مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

المعلم بفوائد مسلم للإمام المازري (ت536ﻫ)

ترجمة المؤلف:

    هو محمد بن علي بن عمر التميمي أبو عبد الله المازري عرف بالإمام، أصله من مازَِر[بفتح الزاي وكسرها] مدينة بصقلية، نزيل المهدية، تفقه حتى صار «إمام بلاد إفريقية وما وراءها من المغرب وآخر المستقلين من شيوخ إفريقية بتحقيق الفقه ورتبة الاجتهاد ودقة النظر»[1]، و«لم يكن في عصره للمالكية في أقطار الأرض في وقته أفقه منه، ولا أقوم لمذهبهم… كان أحد رجال الكمال في العلم في وقته، وإليه كان يفزع في الفتوى في الطب في بلده كما يفزع إليه في الفتوى في الفقه»[2]، وقد «أشاد بعلمه وذكائه ابن السبكي في الطبقات، وتعجب منه كيف لم يدع الاجتهاد مع استجماعه أدواته»[3]،

   ومع ما قيل فيه من «إدراكه رتبة الاجتهاد، فلم يكن يفتي الناس إلا بالمشهور»[4] من مذهب مالك. أخذ عن اللخمي، وابن الصائغ،  وغيرهما من شيوخ إفريقيا. وله تآليف منها: شرح صحيح مسلم، والتلقين للقاضي عبد الوهاب، والبرهان للجويني، وله إملاء على البخاري، وتعليقة كبرى على المدونة، وكتاب في الفرائض، وكشف الغطا عن لمس الخطا، ورد على الغزالي في كتاب سماه: الكشف والإنباء على المترجم بالإحياء، وله فتاوى وغيرها من الكتب التي تدل على رسوخه في العلم، وسعة اطلاعه. أخذ عنه عبد السلام البرجيني، ومحمد بن عبد الرحيم ابن الفرس، ويحيى بن الحداد، وابن صاعد، وبالإجازة ابن خير، وابن رشد الحفيد، وعبد المنعم ابن الفرس، وابن الحاج الشهيد، وغيرهم. وتوفي سنة (536ﻫ)[5].

المعلم بفوائد مسلم:

أ ـ اسم الكتاب: المعلم بفوائد مسلم، ويقال له: المعلم في شرح مسلم.

ب ـ تعريف الكتاب: كتاب المعلم للمازري من أوائل الشروح المالكية على صحيح مسلم، ولم يَقصِد إلى تأليفه، وإنما هو إملاء على الكتاب أملاه المارزي حين القراءة عليه في حلقات الدرس من شهر رمضان سنة تسع وتسعين وأربعمائة، فقد جاء في مقدمة المعلم، «هذا كتاب قصد فيه إلى تعليق ما جرى في مجلس الفقيه الإمام الجليل أبي عبد الله محمد بن علي المازري رضي الله عنه حين القراءة عليه لكتاب مسلم بن الحجاج رحمه الله في شهر رمضان المكرم من سنة تسع وتسعين وأربعمائة منقولا ذلك بعضه بحكاية لفظ الفقيه الإمام أيده الله وأكثره بمعناه» (1/181)، ثم بعد التقييد عرض الكتاب على المازري فنظر فيه وهذبه.

    قال ابن الأبار في ترجمة عبيد الله بن عبد الله ابن عيشون من التكملة: «لقي أيضا أبا عبد الله المازري بالمهدية، وحكى عنه أنه سمعه يقول وقد جرى كتابه المعلم بفوائد صحيح مسلم: أني لم أقصد تأليفه وإنما كان السبب فيه أنه قرىء علي كتاب مسلم في شهر رمضان، فتكلمت على نقط منه، فلما فرغنا من القراءة عرض علي الأصحاب ما أمليته عليهم، فنظرت فيه، وهذبته فهذا كان سبب جمعه. أو كلاما معناه». (2/312).

ج ـ منهج المازري في كتاب المعلم: لم يتعرض المازري لكل حديث من أحاديث الصحيح بالشرح والبيان؛ لأنه لم يكن قصده من ذلك التأليف، إنما هي تعاليق ألقاها أثناء القراءة عليه لصحيح مسلم، ولهذا لم يكن له منهج منضبط في شرح الأحاديث، فيبسط الكلام في بعض الأحيان، ويوجزه أخرى، ويغفل أحاديث أخرى، غير أن الأغلب عليه الإيجاز، وقد بلغ مجموع الأحاديث التي تكلم عليها في الكتاب 1363 حديثا، ورغم عدم انضباط منهجه فإن بعض الجوانب كانت ظاهرة في كتابه وهي:

-شرح الغريب: اعتنى المازري كثيرا بشرح الغريب، وبيان مدلول الألفاظ مع تحقيق المعنى، وهو ينقل الخلاف في ذلك، ثم يرجح المعنى الذي يظهر له مستدلا لذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأشعار فحول اللغويين والأدباء، وقد اقتصر في كثير من الأحاديث على الشرح اللغوي للألفاظ فقط، ناقلا للمعاني عن أئمة اللغة: كالأصمعي وابن الأنباري وابن دريد والزجاج وابن السكيت والمبرد وأبي عبيد وغيرهم الكثير.

-فقه الحديث: إضافة إلى شرح الغريب، فقد اعتنى أيضا بفقه الحديث، واستنباط الأحكام، وذكر مذاهب العلماء في المسألة، وأدلة كل واحد منها، ثم الترجيح بين المذاهب، مع ذكر أسباب الخلاف في المسألة.

-الكلام على الإسناد: اعتنى المازري في كتابه المعلم بالكلام على الأسانيد، وبيان طرق الحديث ورواياته، والرد ـ أحيانا ـ على الطعون الموجهة لبعض الروايات.

   هذه أهم السمات البارزة في كتاب المعلم بفوائد مسلم، وهناك سمات أخرى لم تظهر ظهور هذه السمات الثلاث، كمناقشة بعض المسائل العقدية، والكلام أيضا على نسخ الصحيح ورواياته، والتنبيه على ما بينها من الخلاف والفروق.

د ـ جهود العلماء على المعلم:

*حظي المعلم بعناية كثير من العلماء، ومنظومة الإكمال وما عليها من الجهود، التي تعد من أجود ما كتب على صحيح مسلم، دائرة عليه، وهي:

-إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت544ﻫ).

*غير أن إكمال المعلم للقاضي عياض لاحظ العلماء عليه أنه يحتاج إلى إكمال، فألف عليه:

أ- البقوري (ت707ﻫ)، «إكمال الإكمال على صحيح مسلم».

ب- وعيسى بن مسعود المنكلاتي الحميري الزواوي (ت743ﻫ)، «إكمال الإكمال في شرح صحيح مسلم».

ج- والشريف السلاوي الإدريسي [من تلاميذ ابن عرفة (ت803ﻫ)]، «إكمال الإكمال على صحيح مسلم». 

د – ومحمد بن أحمد الصفار الأنصاري (ت بعد 825ﻫ)، «اختصار إكمال المعلم بفوائد مسلم».

ﻫ – ومحمد بن خَلْفة بن عمر التونسي الوشتاني شهر بالأُبِّي (ت828ﻫ)، «إكمال إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم».  

ثم ألفوا على إكمال إكمال المعلم للأبي (ت828ﻫ):

*مختصر شرح الأبي على مسلم لمحمد بن يوسف بن عمر بن شعيب أبي عبد الله الحسني السنوسي (ت895ﻫ).

*اختصار شرح الأبي على مسلم لأحمد بن سعيد بن الشاط البجائي.

*تقاييد على الأبي لعلي بن محمد بن جلون أبي الحسن الفاسي المدعو علالا (ت1292ﻫ).

  فهذه تسعة التآليف كلها تعود إلى المعلم بفوائد مسلم للمازري؛ لأنه هو الأصل والمراد بالتكميل أولا، وهذه الجهود تدل على أهمية الكتاب في التراث المالكي الفقهي.

هـ ـ اعتماده: تقدم في ترجمة المازري أنه بلغ رتبة الاجتهاد، وأنه لم يكن يفتي الناس إلا بالمشهور من مذهب مالك، فلذلك صار معتمدا في المذهب، وقد جعله خليل في مختصر أحد الأربعة المعتمد عليهم، ورمز له بـ«القول»، قال خليل في مقدمة مختصره ـ الذي ذكر فيه ما به الفتوى ـ: «مشيرا بـ(فيها) للمدونة، وبـ(أول) إلى اختلاف شارحيها في فهمها، وبـ(الاختيار) للخمي، لكن إن كان بصيغة الفعل فذلك لاختياره هو في نفسه، وبالاسم فذلك لاختياره من الخلاف، وبـ(الترجيح) لابن يونس كذلك، وبـ(الظهور) لابن رشد كذلك، وبـ(القول) للمازري كذلك». (ص: 11). وقال النابغة الغلاوي في البوطليحية (ص: 77):

واعتمدوا ما ألف ابن رشد  **  والمـازري مرشـدا لرشـد

   وقد كان بعض القضاة يعتمد فتاوى المازري فيما يعرض له من نوازل منذ صغره، قال الهلالي: «كان القاضي يقرأ عليه، ويعتمد على فتواه في أحكامه، وهو ابن عشرين سنة» (نور البصر ص: 198)، أما عند المتأخرين عنه، فقد صار العمدة عندهم والمعول عليه، وهذا معنى كثرة نقولهم عنه.

   فمن المكثرين عنه: ابن الحاجب في جامع الأمهات، والقرافي في الذخيرة، وخليل في التوضيح، والمواق في التاج والإكليل لمختصر خليل، والحطاب في مواهب الجليل، والخرشي في شرح المختصر، والعدوي في حاشيته على كفاية الطالب الرباني، والدردير في الشرح الكبير، والدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير، وعليش في منح الجليل، وغيرهم الكثير.

   والملاحظ من النقول عن المازري، وصنيع خليل، وما ذكره الغلاوي، أنهم لا يصرحون غالبا باسم الكتاب، بل يكتفون بذكر المازري فقط، ـ ويصرحون أحيانا، فيذكرون شرح التلقين أو المعلم بفوائد مسلم، أو التعليقة على المدونة ولكن نادراـ، ولعل صنيعهم هذا يدل على أن كل مؤلفاته معتمدة في المذهب، أو أن مواضع التصريح تفسر مواضع الإبهام فيكون المعتمد من كتب المازري هذه الكتب الثلاثة. وأي من التفسيرين اعتمدنا فإن المعلم بفوائد مسلم يكون من الكتب المعتمدة في المذهب المالكي. إضافة إلى خدمتهم له.

و ـ مخطوطات الكتاب:

   لكتاب المعلم نسخ مخطوط منها: نسختان بالخزانة العامة بالرباط عدد:  (1829د، 94ق)، ونسخة بمكتبة عبد الله جنون عدد: (10180)، ونسخة بالمدينة عدد: (108-109)، ونسخة بدار الكتب الوطنية بتونس عدد: (12062)، وأصلها من المكتبة الأحمدية، ونسخة بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة عدد: (990). وقد طبع بتحقيق ذ محمد الشاذلي النيفر ط دار الغرب الإسلامي ط1 1988، ثم أعادت طبعه سنة 1992، والكتاب يقع في ثلاث مجلدات متوسطة الحجم.

                                       بقلم الباحث: عبد الرحيم اللاوي



 

[1] الغنية (ص: 65).

[2] الديباج (ص: 375) (508).

[3] مباحث في المذهب المالكي بالمغرب (ص: 80). قال ابن السبكي في ترجمة الغزالي: «أما المازري فقبل الخوض معه في الكلام أقدم لك مقدمة، وهي أن هذا الرجل كان من أذكى المغاربة قريحة، وأحدهم ذهنا بحيث اجترأ على شرح البرهان لإمام الحرمين، وهو لغز الأمة الذي لا يحوم نحو حماه، ولا يدندن حول مغزاة إلا غواص على المعاني ثاقب الذهن مبرز في العلم… ثم هو مع ذلك مالكي المذهب شديد الميل إلى مذهبه كثير المناضلة عنه». طبقات الشافعية الكبرى (6/243).

[4] الفكر السامي (ص: 555).

[5] انظر ترجمته في الغنية (ص: 65)، الديباج (ص: 375) (508)، شجرة النور (ص: 127) (371)، الفكر السامي (ص: 555)، العمر (ص: 699)، مباحث في المذهب المالكي بالمغرب (ص: 80).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق