مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامأعلام

كنزة الأورَبية التازية 213هـ /828م

رحمة معتز(متدربة)

 

 

 

 

كانت ولا تزال المرأة هي ذاك الفاعل في الحل والترحال في الحراك والسكن، المرأة بكل دواليب الحياة تجدها الفاعلة، المؤثرة، الصانعة والعاملة، فهي له السند والسكن، العون والبصيرة، فالمرأة عبر التاريخ هي درة من درر المغرب الحبيب دولة وشعبا، سياسة وعلما، حكما ورشدا، سلسلة بتاء التأنيث أقرت عبر التاريخ وجعلت لها أثافي لا يمكن أن نتنكر إليها أو ننفيها فكان النموذج البارز في الدولة المغربية منذ البداية السيدة والأميرة كنزة الأوْرَبـيّـة البرنوسية التازية المغربية.

عاشت حوالي 213هـ/828م[1]، ابنة الأمير إسحاق بن محمد ابن عبد الحميد الأوربي، وزوجة الأمير المولى إدريس الأول و أم الأمير المولى إدريس الثاني وجدة الأمراء التسعة، أميرة بحنكة السياسية المتمكنة في كل مراحل حياتها فهي مستشارة الزوج و الابن و الأحفاد.  

أميرة قبيلة أوربة ذات حسن وجمال ودين وخلق، تزوجها المولى إدريس في حوالي 174 هـ وأقامت في” دار الفرح”[2].كانت خير سند لزوجها في إرساء معالم الدولة المغربية بمكتسباتها في بيت أبيها بإمارته لقبيلة الأوربة” وما فتئت أن صعقت الفرحة باغتيال المولى إدريس الأولى 177هـ/793م، ظنا منهم أنه إنهاء لدولة الأدارسة القائمة ببلاد المغرب.

ضامنة استمرار حكم الأدارسة ببلاد المغرب:

كان من جهاد الأميرة كنزة أن صارت من ظلام الحزن إلى استشراف نور الابن، حيث نجدها حافظت على الحمل في ظروف سادت فيه العقلية الذكورية في القيام بشؤون الدولة فكان ميلاد المولى إدريس الثاني فضمنت بذلك الاستمرارية لحكم الأدارسة فكان تصديها بالحكمة و رجاحة العقل للحفاظ على عرش ابنها والكد من أجل إعداده لتولي منصب أبيه والسير نحو الدولة المغربية في سياقها الجديد دحضا لكل مخالف و معارض لهذا الانطلاق و الرسوخ ضدا المعاصرين، فتسلحت الأميرة كنزة بالقوة في مجتمع ذكوري وسخرت رجاحة عقلها للحفاظ على حقوق طفلها وبرز دورها خلال تدبيرها لانتقال الحكم إلى ابنها إدريس الثاني وإعداده لتحمل المهمة الصعبة، كما جسدت استمرارية ورش بنائها برعايتها وإشرافها على تربية ابنها إدريس بن إدريس، ومواكبتها له حتى قيل إنها كانت تتولى إطعامه وطبيخه خوفا من غدر الغادرين. [3]

ففي كل قاصمة لظهر كنزة تجد منفذا للثبات إذ سارعت إلى أخذ البيعة لابنها بمعية الوصي الجديد بعد وفاة أبيها [4]. فربت الأمير المنتظر على منهج الكتاب و السنة[5]. وذلك بأن أمدته الأم الناصحة الحكمة والتوجيه في إتمام ما بدأه والده رحمه الله.

استمد مولاي إدريس الثاني النصح والحكمة من والدته الأميرة كنزة، وبمساندتها أتم المنجزات التي كان والده قد بداها، فقام باستكمال بناء حاضرة دولته مدينة فاس وتجاوز الحدود حيث كان يسير بخطى وئيدة في تنفيذ خطة أبيه الذي كان يهدف إلى تأسيس دولة كبيرة ينافس بها دولة العباسيين، هذه الأخيرة كانت تترصد خطورة الأمير الشاب عليها، وهكذا مات إدريس الثاني فجأة في 10 جمادى الثاني سنة213هـ/29 غشت828م في العهد الذي كان فيه زيادة الله بن أغلب واليا على إفريقية، وكان سنه عند وفاته ستا وثلاثين سنة.[6] فعاشت الأميرة كنزة دور الجدة الحكيمة المرشدة زمن الأحفاد بكل ما فيه.

الحكمة في إدارة الحكم زمن الأحفاد:

كان لمسار الأميرة كنزة الباع الطويل في المساهمة في إدارة شؤون الدولة المغربية إذ ساهمت بجهودها في إنشاء وإرساء دعائم أول دولة في المغرب الأقصى، فإلى جانب دورها في إبقاء الحكم إلى ابنها جاء دورها إلى جانب أحفادها حيث نجدها تعمل إلى جانبهم في جل جوانب الحكم وكان منها الأمر و النصح وهم التنفيذ إذ عمدت إلى حث حفيدها على تولية أخواته على الأقاليم بحكمة ورجاحة الجدة الحكيمة.[7]

فلولا كنزة لما كان إدريس الثاني ولا الأدارسة، ولولاها لما كانت فاس ولا جامعة القرويين.كل ما أدرجناه في ترجمة الأميرة كنزة يعد قليلا من كثير، لقد تبوأت مقدمة الأميرات المغربيات اللواتي ساهمـن في تدعيم الدولة المغربية وإرساء قواعدها عن جدارة واستحقاق، الصبر والتجلد والحكمة، معالم رصع بها مسار كنزة التاريخي، فقد اختطفت منها يد الغدر والخيانة زوجها وابنها لم يتمم بعد شهره السابع، واختطف منها المنون ابنها إدريس الثاني وهو لم يتجاوز ربيعه السادس والثلاثون، ومع ذلك ظلت صامدة وشامخة شموخ آل إدريس في تاريخ المغرب فكان الإرشاد و التوجيه للأحفاد.

فقد أشارت على حفيدها محمد بن إدريس الثاني، بجعل إخوته ولاة على أقاليم المغرب، حفاظا على الدولة وأمنها وهذا نتاج لما راكمته هذه السيدة من خبرة في تدبير أمور الدولة، وما اكتسبته من دراية وحنكة في تدبير شؤون الحكم، وهذا خلاف ما كانت عليه دول الجوار في زمنها في الدول من النزاع حول الحكم.

وهذا قليل من كثير ما ميز الأميرة الزوجة، الأم، الجدة، الصبور الناصحة إذ كشفت عن كفاءة المرأة في دورها التقليدي في إدارة البيت و الزوج و الأبناء إلى عمل الريادة في الجانب السياسي و الإرشادي في شؤون الحكم فكانت امرأة جادة رسمت مواقفها في التاريخ المغربي بصفة عامة، و تاريخ قبيلة البرانس بصفة خاصة

الهوامش:

  1.  امَحمد العلوي الباهي، المرأة المغربية عبر التاريخ أو الأميرة كنزة زوجة المولى إدريس الأول” ط: دار الثقافة للطباعة والنشر بالرباط 1988م.
  2. نساء من المغرب الحلقة الأولى: الأميرة كنزة الأروبية دور الأميرة كنزة الأروبية في بناء الدولة المغربية بقلم: رياح الأطلس الشاعرة ابتسام حوسني.
  3. الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب و تاريخ فاس. لابن أبي زرع الفاسي 726هـ/1326م، طباعة دار المنصور الرباط،سنة 1972.
  4. المرأة في شمال إفريقيا القديم،عنوان أطروحة الدكتوراه للباحثة الأستاذة، نضال الأندلسي، نوقشت بتاريخ 24/05/2011 بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط.

 


[1] امَحمد العلوي الباهي، المرأة المغربية عبر التاريخ أو الأميرة كنزة زوجة المولى إدريس الأول” ط: دار الثقافة للطباعة والنشر بالرباط 1988م. – بتصرف-

[2] نساء من المغرب الحلقة الأولى : الأميرة كنزة الأروبية دور الأميرة كنزة الاروبية في بناء الدولة المغربية بقلم: رياح الأطلس الشاعرة ابتسام حوسني، ص:4.

[3]المرأة في شمال إفريقيا القديم،عنوان أطروحة الدكتوراه للباحثة الأستاذة، نضال الأندلسي، نوقشت بتاريخ 24/05/2011 بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط.

[4] نساء من المغرب الحلقة الأولى: الأميرة كنزة الأوربية دور الأميرة كنزة الأوربية في بناء الدولة المغربية بقلم: رياح الأطلس الشاعرة ابتسام حوسني ،ص:3-بتصرف-

[5] الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب و تاريخ فاس. لابن أبي زرع الفاسي 726هـ/1326م، طباعة دار المنصور الرباط،سنة 1972،ص:65

[6]نساء من المغرب الحلقة الأولى : الأميرة كنزة الأوربية دور الأميرة كنزة الأوربية في بناء الدولة المغربية بقلم: رياح الأطلس الشاعرة ابتسام حوسني،ص:3.

[7]المرأة في شمال إفريقيا القديم،عنوان أطروحة الدكتوراه للباحثة الأستاذة، نضال الأندلسي، نوقشت بتاريخ 24/05/2011 بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط. 

 

نشر بتاريخ: 07 / 04 / 2016

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الكتاب الذي ألفه امَحمد العلوي الباهي حول: " المرأة المغربية عبر التاريخ أو الأميرة كنزة زوجة المولى ادريس الأول". ط : دار الثقـافة والطباعة والنشـر بالرباط سنة: 1988. يُـعـد أول كتاب يُـؤلـفـ في المغرب الحديث حـول المـرأة المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق