مركز الدراسات القرآنيةشذور

الإسلام والمواقيت وأثرها على الفرد والمجتمع

يتسابق المؤمنون في هذا الشهر الكريم إلى فعل الخير وبذل الطاعات، ويتنافس المتنافسون لأجل نيل رضا ربهم وكسب مزيد من الأجر والثواب والقرب من الله عز وجل، ومن أعمال الخير التي يتميز بها هذا الشهر الكريم، كثرة الإنفاق وإقبال الناس على الصدقة، و فعل الخير وكثرة التصدق في رمضان لا يعني بالضرورة ادعاء المثالية، بل هو حبل الرجاء بين العبد وربه، يتشبث به المؤمن ابتغاء رضوان الله ومغفرته، والمؤمن لم يختر هذا الشهر لنفسه، كما لم يختر لنفسه باقي المواسم الأخرى التي ميزها الله تعالى عن باقي الأيام والشهور.

 فالله سبحانه وتعالى هو من يختار لنا ويدبر شؤوننا وأحوالنا، لأنه يعلم سبحانه ما ينفعنا وما يضرنا، وهو أحكم الحاكمين ، ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اَ۬للَّطِيفُ اُ۬لْخَبِيرُالملك الآية: 15

﴿أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه﴾ البقرة الآية: 139

 ولأنه سبحانه عليم بأحوال عباده، حكيم يضع الأمور في موضعها، خبير بأحوال العباد وأسرار نفوسهم ونواياهم، فقد وضع لهم شريعة تنظم أحوالهم وشؤونهم، كما رسم لهم منهجا قويما راسخا لا يقبل الإخفاق ولا التغير، فالشهور عند الله ثابتة في زمانها، معلومة في أوقاتها.

ومقتضى هذا المنهج أن ينتظم السائرون إلى الله عند كل طاعة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى، فتستقيم أحوالهم وأمورهم على الطريق المستقيم، فلا عشوائية في الإسلام، ولا ارتجالية في تنظيم حياة الفرد والمجتمع، بل هي شريعة غراء محكمة، ومنظومة شاملة متكاملة متناسقة، نظمت حياة الفرد المسلم، وجعلت له مواقيت وجدولا زمنيا يسير عليه في طريقه إلى الله.

وحتى لا يعيش الفرد المسلم حياة فوضوية، جعل الله كل شيء في وقته، فلا صلاة إلا بوقتها، ولا صيام إلا في وقته المحدد، ولا زكاة ولا حج إلا في الوقت الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى للمسلم.

وسر هذا كله أن الله تعالى أراد أن يظهر جمالية هذا الدين، في هذا التنوع والاختلاف في المواقيت ومواسيم العبادات، فما ينتهي رمضان، حتى يأتي العيد، ثم يلحقه شوال، ليستعد المؤمنون ويتجهزوا لموسم الحج، ولو كانت كل هذه العبادات تؤدى في زمن واحد، لاختل النظام، وتسرب الملل للناس، ولغابت متعة العبادة ولذة الطاعة، لكن الإسلام يرفض النمطية في الحياة، فهو دين الفن والجمال، وتكتمل الصور الجمالية في الإسلام، حين ينتقل الفرد المسلم من عبادة إلى عبادة، ومن طاعة إلى أخرى، وكل عبادة لها خصائصها وطرقها، وتختلف لذة العبادة حسب نوعها ومكانها، فالذي يصلي في المنزل ليس كمن يصلي في البيت، والذي يصلي في الحرم ليس كمن يصلي في مسجد الحي، ومن يحج ليس كمن يعتمر، ومن يتصدق ويزكي ليس كمن يزكي فقط وهكذا دواليك، وكلما زاد الإنسان تقربا من الله تعالى، كلما حجز لنفسه مكانا ومقاما عند الله سبحانه وتعالى، وجزاء السائرين إليه سبحانه وتعالى، أن يعوضهم من مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

Science

ذة. مريم الدويك

باحثة بمركز الدراسات القرآنية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق