مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةحوارات

حوار مع مؤرخ العلوم العربية رشدي راشد

ترجمة وتقديم: عبد العزيز النقر

باحث بمركز ابن البنا المراكشي

يُعد رشدي راشد من بين أهم مؤرخي العلوم العربية على المستوى العالمي، وهو ما تشهد به أعماله المتميزة كما وكيفا. توزعت هذه الأعمال على دراسة وتحقيق وترجمة متون مجموعة من علماء الإسلام، خصوصا في مجال الأنشطة الرياضية كالجبر والهندسة والتحليل التوافقي والمناظر… وقد أسهمت أعماله العلمية بشكل كبير في التعريف بطبيعة وأهمية إسهامات علماء الحضارة العربية الإسلامية.

ولد رشدي راشد بمصر سنة 1936، وبها تلقى تعليمه وتكوينه الأكاديمي إلى حدود حصوله على الإجازة في الفلسفة. تابع تكوينه بفرنسا بجامعة باريس حيث سيحصل على دكتوراه الدولة في تاريخ وفلسفة الرياضيات. شغل بعد ذلك مجموعة من المناصب العلمية والأكاديمية، أهمها مدير أبحاث بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا، كما كان أستاذا زائرا لبعض الجامعات الدولية كجامعة طوكيو باليابان. فاز بالعديد من الجوائز رفيعة المستوى كجائزة ألكسندر كويري من الأكاديمية الدولية لتاريخ العلوم سنة 1990، وميدالية ابن سينا من منظمة اليونسكو سنة 1999.

نشير من بين أعماله الكثيرة والمتنوعة إلى ما يلي :

  • الرياضيات التحليلة بين القرن الثالث والقرن الخامس للهجرة (خمسة أجزاء)، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010.
  • رياضيات الخوارزمي: تأسيس علم الجبر، ترجمة نقولا فارس، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010.
  • موسوعة تاريخ العلوم العربية (إشراف مع روجيسمورلون)، ثلاثة أجزاء، ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005.
  • تاريخ الرياضيات العربية بين الجبر والحساب، ترجمة حسين زين الدين، مركز دراسات الوحدة العربية، 2004.
  • الجبر والهندسة في القرن الثاني عشر: مؤلفات شرف الدين الطوسي، ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998.

لا يفوتنا في نهاية هذا التقديم البسيط أن نتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لمؤرخ العلوم الأستاذ د. رشدي راشد على سماحه بترجمة ونشر هذا الحوار على موقع مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية. أما رابط الحوار الأصلي باللغة الفرنسية فيجده القارئ الكريم على الرابط التالي:http://www.teheran.ir/spip.php?article334#gsc.tab=0   

  • ما الذي ندعوه بالضبط العلم “العربي” عِلماً أن مجموعات أخرى، لا سيّما الإيرانيين، قد لعبت دورا كبيرا في ازدهار هذه العلوم داخل العالم الإسلامي؟ ما هي وجهة نظره الخاصة، وبأي تقاليد علمية أخرى تأثر؟

عندما نتحدث عن العلم العربي، فإننا نشير بكل بساطة وبحصر المعنى إلى العلم المكتوب باللغة العربية، نظرا لأنه خلال ما يقارب سبعة قرون، فإن العلم كان يُكتب أساسا بهذه اللغة. هذا لا يعني بالضرورة أن العرب هم فقط من كتب هذا العلم الذي يدين، من جهة أخرى، بشكل كبير إلى بعض الفارسيين كالخيام وشرف الدين الطوسي والقوهي … بالتالي، فإننا ننعت هذا العلم بـ”العربي” لأنه قد حُرّر باللغة العربية. سيكون من المزعج قليلا الحديث مثلا عن الرياضيات “الإسلامية”. ما الذي يعنيه هذا؟ إن الرياضيات ليست إسلامية أكثر منها مسيحية ! مع ذلك، فهذا العلم المكتوب بالعربية يبقى علم الحضارة الإسلامية. فهو إذن إسلامي من وجهة نظر حضارية، وعربي من وجهة نظر لغوية. ويسمح هذا أيضا بإقامة تمييز بين استعمال كلمة “عربي” عند الإحالة على لغة هذه العلوم، وإسلامي إذا أردنا الإشارة إلى الحضارة التي تطور داخلها هذا العلم.

في ما يخص التأثيرات، فهذا يتوقف على المجالات، لكن بصفة عامة، بالنسبة لهذه المجالات الأساسية التي هي علم الفلك والعلوم الرياضية، فإن العلم العربي قد تأثر بالعلم اليوناني الذي شكل نقطة انطلاقها الحقيقية. كانت هناك مصادر أخرى. على سبيل المثال، فعلم الفلك تأثر أيضا بنصوص سنسكريتية، غير أنه سرعان ما تم تجاوزها وتهميشها. إذن، يبقى علم الفلك والرياضيات اليونانيين هما التياران الأساسيان. في ما يتعلق بعلم الفلك، فالأزياج اليونانية قد أثرت بشكل كبير في تطور علم الفلك، خصوصا في عهد المنصور ببغداد. هكذا بسرعة كان تيار العلم اليوناني، بشكل إجمالي، هو المهيمن خصوصا خلال فترة الخليفة العباسي المأمون.

  • كيف تم انتقال الفكر العلمي اليوناني إلى البلدان الإسلامية؟

من خلال حركة مكثفة للترجمة، لكن يجب الانتباه إلى أن تَرجَمَ traduire لا تعني إيجاد كتاب ما وترجمته عن طريق الصدفة. ففي تلك الفترة، كانت الترجمات مرتبطة بمراكز للبحث وبمجموعة كاملة من الأبحاث النشطة. وكانت تتم الترجمة تبعاً لهذه الأبحاث، بحيث إننا لا نستطيع الحديث عن مجرد عملية نقل transmission. لفهم هذه الظاهرة، يجب إرجاعها إلى سياق أبحاث هذه المرحلة التي تم خلالها توسيع الإرث اليوناني صوب اتجاهات وأبعاد لم يتوقعها رياضيو وفلكيو اليونان. إذن، فقد تم تطوير هذا الإرث من خلال الإسهام إجمالا في تجديده وبابتكار مباحث أخرى كعلم الجبرl’algèbre.

  • نتحدث اليوم كثيرا عن”العلم الغربي”. هل هو مفهوم ملائم، وفي هذه الحالة، هل يوجد بالموازاة مع ذلك “علم شرقي”؟ وبصفة أعم، هل تشارك الدول الإسلامية حاليا في تطوير العلوم أم أنها تكتفي بإدماج مبادئ العلم الغربي؟

لقد كتبت منذ حوالي عشرين سنة مقالا عنوانه “مفهوم العلم الغربي” في إطار مؤتمر دولي حول تاريخ العلوم قصد نقد هذا المفهوم الذي لا معنى له رغم أنه، كما قلتم، متداول اليوم بشكل واسع. إن العلم ليس له جغرافية ولا توجه روحي، فالعلم هو العلم، نقطة إلى السطر. إذن فليس هنالك علم”غربي”. اختُرِع هذا المفهوم خلال القرن التاسع عشر من طرف المدرسة الفيلولوجية الألمانية عندما تم الشروع في تصنيف الإنسانية إلى كيانات متعددة : لدينا من جهة الساميون الذين ابتكروا الدين، ومن جهة أخرى الآريون الذين ابتكروا العلم. كان هذا النوع من النظريات مصحوبا بنصيب كبير من الأيديولوجيا. وفي تلك اللحظة تم تطوير هذا النوع من المفاهيم. وانتشر استعماله بشكل أكبر خلال الفترة الكولونيالية (الاستعمارية) وهو ما يزال مستعملا وسيبقى كذلك. إذن، فليس هنالك علم”غربي” بقدر ما ليس هنالك علم “شرقي”. ولا أرى على الإطلاق ما يمكن أن تكونه رياضيات شرقية وفيزياء شرقية … إنها إذن مفاهيم لا تنطبق على أي شيء، لكنها ذات حمولة أيديولوجية أكثر منها فلسفية أو علمية.

هل تشارك البلدان الإسلامية حاليا في تطوير العلم؟ الإجابة هي لا. إنها تستهلك علما مبتكرا في مكان آخر – هذا في ما يخص ما هو أساسي، لأنه هناك دائما بطبيعة الحال استثناءات – وليس هناك حاليا حسب ما أعلم إنتاج للعلوم داخل هذه البلدان. وهذا بالضبط أحد التحديات الكبرى المطروحة عليها، والتي تتمثل في تطوير البحث العلمي واكتساب وسائل إنتاج العلم.

  • ما هي الروابط التي أُقيمت بين الرياضيات والفلسفة إبان ازدهار العلم العربي الذي أشرتم إليه آنفا؟ وهل وَجَدَت بعض المفاهيم أو الاكتشافات الرياضية امتداداتٍ صوفية؟

وجدت امتدادات داخل مجال اللسانيات والفقه وداخل كل المجالات الأخرى حتى داخل الفلسفة. لدينا شواهد على لجوء الفيلسوف التقليدي إلى الرياضيات في نفس الوقت قصد فحص أسسها، بمعني أي نوع من اليقين توفره الرياضيات، أو قصد اقتباس نماذجها الاستدلالية. فقد حاول بعض الفلاسفة كالكندي والفارابي أو ابن سينا الاستدلال على طريقة الرياضيين، خصوصا عن طريق استخدام منهج البرهان بالخلف، أو أيضا من خلال اقتباس مواضيع رياضية كموضوع اللاتناهي من أجل إغناء تفكرهم. بل كان هنالك أيضا رياضيون فلاسفة، كنصير الدين الطوسي، استخدموا الرياضيات لأجل حل مشاكل فلسفية، فالطوسي لجأ مثلا إلى الرياضيات لحل مشكلة الفيض انطلاقا من الواحد. إن تأثير الرياضيات هذا على الفلسفة مهم جدا ومثير للاهتمام. في ما يخص التصوف بحصر المعنى، فإني لا أعتقد ذلك أو إني أجهل هذا الأمر.

  • ماهي البيئة السياسية والاجتماعية العامة التي تطورت داخلها هذه العلوم؟ وماهي علاقة العلماء بالسلطة؟

في البداية، أي إذا تأملنا الفترة العباسية، فإن السلطة ساعدت، بل حثت، على هذا التطور في الوقت نفسه من خلال إرسال بعثات وإنشاء مؤسسات كبيت الحكمة أو تلك الخاصة بالبحث، أو كذلك من خلال إعطاء القدوة لأشخاص أغنياء كأولاد المنجم الذين اتخذوا، خلال عهد المأمون، بيت الحكمة كنموذج لتشييد نماذج خاصة بهم. وحتى مع ضعف الخلافة وظهور سلالات حاكمة كالبويهيين في القرن العاشر الميلادي، فإن حركة تشجيع ودعم العلم والبحث هذه لم تضعف أبدا. فعلى سبيل المثال، كانت تتم داخل بلاط بعض الأمراء أو الشخصيات كعضد الدولة، الذي كان واحدا من أبرز مشاهير العهد البويهي، مناقشة مشاكل الهندسة وعلم الفلك … حتى أن قصر ابنه أبو الفوارس كان مجهزا بمرصد فلكي. فالحكايات والشواهد كثيرة. يبدو إذن أن الكل يشير إلى أن الدولة كانت تشجع البحث وكانت تطرح العديد من المسائل التي شكلت نقطة انطلاق لدراسات علمية طويلة الأمد، خصوصا في مجال الحسابات الفلكية أوالجغرافية. كما كانت تنشئ أيضا بعثات لمجموعات من العلماء الممولين مباشرة من طرف الدولة.

  • ما الذي نقصده بعلم الموسيقى؟

يتضمن عدة جوانب. هناك بداية البحث النظري ذو الطابع الرياضي المتعلق بالموسيقى، والذي وُجد سابقا لدى اليونان وفي أماكن أخرى، مثل نظرية التناسب. هناك أيضا بالموازاة مع ذلك بعض الأبحاث المتعلقة بعلم الصوتيات، والتي يتم تطبيقها على الآلات نفسها.

  • ما هي أصول النقاشات في فلسفة العلم بصفة عامة، وفي أعمال المفكرين المُحدَثين بصفة خاصة؟

هناك عدة أنواع من النقاشات. هناك نقاشات ذات طبيعة تاريخية وفلسفية. من بين النقاشات الكبرى التي جرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فإن الأكثر أهمية قد اجتهدت في الإجابة عن السؤال التالي : هل كانت هناك ثورة علمية شاملة ومؤسِسة (بكسر السين) خلال القرن السابع عشر أم لا؟ صاغت هذه النقاشات العديد من الإجابات المتعلقة بوجود أو عدم وجود استمرارية بين العلوم قبل القرن السابع عشر وما يسمى العلم “الحديث”، أو إذا ما كان القرن السابع عشر يشكل قطيعة أساسية بالنسبة لهذه العلوم. كان هناك عدة مدارس بخصوص هذه النقطة : هناك المدرسة الفرنسية مع أشخاص كجورج كانغيليمGeorges Canguilhem، وبشكل خاص ألكسندر كويريAlexandre Koyré ، لكن هناك أيضا المدرسة الأمريكية مع أشخاص، كتوماس كونThomas Kuhn ، كانوا بكيفية ما متأثرين بالمدرسة الفرنسية. إذن، فقد دافع البعض عن واقعة أن بداية العلم الحديث كانت استمرارية للعلم اليوناني بشكل خاص – نظرا لأن هؤلاء الأخيرين لم يكونوا يعرفون أن العلوم قد تطورت داخل البلدان الإسلامية حتى يتسنى لهم طرح النقاش بكيفية سليمة – بينما يؤكد آخرون أن القرن السابع عشر شكل قطيعة جذرية مع المراحل السابقة وسجل بداية العلم الحديث. هذه إذن كُبريات النقاشات التي طُرحت داخلها أسئلة من قبيل : هل يمكن الحديث عن نهضة علمية في تلك الفترة؟ هل تكتسي مفاهيم الموت والولادة داخل مجال تاريخ العلوم معنى أم لا؟ امتد هذا النقاش لعقود، وبكيفية ما، ما يزال مستمرا. أسهم في هذه النقاشات مؤرخو علوم وفلاسفة علوم … هناك نقاشات أخرى تتعلق بفلسفة العلوم : هل يمكن ممارسة فلسفة العلوم دون اللجوء إلى تاريخ العلوم؟ هل تأخذ فلسفة العلوم في اعتبارها، كما في الفلسفة التحليلية، فحص الكلمات فقط، أم أنها يجب أن تتحدث عن الوقائع العلمية؟ أخيرا، هناك نقاشات أكثر محلية تتعلق، على سبيل المثال، بفلسفة الرياضيات أو فلسفة الفيزياء وفلسفة البيولوجيا (علم الأحياء) … خصوصا بعد مكتسبات الفيزياء الحديثة مثل اللامحليةla non-localité واللاتناظرla non symétrique… إذن، فالنقاشات عديدة وتوجد على جميع المستويات، وذلك نظرا لأنه إن لم يكن هناك نقاش فليس هناك فلسفة، لكن يبقى ما أشرت إليه أولا هو الأهم.

  • ما هي وضعية البحث النظري في مجالي فلسفة وتاريخ العلوم داخل فرنسا، خصوصا بالمقارنة مع إنجلترا والولايات المتحدة؟

هناك منذ ما يقارب قرنا من الزمن ما يمكن أن نسميه فلسفة “قارية” تتعلق بالتقليد الألماني والتقليد الفرنسي. إلى جانب هاذين، كان يوجد تقليد الفلسفة الأنجلوساكسونية الذي يضم إنجلترا والولايات المتحدة. وحتى داخل هذه الفلسفة القارية، هناك خصوصية فرنسية سأرجع لها في ما بعد. لم تكن هذه الفلسفة القارية تقدمية ولا وضعية – فالوضعانية المنطقية ابْتُكِرت وتطورت في البداية بالنمسا من طرف حلقة فيينا – لكنها كانت قبل كل شيء فلسفة ما بعد كانطية. تتضح الخصوصية الفرنسية بشكل خاص انطلاقا من سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من خلال إدخال التاريخ في فلسفة العلوم؛ تاريخ الأشياء الأكثر قدامة كما الأشياء الأكثر حداثة. فالسمة المميزة لفلسفة العلوم بفرنسا كانت هي إدخال تاريخ العلوم كجزء مكمل أو كأساس للاشتغال الفلسفي. نجد هذا لدى فلاسفة كجاستون باشلارGaston Bachelard ولدى جورج كانغيليم بشكل خاص، لكننا نجدها أيضا في فلسفات للرياضيات أكثر تخصصا، كتلك الخاصة بجون كافليسJean Cavaillès الذي قتل من طرف الألمان أثناء مقاومته للاحتلال الألماني، أو تلك الخاصة بزميله ألبير لوتمانAlbert Lautman. ظهرت كذلك مؤخرا، وبالموازاة مع ذلك، فلسفة علوم ترتبط بتاريخ الفلسفة، وقد تطورت بشكل خاص انطلاقا من أعمال فيلسوف هو، حسب رأيي، الأكثر أهمية في فرنسا خلال العقود الأخيرة، وهو جول فيلمنJules Vuillemin . بصفة عامة، فقد تطورت توجهات عديدة، ومن العسير جدا وضع الكل في خانة واحدة، حيث إن الاختلافات الفردية كثيرة جدا. لكن تبقى سماتها النوعية في فرنسا هي الرابط الذي تم إنشاؤه مع تاريخ العلوم. هذه السمة النوعية ليست حقا مهيمنة داخل الفكر والفلسفة الأنجلوساكسونيين. إن المظهر المهيمن في هذه الأخيرة هو الفلسفة التحليلية، أي الفلسفة التي تهتم بشكل أكبر باللغة، أو في أفضل الأحوال – لكنها حالات نادرة – تهتم بالمنطق لدى الفيلسوف. هذا في حين أن المنطق حاليا ينحو صوب الاقتصار على مجال المنطق الرياضي الذي يتم تدريسه بالجامعة.

  • ما الذي يعنيه توماس كُون بمصطلح” براديغم” paradigme وإلى أي درجة، من وجهة نظر تاريخية ونظرية، يمكن الاعتماد على براديغمات كُون؟

أظهر نقد لكُون منذ ثلاثين سنة وجود سبعة عشر معنى لمصطلح براديغم. إذن، لست أدري حقا عن أي واحد سأتحدث … زد على ذلك، أن هذا يبرز من جهة أخرى أنه ليس معرفا بشكل جيد. عندما حرر كُون كتابه حول الثورة الكوبرنيكية، قصد التأكيد على أنها كانت الحدث الأكثر أهمية في ولادة العلم الحديث، تم في نفس هذا الوقت إنجاز دراسات من طرف مؤرخي علم الفلك أظهرت أن ما هو أساسي في نموذج كوبرنيك قد تم إنجازه سابقا خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر من طرف مدرسة مراغة. وهذا محزن شيئا ما بالنسبة لكُون، بمعنى أنه بعد أن أكد أنه كانت هناك ثورة حقيقية وأنه انطلاقا من ذلك بنى فلسفة كاملة، تم دحض ذلك من قِبَل (بكسر القاف) نموذج مراغة الذي تم اقتباسه من طرف كوبرنيك بطريقة أو بأخرى.

  • أي قيمة تعطونها لمنهج القابلية للتكذيب لبوبر Popper ؟

هل هو منهج حقا؟ ما هو حقا منهج القابلية للتكذيب هذا؟ في نظري، إنه لا يقدم شيئا جديدا ذا قيمة. تمت في الفترات السابقة إجراء تجارب، خصوصا في الفيزياء، من خلال اتباع المبادئ الأساسية لمنهج بوبر. بالإضافة إلى ذلك، فهو لم يمثل إلا واحدة من كيفيات التحقق من صحة قضية ما. إنه معيار للصدق ينبني على واقعة أن قضية ما تكون صادقة أو كاذبة حسب قدرتنا على تكذيبها أو لا. فإذا لم يكن في الإمكان تكذيبها، فإنه ليس بمقدورنا حقا الحكم عليها. غير أن هناك مبرهنات غير قابلة للتكذيب ولم نستطع أن نثبتها منذ قرون، لكنها مع ذلك صحيحة، فما العمل في هذه الحالة؟ أعتقد إذن أن بعض الحالات تقع خارج مجال القابلية للتكذيب. بينما إذا اتبعنا هذه النظرية فإن هذه القضية تقع خارج المعنى، وهذا ليس هو واقع الحال دائما. حتى لو كان هذا المنهج خصبا جدا في اكتشاف العديد من المبرهنات الرياضية، فإن استعماله يصير إشكاليا عندما يصبح دوغمائيا أو يتم اعتباره كما لو كان المعيار الوحيد الذي يسمح بالحكم على صحة فرضية ما. في هذه الحالة، فإنه يضر بمجمل البحث. لكن إذا اعتُبر كواحدة من الطرق التي تسمح بالحكم على صحة فرضية ما، وإذا أُخذ بشكل ارتدادي، فإنه يكون مفيدا.

  • كيف تنظرون إلى الروابط بين الميتافيزيقا والعلم؟

أبرزت بعض النظريات التي دافع عنها مؤرخون كبورك البعد الميتافيزيقي لفكر نيوتن وجاليلي في ما يتعلق بالميكانيكا وتصورهما للمكان والزمان … وبشكل أخص مفهوم المكان داخل ميكانيكا نيوتن. لكن كيف نجد العنصر الذي هو مصدر العنصر الآخر؟ يمكن أن نتساءل إذا ما كان التصور الميتافيزيقي لدى نيوتن هو الذي حدد تصوره للمكان والزمان أم أنه التصور الفيزيائي والميكانيكي. لكن حاليا لا نستطيع صياغة إجابة مؤكدة.

  • كيف تنظرون لآراء فايرباند Feyeraband ونزعته الفوضية anarchisme داخل ميدان العلوم؟

لا أهتم كثيرا بهذا الموضوع. لكني مع ذلك سأقدم تعليقا. يجب النظر لكل توجهات فلسفة العلوم داخل البلدان المختلفة، داخل فرنسا وداخل ألمانيا … ففلسفة العلوم ليست كُون أو فيرباند وبوبر فقط … أعرف الغالبية العظمى من هؤلاء الأشخاص، والبعض منهم كانوا أصدقاء لي، ليست هذه هي المسألة. لكنهم لا يمثلون إلا جانبا من هذا المجال، وليس هذا الجانب بالضرورة هو الأفضل. هناك توجهات أخرى داخل الفلسفة الأنجلوساكسونية تميل أيضا إلى فلسفة العلوم دونما فصل للتاريخ عن فلسفة العلوم، وهي طريقة جيدة. شخصيا، لست مؤيدا للعلوم التحليلية الصرفة، وأجدها مضيعة للوقت والجهد. وسيكون من الجيد أن ينظر الإيرانيون والمصريون … إلى تنوع فلسفات العلم لكي يكونوا مطلعين بشكل جيد على هذا الموضوع، خصوصا من خلال التزود بالمعلومات عن وضعية البحث بفرنسا وألمانيا.

Science

ذ. عبد العزيز النقر

حاصل على شهادة الماستر في الفلسفة

باحث بمركز ابن البنا المراكشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق