مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

مظاهر التماسك والانسجام من خلال كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للإمام البقاعي أثر التضام في سبك سورة آل عمران من [الآية 1- الآية 75] «الحلقة التاسعة عشرة»

التضام «cohesion» في البحث اللغوي والاصطلاحي :

ضمم: الضَّمُّ: ضَمُّكَ الشيء إلى الشيء، وقيل: قَبْضُ الشيء إلى الشيء، وضَمَّه إليه يَضُمُّه ضَمّاً فانضمَّ وتَضامَّ، تقول: ضَمَمْتُ هذا إلى هذا، فأنا ضامٌّ وَهُوَ مَضْموم، وضمَمْتُ الشيء إلى الشيء فانْضَمَّ إليه وضامَّهُ، [1] وهو يشتمل على الإجراءات المستعملة في توفير الترابط بين عناصر ظاهر النص كبناء العبارات والجمل، واستعمال الضمائر وغيرها من الأشكال البديلة،[2] ويعتبر عبد القاهر الجرجاني من أوائل المتحدثين عن التضام وأشار إليه عند حديثه عن نظريته المعروفة بالنظم، حيث جعله من الأسس العامة لهذه النظرية، فهو يرى أن الكلمة لا تكون ذات فائدة إلا بضم كلمة إلى كلمة، ورص لفظة بجوار لفظة يقول:« وهَلْ يقع في وَهْم وإنْ جُهِد، أن تتفاضلَ الكلمتانِ المُفردتان، مِنْ غيرِ أن يُنظَر إلى مكانٍ تقعانِ فيه منَ التأليِف والنظمِ، بأكثرَ من أن تكونَ هذهِ مألوفةً مستعملةً، وتلك غريبةً وحشية، أو أن تكونَ حروفُ هذهِ أَخَفَّ، وامتزاجُها أَحسنَ، ومما يَكُدُّ اللسانَ أَبْعَدَ؟وهل تَجد أحداً يقولُ: «هذه اللفظةُ فصيحةٌ»، إلاَّ وهو يعتبرُ مكانَها منَ النظم، وحسنَ مُلائمةِ معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها»[3 ]

ويعد التضام من وسائل التماسك النصي؛ وهو صورة من صور السبك المعجمي؛ يتجلى في علاقة معجمية قائمة بين طرفين يجمعهما رابط معين، كما في كلمتين«ولد وبنت» ففي هاتين اللفظتين تتبين صورة من صور التضام لوجود علاقة دلالية رابطة بينهما، فالتضام هو توارد زوج من الكلمات بالفعل أو بالقوة نظرا لارتباطهما بحكم هذه العلاقة أو تلك، فالولد والبنت ليس مترادفين، ولا يمكن أن يكون لديهما المحال إليه نفسه، ومع ذلك فإن ورودهما في خطاب ما يساهم في النصية، والعلاقة النسقية التي تحكم هذه الأزواج في خطاب ما، هي علاقة التعارض مثلما هو الأمر في أزواج كلمات مثل: «ولد – بنت»، «جلس- وقف» «أحب- كره» «الجنوب- الشمال»الخ، إضافة إلى علاقة التعارض؛ هناك علاقات أخرى مثل: «الكل- الجزء»، أو «الجزء-الجزء»  أو عناصر من نفس القسم العام مثل«كرسي- طاولة» وهما عنصران من اسم عام هو التجهيز. [4]

فالعلاقة الرابطة تقع بين المفردات المعجمية في النص، ولابد من وجود علاقة معينة تربط بين هاتين المفردتين، فهي بذلك قائمة على الترابط المعتاد لكلمة ما في لغة ما بكلمات أخرى معينة في جمل تلك اللغة، [5] فثمة أزواج من الألفاظ متصاحبة دوما، بمعنى أن ذكر أحدهما يستدعي ذكر الآخر، ومن ثم يظهران دوما معا، وهذا يسمى «المصاحبة المعجمية» وهي الارتباط الاعتيادي لكلمة ما في لغة بكلمات أخرى معينة، وهذه العلاقة الرابطة بين زوج من الألفاظ متعددة جدا، [6] ووجود هذا الزوج من الكلمات مع وجود العلاقة الرابطة بينهما هو ما يحقق العلاقة الاتساقية، ومن ثم تكون هذه العلاقة سمة من سمات التماسك والانسجام.

العلاقات داخل الحقل المعجمي:

وهو مكانها في نظام من العلاقات التي تربطها بكلمات أخرى في المادة اللغوية[7] وتتمثل هذه العلاقات في ما يلي:

الترادف:قال الإمام فخرُ الدين الرازي : هو الألفاظ المفردةُ الدالة على شيء واحد باعتبارٍ واحد، قال: واحترزنا بالإفراد عن الاسم والحدِّ فليسا مُترادفين وبوَحْدة الاعتبار عن المتباينين كالسيف والصارم فإنهما دَلاَّ على شيءٍ واحد، لكنْ باعتبارين: أحدُهما على الذَّات والآخر على الصفة،[8] ويتحقق الترادف حين يوجد تضمن من الجانبين، يكون«أ»و«ب» مترادفين إذا كان«أ» يتضمن «ب» و«ب» يتضمن «أ» كما في كلمة«أم» و«والدة».[9]

الاشتمال: والاشتمال يختلف عن الترادف في أنه تضمن من طرف واحد، يكون «أ» مشتملا على «ب» حين يكون «ب» أعلى في التقسيم التصنيفي أو التفريعي«toxonomic» مثل «فرس» الذي ينتمي إلى فصيلة أعلى«حيوان»، وعلى هذا فمعنى«فرس» يتضمن معنى «حيوان»، ومن الاشتمال نوع أطلق عليه اسم«الجزيئات المتداخلة» ويعني ذلك مجموعة الألفاظ التي كل لفظ منها متضمن فيما بعده مثل: ثانية، دقيقة، ساعة، يوم، أسبوع، شهر، سنة. [10]

علاقة الجزء بالكل: مثل علاقة اليد بالجسم، والعجلة بالسيارة، والفرق بين هذه العلاقة وعلاقة الاشتمال أو التضمن واضح، فاليد ليست نوعا من الجسم، ولكنها جزء منه، بخلاف الإنسان الذي هو نوع من الحيوان وليس جزءا منه،[11] ويمكن أن تكون غرفة العمل جزءا من مكتب، كما أن المنضدة يمكن أن تكون جزءا من غرفة مكتب، والوجه يمكن أن يكون جزءا من شخص. [12]

علاقة الجزء بالجزء: ويمكن التمثيل لها كذلك بعلاقات جزئية مثل«أظافر- أصابع» «أصابع- يد»[13]

كما أن هناك أنواع متعددة من التقابل ترد تحت ما سماه اللغويون بالتضاد:

التضاد الحاد أو التضاد غير المتدرج: مثل: «ميت- حي»، «متزوج- أعزب»، «ذكر- أنثى» وهذه المتضادات تقسم عالم الكلام بحسم دون الاعتراف بدرجات أقل أو أكثر، ونفي أحد عضوي التقابل يعني الاعتراف بالآخر، فإذا قلت إن فلانا غير متزوج فهذت يعني الاعتراف بأنه أعزب.

التضاد المتدرج: ويمكن أن يقع بين نهايتين لمعيار متدرج أو بين أزواج من المتضادات الداخلية، وإنكار أحد عضوي التقابل لا يعني الاعتراف بالعضو الآخر، بمعنى أن شيئا قد لا ينطبق عليه أحدهما، إذ بينهما وسط، فقولنا: الحساء ليس ساخنا لا يعني الاعتراف بأنه بارد، ويمكن وضع التضاد المتدرج على مقياس متدرج يشمل إلى جانب التضاد المتطرف أزواجا من التضادات الداخلية، فمثلا التضاد بين:«الجو حار» و «الجو بارد» يمكن أن يوضع بينه في منطقة وسط عبارات مثل: «الجو دافئ»«الجو مائل للبرودة» اللتين تمثلان تضادا داخليا.[14]

وهناك نوع آخر من التضاد اسمه العكس؛ وهو علاقة بين أزواج من الكلمات مثل«باع- اشترى»«زوج- زوجة» فلو قلنا: إن محمد باع منزلا لعلي فيعني هذا أن عليا اشترى منزلا من محمد، ولو قلنا: محمد زوج فاطمة، فهذا يعني أن فاطمة زوجة محمد، ولو قلنا: محمد والد علي فإن هذا يعني أن عليا ولد محمد… وهكذا، ويطلق المناطقة على هذه العلاقة اسم التضايف، والمتضايفان عندهم هما اللذان لا يتصور أحدهما ولا يوجد بدون الآخر.

التضاد الاتجاهي «directional opposition» ومثاله العلاقة بين كلمات مثل: «أعلى- أسفل» «يصل- يغادر»«يأتي- يذهب» فكلها يجمعها حركة في أحد اتجاهين متضادين بالنسبة لمكان ما، وإن كان الأول يمثل حركة في اتجاه رأسي، والآخران يمثلان حركة في اتجاه أفقي.[15]

أما في التضام فنجد علاقات: التكامل والتقارب، والأسماء العامة، والكل/الجزء، الجزء/ الجزء، العام/الخاص، إلا أن الحصر الدقيق للعلاقات القائمة بين الكلمات داخل نص ما عن طريق التضام أمر صعب يحتاج إلى دراسة شاملة مدققة، أي إلى وصف دلالي عام للغة الإنجليزية،وأن مصطلح التضام هو مصطلح تغطية فحسب للاتساق الذي ينتج عن توارد العناصر المعجمية التي يرتبط أحدها بالآخر بشكل نمطي بطريقة من الطرق، لأنها تميل إلى الظهور في محيطات متماثلة.[16]

فالتضام إذن هو شكل من أشكال الاتساق المعجمي، وهو ما سنقوم ببيانه في هذا المقال وكيف ساهم بشكل واضح في اتساق سورة «آل عمران»، وذلك عن طريق ورود مجموعة من الألفاظ المتضادة، التي تشكل آصرة تركيبية نصية ممتدة، بوضع شبكة مفصلة تمكننا من تكوين نظرة شاملة عن معجم هذا النص القرآني وعلى الخصوص علاقاته؛ بذكر مواطن التضام فيه، من خلال جدول توضيحي كالآتي:

الآية

التضام

نوع العلاقة

«اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم »[آل عمران:2]

الحي- القيوم

علاقة تلازم

 

«وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل»[آل عمران:3]

التوراة- الإنجيل

علاقة تلازم

«إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء»[آل عمران:5]

الأرض- السماء

تضاد حاد

«هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم»[آل عمران:6]

الأرحام- الناس

علاقة الجزء بالكل

«هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ»[آل عمران:7]

محكمات- متشابهات

تضاد حاد

«هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ»[آل عمران:7]

آيات-الكتاب

علاقة الجزء بالكل

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار»[آل عمران:10]

أموالكم- أولادكم

علاقة الجزء بالجزء

«قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَار»[آل عمران:13]

رأي- العين

علاقة تلازم

«زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب »[آل عمران:14]

الشهوات«البنين- النساء- القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، الخيل، الأنعام، الحرث»

علاقة الكل بالجزء

«إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَاب»[آل عمران:19]

الإسلام- دينا

علاقة ترادف

«إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم»[آل عمران:21]

عذاب- أليم

علاقة تلازم

«أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِين »[آل عمران:22]

الدنيا- الآخرة

تضاد حاد

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُون »[آل عمران:23]

توليتم- معرضون

علاقة ترادف

«قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير»[آل عمران:26]

تؤتي- تنزع

تعز- تذل

تضاد حاد

 

«تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب »[آل عمران:27]

الليل- النهار

الحي- الميت

تضاد حاد

«لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِير»[آل عمران:28]

المؤمنون- الكافرون

تضاد حاد

«قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير»[آل عمران:29]

تخفوا- تبدوه

تضاد حاد

«يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد »[آل عمران:30]

خير- سوء

تضاد حاد

«قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم»[آل عمران:31]

غفور- رحيم

علاقة تلازم

«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم»[آل عمران:34]

سميع- عليم

علاقة تلازم

«إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم »[آل عمران:35]

امرأة عمران- بطني

الجزء بالكل

«فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم »[آل عمران:36]

الذكر- الأنثى

تضاد حاد

«يامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين»[آل عمران:43]

ركع- سجد

علاقة تلازم

«إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يامَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِين »[آل عمران:45]

الدنيا- الآخرة

تضاد حاد

«وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِين »[آل عمران:46]

المهد- كهلا

تضاد حاد

«وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين»[آل عمران:49]

 

الأكمه- الأبرص

علاقة الجزء بالكل

«وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُون»[آل عمران:50]

أحل- حرم

تضاد حاد

«إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم»[آل عمران:51]

صراط – مستقيم

علاقة تلازم

«إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون »[آل عمران:59]

آدم- تراب

علاقة تلازم

«فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِين »[آل عمران:61]

أبناءنا- نساءنا- أنفسنا

علاقة الجزء بالجزء

«قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون »[آل عمران:64]

بعضنا- بعضا

علاقة الجزء بالجزء

«ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون »[آل عمران:71]

الحق- الباطل

تضاد حاد

«وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون »[آل عمران:72]

آمنوا- كفروا

تضاد حاد

«وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون »[آل عمران:75]

يؤده- لا يؤده

تضاد السلب والإيجاب

لقد تجلت في هذه الآيات القرآنية صور ترابطية معجمية، إذ اتسقت جملها بهذه العلاقة النصية في أكثر من موضع، وبأكثر من صورة من صورها، فكان للتضاد بدرجاته المتعددة دور في سبك مواضع من هذه الآيات«وعلى هذه القاعدة ترى القرآن يعمد تارة إلى الأضداد يجاور بينها، فيخرج بذلك محاسنها ومساويها في أجلى مظاهرها، ويعمد تارة أخرى إلى الأمور المختلفة في أنفسها من غير تضاد فيجعلها تتعاون في أحكامها بسوق بعضها إلى بعض مساق التنظير أو التفريع، أو الاستشهاد أو الاستنباط، أو التكميل أو الاحتراس» [17] حيث ازدادت اتساقا بفضل هذه الألفاظ «الدنيا- الآخرة»«تؤتي- تنزع»«تعز- تذل»« الليل- النهار»« الحي- الميت»«المؤمنون- الكافرون»«خير- سوء»«الذكر- الأنثى»«الحق- الباطل»وهذا التقابل الدلالي بين كل لفظتين بصورة التضاد الحاد حقق علاقة ترابطية بين جملتيه، مثلا في قوله تعالى««فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم »[آل عمران:36]» فوجود لفظة «الذكر» بما تؤديه من معنى معجمي هو ما استدعى ارتباطه بنقيضه«الأنثى» في المعنى من النص نفسه لبيان مفصل من مفاصل هذا الحكم الشرعي، والتضاد كلما كان حادا «غير متدرج» كان أكثر قدرة على الربط النصي[18] فجملة «وليس الذكر » تكملة للاعتراض  المبدوء بقوله تعالى «والله أعلم بما وضعت»والمعنى؛ وليس الذكر الذي رغبت فيه بمساوٍ للأنثى التي أعطيتها، لو كانت تعلم علو شأن هاته الأنثى، وجعلوا نفي المشابهة على بابه، ونفي المشابهة بين الذكر والأنثى يقصد به معنى التفصيل في مثل هذا المقام، ولذلك لا يتوخون أن يكون المشبه في مثله أضعف من المشبه به؛ إذ لم يبق للتشبيه أثر، ولذلك قيل هنا «وليس الذكر كالأنثى»، ولو قيل: ليست الأنثى كالذكر لفهم المقصود،[19] وفي هذا قال الزمخشري  في كشافه:«فإن قلت: فما معنى قوله «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى»؟ قلت: هو بيان لما في قوله:«وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ» من التعظيم للموضوع والرفع منه، ومعناه: وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لها، واللام فيهما للعهد، فإن قلت: علام عطف قوله وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ؟ قلت: هو عطف على« أني وضعتها أنثى»، وما بينهما جملتان معترضتان، كقوله تعالى: وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. فإن قلت: فلم ذكرت تسميتها مريم لربها؟ قلت: لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة ، فأرادت بذلك التقرب والطلب إليه أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقاً لاسمها، وأن يصدق فيها ظنها بها. [20]

وبوجود هذا التلازم بين اللفظ ونقيضه في هذه الآية كونت صورة ترابطية، إذ أن هذا الحكم الشرعي لم تستكمل جوانبه إلا بوجود طرفي هذه العلاقة المتضادة، فكان هذا العنصر اللازم  للطرف الآخر هو صورة من صور بناء النص، فالعلاقة الاتساقية هنا تتضح بين لفظتي«الذكر والأنثى» المترابطتين بعلاقة التضاد الحاد في الآية القرآنية، ولا يخفى أثر هذين الزوجين في سبك النص، فالآية القرآنية هذه بصدد بيان الطقوس الدينية والأعراف الاجتماعية التي تقضي أن تكون خدمة المعبد للغلمان« أنهم كانوا ينذرون هذا النذر، فإذا بلغ الغلام خير بين أن يفعل وبين أن لا يفعل،«مُحَرَّراً» مخلصاً للعبادة، وما كان التحرير إلا للغلمان » [21] لذلك نجد الخطاب القرآني في هذه الآية تخللته هذه الألفاظ المتضادة، فذكر أحد طرفي هذه العلاقة في هذا السياق هو ما اقتضى استدعاء الطرف الثاني منها،إذ كانت كل منها لبنة من لبنات بناء هذا النص بنسج محكم وتعالق عال.

وفي قوله تعالى:«قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير»[آل عمران:26] تعززت سمة التماسك النصي في هذه الآية بالعلاقة التقابلية بين لفظتي«تؤتي- تنزع» «تعز- تذل» إذ اتسقت هاتان اللفظتان بهذه الصورة التخالفية من التضاد، وتجلى بهما واضحا هذا الجانب الترابطي، فالصفة الثانية مرتبطة ومتعالقة مع الأولى دلاليا، وبهذا العنصر الدلالي المتخالف تكونت العلاقة التماسكية هذه، ولهذا تصنع مثل هذه العلاقات تماسكا نصيا بدلالاتها المتناقضة على مبدأ والضد يظهر حسنه الضد  [22] وفي قوله تعالى: «قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير»[آل عمران:29]  وقد تنوعت صور الترابط بالتضاد في هذا النص القرآني، إذ لم يقتصر مجيئه بالصيغة الاسمية، بل جاء بالصيغة الفعلية من خلال تضاد الفعلين«تخفوا- تبدوه» فاشتمال السياق على هذين المعنين المتضادين بالصورة التعاكسية يعد صورة ترابطية معجمية، ولكون النص القرآني في موضع بيان الانتقال «من التحذير المجمل إلى ضرب من ضروب تفصيله، وهو إشعار لمحذر باطلاع الله على ما يخفونه من الأمر، [23] لذلك استدعى السياق مجيء مثل هذه العلاقة التقابلية، للوقوف على جزئيات هذا الحكم، التي نتج عنها هذه الصورة الترابطية، فاشتمال السياق القرآني على المعنى الأول لفعل «الخفاء» قد تطلب الإتيان بالوحدة المعجمية الثانية بدلالتها على «الظهور» لإتمام معنى هذا الحكم الشرعي، وبهذا يظهر لنا عنصر التلاحم والتماسك بين أركان النص ومفاصله، حيث كان لمجيء هذه العناصر المتضامة أثر في تعزيز سبكها وإحكامها وتراصها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] لسان العرب، جمال الدين ابن منظور الأنصاري، الناشر: دار صادر- بيروت، لطبعة: الثالثة- 1414 هـ، 12/357.

[2] مدخل إلى علم لغة النص، روبرت ديبوغراند، ولفغانغ دريسلر، إلهام أبو غزالة، علي خليل حمد، مطبعة دار الكاتب، ص:11.

[3 ] دلائل الإعجاز،المحقق: محمود محمد شاكر أبو فهر،الناشر: مطبعة المدني بالقاهرة – دار المدني بجدة، الطبعة: الثالثة 1413هـ – 1992م، ص:44.

[4] لسانيات النص، محمد خطابي، ص: 25 .

[5] مقدمة في علمي التخاطب والدلالة، محمد محمد يونس علي، ص: 30.

[6] البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية، جمال عبد الحميد، ص:107.

[7] علم الدلالة، أحمد مختار عمر، ص:98.

[8] المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدين السيوطي، المحقق: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418هـ 1998م، 1/ 316.

 [9] علم الدلالة، ص:98.

[10] نفسه، ص:99-100.

[11] نفسه، ص: 101.

[12] لسانيات النص، محمد خطابي، ص: 35.

[13] علم الدلالة : 102.

 [14]نفسه، ص: 102-103.

[15] نفسه، ص: 102-103.

[16] لسانيات النص، محمد خطابي، ص:239.

[17] النبأ العظيم، محمد بن عبد الله دراز، اعتنى به : أحمد مصطفى فضلية، قدم له : أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعني، دار القلم للنشر والتوزيع، طبعة مزيدة ومحققة 1426هـ- 2005م، ص: 194.

[18] نحو النص اتجاه جديد في الدرس النحوي، أحمد عفيفي،ص:113.

[19] التحرير والتنوير، المجلد الثاني، دار سحنون للنشر والتوزيع، ص:233-234.

[20] الكشاف، الزمخشري 1/356.

[21]نفسه، 1/355.

[22] نحو النص اتجاه جديد في الدرس النحوي،أحمد عفيفي، ص: 114.

[23] التحرير والتنوير، المجلد الثاني، ص: 222.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق