مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

من سَنن العلماء في وضع عناوين كتبهم!

كان من الأمراء والوزراء جلة حرصوا على العلم غايةَ الحرص، وتعلقوا بأهدابه أشدّ التعلّق، أعيانٌ عرفوا بشغفهم به، وتحفّيهم بأهله، ورعايتهم لهم وإنعامهم عليهم، وقد خلعوا على العلماء، وآووهم، ووفّروا لهم البيئة المناسبةَ والجوّ الملائمَ، فانصرفوا لخدمة العلم ونشره، وشُغلوا بتعليم الطلبة، وبالكتابة والتأليف.

 وإنَّ الناظر في مؤلفات كثير منهم يجدهم يثنون في صدورها أو خواتمها على الأمراء ويشيدون بمآثرهم الخالدة، وينوِّهون بمناقبهم التالدة، ويجد أن بعضاً منهم نسب كتابه إلى أمير واشتقّ عنوانه من اسمهِ؛ يهديه له ويتقرّب به إليه زُلفى، أو لأن الأمير هو الذي أشار إليه بوضعه وتأليفه، وذلكم ما خطر بالبال أن أتتبعَهُ، وأن  أنظمه في سلك وأُجَمِّعَه، لتتمَّ الفائدة، وتعمّ العائدة.

 وقد عثرتُ على عناوين منها:

1-  الإيضاح العضدي، لأبي عليّ الفارسيّ (ت:377 هـ)، وهو كتاب في النحو، ألفه بإشارة من عضد الدولة البويهيّ (ت:372).

قال في مقدمته: «أما على إثر ذلك أطال الله بقاء الأمير الجليل عضد الدولة مولانا وأدام عزه، وتأييده، ونصره، وأسبغ عليه طوله، وفضله، فإني جمعت في هذا الكتاب أبواباً من العربية متحرياً في جمعها على ما ورد به أمره أعلاه الله. فإن وافق اجتهادي ما رسم فذلك بيمن نقيبته، وحسن تنبيهه، وهدايته وإن قصر إدراك عبده عما حده مولانا أدام الله إرشاده ورشده رجوت أن يسعني صفحه لعلمه بأن الخطأ بعد التحري موضوع عن المخطئ».

2- التاجي في أخبار الدولة الديلمية، للأديب أبي إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي (ت:384هـ)، كان « أوحد الدنيا في إنشاء الرسائل والاشتمال على جهات الفضائل(1)» وألف «التاجي» بأمر من عضد الدولة البويهيّ (ت:372هـ)، الذي كان يلقَّبُ أيضاً بتاج الملّة.

3- الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي (ت:395هـ)، ونسبه إلى وزيرِ مؤيّد الدولة البويهيّ، وهو الأديبِ أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن العباس، المشهور بالصاحب بن عبّاد (ت:385)، لصحبته الوزير الكاتب الجاحظ الثانيَ أبا الفضل بن العميد.

وقد أشار ابن فارس في مقدمة كتاب «الصاحبي» إلى سبب التسمية، وقال: «هَذَا الكتاب (الصاحبي) فِي فقه اللغةِ العربيةِ وسننِ العربِ فِي كلامها. وإنَّما عَنْوَنْتُه بهذا الاسم لأنّي لما أَلَّفْتُه أَوْدعْتُه خزانةَ الصَّاحبِ الجليل كافي الكفاة، عَمَرَ اللهُ عِراص العلم والأدب والخير والعدل بطول عمره، تَجمُّلاً بذلك وتحسُّناً، إذ كَانَ يقبله كافي الكفاة من علم وأدب مَرضِيّاً مقبولاً، وَمَا يَرْذُلُه أَوْ يَنفيه منفيّاً مَرْذولاً، ولأنّ أحسنَ مَا فِي كتابنا هَذَا مأخوذٌ عنه ومُفاد منه»(2).

وقال في خاتمته: «وهذا تمام الكتاب (الصاحبي) أتم الله عَلَى (الصاحب) الجليل النِّعَم، وأسْبغَ لَهُ المواهِبَ، وسَنَّى لَهُ المَزِيدَ من فضلِهِ، إنه وليُّ ذَلِكَ والقادِرُ عَلَيْهِ»(3).

4- المنثور البهائي، لأبي سعد علي بن محمد بن خلف النيرماني (ت:414هـ)، وهو نثر لحماسة أبي تمام الطائي وحلٌّ لأبياتها، ألّفه لبهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة البويهي (ت:403هـ) أحدِ أمراء البويهيين بالعراق. قال الصفدي: «كان قد اتصل ببهاء الدولة بن عضد الدولة فصنف له المنثور البهائي في مجلدة، وهو نثر كتاب الحماسة وغيرها»(4).

يقول في مقدمة كتابه، وقد أغرق في الثناء على البهاء: ««سميته بـ«المنثور البهائي»؛ ليستدل من ترجمة عنوانه على أنه مما عمل في طراز دیوانه، ويعلم على تعاقب الأدوار وتغالب الأطوار فيما تباعد من البلاد والأقطار، أنه محسوب من حسنات أيامه وزهرات إقباله»(5).

5- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبّي، لأبي العلاء أحمد بن عبد الله المعرّي (ت: 449هـ)، وضعه لعزيز الدولة أبي الدوام ثابت بن ثمال بن صالح بن مرداس الكلابي، أحد أمراء الدولة المرداسية بحلب. كانَ من الأمراء الفضلاء، أرباب الشجاعة والدهاء(6). ويسمى الكتاب أيضا «الثابتيُّ العزيزي»(7).

يقول القفطي عند ذكره لمؤلفات أبي العلاء: «كتاب يعرف باللامع العزيزىّ فى شرح غريب شعر أبى الطيّب أحمد بن الحسين المتنبّى. عمل للأمير عزيز الدولة أبى الدوام ثابت بن الأمير تاج الأمراء معزّ الدولة أبى العلوان ثمال بن نصر بن صالح بن مرداس، مقداره مائة وعشرون كراسة»(8)، ونحوه في: معجم الأدباء (1/334)

وقد ذكر ذلك أبو العلاء في مقدمة كتابه، وقال: «سألني بعض الناس أن أنشئ مختصرًا في تفسير شعر أبي الطيب، فكرهت ذلك، وسألته الإعفاء، فأجاب، ثم تكرر السؤال؛ فأصبحت معه في القياد، وأنا كما قيل: «مكره أخوك لا بطَل، وكم حَلْيٍ فَضَلَهُ الْعَطَلُ» وأمليت شيئًا به، ثم علمت أني في ذلك من الأخسرين أعمالًا، لا أكتسب في العاجلة ولا الآجلة جمالًا؛ لأن القريض له أزمان، ومن بلغ سنّي فماله من الحتف أمان.

وذكر لي المجتهد في خدمة الأمير عزيز الدولة وغرسها أبي الدوام ثابت بن تاج الأمراء فخر الملك، عمدة الإمامة، وعدة الدولة ومعزها ومجدها ذي الفخرين، أطال الله بقاءه، وأدام أيامه أبو القاسم علي بن أحمد المقرئ أن الأمير أبا الدوام أمره أن يلتمس لدي شيئًا من هذا الفن؛ فنهضت نهضة كسير لا يقدر على المسير، وأنشأت معه شيئًا على مقداري لا مقدار الآمر… وأتممت ما كنت بدأت فيه، والله المستعان، وبه التوفيق»(9).

6-  غياث الأمم في التياث الظلم، أو الغياثي، لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني (ت:478هـ)، وهو كتاب مشهور في السياسة الشرعية كثير الفوائد، ألفه ونسبهُ إلى أحد وزراء دولةِ السلاجقةِ، أبي علي الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الطوسيّ (ت:485هـ) الملقب بغياث الدولة وبنظام الملك، الذي كثير الحرص على أهل العلم والأدب مبالغا في إكرامهم، وفي كتاب «دمية القصر» للباخرزي أكثر من خمسين شاعراً، مدحوه وأثنوا عليه.

قال الجويني في مقدمته: «وَقَدْ تَحَقَّقَ لِلْعَالِمِينَ أَنَّ صَدْرَ الْأَيَّامِ وَمَوْئِلَ الْأَنَامِ، وَمَنْ هُوَ حَقًّا مُعَوَّلُ الْإِسْلَامِ، يُدْعَى بِأَسْمَاءَ تُبِرُّ عَلَيْهَا مَعَانِيهِ، وَيَفُوقُ فَحْوَاهَا مَعَالِيهِ، فَهُوَ غِيَاثُ الدَّوْلَةِ. وَهَذَا إِذَا تَمَّ: (غِيَاثُ الْأُمَمِ فِي الْتِيَاثِ الظُّلَمِ) فَلْيَشْتَهِرْ بِالْغِيَاثِيِّ كَمَا شُهِرَ الْأَوَّلُ بِالنِّظَامِيِّ»(10).

7- النظامية في الأركان الإسلامية، لإمام الحرمين الجوينيّ أيضا، وهو كتاب في علم الكلام ألفه وأهداهُ إلى الوزير المذكور الذي كان كثير التحفي بالعلماء، مبالغا في إكرامهم.

وقد استهل مقدمة كتابه بمدحه والثناء عليه، ومنها قوله: «…وقد ملك مولانا الصاحب الأجل السيد «نظام الملك » قوام الدین ، سید الوزراء ، غیاث الدولة، وصي أمير المؤمنين ، أدام الله علاه، مقاليدَ الممالك، وذلل له ما توعّر على الأولين من المسالك، وقذفت إليه الأرض أفلاذ أكبادها، وألقت إليه أهلها أزمتها في إصدارها وإیرادها، واستكان له دانيها وقاصيها، وتوطأت لسنابك خيله صياصيها…»(11).

ثم قال: «وقد زفتها عروسا تختال في أثوابها، وترفل في جلبابها إلى أكرم أكفائها وخُطابها، فإن أبتْ على مفترعها إباءَ البكر ذلَّلتها صفوة الفكر، وغض من شماسها وشراسها كسرة دراسها ومهرها، أن تقع من السدة السامية موقع القبول، ومتضمنها عقائد العقول، ونخب الشرع المنقول»(12).

ثم قال بعد ذلك: «وقد صدرتها بقواعد عن العقائد على أساليب لم أسبق إليها، ولم أزحم عليها، ثم أَتبعتها بما لا يسوغ الذهول عنه في أركان الإسلام، وسميتها (النظامية في الأركان الإسلامية)… »(13).

8- النظاميُّ في أصول الدين، لابن فورك (ت: 478هـ)، ونسبهُ إلى أحد وزراء دولةِ السلاجقةِ الذي ذكرناهُ سابقاً، وهو أبو علي الحسن الملقب بغياث الدولة وبنظام الملك (ت:485هـ).

وقد أثنى عليه في مقدمة الكتاب، ومن ذلك قوله: «أحيا علومَ الدِّينِ وقد أماتَها الجاهلُونَ، ونصرَ الحقَّ وقد رفضَه المُبطِلُونَ. العدلُ سيرتُه، والتَّقوى سريرتُه، والإحسانُ طبيعتُه، وحُسنُ التَّعبُّدِ لله –تعالى- على عادته»(14).

وقال: «وسميتهُ بكتاب النظامي القواميّ الرضويّ في إرشاد المبتدئين إلى قواعد أصول الدين بواضح الدلائل في ظاهر المسائل»(15).

9- المستظهري، (أو حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء) لفخر الإسلام أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي القفال الفارقيّ (ت: 507هـ)، صنّفه بأمر الخليفة العباسي المستظهر بالله أبي العباس أحمد بن المقتدي بالله (ت:512هـ).

يقول في المقدمة: «أما بعد فَإِنَّهُ لما انْتَهَت الْإِمَامَة المعظمة والخلافة المكرمة إِلَى سيدنَا ومولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ المستظهر بِاللَّه أعز الله أنصاره ذِي الهمة الْعليا فِي أَمر الدّين وَالدُّنْيَا استخرت الله تَعَالَى فِي كتاب جَامع لأقاويل الْعلمَاء تقربا إِلَى الله تَعَالَى فِي اطِّلَاعه عَلَيْهِ رَجَاء أَن يكون مَا يصدر عَنهُ غير خَارج عَن مَذْهَب من الْمذَاهب وَينْتَفع بِهِ كل نَاظر فِيهِ فأرزق الْأجر فِيهِ وَالثَّوَاب عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى»(16).

10- الأفضليات، لأبي القاسم علي بن منجب بن سليمان، المشهور بابن الصّيرفيّ (ت:542هـ)، وهي رسائلُ كتبها إلى أبي القاسم أحمد بن بدر الجمالي المعروف بالملك الأفضل شاهنشاه (ت:515هـ)، أحد وزراء الدولة الفاطمية بمصر، وكان حسن التدبير فحْل الرأي(17).

وقد حصل بين ابن الصيرفي وبين الوزير جفوة، فطرده من ديوان الإنشاء، لذلك كتب رسائل منمقة يستعطفها ويترضاهُ بها، ملتمسا منه الصفح والتجاوز، حتى عفا عنه ورجعَه إلى الديوانِ. وتلكم الرسائل هي المعروفة بـ«الأفضليات»، وقد يكون الكاتبُ هو من اختار لها هذا الاسم، وقد يكون ذلك من وضع النساخ!

11- الفوائد الغياثية، وهو تلخيص للقسم الثالث (قسم البلاغةِ) من كتاب (مفتاح العلوم) للسكاكي، ألفه عضد الدين الإيجي (ت:756هـ)، بأمر من الوزير غياث الدين محمد بن رشيد الدين (ت:736هـ) أحد وزراء الدولة الإيلخانيَّة (دولةِ مغول فارس).

يقول في المقدمة: «وبعد، فهذا مختصر في علم المعاني والبيان يتضمن مقاصد (مفتاح العلوم) وسميته بـ(الفوائد الغياثية)، تيمّنا باسم من ألقى إليه الدهر قياده، وقام بأمر الملك بأيْدٍ فأقامه وما آدَه، بابهُ قبلة الحاجات يطوى إليه كل فجٍّ عميق، ويلوى إليه أعناق الآمال من كل بلد سحيق، يُعفَّر في فنائه جباه الصيد، وتتزاحم لاستلام عتبته شفاه الصناديد، وامتثالا له حين أمر بتلخيص مستودعاته وتجريدها عن فضفاض عباراته المنمنمة…» (18).

12- المُتَوَكِّلِيُّ، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت:911هـ)، وهو كتاب في ذكر ما ورد في القرآن الكريم باللغات الأخرى كالحبشية والفارسية وغيرهما، وألفه بأمر من الخليفة العباسي المتوكل على الله أبي العز عبد العزيز بن يعقوب (903هـ).

وقد ذكر في الكتاب ما نصه: «وسببُ تسميته بذلك أنه برز الأمر الشريف من مولانا الإمام الأعظم الهاشمي العباسي المتوكلي أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين ووارث الخلفاء الراشدين الإمام المتوكل على الله أدام الله عزه وأعز ببقائه الدين أن أكتبَ له مؤلفا في الألفاظ التي وقعت في القرآن الكريم، وذكر الصحابة والتابعون أنها بلغة الحبش أو الفرس أو غيرهم مما سوى العرب فامتثلتُ ذلك، وألفت هذا الكتاب المختصر ملخصا من كتابي المبسوط (المسالك) وسميته المتوكلي اقتداء بالإمام أبي بكر الشاشي من أصحابنا حيث ألف كتابا في الفقه بأمر الخليفة المستظهر بالله وسماه المستظهري… »(19).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(1) معجم الأدباء (1/130)

(2) الصاحبي (ص:11)

(3) الصاحبي (ص:214)

(4) الوافي بالوفيات (21/300)

(5) المنثور البهائي (ص:46)

(6) انظر: مجمع الآداب في معجم الألقاب (1/381)

(7) معجم الأدباء (1/334)

(8) إنباه الرواة (1/ 100)

(9) اللامع العزيزي (ص:3)

(10) الغياثي (ص:18)

(11) العقيدة النظامية (ص:10)

(12) العقيدة النظامية (ص:10)

(13) العقيدة النظامية (ص:10)

(14) النظامي في أصول الدين، مخطوط (2/ب)

(15) النظامي في أصول الدين، مخطوط (4/أ)

(16) المستظهري أو حلية الفقهاء (1/5)

(17) انظر: وفيات الأعيان (2/448)، واتعاظ الحنفاء (3/60)

(18) الفوائد الغياثية (ص:109)

(19) المتوكلي (ص:2)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق