مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

التعريف بـ “بهجة النفوس وتحليها بما لها وما عليها”، شرح مختصر البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

 

                                                                                         إنجاز: عبد الفتاح مغفور*

وبعد؛

يعدّ كتاب “بهجة النفوس وتحليها بما لها وما عليها”، لابن أبي جمرة  من أفضل شروح صحيح البخاري، وأجداها نفعا، وأدقّها منهجا، فهو حافل بالفوائد والفرائد والحكم والمقاصد، له قيمة واعتبار كبير  لدى فقهاء الحديث  في كل المذاهب.

 ونظرا لأهميته ارتأيت أن أكتب مقالا للتعريف به، وبيان مصدريته، وقسمته إلى قسمين:

1 ـ التعريف  بالمؤَلِّف: ابن أبي جمرة

2 ـ التعريف  بالمؤَلَّف :بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها

القسم الأول: التعريف بابن أبي جمرة

هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي. أخذ عن أبي الحسن الزيات[1]. وأخذ عنه ابن الحاج، ونقل عنه كثيرًا في كتابه المدخل[2]. وقد حلاه غير واحد من الذين ترجموا له، قال في حقه محمد بن مخلوف: ” المحدّث الراوية القدوة المقرئ العمدة الولي الصالح الزاهد العارف بالله له كرامات جمعت في كراريس”[3].

وحلاه أحمد بابا التنبكتي  بـ:” الولي القدوة العارف بالله الزاهد الصالح الإمام العلامة المقرئ المشهور، مؤلف مختصر البخاري وشرحه بهجة النفوس في سفرين، له كرامات عديدة رأيتها مجموعة في كراريس مع أخباره عن أكابر أرباب القلوب، وناهيك عن حاله وكراماته ما ذكر أنه قال يومًا: بحمد الله تعالى أنه لم يعص اللَّه قط”[4].

وقال عنه الإمام ابن كثير في كتاب البداية والنهاية : ” كان قوالا بالحق آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر”[5].

وقال الزركلي: “من العلماء بالحديث”[6].

وقال عنه الشيخ عمر رضا كحالة: ” كان مؤرخا ومفسرا للقرآن ومحدثا”[7].

وقد ألف علي بن مبارك  في حق كرامته كتابا سماه: “كرامات ابن أبي جمرة”، توجد منه نسخة بالخزانة الحسنية: 4589

وله مصنفات كثيرة منها: “جمع النهاية، في بدء الخير والغاية” مختصر الجامع الصحيح للبخاري، وشرحه المسمى “بهجة النفوس وتحليها بما لها وما عليها”، و”المرائي الحسان الدالة على فضل شرح مختصر البخاري”(بهجة النفوس وتحليها بما لها وما عليها)،  وكتاب في طبقات الحكماء، وتفسير القرآن الكريم[8]،  ومنظومة في “ختمة البخاري “توجد منها نسخة ، تحت رقم: (10329) في مكتبة عبد الله گنون. ومنها نسخ بالخزانة الحسنية: 7309 ـ 9553 ـ9559، و”شرح حديث عبادة بن الصامت”،  وشرح حَدِيث الاسراء، وشرح حَدِيث الافك[9].

قال صاحب كشف الظنون: “شرح حديث: “عبادة بن الصامت” أفرده بالتدوين، بعد أن أودعه في كتابه: “بهجة النفوس”، وهو: قوله ـ عليه الصلاة والسلام: “بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا..”[10].

أوله: “الحمد لله الذي أطلع من السماء لفظ خير بريته شموسا … إلخ” .

وله: شرح “لحديث الإفك” .أفرده بعد ذكره في بهجة النفوس.

أوله: “الحمد لله الذي أظهر بمقتضى التنزيل تطهير من قد اختاره….” .

وله شرح: “حديث الإسراء” .

أوله: “الحمد لله الذي أظهر من سر قدرته بخرق عاداته … الخ” .

أفرده بالتدوين، بعد أن ذكره في كتابه: “بهجة النفوس”[11].

 ولقد تضاربت كتب التراجم  في تأريخ سنة وفاته،  ففي هدية العارفين  توفي سنة(675هـ)[12] وفي الأعلام توفي سنة ( 695 هـ)[13]، وفي شجرة النور توفي سنة (699هـ)[14]، وفي نيل الابتهاج توفي سنة (699هـ)[15]

القسم الثاني: التعريف بـ بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها شرح جمع النهاية في بدء الخير والغاية ” مختصر صحيح البخاري  

قبل الحديث عن “بهجة النفوس” أقدم تعريفا بكتاب “جمع النهاية في بدء الخير والغاية” وهو مختصر البخاري”، ويعرف  بـ “مختصر ابن أبي جمرة” وهو نحو ثلاث مائة حديث، حذف أسانيد أحاديث صحيح البخاري ما عدا راوي الحديث؛ ليسهل حفظها. قال رحمه الله في مقدمة مختصره  هذا مبينا سبب اختصاره له: “ورأيت الهمم قد قصرت عن حفظها مع كثرة كتبها من أجل أسانيدها… فرأيت أن آخذ من أصح كتبها كتابا أختصر منه أحاديث بحسب الحاجة إليها، وأختصر أسانيدها ما عدا راوي الحديث، فلا بد منه، فيسهل حفظها، وتكثر الفائدة فيها ـ إن شاء الله تعالى ـ  فوقع لي أن يكون كتاب البخاري؛ لكونه من أصحها، ولكونه رحمه الله كان من الصالحين، وكان مجاب الدعوة، ودعا لقارئه.

وقد قال: لي ـ من لقيته من القضاة الذين كان لهم المعرفة والرحلة، عمن لَقي من السادة المُقر لهم بالفضل ـ ( إن كتاب البخاري ما قرئ في وقت شدة إلا فرجت، ولا ركب في مركب فغرقت قط) فرغبت مع بركة الحديث في تلك البركات، لما في القلوب من الصدأ، فلعله بفضل الله أن يكشف عما بها، وأن يفرج عنها شدائد الأهواء التي تراكمت عليها، ولعل بحمل تلك الأحاديث الجليلة تعفى من الغرق في بحور البدع والآثام، فلما كملت بحسب ما وفق الله إليه… فإذا هي ثلاث مائة حديث غير بضع… فسميته بمقتضى وضعه:  “جمع النهاية في بدء الخير والغاية” ولم أفرق بينها بتبويب، رجاء أن يتمم الله لي ولكل من قرأه أو سمعه بدء الخير بغايته”[16]
ولما وضع رحمه الله هذا المختصر رأى أن يجعل عليه شرحا، قال رحمه الله “فلما كان من متضمن ما أودعنا برنامج الكتاب الذي سميناه: “جمع النهاية في بدء الخير والغاية”. إشارة إلى تكثير فوائد أحاديثه، وتعميم محاسنه، وكنت عزمت على تبيينها، لأن أتبع خيرا بخير، فيكون ذلك أصله، وهذا ثمره وفننه، فإن كمال فائدة الثمار، باجتناء الثمرة، ويعرف مقتنيه قدر الفائدة، بل الفوائد التي فيه “[17] وسماه: “بهجة النفوس وتحليها بمعرفة مالها وما عليها”  تناول فيه أحكاما فقهية، وآدابا شرعية، وبعد بيانه أحكام الشريعة تحدث عن الحقائق أي: ما يؤخذ من الأحاديث في تهذيب النفوس والأرواح.

كما بسط فيه  عددا من القواعد والمسائل المقاصدية الدالة على أن الشريعة كلها معللة  بالحكم، وقد بين في مقدمة شرحه هذا ما تناوله فيه قائلا :  “هذا الكتاب يحتوي على جمل من درر فرائض الشريعة، وسننها ورغائبها وآدابها وأحكامها، والإشارة إلى الحقيقة بحقيقتها، والإشارة إلى كيفية الجمع بين الحقيقة والشريعة، وتبيين الطرق الناجية التي أشار عليه السلام إليها، والإشارة إلى بيان أضدادها، والتحذير عنها، وربما استدللت على بعض الوجوه التي ظهرت من الحديث بآي وبأحاديث تناسبها وتقويها؛ فمنها باللفظ ومنها بالمعنى، وأتبعت ذلك بحكايات ليشحذ الفهم بها وليتبين بها المعنى، وربما أشرت  في بعض المواضع إلى شيء من توبيخ النفس على غفلتها لعلها تنتهي عن غيّها، وأودعت فيه شيئا من بيان طريقة الصحابة وآدابها، وما يستنبط من حسن عباراتهم، وتحرزهم في نقلهم، وحسن مخاطبتهم، وما يستنبط من ذلك من آداب الشريعة إذا تعرض لفظ الحديث لشيء من ذلك؛ لأنه لا ينبغي أن يغفل عن شيء من ذلك؛ لأنهم هم الصفوة المقربون والخيرة المرفعون”[18] الذين كانوا يحترمون الحديث أعظم الاحترام يستنبطون من ألفاظه وحروفه أحكاما يبنون عليها قواعد مذاهبهم.

وقد ختم الكتاب بالرؤى التي رآها المؤلف عند شرحه لأحاديث البخاري، وهي سبعون رؤية سماها “المرائي الحسان”. أي: ما رؤي من الرؤى النبوية المتعلقة بشرحه على البخاري أي ” بهجة النفوس “[19] .

وكتاب “بهجة النفوس” اعتمده مجموعة من العلماء الذين أتوا بعده من شراح صحيح البخاري ، كابن الملقن في “التوضيح لشرح الجامع الصحيح” و الحافظ ابن حجر  في “الفتح”، والقسطلاني في ” إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري” والعيني في “عمدة القاري” ومحمد الفضيل الشبيهي الإدريسي الزرهوني في “الفجر الساطع على الصحيح الجامع” ، وغيرهم.

وهذا يدل على  مصدريته وأهميته الكبيرة في الشريعة الإسلامية، وكما يدل  على ذلك وفرة  نسخه المخطوطة في الخزائن المغربية.

طبعاته: طبع بمطبعة الصدق الخيرية بجوار  الأزهر المصرية ط1، سنة:1348هـ.وطبعته أيضا دار الكتب العلمية سنة 2012م في أربعة أجزاء في مجلدين.

****************

جريدة المصادر والمراجع:


1-الأعلام لخير الدين ، الزركلي (ت 1396هـ) دار العلم للملايين، ط 15 ـ مايو 2002

2-البداية والنهاية لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت 774هـ)، دار الفكر، 1407 هـ ـ 1986 م

3-بهجة النفوس وتحليها بما لها وما عليها لابن أبي جمرة، ط1، 1348هـ

4-شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد بن عمر بن علي ابن سالم مخلوف (ت 1360هـ)، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان ط1 1424 هـ / 2003 م

5-صحيح البخاري الطبعة الهندية (خالية من البيانات)

6-كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة (ت 1067هـ)، مكتبة المثنى ـ بغداد، 1941م

7- مختصر صحيح البخاري لابن أبي جمرة(699هـ) ، دار المنهاج ط1، 122هـ /2001م

8-معجم المؤلفين لعمر بن رضا كحالة (ت 1408هـ) مكتبة المثنى ـ بيروت، دار إحياء التراث العربي بيروت

9-نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا التنبكتي (ت 1036 هـ)، عناية وتقديم: الدكتور عبد الحميد عبد الله الهرامة، دار الكاتب، طرابلس ـ ليبيا ط2، 2000 م

10هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل بن محمد أمين البغدادي (ت 1399هـ)، طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية استانبول 1951

                                               *****************

هوامش المقال

 

[1] شجرة النور الزكية (1 /285)

[2] نيل الابتهاج (ص: 216) شجرة النور الزكية (1 /285)

[3] شجرة النور الزكية (1 /285)

[4] نيل الابتهاج (ص: 216)

[5] البداية والنهاية (11 /201)

[6]   الأعلام للزركلي (4 /89)

[7] معجم المؤلفين (6 /57)، الأعلام للزركلي (4 /89)

[8] معجم المؤلفين (6 /57)، هدية العارفين (1 /462)

[9] هدية العارفين (1 /462)، كشف الظنون (2 /1040)

[10] أخرجه البخاري في كتاب الحدود باب الحدود كفارة رقم: (6783) (1 /3381)

[11] كشف الظنون (2 /1040)

[12]  هدية العارفين (1 /240)

[13] الأعلام (2 /136)

[14] شجرة النور (1 /285)

[15] نيل الابتهاج (ص: 216)

[16]   مختصر ابن أبي جمرة (ص: 27)

[17] بهجة النفوس (1/ 2)

[18] بهجة النفوس (1/ 4)

[19] دليل فهرس مخطوطات الجامع الأعظم بتازة (ص: 84)

* راجع المقال: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق