظة على المال والتي هي حفظ الدين والنفس والنسل، ولا يتم ذلك إلا بحفظها من وجهين، يكمل أحدهما الأخر وهما:
- حفظها من جانب الوجود؛ أي بشرع ما يحقق وجودها وتثبيتها ويرعاه،
- حفظها من جانب العدم؛ أي بإبعاد ما يؤدي إلى إزالتها أو إفسادها أو تعطيلها سواء كان واقعا أو متوقعا، فالدين يحفظ من جانب العدم بالجهاد والنفس والمال، والنفس والنسل تحفظ من جانب العدم بالجهاد والمال.
ـ أنه من مقاصد الشريعة تحقيق تداول المال بين الناس، لذلك حرم كنز الأموال، والربا والميسر، والاحتكار، وأكل أموال الناس بالباطل، وفي المقابل أباح وشرح أنواعا من التعامل، وجملة من العقود لتحقيق هذا المقصد العظيم الذي هو تداول المال بين أيدي أكبر عدد من الناس حتى لا يكون دولة بين الأغنياء دون الفقراء.
الهوامش
[1] . انظر ترجمته في: الديباج المذهب، 1/236؛ المنهل الصافي، 1/415.
[2] . شرح تنقيح الأصول، ص427.
[3] . انظر ترجمه في البدر الساطع 1/63، طبقات المفسرين للداودي، 1/45، ذيل طبقات الحنابلة، 2/387.
[4] . الفتاوي الكبرى، 20 /48، السياسة الشرعية، ص47.
[5] . مذاهب الحكام، ص90، وبداية المجتهد، 2/335.
[6] . يوسف القرضاوي، السنة مصدراً للمعرفة والحضارة، ص232.
[7]. عبد النعيم حسنين، الإنسان والمال في الإسلام، المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، (1407ﻫ/1986م).
[8]. ندوة الاقتصاد الإسلامي مساهمة الأستاذ عمر الجيدي تحت عنوان: "القراض وأهميته في استثمار الأموال" منشورات كلية الآداب الرباط تحت رقم 15 ط (1410ﻫ/1989م)، ص159.
[9]. ندوة الاقتصاد الإسلامي، م، س، ص160.
[10]. انظر: فاروق النبهان، أبحاث في الاقتصاد الإسلامي، ص161.
[11]. الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3 ص225. وانظر: مسند الإمام أحمد، بيروت: المكتب الإسلامي، ج4، ص124 1978.
[12]. متفق عليه؛ رواه بن ماجة في سننه في كتاب المناسك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، ط1953. ج2، ص1016.
[13]. رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه مسلم في باب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه. انظر صحيح مسلم، كتاب القبر والصلة، طبعة ميدان الأزهر، د. ت.ج8، ص10.
[14]. مختصر الأحكام المستخرج على جامع الترمذي.
[15]. فاروق النبهان، أبحاث في الاقتصاد الإسلامي، ص36.
[16]. أبحاث في الاقتصاد الإسلامي، م، س، ص36.