مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامحوارات

البيئة والمرأة الإفريقية في صلب الاهتمامات التنموية لمنتدى كرانس مونتانا 2016

حاورتها: سمية شكروني

 

ما علاقة الإنسان بالبيئة؟ هل هي علاقة مبنية على الوجودية المادية والنفعية المسيطرة على عقول البشر أم أنها علاقة توافقية تجعل من الإنسان مُكوِّنًا ديناميكيًّا وفعالاً من مكونات النظام البيئي و وتجعل من الطبيعة أساسًا ودعامة للبيئة البشرية؟ هل صحيح أن الطبيعة هي مجرد مواد خام متاحة للإنسان في كل الأوقات لكي يستفيد منها؟ أم أنها عناصر بيئية سخرت لخدمة الإنسان لتساعده على النهوض برسالته الإستخلافية ؟ كيف حدد الإسلام هذه العلاقة وأي دور للمرأة المسلمة في نشر القيم الإسلامية المرتبطة بالبيئة ؟

 

أسئلة وأخرى سنحاول الإجابة عليها من بوابة افريقيا، من درة الجنوب، من مدينة الداخلة، في حوار خاص مع السيدة عائشة عبد الله من التشاد، أحدى المشاركات في أشغال المنتدى العالمي كرانس مونتانا في دورته الثانية 2016، والذي أقيم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، خلال الفترة الممتدة بين 17 و22 مارس المنصرم، تحت شعار “إفريقيا والتعاون جنوب – جنوب .. حكامة أفضل من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة”.  

فيما يلي نص الحوار في جزئه الأول الخاص بمحاور المنتدى على أساس نشر جزء ثان منه متعلق بواقع المرأة المسلمة ودورها في حل الإشكالات المرتبطة بها.

 

في البداية سيدتي الكريمة، نود التعرف عليكم وعلى مجال اشتغالكم؟

عائشة عبد الله من التشاد. جئت بدعوة من منظمة الاسيسكو للمشاركة في أشغال المنتدى العالمي كرانس مونتانا في دورته الثانية 2016 الذي أقيم بمدينة الداخلة. أعمل في مجال القيادة البرية والتعليم البيئي وهو مجال جديد ونامي أقوم بالتعريف به في الجامعات والمؤسسات التعليمية وجمعيات المجتمع المدني والمخيمات الصيفية خصوصا بالسعودية باعتباري مقيمة بهذا البلد.

شاركت في هذا المنتدى بورقة بحثية بعنوان “الأخلاقيات الإسلامية المتعلقة بالقضايا البيئية والأحياء الفطرية” وهي أحدى المجالات النامية التي أرى أنها لم تناقش بشكل كبير ولم يتحدث عليها كثيرا من طرف مختلف العاملين في مجال الحفاظ على البيئة. الكثير منا يرى البيئة والحياة الفطرية كبضاعة فقط وذلك ظنا منا بأن هذه الأخيرة هي هبة مِن الخالق له، سخرت له ليتصرَّف فيها كيفما نشاء.
لا نراها كمجتمعات وهذا جدا خطأ. هذا ما حاولت توضيحه خلال أشغال هذا المنتدى وانشاء الله هذه الورقة بالاضافة إلى الأوراق الأخرى التي تم إلقائها تؤخذ بعين الاعتبار.

قبل الخوض في مضمون مشاركتكم، حبذا لو تعطوننا فكرة عن الظروف التي مرت فيها أشغال هذا المنتدى العالمي؟ وأهم المحاور الذي تناولها المشاركون؟

 

في البداية أود أن أشير إلى شيء مهم جدا بالنسبة لي. قبل مجيئي إلى المغرب ومند أن توصلت بالدعوة للمشاركة في هذا المنتدى العالمي، كنت أشعر أن هذا المؤتمر سيكون مميز وفريد من نوعه وبالفعل هذا ما كان. طريقة استقبالنا مند وصولنا على متن الطائرة. الترتيبات المتخذة والتجهيزات تؤكد أن هذا الحدث تم الاستعداد له مند شهور وهذا كان واضحا لنا مند البداية. تم اصطحابنا إلى مدينة الداخلة حيث تعرف المشاركون على هذه المدينة الجميلة الرائعة التي تتميز بمؤهلاتها الطبيعية والثقافية والبنيات التحتية كما يتميز سكانها بالطابع البدوي والأصالة والكرم والبشاشة وهو شيء ليس غريب على أهل الحفاوة..

 

ما الذي ميز هذا اللقاء؟

أولا: عدد الدول المشاركة في هذا المنتدى. أكثر من 100 دولة من مختلف القارات ممثلة في عدد كبير من المشاركين يعملون في مجالات مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية. هذا اللقاء عرف أيضا مشاركة مكثفة لممثلي الهيئات والمنظمات المحلية والدولية من مختلف الجنسيات، كما شكل فرصة جيدة لإعمال التفكير والحوار حول سبل تحسين ظروف العيش بالدول الإفريقية.

ثانيا: الكلمات والأوراق التي ألقاها المشاركون كانت ألقوا كلمات جد رائعة بحيث ساهمت في اغناء النقاش حول العديد من الإشكالات الكبرى خصوصا تلك المتعلقة بالبيئة وقضية الأمن الغذائي، بالإضافة إلى مسألة تعليم وتمكين المرأة الإفريقية باعتبارها عنصرفاعل ورئيسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بدول الجنوب. كانت هذه أهم المحاور التي حظيت بأهمية بالغة ضمن أشغال هذا المنتدى.

لكن أهم ما ميز هذا اللقاء في نظري التواجد الكبير للمرأة إن على مستوى المشاركة أو حتى على مستوى الحضور الوازن لها وهو الشيء الذي لفت انتباهي، حيث كانت نسبة حضور المرأة مساوية تقريبا لنسبة حضور الرجل. وهذا شيء جدا جميل لم أكن أتوقعه!

علمنا أن منتدى المرأة الإفريقية شكل الحدث الأبرز لهذه السنة في الدورة الثانية لمنتدى كرانس مونتانا حيث خصصت جلسة خاصة للمرأة الإفريقية. ماهي أهم النقاط التي أثيرت خلال هذه الجلسة؟

 

بالفعل، تم عقد لقاء خاص حول المرأة الإفريقية بهدف بحث سبل تطوير قدراتها الذاتية وتمكينها من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وخلص المشاركون إلى ضرورة إعادة النظر في المنظومة التربوية والتعليمية لتفادي الفوارق والامتيازات بين الجنسين وتمكينها من فرص أكثر ملائمة ومساوتية لأداء مهامها ودورها داخل المجتمعات كما أوصوا بضرورة العمل على اتخاذ إجراءات عاجلة تكفل تمثيل عادل لها في عمليات صنع القرار.

نعود مرة أخرى لمشاركتك خلال هذا اللقاء. ما هي أبرز النقاط التي ركزتم عليها من خلال الورقة التي تقدمتم بها؟

 

من بين أهم النقاط التي أردت التركيز عليها ضرورة الوعي بوجود أخلاقيات وقيم بيئية نابعة من الشريعة الإسلامية وأعني بذلك الأحاديث النبوية والقرآن الذي هو كلام الله. ولعل من أهم هذه القيم البيئية الإسلامية:

قيمة التوحيد. الله سبحانه وتعالى هو رب العالمين وحده لا شريك له. رب كل المخلوقات وكل الأفراد وكل الجماعات وجميع أنواع الأحياء الفطرية. هناك أيضا قيمة الميزان. لا بد أن نرى الأمور بالميزان. فبدونه لا تستطيع أن تحكم. هناك أيضا قيمة العدل وهي قيمة مرتبطة بالميزان. هناك أيضا قيمة الرحمة والإحسان والتقوى والأمر بالمعروف والنهي على المنكر. الأمر بالمعروف نجده في باللغة العربية من الإمارة، يعني تقوية الفرد سواء كان أنثى أو ذكر، ضعيف أو قوي، صغير أو كبير…..

هناك أيضا قيمة الخلافة من الاستخلاف. الإنسان يُعتبر خليفة الله في الأرض؛ مصداقًا لقوله – تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، وهذه الخلافة لا تتمُّ إلا بإقامة الحق والعدل، ونشْر الخير والصلاح؛ لذا فإن المُستخلَف في الأرض هو المسؤول عن حماية ورعاية البيئة.

هناك أيضا  قيمة الأمم التي ذكرت في قوله تعالى ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38].
والله سبحانه وتعالى يقول ﴿ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾. وبدون هذ القيم ما هي الحسنة التي يمكن أن نعملها..ا؟!

ما علاقة الإنسان بالبيئة؟ وما علاقة التنمية البشرية بكل هاته القيم الإسلامية البيئية السالفة الذكر؟

ربنا ما خلق شيئا عبثا ولم يخلق ما بين السماوات والأرض للعب ﴿ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين . ما خلقناهما إلا بالحق . ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ سورة الدخان . نحن مرتبطون بالبيئة… نحن جزء لا يتجزأ منها وليست البيئة جزء منا. نحن مخلوقون من التراب ولا يجب أن نغفل هذه الأشياء. نحن نتكلم عن التنمية ونستفيد من البيئة لكن لا بد أن ننظر إلى البيئة بميزان العدل و بالتقوى بالرحمة وبالحق.. نرى كل شيء موجود في الأمم. صحيح الله سبحانه وتعالى سخر هذه الأشياء لكي ننتفع  بها مصداقا لقوله تعالى في سورة لقمان الآية 20﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ …  لكن لم يخلق هذه الاشياء فقط لكي نأخذ ونأخذ ونأخذ منها فقط.لا بد من الاعتدال ضمانًا لصيرورة الوجود واستقامة موازينه. وهذا يقتضي منا التقوى. نحن عندما نعمل الأشياء خوفا من الله نحسن إليها، لكن عندما أخاف منك أو من شخص آخر لن أحسن إليها. ممكن أحسن أمامك لكن خلفك شخص آخر.

هل ترين أن هذه القيم البيئية الاسلامية لا زالت موجودة عندنا كمسلمين أم غابت عنا و تم استبدالها بقيم أخرى دخيلة علينا بسبب العولمة والحداثة؟

هذه القيم قيم وركائز أساسية موجودة في ضمير كل واحد موحد بالله لكنها للأسف لم تفعل عند الكثير من الناس. نحن كثيرا ما نحب القيم البيئية الحديثة. وهذه الأخيرة نيلت على القيم الإسلامية البيئية. لذلك لا بد من أن تلمع وتخرج القيم الإسلامية الدينية وهذا ما ركزت عليه في هذه المنتدى وإنشاء الله تؤخذ بعين الاعتبار والتوصيات تصل إلى أصحاب القرار وتفعل في السياسات العمومية لهذه البلدان ونرى ايجابياتها الحسنة.

نشر بتاريخ: 06 / 04 / 2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق