مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

آية المودة

 

 

أ.د. بدر العمراني

قال الدكتور القزويني في سياق الكلام عن آية المودّة: (وأما أهل السُّنّة فقد خرّجوها بطرق كثيرة منها ما نقله الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (لما نزلت: قل لا أسألكم عليه أجرا…) الآية. قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودّتهم؟ قال: (علي وفاطمة وولداهما). وقد خرّجها بطرق مختلفة. وفي ذلك يقول القرطبي في تفسيره: (وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما أنزل الله عز وجل: الآية، قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين نودّهم؟ قال: (علي وفاطمة وأبناؤهما)…)([1])

قلت: أولا القزويني أوهم القارئ حين أَطْلَقَ وَسْمَ الحاكم، الذي إذا أُطلق يُقصد به أبو عبدالله ابن البَيّع النيسابوري صاحب المستدرك، ثم زاد في التدليس حين أثبت في الهامش: (الحاكم النيسابوري شواهد التنزيل). من أجل التضليل. لأنّ صاحب شواهد التنزيل في قواعد التفضيل يُعرف بالحاكم الحَسْكاني، وليس النيسابوري، وإن كان ينتسب لنيسابور.

وهو أبو القاسم عبيدالله بن عبدالله بن أحمد ابن حَسْكَان القرشي العامري النيسابوري الحنفي الحاكم، ويُعرف بابن الحَذّاء(ت بعد470هـ)، قال عنه الذهبي: (شيخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث .. ووجدت له مجلسًا يدل على تَشَيُّعه وخبرته بالحديث، وهو تصحيح خبر رَدّ الشّمس لعلي -رضي الله عنه- وترغيم النّواصب الشُّمْس)([2]).

قلت: لعلّ الذهبي لم يقف له على شواهد التنزيل، فهي دالة على غلّوه في التَّشيّع. نسأل الله العافية.

ثانيا: الحاكم الحسكاني روى حديث ابن عباس من طرق كثيرة عن حسين الأشقر، قال: حدثنا قيس، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير نحوه([3]).

وحسين الأشقر تكلّم فيه النقاد ووسموه بأقبح الأوصاف:

قال البخاري: فيه نظر.

وقال أبو زرعة: منكر الحديث.

وقال أبو حاتم: ليس بقوى.

وقال الجوزجاني: غال شتّام للخِيَرَة.

وقال ابن عَدي: جماعة من الضعفاء يحيلون بالروايات على حسين الأشقر، على أنّ في حديثه بعض ما فيه. وذكر له مناكير، قال في أحدها: البلاء عندي من الأشقر.

وقال أبو معمر الهُذَلي: كذّاب.

وقال النسائي والدارقطني: ليس بالقوي([4]).

وقال ابن كثير عن سبب نزول هذه الآية: وإسناد هذا ضعيف فيه مبهم لا يُعرف، عن شيعيّ مُحْتَرِق، وهو حسين الأشقر، ولا يُقبل خبره في هذا المحل([5]).

إذن هذه رواية ضعيفة جدا، لا يحسن بالقزويني الاحتجاج بها، ويُلزم بها أهل السّنّة.

وهي منكرة، لأمرين:

–   الأول: من جهة السند، معارضة بما صحّ في البخاري من طريق ابن عباس أنّه سُئل عن قوله تعالى: (إلا المودة بالقربى) فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد، فقال ابن عباس: عجلت إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تَصِلُوا ما بينكم من القرابة([6]).

–   الثاني: منكرة من جهة المتن؛ لأن الآية مكية، وبمكة لم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد، وإنما تزوجت بعلي رضي الله عنه بعد بدر في السنة الثانية من الهجرة([7]).

هذا من وجه ومن وجه آخر:

–   إن هذه الرواية ضعيفة أيضا عند القرطبي – المستشهد به عند الدكتور – لأنه لم يَرْتضِها، وارتضى تفسير الحسن البصري الذي قال: المعنى إلا أن يتودّدوا إلى الله عز وجل، ويتقربوا إليه بطاعته، فالقربى على هذا بمعنى القرابة يُقال: قُرْبَةٌ وقُرْبَى بمعنى؛ كالزُّلْفة والزُّلْفى. ثم أورد –أي القرطبي- قول النّحّاس في تفسير الحسن، وقال: وقول الحَسَن حَسَن، ويدلّ على صحّته الحديث المسند عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: أخبرنا أسد بن موسى، قال: حدثنا قزعة، قال: حدثنا عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا أسألكم على ما أنبئكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن توادّوا الله عز وجل، وأن تتقربوا إليه بطاعته)([8]).

قلت: وهذا إسناد ضعيف، لأجل قزعة بن سويد ضعفه غير واحد من النقاد([9]).

لكن له طريق آخر صحيح رواه الإمام أحمد عن يحيى القطّان عن شعبة به([10])، قال ابن كثير: وهكذا روى عامر الشعبي والضحاك، وعلي بن أبي طلحة، والعوفي، ويوسف بن مهران، وغير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله، وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسُّدّي وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم([11]).                        

   والله الموفق لإيضاح الحق.

 


([1]) مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح للدكتور علاء الدين القزويني ص 71.

([2]) تذكرة الحفاظ 3/258.

([3]) انظر شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 2/190-194.

([4]) ميزان الاعتدال 1/531.

([5]) المصدر السابق 4/114.

([6]) صحيح البخاري رقم: 4444.

([7]) انظر تفسير ابن كثير 4/111.

([8]) الجامع لأحكام القرآن 16/1-23.

([9]) انظر ميزان الاعتدال 3/389-390.

([10]) مسند أحمد 3/468. رقم: 2024.

([11]) انظر تفسير ابن كثير 4/113.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق