مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

الروضة المستطابة فيمن دفن بالبقيع من الصحابة لمؤلف كان حيا سنة 1175هـ 2/1

2/1

 

بقلم: عبداللطيف السملالي

 لعل من أهم ما اعتنى به العلماء المتقدمون والمتأخرون من أهل التاريخ والسير والتراجم: وفيات الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وتحديد مواضع مدافنهم، وكان للمحدثين منهم اهتمام كبير بهذا الموضوع، وخاصة معرفة وفيات الرواة من الصحابة رضي الله عنهم، وقد تمكن المحدثون النقاد من إبراز زيف كثير من الروايات المتداولة في الكتب المختلفة، وكشفوا عن حال الوضَّاعين الذين اختلقوها، وبفضل إعمال نظرهم في وفيات الرواة تمكنوا من نقد تلك الروايات، وتيسّر لهم بيان ضعف الاحتجاج بها.

وقد توجهت عناية بعض العلماء إلى التأليف في الصحابة الذين ختمت أنفسهم بأشرف بقاع وهي المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ووريت أجداثهم هناك في ثرى مقبرة بقيع الغرقد.

 ولقد حظي هذا المدفن بما لم يحظ به مدفن آخر، فكان هو مدفن أهل المدينة كافة على مر العصور، ومن شريف مزاياه أن النبي عليه الصلاة والسلام، خصه بالدعاء والاستغفار لمن نزل به وانتقل إلى عفو الله، وقد رُوِيَتْ مجموعة أحاديث نبوية شريفة تبرز فضل الموت في المدينة عامة، وتطلعنا على فضل البقيع خاصة، وهي متجلية أساسا في كثرة زيارته عليه الصلاة والسلام له، واستغفاره لأهل تلك القبور، ومن تلك الدالة على تلك المزايا:

ـ شفاعة النبي عليه الصلام والسلام يوم القيامة لمن مات بالمدينة بصفة عامة، ولم يكن مدفنهم سوى في البقيع:

عن عبدالله بن عمر-رضي الله عنهمـا- قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَن استطاعَ أنْ يموتَ في المدينةِ فليمتْ، فإني أشفعُ لمَن يموت بهَا)[1] .

ـ خروج النبي عليه الصلاة والسلام لزيارة البقيع وكثرة تردده عليه، والسلام على أهله:

 وهو وارد في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي قالت: « كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – كلمَّا كانَ ليلتها من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يخرجُ من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلامُ عليكُم دارَ قومٍ مؤمنين، وأتاكُم مَا تُوعدُون، غدًا مؤجَّلون، وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكُم لاحقُون، اللهمَّ اغفرْ لأهلِ بقيعِ الغرقدِ »[2].

ـ أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء والاستغفار لأهل البقيع:

ورد في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنِّي بُعثتُ إلى أهلِ البقيعِ لأصلِّي عليهم)[3].

ـ من فضائل البقيع أنَّ اللهَ – سبحانه وتعالى- سيبعثُ منه يوم القيامة سبعين ألفًا، وجوههم كالقمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب:

فعن أم قيس بنت محصن- رضي اللهُ عنها- قالت: لقد رأيتني ورسول الله  صلَّى الله عليه وسلم آخذ بيدي في بعض سكك المدينة، وما فيها من بيت، حتى انتهينا إلى بقيع الغرقد.  قال يا أم قيس، فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: أترين هذه المقبرة؟ يُبعثُ منها سبعون ألفًا يومَ القيامةِ على صورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنَّة بغير حساب، فقام عكاشة بن محصن فقال: وأنا يا رسول الله؟ قال: وأنت، فقام آخر فقال: وأنا يا رسول الله؟ فقال: سبقك بها عكاشة »[4].

ولم يزل الصالحون الصادقون على مر العصور يتمنون الموت بالمدينة، والدفن في البقيع المبارك، أملا في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهادته، وطمعا في الدخول تحت دعائه بالمغفرة[5].

ويتميز البقيع عن باقي مدافن الدنيا أن تربته ضمت عدة آلاف من خيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر القاضي عياض عن الإمام مالك بن أنس أنه قال: « مات بالمدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف، وباقيهم تفرقوا في البلدان»[6]، كما دفن فيه نخبة مجتباة من آل بيت النبي الأطهار، وصفوة معتبرة من التابعين وصلحاء الأمة والمجاهدين الأبرار. ولما كانت للبقيع تلك المزايا والفضائل المتصلة بمن شرفوا بصحبة سيد البشر عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، بادر العلماء واللغويون والمؤرخون والجغرافيون والرحالون إلى التعريف بالبقيع وبيان موضعه وتحديد بقعته، وبسْطِ الآداب الشرعية التي يجب التزامها عند زيارته، وتخصيص حديث مستفيض عنه وإبراز أشهر مشاهده، وسرد كل من انتهى إلى علمهم من أسماء كثيرة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين دفنوا هناك. ومن أهم تلك المصنفات:

-أخبار المدينة. لمحمد بن الحسن ابن زَبَّالة (ت 199هـ).
-تاريخ المدينة لابن شَبَّة: لعمر بن شَبَّة (ت 262هـ).
-المسالك والممالك. لإبراهيم بن محمد الفارسي الإصْطَخْرِي (ت 346هـ).
-أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم. لمحمد بن أحمد المقدسي البشاري (ت380هـ).
-معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع. لعبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (ت 487هـ).
-مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن. لعبدالرحمن بن علي ابن الجوزي (ت597هـ).
-الإشارات إلى معرفة الزيارات. لعلي بن أبي بكر الهروي (ت611هـ).
-تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار. لمحمد بن أحمد ابن جبير (ت614هـ).
-الدرة الثمينة في تاريخ المدينة. لمحمد بن محمود المعروف بابن النجار (ت643هـ).
-إتحاف الزائر وإطراف المقيم للسائر في زيارة النبي H. عبدالصمد بن عبدالوهاب ابن عساكر الدمشقي (ت 686هـ).
-التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة. لمحمد بن أحمد المطيري (ت741هـ).
-بهجة النفوس والأسرار في تأريخ دار هجرة النبي المختار. لعبدالله بن عبدالملك المرجاني (توفي بعد 770هـ).
-تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. لمحمد بن عبدالله اللواتي ابن بطُّوطَة الطنجي (ت 779هـ).
-تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة. لأبي بكر بن الحسين المراغي (ت816هـ).
-المغانم المُطابة في معالم طابة. لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي  (ت 818هـ).
-التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة. لمحمد بن عبدالرحمن السخاوي (ت902هـ).
-وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى. لعلي بن عبدالله السمهودي (ت 911هـ).
-خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى. لعلي بن عبدالله السمهودي (ت 911هـ).
-الجواهر الثمينة في محاسن المدينة. لمحمد كبريت الحسيني المدني (ت1070هـ).
-ترغيب أهل المودة والوفا في سكنى دار الحبيب المصطفى. لإسماعيل بن عبدالله الأسكداري (ت 1182هـ).

وإذا كانت مجموع الكتب أعلاه تناولت بعض الصحابة دون استقصاء عددهم، ممن دفنوا في البقيع، فإن هناك من العلماء والمؤلفين قديما وحديثا أبدوا العزم القوي وشمروا عن ساعد الجد وقصروا جهدهم على تتبع كتب الحديث والتراجم والسير، واقتفوا من خلالها أثر مجموعة كبيرة من الصحابة الكرام الذين ألحدوا في ثرى بقيع الغرقد، سواء في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي كان يشملهم بدعواته المباركات، ويستغفر لهم كلما حل بديارهم، وكان يختلف المرة بعد الآخرة إلى زيارتهم، ومن خلال زياراته صلى الله عليه وسلم، كان يُعَلِّم أمَّتَه آداب زيارة المقابر، وكيفية السلام والتّرَحُّم على ساكنيها، أو ممن دفنوا في البقيع بعد مماته في عهد الخلفاء الأربعة، و في فترة من تبعهم من الأمراء.

ومن أجل التآليف التي خُصِّصَ موضوعها لذكر بقيع الغرقد وإبراز مناقب الصحابة الكرام وأهل بيت النَّبِيّ الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين، الذين استقرت أجسادهم الطاهرة في تربته، نذكر جملة منها:

-الروضة الفردوسية والحضرة القُدُسيّة، فيها تعيين من دفن بأشرف البقاع وسفح البقيع من المدينة المشرفة وما حولها من السابقين الأولين والشهداء الصالحين. لمحمد بن أحمد الأقشهري (ت 739هـ).
-دواء الوجيع في مدح جيران البقيع. لشعبان بن محمد بن داود الآثاري الموصلي (ت 828هـ).
-النظم البديع في مناقب أهل البقيع. لأحمد بن إسماعيل البرزنجي (ت 1337هـ).
-الجمال البديع على ساكن البقيع. منصور محمد هيكل الشرقاوي (ت 1346هـ).
-عنوان النجابة في معرفة من مات بالمدينة من الصحابة. مصطفى بن محمد بن العلوي الرافعي (ت ؟).
-الإصابة فيمن دفن في البقيع من الصحابة رضي الله عنهم. منصور بن صالح السلامة التميمي.
-بقيع الغرقد. حاتم عمر طه ومحمد أنور البكري.
-المقصد الرفيع من زيارة البقيع. أحمد محمد فارس.

 

يتبع


[1] . أخرجه أحمد في: المسند. مسند عبدالله بن عمر. حديث (5818). 5/257. قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن.  والترمذي في السنن. باب ما جاء في فضل المدينة. حديث 3917. 6/202. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.  

[2] . رواه مسلم في المسند الصحيح. كتاب الجنائز. باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها. حديث 974. 2/669.    

[3] . رواه مالك في الموطإ. جامع الجنائز. حديث 827. 2/341.

[4] . رواه أبو داود الطيالسي. باب ما روته أم قيس بنت محصن الأنصارية عن النبي.. حديث 1740. 3/205.

[5] . التحفة الزكية في فضائل المدينة النبوية. عبدالرحمن عبدالحميد البر. 111.

[6] . ترتيب المدارك.1/46

 

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق