أبو زيد عبد الرحمن الكلالي ( ت1001هـ ) ومنظومته في إيمان المقلد
الحمد لله ذي العزة والجلال، الموصوف بالعظمة والكمال، المنزه عن الشبيه والنظير والمثال، المتعالي عما يقول الظالمون أولو الزيغ والضلال، وصلوات الله وسلامه على سيد المرسلين، وإمام المتقين، ما لمع برق أو سطع آل، وعلى آله وصحبه وعترته، خير أصحاب وآل.
وبعد، فإن الله سبحانه وتعالى قيض لهذه الأمة من يحرس دينها ويذود عنه من العلماء الأفذاذ، ومن ذلك الفقيه عبد الرحمن بن عيسى الكلالي - رحمه الله - وأسكنه فسيح الجنان، ولما رأيت أن هذا العالم المالكي الجليل لم يكشف اللثام عنه أحد – حسب ما اطلعت عليه -، سعيت سعيا حثيثا لإبراز جهوده في خدمة المذهب المالكي وبالأخص منها منظومته في إيمان المقلد ليستفيد منها الطلبة والباحثون.
المبحث الأول: التعريف بأبي زيد عبد الرحمن الكلالي
يُعد الفقيه عبد الرحمن بن عيسى الكلالي من أعلام المذهب المالكي بالقطر المغربي؛ إلا أن كتب التراجم والطبقات لم تسعفنا بترجمة وافية لهذا العلم الفذ، سوى ما وقفت عليه متناثرا في كتب التراجم والفهارس والتاريخ، وهذا بيانه.
أولا: اسمه ونسبه ونسبته.
هو الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن عيسى بن إبراهيم بن عمر المزياتي الكلالي - بالكاف المعقودة -[1].
ثانيا: أسرته العلمية.
لم أجد فيما وقفت عليه من المصادر عن أسرة أبي زيد عبد الرحمن الكلالي إلا النزر اليسير لأنه لم يشتهر من هذه الأسرة بشكل كبير إلا الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن الكلالي لتوليه القضاء بمسقط رأسه وانتشار أجوبته في العديد من القضايا والنوازل، وهذا ما وقفت عليه من أعلام هذه الأسرة العلمية المالكية مذهبا ومنهجا، وبالله التوفيق.
1- أبو عمران موسى بن عيسى الكلالي ( ت حوالي 990ﻫ ).
الفقيه الأستاذ المجود الحافظ اللافظ، أخو عبد الرحمان بن عيسى الكلالي[2].
قرأ أولا ببني ورياكل، ثم انتقل إلى فاس وسكن بيتا في المدرسة المصباحية، كان يأخذ أثناءها على مشيخة فاس، ويقوم في نفس الوقت بالتدريس لصغار الطلبة.
وممن أخذ عنه آنذاك أحمد بن علي الزمُّوري (ت1001هـ)[3] كما ذكر الدكتور حجي[4]، والعلامة المنوني رحمه الله[5].
2- أبو سالم إبراهيم بن عبد الرحمن الكلالي ( ت1047ﻫ )
وهو ابن أبي زيد عبد الرحمن الكلالي الفقيه الشهير ( ت1047ﻫ )[6]، أشهر علماء بني ورياكل في هذا العصر. تعلم في مسقط رأسه على والده وعلماء بلدته، ثم ذهب إلى فاس لإتمام دراسته العليا على أحمد المنجور وطبقته. فكان يمثل المشاركة الحقة في العلوم الشرعية والعقلية واللغوية، وسكن مدة مع أهله بفاس، اشتغل أثناءها بتلقي الشهادات في سماط عدول القرويين، إلى أن عُين قاضيا بمسقط رأسه.
قضى إبراهيم الكلالي معظم حياته في بني ورياكل، قاضيا ومفتيا ومدرسا ومؤلفا.
وله حضور كبير في مجالس علماء عصره[7]، وتظهر شخصيته العلمية في آثاره الباقية من أبرزها:
أ- تنبيه الصغير من الولدان، الذي ألفه في الرد على المفتي عبد الله آجليان من بني زجل[8]، حول مسألة فقهية[9]، وهذه الرسالة - بحسب ما وقفت عليه - ما تزال مخطوطة[10].
ب- المسألة الشهية الإمليسية، في الأنكحة المنعقدة على عادة البلد الاغريسية[11].
ج- فتاويه التي أورد المئات منها عبد العزيز الزياتي في الجواهر المختارة، وهي - لو ضمت – لكانت أكبر حجما وأكثر تعبيرا عن قيمة صاحبها من أي كتاب من الكتب التي ألفها باسمه[12]، والتي تدل على ضلاعة الرجل في الفقه وفهمه وأسرار التشريع، وبخاصة حين تطرح مشاكل البادية، فيعرف، وهو البدوي الصميم، كيف يوفق بين النصوص ومقتضيات الأعراف، ويجتهد في ذلك اجتهادات موفقة[13].
د- تقاييد تاريخية، أثبت بعضها الشيخ محمد بن الطيب القادري في ترجمة المؤلف في نشر المثاني[14]، كما نشر بعضها في ذيل (مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفاء)[15].
هـ - تقييد في العقوبة بالمال[16].
3- الفقيه أحمد بن عبد الرحمن الكلالي، الذي كان ينوب عن سيدي أحمد بن علي الزموري[17].
لم أقف له على ترجمة فيما اطلعت عليه من مصادر.
ثالثا: مكانته العلمية.
تبوأ أبو زيد عبد الرحمن الكلالي مكانة عالية مما جعله ذا حظوة عند شيخه أبي مالك عبد الواحد الونشريسي واختص به، كما كان معلما لأولاده[18]، كما قال عنه العلامة محمد حجي: "عالم متبحر في الفقه وأصوله"[19].
وهو الذي جمع تعاليق والد شيخه أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي على الوثائق الفشتالية التي تسمى: "غنية المعاصر والتالي في شرح وثائق القاضي أبي عبد الله الفشتالي"[20]، كما هو مصرح به في النسخة المحفوظة بالخزانة الحسنية تحت رقم: ج 244[21].
كما جمع منظومات شيخه عبد الواحد الونشريسي في نظائر المذهب المالكي، ورتبها بحسب الأبواب الفقهية ووضعها بين يدي الطلبة، وكان من جملة المستفيدين منها أحمد المنجور[22].
رابعا: شيوخه.
قرأ الشيخ أبو زيد عبد الرحمن الكلالي أولا ببني ورياكل، ثم انتقل إلى فاس وسكن بيتا في المدرسة المصباحية سنوات، كان يأخذ أثناءها عن مشيخة فاس، ويقوم في الوقت نفسه بالتدريس لصغار الطلبة. وممن أخذ عنه آنذاك أحمد بن علي الزموري كما سبقت الإشارة إليه آنفا.
قال العلامة محمد حجي: "قرأ على أخيه موسى بن عيسى الكلالي، وعبد الواحد الونشريسي وطبقته"[23]، كما أخذ عن أبي القاسم بن إبراهيم كما هو ظاهر من كتابه النظائر الفقهية والمسائل العلمية حيث قال: "ولشيخنا سيدي أبي القاسم بن إبراهيم في الأطعمة - أسماء الأطعمة عند العرب – "، ثم ذكر أبياتا له في ذلك[24].
أما أخوه موسى بن عيسى الكلالي فقد سبقت ترجمته، وهذه نبذة عن شيخيه عبد الواحد الونشريسي، وأبي القاسم ابن إبراهيم.
1- عبد الواحد الونشريسي: هو أبو مالك عبد الواحد بن الشيخ أبي العباس أحمد الونشريسي الفاسي: قاضيها سبعة عشر عاماً ثم مفتيها بعد ابن هارون. الإمام المتفنن العلامة العمدة المحقق الفهّامة الخطيب الفصيح الناظم الناثر مع الورع والدين المتين.
أخذ عن والده وابن غازي وانتفع به والحباك والهبطي وأبي زكرياء السوسي وأبي الحسن الزقاف وابن هارون وجماعة. وعنه المنجور، وعبد الوهاب الزقاق، واليسيتني، وغيرهم.
له خطب بليغة وفتاوى محررة، ونظم كثير في مسائل من الفقه كشهادات السماع، ومفوتات البيوع الفاسدة، وما يفيته حوالة الأسواق، وموانع الإقالة، ونظم قواعد أبيه، وشرح على ابن الحاجب الفرعي، وشرح الرسالة، ونظم تلخيص ابن البنا في الحساب، وتعليق على البخاري لم يكمل وغير ذلك، مولده بعد سنة 880هـ، ومات قتيلاً في ذي الحجة سنة 955هـ[25].
2- أبو القاسم بن إبراهيم، هو أبو القاسم محمد بن إبراهيم الدكالي: الفاسي الإمام الفقيه العالم العلامة العمدة المحقق الفهّامة، من بيت علم وفضل. كان - رضي اللّه عنه - حافظا من العلماء المحققين النقاد، برع في العلوم كلها. وكان إماما في التفسير ينقل في مجلس إقرائه كلام الكشاف وتفسير الفخر وغير ذلك، ويحقق أقوالهم ويدقق أنظارهم، ويميز منها الصحيح من السقيم. أخذ عن الشيخ المواق، والمنتوري، وابن غازي، وأبي عبد الله الهبطي، وغيرهم. وعنه أبو الحسن علي بن يوسف الفاسي، والشيخ القصار، وغيرهما، مولده سنة 896هـ، وتوفي سنة 978هـ "[26].
خامسا: وفاته.
توفي أبو زيد عبد الرحمن الكلالي - رحمه الله - عام 1001ﻫ.
سادسا: تلاميذه.
أخذ عن أبي زيد عبد الرحمن الكلالي الشيخ أحمد بن علي الزموري كما سبقت الإشارة إليه، وهذا الأخير هو: "الفقيه الأديب النحوي: الأستاذ يكنى أبا العباس كان يستظهر" مختصر ابن الحاجب " الفرعى، ويقوم عليه، أخذ عن اليسيتنى، وابن محمد، وأبي القاسم بن محمد بن إبراهيم الدكالى، وغيرهم. وله نظم رائق... ولد بعد 930هـ[27]، وتوفي - رحمه اللّه - غرة رجب سنة إحدى وألف (1001هـ )[28].