مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

هدى للمتقين

 

 

 

بدر العمراني

قال الحاكم الحسكاني: (أخبرنا عقيل بن الحسين بقراءتي عليه من أصله، قال: حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن عبدالله، قال: حدثنا عثمان بن أحمد بن عبدالله الدقاق ببغداد، قال: حدثنا عبدالله بن ثابت المقرئ، قال: حدثني أبي، عن الهذيل بن حبيب أبي صالح، عن مقاتل، عن الضحاك، عن عبدالله بن عباس فيقول الله عز وجل: (ذلك الكتاب لا رب فيه) يعني لا شك فيه أنه من عند الله، نزل (هدى) يعني: بيانا ونورا (للمتقين) علي بن أبي طالب الذي لم يشرك بالله طرفة عين، واتقى الشرك وعبادة الأوثان، وأخلص لله العبادة، يُبعث إلى الجنّة بغير حساب، هو وشيعته)([1]).

قلت: هذا القول ضعيف، خصوصا وأن القرطبي أورده بصيغة التمريض، وذكره مع جملة من الأقوال الواردة في سبب نزول الآية، مصدّرة ب: قيل، دون ترجيح.

هذا إسناد ضعيف جدا، فيه:

انقطاع، لأن مقاتلا لم يسمع من الضّحّاك، قال سليمان بن إسحاق الجلاب: سُئل إبراهيم الحربي عن مقاتل بن سليمان: هل سمع من الضّحّاك بن مزاحم شيئا؟ قال: لا، مات الضّحّاك قبل أن يولد مقاتل بأربع سنين([2]). ومقاتل كذبه جماعة من النقاد، مقل: وكيع بن الجراح الرؤاسي، والنسائي، وابن حبان([3]).

وإرسال، فالضحاك لم يسمع من ابن عباس، قال أبو قتيبة سلْم بن قتيبة، عن شعبة، قلت لمُشاش: الضّحّاك سمع من ابن عباس؟ قال: ما رآه قطّ.

وقال أبو داود الطّيالسي، عن شعبة: حدثني عبدالملك بن ميسرة، قال: الضّحّاك لم يلق ابن عباس، إنما لقي سعيد بن جُبَيْر بالرَّيّ، فأخذ عنه التّفسير([4]).

إذن، هذا تفسير منكر، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه غني عن إلصاق فضيلة به بواسطة الكذب والتلفيق.

والصواب، ما قاله الطبري في التفسير ضمن سياق السورة فيما صحّ عن ابن عباس: (وهذا التأويل من ابن عباس قد صرّح عن أنّ السورة من أولها وإن كانت الآيات التي في أولها من نعت المؤمنين تعريض من الله عز وجل بذم الكفار أهل الكتاب الذين زعموا أنهم بما جاءت به رسل الله عز وجل الذين كانوا قبل محمد صلوات الله عليهم وعليه مصدقون، وهم بمحمد عليه الصلاة والسلام مكذبون، ولما جاء به من التنزيل جاحدون، ويدعون مع جحودهم ذلك أنهم مهتدون وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى فأكذب الله جل ثناؤه ذلك من قيلهم بقوله: (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} [البقرة: 2] وأخبر جل ثناؤه عباده أن هذا الكتاب هدى لأهل الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به المصدقين بما أنزل إليه وإلى من قبله من رسله من البينات والهدى خاصة، دون من كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، وادعى أنه مصدق بمن قبل محمد عليه الصلاة والسلام من الرسل وبما جاء به من الكتب. ثم أكد جل ثناؤه أمر المؤمنين من العرب ومن أهل الكتاب المصدقين بمحمد عليه الصلاة والسلام وبما أنزل إليه وإلى من قبله من الرسل بقوله: (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) [البقرة: 5] فأخبر أنهم هم أهل الهدى والفلاح خاصة دون غيرهم، وأن غيرهم هم أهل الضلال والخسار)([5]).

ولا شك أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه داخل في زمرة المتقين، الذين آمنوا بالغيب وصدّقوا وأيقنوا، دونما قصر بزيف أو كذب. 

                           والله الموفق لإيضاح الحق.

 


([1]) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 1/86.

([2]) تهذيب الكمال 28/441.

([3]) انظر ميزان الاعتدال 4/173-175.

([4]) تهذيب الكمال 13/293.

([5]) تفسير الطبري 1/253-254.

الدكتور بدر العمراني

• رئيس مركز عقبة بن نافع للدراسات والبحوث في الصحابة الكرام بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق