مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

التعريف بحاشية ابن سودة (ت1209هـ) على صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم 

 

 

بقلم الباحث: عبد الفتاح مغفور

تعدّ حاشية ابن سودة على صحيح البخاري الموسومة بـ” زاد المجد الساري لمطالع صحيح البخاري “، من أفضل الشروح والتعليقات على صحيح البخاري، وأجداها نفعا، وأدقّها منهجا، فهي حافلة بالفوائد والفرائد والحكم والمقاصد، لها قيمة واعتبار كبير  لدى فقهاء الحديث.

 ونظرا لأهميتها ارتأيت أن أكتب حولها مقالا للتعريف بها، وقسمته إلى قسمين:

التعريف بالمؤلِّف: التاودي ابن سودة:

 هو أبو عبد الله محمد التاوُدي بن الطالب بن محمد بن علي بن سُودة بضم السين وفتحهاـ الُمرِّي القرشي النجار، الغرناطي الأصل، ثم الفاسي المنشأ والدار، فقيه المالكية، وشيخ الجماعة بفاس، المعروف بالتاوُدي، نسبة إلى تاؤُدة قرية من أقاليم فاس، صار أهل المغرب عامة وأهل فاس خاصة يلقِّبون بها أبناءهم، تيمنا بولي الله محمد التاودي دفين فاس.
وهو من أكبر العلماء الذين أنجبتهم مدينة فاس بل والمغرب عموما. أخذ عن مجموعة الشيوخ  ـ ذكرهم في فهرسته ـ، ومن أشهرهم محمد بن أحمد ابن جلون، وأحمد بن المبارك السجلماسي[1] الذي كان عمدته في رواية الحديث، ومحمد بن عبد السلام البناني[2]، ومحمد بن قاسم جسوس[3]، ويعيش بن الرغاي الشاوي الفاسي وغيرهم. وأخذ في رحلته إلى الحج عام (1191هـ) عن غير واحد من علماء المشرق ، فاستفاد منهم، وأفادهم، مثل الشيخ السّمان، والشيخ مرتضى الحسيني.

 وتخرج على يده  عدد من الطلبة، نذكر ولده أحمد[4] ،ومحمد بن الحسن الجنوي[5] ، ومحمد بن علي الورزازي[6] ، والطيب ابن كيران[7]، وأبو العلاء إدريس بن زين العابدين العراقي[8] ، ويحيى الشفشاوني[9]، وأبو العباس حمدون ابن الحاج[10]وغيرهم كثير.

وحلاه غير واحد من الذين ترجموا له، يقول صاحب سلوة الأنفاس:”كان مجتهدا في العبادة، حسن الخلق، محبا لآل البيت، شديد الاعتناء بأمور الناس، رقيق القلب، كثير البكاء غزير العبرة”[11]، ووصفه صاحب الشجرة بـ”خاتمة المحققين الأعلام الولي الصالح البار الناصح “[12].وقال عنه عالم مصر الشيخ الأمير في فهرسته لما ترجمه: ” هلال المغرب وبركته، وحامل فتواه وقدوته”[13]

وترك مؤلفات عديدة نذكر منها: “زاد المجد الساري على البخاري “، و”حاشية على شرح الزرقاني لمختصر خليل، سماها: طالع الأماني”، و”شرح على التحفة لابن عاصم”، و”شرح الزقاقية”، و”شرح الأربعين النووية”، و”شرح جامع الشيخ خليل”[14]، وغير ذلك.

  توفي رحمه الله يوم الخميس 19ذي الحجة 1209هـ[15]

التعريف بالمؤلَّف: حاشية ابن سودة على صحيح البخاري المسماة: “زاد المجد الساري لمطالع صحيح البخاري”

وهي حاشية على صحيح البخاري تضمنت تعليقا وتفسيرا لما جاء في صحيح البخاري بهدف توضيحه وتقريبه إلى أفهام القراء، ذكر فيها أحديث البخاري بأسانيدها، سماها  “زاد المجد الساري لمطالع صحيح البخاري”، وقد بين رحمه الله المقصد والغاية من وضع هذه الحاشية على صحيح البخاري، وهو  التقرب والتعلق بالجناب النبوي،  والتخلق بأخلاق الملازمين والمعتنين بالحديث الشريف.

يقول في مقدمة حاشيته:”فهذا تعليق قصدت به التعلق بالجانب العلي، والتخلق بأخلاق الخائضين في الحديث النبوي:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم      إن التشبه بالكرام رباح”[16]

ثم قال: “اعلم رزقنا الله وإياك الصدق والإخلاص، ورزقنا بالقصد الصحيح والنية الخالصة مراقي الزلفى والاختصاص؛ إن أولى ما صرفت له نفوس الأنام، وأعلى ما وقع به مزيد الاهتمام، هو الاشتغال بالعلوم الدينية، المُتَلقاة من الحضرة النبوية، ولا يرتاب عاقل أن مدارها على كتاب الله المقتفى، وسنة نبيه ورسوله المصطفى، وأما باقي العلوم إما آلات فتؤخذ من مقدمة لها، وهي الضالة المطلوبة، أو أجنبية أو ضلالات، فالسلامة بالإعراض عنها”[17]

وبعد حديثه عن السبب الذي دعاه إلى وضع هذه الحاشية على صحيح البخاري، انتقل إلى بيان أهمية الحديث النبوي الشريف وأفضليته وشرفه،  وساق العديد من الآثار، وأقوال وأشعار العلماء الدالة على ذلك. ثم انتقل إلى التعريف بالبخاري رحمه الله، ومما تحدث عنه في ترجمته هذه: ولادته، رحلته في طلب الحديث الشريف، سَعة حفظه له، مراتب شيوخه وكثرتهم، سيرته وشمائله وزهده وورعه وفضله، ثناء الناس عليه وتعظيمهم له، وعدد أحاديث صحيحه.

وبعدها انتقل إلى التعليق والشرح والتحشي والتحقيق على صحيح البخاري مبتدئا بكتاب الوحي، ثم الإيمان، ثم العلم، متبعا في ذلك الترتيب الذي عليه كُتب الجامع الصحيح وأبوابه.

مستعملا رموزا لاختصار أسماء الأعلام وبعض الكلمات كرمزه بـ (ع): للعارف بالله سيدي عبد الرحمن الفاسي، و بـ (ح) للحافظ ابن حجر، وبـ (ز) للشيخ زكريا الأنصاري، وبـ (بخ) إشارة إلى اختصار الكلام.

وهذه الحاشية ألفها ابن سودة نتيجة وخلاصة ما يفوق أربعين ختمة بالدرس والإقراء والمثابرة لصحيح البخاري.

قال عبد الحي الكتاني:”لخصت من ” الروضة المقصودة ” لأبي الربيع الحوات في ترجمته: ومن دؤوبه أنه ثابر على إقراء صحيح البخاري حتى جاوزت ختماته حد الأربعين، فلم يكن يدعه، لا سيما في شهر الصيام، من البدء إلى التمام، يفتتحه أول يوم منه ويختمه آخره، وكان يأتي في هذا الزمان القليل بتحقيقات، وله عليه ” زاد المجد الساري ” في نحو أربع مجلدات، وحاشيته هذه طبعت بفاس”[18].

ومما يدل على أهيمة هذه الحاشية، وتداولها في بلاد المغرب وفرة النسخ المخطوطة الموجودة في الخزائن المغربية.

طبعاته:

طبع في أربعة مجلدات في المطبعة المولوية بفاس سنة: 1328،  طبع مرة أخرى بدار الكتب العلمية باعتناء عمر أحمد الراوي ط1، 2007م.

 ****************

جريدة المصادر والمراجع:

 

1- الأعلام لخير الدين الزركلي الدمشقي دار العلم للملايين ط15 مايو 2002 م

2- حاشية التاودي على صحيح البخاريالمسماة مجد الساري لمطالع صحيح البخاري،لابن سودة، باعتناء عمر أحمد الراوي،دار الكتب العلمية، ط1، 2007م.

3- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس لجعفر بن إدريس الكتاني.تحقيق عبد الله الكامل الكتاني و حمزة بن محمد الطيب الكتاني و محمد حمزة بن علي الكتاني. دار الثقافة، ط1ـ سنة 1425 هـ ـ2004 م

4- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد مخلوف، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1 1424 هـ / 2003 م

5- فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي الكتاني، تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت.

 

هوامش المقال:

[1] شجرة النور (1 /534)

[2]نفسه (1 /534).

[3]نفسه(1 /534)

[4]نفسه (1 /534)

[5]نفسه (1 /534)

[6]نفسه(1 /534)

[7]نفسه(1 /534)

[8]نفسه(1 /534)

[9]نفسه(1 /534)

[10]نفسه(1 /534)

[11]سلوة الأنفاس (1 /113)

[12] شجرة النور (1 /534)

[13]فهرس الفهارس (1 /257)

[14]الأعلام للزركلي (6 /62)، فهرس الفهارس (1 /257)

[15] شجرة النور (1 /534)

[16]المصدر السابق (1 /5)

[17]المصدر السابق(1 /5)

[18]فهرس الفهارس (1 /257)

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق