مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

إنما وليكم الله

 

 

 

أ.د. بدر العمراني

 قال الدكتور القزويني عند ذكر آية الولاية: (.. وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير: (..إنما وليكم الله .. الآية) عن غالب بن عبدالله سمعت مجاهدا يقول في قوله: (إنما وليكم الله ورسوله .. الآية) نزلت في علي بن أبي طالب، تصدّق وهو راكع، وقال عبدالرزاق، حدثنا عبدالوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله: (إنما وليكم الله ورسوله .. الآية) نزلت في علي بن أبي طالب. وروى ابن مردويه من طريق سفيان الثوري عن أبي سنان عن الضّحّاك عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائما يصلي فمرّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه، فنزلت: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ..) قال ابن عباس: نزلت في علي بن أبي طالب (رض)، وقاله مجاهد والسدي، وحملهم على ذلك قوله تعالى: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. وهي المسألة الثانية، وذلك أن سائلا سأل في مسجد رسول الله (ص) فلم يعطه أحد شيئا، وكان علي في الصلاة في الركوع، وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه..)([1])

قلت: هذه النقول المعزوة تحتاج إلى تمحيص وتنقيد، وبعضها بيّنها أصحابها، لكن القزويني أخفاها، وإليك التفصيل:

– بالنسبة لما نقله ابن كثير في التفسير، حذف القزويني إسناده، دون إشارة إلى المحذوف بعلامة أو نقط الحذف، هذه الأولى. أما الثانية فلم يذكر كلام الحافظ ابن كثير على سبب نزول آية (إنما وليكم الله ورسوله ..) تمويها وتدليسا حتى يظن القارئ أن ابن كثير سلّمه. وإليك قول ابن كثير: (قال ابن جرير: حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا غالب بن عبيد الله، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية: نزلت في علي بن أبي طالب، تَصَّدَق وهو راكع. وقال عبد الرزاق: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية: نزلت في علي بن أبي طالب. ثم قال: (عبد الوهاب بن مجاهد لا يُحْتجّ به)([2]).

– بالنسبة لرواية ابن مردويه: أوردها ابن كثير في التفسير هكذا: ورواه ابن مَرْدُويه، من طريق سفيان الثوري، عن أبي سِنان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي، فمر سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية. ثم: قال: (الضحاك لم يلق ابن عباس)([3]). وهذا تضعيف للحديث وهو دال على انقطاع السند.

– بالنسبة لما نقله القرطبي في التفسير، وهو: وقال ابن عباس في رواية أخرى: نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وقاله مجاهد والسدي([4]).

قلت: ذكره ابن كثير في التفسير مُبْرِزا من خرّجه، فقال: (وروى ابن مَرْدُويه أيضًا عن طريق محمد بن السائب الكلبي -وهو متروك-عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، والناس يصلون، بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعطاك أحد شيئًا؟ قال: نعم. قال: من؟ قال: ذلك الرجل القائم. قال: على أي حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع، قال: وذلك علي بن أبي طالب. قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وهو يقول: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ). ثم قال: وهذا إسناد لا يفرح به. ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، نفسه، وعمار بن ياسر، وأبي رافع. وليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها)([5]).

وأمّا الصواب في سبب نزول الآية، فقد جلاه ابن كثير بقوله: (وقد تقدم في الأحاديث التي أوردنا أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، حين تبرأ من حلْف يَهُود، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) كما قال تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ. لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: 21،22]. فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ومنصور في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية الكريمة: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)([6]).

هكذا يكون الأمر قد انكشف، وتلبيس وتدليس القزويني قد انجلى، بحول الله تعالى وقوته.

 


([1]) مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح للدكتور علاء الدين القزويني ص 64.

([2]) تفسير ابن كثير 3/138.

([3]) تفسير ابن كثير 3/138.

([4])الجامع لأحكام القرآن 6/221.

([5]) تفسير ابن كثير 3/137-138.

([6]) تفسير ابن كثير 3/138.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق