مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

اكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه

 

يكتسب المضافُ من المضاف إليه ـ كما ذكر النحاةُ ـ عدَّة أمورٍ( )، منها: التذكير والتأنيث. ومعنى ذلك أنّ المضاف المذكّر قد يعامَل معاملة المؤنث لكون ما أضيفَ إليه مُؤنّثاً، كما يعامَل المضافُ المؤنثُ معاملة المذكّر لكون ما أضيف إليه مذكّرًا، وفي ذلك يقولُ ابن مالك ـ رحمه الله ـ في «شرح التسهيل»:” ويكتسب المضاف [المذكر] إلى مؤنّثٍ تأنيثًا […] وكذلك يكتسب المؤنث المضاف إلى مذكّرٍ تذكيرًا( )”.
فمثال ما اكتسب التأنيثَ: قُطِعَتْ بعضُ أصابعه، وقراءة الحسن البصريِّ:(تلتقطه بعضُ السيارة)[يوسف:10] ( )”، وقول الأعشى:[من الطويل]
وَتَشْرَق بِالْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْتهُ
  كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنَ الدَّمِ( )
  
فإن كلًّا من «بعض»و«صدر» مذكر، وقد اكتسب التأنيث مما بعده. 
وأمَّا مَا اكتسبَ التَّذكير فنحوُ قولِ الشَّاعِر:[من الخفيف]
رُؤْيَةُ الْفِكْرِ مَا يَؤُولُ لَهُ الْأَمْر
  مُعِينٌ عَلَى اجْتِنَابِ التَّوَانِي( )
  
فقوله:«مُعين» خبر عن المبتدإ «رؤية» وهو مؤنث، وذلك لاكتساب المضاف ـ أي:رؤية ـ التذكير من المضاف إليه ـ أي:الفكر.
ولايكتسب المضافُ من المضاف إليه التذكير أو التأنيث إلا بشرطينِ:
الشرط الأول: صحةُ حذفِ المضاف والاستغناءِ عنهُ بالمضاف إليه، مع صِحّة المعنى في الجملة( )، قال ابن مالك:”ويؤنث المضاف لتأنيث المضاف إليه إن صحّ الاستغناء به( )”، أي:بالمضاف إليه، وقال في «الألفية»:[من الرجز]
وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلَا
  تَأْنِيثاً اِنْ كَانَ لِـحَذْفٍ مُؤْهَلَا ( )
  
  فمعنى قوله:«ان كان لحذف مُؤْهَلا» ـ كما يقول الشَّاطبي ـ رحمه الله ـ: “أن يكون المضاف سائغاً حذفُه وإقامة المضاف إليه مُقامَه، من غير أن يُخلّ ذلك بالمعنى المراد، بل يكون المضاف إليه مُؤَدِّيًا معنى المضاف وإن كان مجازاً( )”. 
وقال سيبويه ـ رحمه الله ـ:” وسمعنا من العرب مَن يقول ممن يُوثَقُ به: اجتَمعتْ أهلُ اليمامِة، لأنَّه يقول في كلامه: اجتمعتِ اليمامةُ، يعني أهل اليمامة( )”.
الشرط الثاني:كون المضاف بعضَ المضاف إليه، أو كبعضِه( )….، ومثال كونه بعض المضاف إليه قولك: قُطِعَتْ بعض أصابعه، فبعض الأصابع إصبع، وكذلك في المثال السابق « كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ » فصدرُ القناةِ من القَنَاةِ. وأما مثال كونه كبعضه فنحو قول ذي الرمة:[من الطويل]
مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ
  أَعَالِيَهَا مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمِ ( )
  
فقد أنث الفعل «تسفّهتْ»، وهو مسندٌ إلى «مرّ»، لأنه مضاف إلى مؤنث، وكذلك فالمضاف مثل البعض من المضاف إليه أي:«الرياح»، لأنه صفة له.
*   *   *
فإن تحقَّق الشرطان جاز أن يُعَامَل المضافُ معاملةَ المضاف إليه، وإنْ اختَلَّا بأن لم يصحَّ حذفُ المضاف ولم يكن المضاف بعضاً من المضاف إليه أو كبعضه، لَمْ يجز. وكذلك:”فما صَلح للحذفِ وليس بعضاً ولا كبعضٍ نحو:يوم الجمعة وذات صباحٍ لم يعامَلْ بذلك، وكذا ما لا يستغنى عنه( )”.
قال سيبويه ـ رحمه الله ـ:” فإن قلت: مَنْ ضَرَبَتْ عبدُ أُمِّك، أو هذه عبدُ زَيْنَبَ لم يجُز، لأنه ليس منها ولا بها، ولا يجوز أن تلفظ بها وأنت تريد العبدَ( )”، ومعنى ذلك أنْ قولك: مَنْ ضَرَبَتْ أُمُّك، أو هذه زَيْنَبُ ليس معناهما معنى قولك: مَنْ ضَرَبَتْ عبدُ أُمّك، أو هذه عبدُ زَيْنَبَ!
وقال الأخفش ـ رحمه الله ـ:”لا تقول العرب في:قُطعتْ رأسُ هندٍ:قُطِعتْ هندٌ، ويراد رأسُها، لأن اللفظ لا يُفهِمُ ذلك( )”.
وقال الشّاطبيُّ: ـ رحمه الله ـ:”إذا أخلَّ حذفُه [أي:المضاف] بالمعنى فليس بمُؤهل للحذف، فقولك جاءني غلام هندٍ، وأتاني أبو زينب لا يجوز فيه حذف الغلام ولا الأب، لفساد المعنى؛ فلا يصحُّ لك أن تقول:جاءتني غلام هند، ولا أتتني أبو زينب، ولا ما أشبه ذلك ( )”
وبذلك يتجلى لك متى يجوز تأنيث المضاف لتأنيث المضاف إليه، ومتى يقع ذلك في التذكير، والله أعلم.
أهمّ المصادر:
ـ القرآن الكريم.
ـ الكتاب، لسيبويه، ت: عبد السلام محمد هارون، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، ط:3، 1408 هـ – 1988 م.
ـ شرح تسهيل الفوائد، لابن مالك، ت: د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط:1، 1410هـ – 1990م. 
ـ المساعد على تسهيل الفوائد، لابن عقيل، ت:محمد كامل بركات، دار الفكر، دمشق، 1400هـ/1980م.
ـ المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية، لأبي إسحاق الشاطبي، ج:4، حققه:د.محمد إبراهيم البنا، د.عبد المجيد قطامش، الناشر:جامعة أم القرى مكة المكرمة، ط:1، 1428هـ/2007م.

     يكتسب المضافُ من المضاف إليه ـ كما ذكر النحاةُ ـ عدَّة أمورٍ( 1)، منها: التذكير والتأنيث. ومعنى ذلك أنّ المضاف المذكّر قد يعامَل معاملة المؤنث لكون ما أضيفَ إليه مُؤنّثاً، كما يعامَل المضافُ المؤنثُ معاملة المذكّر لكون ما أضيف إليه مذكّرًا، وفي ذلك يقولُ ابن مالك ـ رحمه الله ـ في «شرح التسهيل»:” ويكتسب المضاف [المذكر] إلى مؤنّثٍ تأنيثًا […] وكذلك يكتسب المؤنث المضاف إلى مذكّرٍ تذكيرًا( 2)”.فمثال ما اكتسب التأنيثَ: قُطِعَتْ بعضُ أصابعه، وقراءة الحسن البصريِّ:(تلتقطه بعضُ السيارة)[يوسف:10] ( 3)”، وقول الأعشى:[من الطويل]

وَتَشْرَق بِالْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْتهُ     كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنَ الدَّمِ( 4)

   فإن كلًّا من «بعض»و«صدر» مذكر، وقد اكتسب التأنيث مما بعده. وأمَّا مَا اكتسبَ التَّذكير فنحوُ قولِ الشَّاعِر:[من الخفيف]

رُؤْيَةُ الْفِكْرِ مَا يَؤُولُ لَهُ الْأَمْــ       رُ مُعِينٌ عَلَى اجْتِنَابِ التَّوَانِي( 5)

  فقوله:«مُعين» خبر عن المبتدإ «رؤية» وهو مؤنث، وذلك لاكتساب المضاف ـ أي:رؤية ـ التذكير من المضاف إليه ـ أي:الفكر.
     ولايكتسب المضافُ من المضاف إليه التذكير أو التأنيث إلا بشرطينِ:
الشرط الأول: صحةُ حذفِ المضاف والاستغناءِ عنهُ بالمضاف إليه، مع صِحّة المعنى في الجملة(6 )، قال ابن مالك:”ويؤنث المضاف لتأنيث المضاف إليه إن صحّ الاستغناء به( 7)”، أي:بالمضاف إليه، وقال في «الألفية»:[من الرجز]

وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلَا        تَأْنِيثاً اِنْ كَانَ لِـحَذْفٍ مُؤْهَلَا ( 8)

    فمعنى قوله:«ان كان لحذف مُؤْهَلا» ـ كما يقول الشَّاطبي ـ رحمه الله ـ:“أن يكون المضاف سائغاً حذفُه وإقامة المضاف إليه مُقامَه، من غير أن يُخلّ ذلك بالمعنى المراد، بل يكون المضاف إليه مُؤَدِّيًا معنى المضاف وإن كان مجازاً( 9)”.  وقال سيبويه ـ رحمه الله ـ:” وسمعنا من العرب مَن يقول ممن يُوثَقُ به: اجتَمعتْ أهلُ اليمامِة، لأنَّه يقول في كلامه: اجتمعتِ اليمامةُ، يعني أهل اليمامة( 10)”.

الشرط الثاني:كون المضاف بعضَ المضاف إليه، أو كبعضِه(11 )….، ومثال كونه بعض المضاف إليه قولك: قُطِعَتْ بعض أصابعه، فبعض الأصابع إصبع، وكذلك في المثال السابق « كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ » فصدرُ القناةِ من القَنَاةِ. وأما مثال كونه كبعضه فنحو قول ذي الرمة:[من الطويل]

مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ       أَعَالِيَهَا مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمِ (12 ) 

فقد أنث الفعل «تسفّهتْ»، وهو مسندٌ إلى «مرّ»، لأنه مضاف إلى مؤنث، وكذلك فالمضاف مثل البعض من المضاف إليه أي:«الرياح»، لأنه صفة له.

*   *   *

     فإن تحقَّق الشرطان جاز أن يُعَامَل المضافُ معاملةَ المضاف إليه، وإنْ اختَلَّا بأن لم يصحَّ حذفُ المضاف ولم يكن المضاف بعضاً من المضاف إليه أو كبعضه، لَمْ يجز. وكذلك:”فما صَلح للحذفِ وليس بعضاً ولا كبعضٍ نحو:يوم الجمعة وذات صباحٍ لم يعامَلْ بذلك، وكذا ما لا يستغنى عنه( 13)”.قال سيبويه ـ رحمه الله ـ:” فإن قلت: مَنْ ضَرَبَتْ عبدُ أُمِّك، أو هذه عبدُ زَيْنَبَ لم يجُز، لأنه ليس منها ولا بها، ولا يجوز أن تلفظ بها وأنت تريد العبدَ( 14)”، ومعنى ذلك أنْ قولك: مَنْ ضَرَبَتْ أُمُّك، أو هذه زَيْنَبُ ليس معناهما معنى قولك: مَنْ ضَرَبَتْ عبدُ أُمّك، أو هذه عبدُ زَيْنَبَ!وقال الأخفش ـ رحمه الله ـ:”لا تقول العرب في:قُطعتْ رأسُ هندٍ:قُطِعتْ هندٌ، ويراد رأسُها، لأن اللفظ لا يُفهِمُ ذلك( 15)”.وقال الشّاطبيُّ: ـ رحمه الله ـ:”إذا أخلَّ حذفُه [أي:المضاف] بالمعنى فليس بمُؤهل للحذف، فقولك جاءني غلام هندٍ، وأتاني أبو زينب لا يجوز فيه حذف الغلام ولا الأب، لفساد المعنى؛ فلا يصحُّ لك أن تقول:جاءتني غلام هند، ولا أتتني أبو زينب، ولا ما أشبه ذلك ( 16)”وبذلك يتجلى لك متى يجوز تأنيث المضاف لتأنيث المضاف إليه، ومتى يقع ذلك في التذكير، والله أعلم.

أهمّ المصادر:

ـ القرآن الكريم.

ـ الكتاب، لسيبويه، ت: عبد السلام محمد هارون، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، ط:3، 1408 هـ – 1988 م.

ـ شرح تسهيل الفوائد، لابن مالك، ت: د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط:1، 1410هـ – 1990م. 

ـ المساعد على تسهيل الفوائد، لابن عقيل، ت:محمد كامل بركات، دار الفكر، دمشق، 1400هـ/1980م.

ـ المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية، لأبي إسحاق الشاطبي، ج:4، حققه:د.محمد إبراهيم البنا، د.عبد المجيد قطامش، الناشر:جامعة أم القرى مكة المكرمة، ط:1، 1428هـ/2007م.

 

الهوامش:

 

( 1)  ذكر ابن هشام من الْأُمُور الَّتِي يكتسبها الِاسْم بِالْإِضَافَة أحد عشر أمراً، منها: التعريف والتخصيص، والتخفيف، وإزالة القبح……..،  انظر:مغني اللبيب، 1/663.

(2)  شرح التسهيل، لابن مالك، 3/237.

(3)  تفسير الطبري، 15/567.

(4)  ديوان الأعشى، ص:364.

(5)  البيت بلا نسبةٍ في:شرح الكافية الشافية، 2/921، همع الهوامع، 2/512، توضيح المقاصد، 2/796، المقاصد النحوية، 2/510، قال العيني:لم أقف على اسم قائله.

(6)  التصريح، للأزهري، 1/687.

(7)  شرح التسهيل، لابن مالك، 3/236.

(8)  ألفية ابن مالك، البيت:395.

(9)  المقاصد الشافية، للشاطبي، 04/46.

(10)  الكتاب، 1/53.

(11)  انظر: شرح التسهيل، 3/237. قال في «المساعد 2/339»:”وزاد الفارسي:أن يكون المضاف مذكرا هُو كلّ المؤنث [أي:المضاف إليه]  نحو:(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ)[آل عمران:30]”.

( 12)  ديوان ذي الرمة، ص:262، وفيه:برواية:رويداً كما اهتزت إلخ.

(13 )  المساعد، لابن عقيل، 2/340، وانظر أيضا: شرح التسهيل لابن مالك،3/238.

(14 )  الكتاب، 1/53،54.

( 15)  المساعد، 2/339.

(16 )  المقاصد الشافية، للشاطبي، 4/46.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق