مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

ليلة النصف من شعبان: مزاياها، ومسمياتها

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

إنا على أبواب حلول ليلة عظيمة من ليالي شهر شعبان، وهي ليلة النصف من هذا الشهر الفضيل، هي ليلة الخامس عشر من هذا الشهر، وهي الليلة التي تسبق هذا اليوم، وتبدأ مع مغرب يوم الرابع عشر، وتنتهي مع فجر يوم الخامس عشر.

وفي هذا الصدد فسأتناول هذا الموضوع في خمسة محاور: 1- مزايا ليلة النصف من شعبان، 2- مسميات النصف من شعبان، 3- خاتمة.

أولا: مزايا ليلة النصف من شعبان:

وردت في فضائل ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث، منها الحسن والضعيف، فيشد ويقوي بعضها بعضا، وهي بمجموعها يدل على أن لها أصلا، وحجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء[1].

هذا وقد تحدث ساداتنا العلماء، وسردوا في ليلة النصف من شعبان أقوالا تجلي مكانتها وتبرز مزاياها، استنباطا من الأحاديث النبوية الشريفة:

فقد قال الإمام الشافعي (المتوفى سنة: 204هـ) أنه قال: “بلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال في: ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان “[2].

وقال الإمام عبد الله ابن الإمام أحمد (المتوفى سنة: 290هـ) : “حدثني أبو معمر، نا عباد بن العوام، قال: قدم علينا شريك فسألناه عن الحديث، «إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان» قلنا: إن قوما ينكرون هذه الأحاديث، قال: فما يقولون؟ قلنا: يطعنون فيها، فقال: إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن وبأن الصلوات خمس وبحج البيت وبصوم رمضان فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث “[3].

ونقل الحافظ الخلال (المتوفى سنة: 439هـ) بسنده إلى خالد بن معدان، قال: “خمس ليال في السنة، من واظب عليهن رجاء ثوابهن وتصديقا بوعدهن، أدخله الله الجنة: أول ليلة من رجب، يقوم ليلها ويصوم نهارها، وليلة النصف من شعبان يقوم ليلها ويصوم نهارها، وليلة الفطر يقوم ليلها ويصوم نهارها، وليلة الأضحى يقوم ليلها ويصوم نهارها، وليلة عاشوراء يقوم ليلها ويصوم نهارها”[4].

ونقل الحافظ البغدادي (المتوفى سنة: 463هـ) بسنده إلى عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عدي بن أرطاة: “عليك بأربع ليال في السنة، فإن الله يفرغ فيهن الرحمة: أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة النحر”[5].

وقال الإمام ابن تيمية (المتوفى سنة: 728هـ): “ليلة النصف من شعبان، فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة. ومن العلماء: من السلف من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف، من أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها … لكن الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم، من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن”[6].

وقال العلامة ابن الحاج (المتوفى سنة: 737هـ): “لها فضل عظيم وخير جسيم، وكان السلف رضي الله عنهم يعظمونها، ويشمرون لها قبل إتيانها، فما تأتيهم إلا وهم متأهبون للقائها، والقيام بحرمتها على ما قد علم من احترامهم للشعائر على ما تقدم ذكره، هذا هو التعظيم الشرعي لهذه الليلة “[7].

وقال العلامة ابن الصديق (المتوفى سنة: 1413هـ): “فضل ليلة النصف من شعبان ثابت في الجملة، وأن إنكاره على سبيل الإطلاق كما فعل ابن العربي المعافري غلط. أن إحياءها بأنواع العبادات مستحب، والإحياء لا يكون إلا بالليل، كما هو معلوم والأحاديث تفيد ذلك”[8].

ثانيا: مسميات ليلة النصف من شعبان:

لقد أطلق العلماء على ليلة النصف من شعبان عدة مسميات:

قال عكرمة (المتوفى سنة: 105هـ) فيما نقله العلامة الألوسي: “هي ليلة النصف من شعبان. وتسمى: ليلة الرحمة، والليلة المباركة، وليلة الصك، وليلة البراءة، ووجه تسميتها بالأخيرين أن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة والصك، كذلك أن الله عز وجل يكتب لعباده المؤمنين البراءة والصك في هذه الليلة. وظاهر كلامهم هنا أن البراءة وهي مصدر برىء براءة: إذا تخلص، تطلق على صك الأعمال، والديون، وما ضاهاها، وأنه ورد في الآثار ذلك، وهو مجاز مشهور، وصار بذلك كالمشترك، وفي المغرب: بريء من الدين والعيب براءة، ومنه البراءة لخط الإبراء والجمع براءات وبروات عامية”[9].

وقد أورد العلامة السنهوري (المتوفى سنة: 1015هـ) في أسماء ليلة النصف من شعبان[10]، عدة أسماء، وإن كان استشهاده ببعض الأحاديث فيها كلام، سيأتي الحديث عنها في قابل من الأيام إن شاء الله تعالى، ونص كلامه: “فمنها: الليلة المباركة، قال أبو العباس بن عطاء مباركة لمجاورة الملائكة ومقاربتهم،  ويروى أن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: (يسح الله الخير في أربع ليال سحاً). وذكر منها ليلة النصف من شعبان.

ومن أسمائها: ليلة القسمة والتقدير، لما روي عن عطاء بن يسار قال: (إذا كان ليلة النصف من شعبان، نسخ ملك الموت عليه الصلاة والسلام كل من يموت من شعبان إلى شعبان، وإن الرجل ليَظلم ويفجُر وينكح النسوان ويغرس الغِراس، وقد نسخ اسمه من الأحياء إلى الأموات، وما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل منها) …

ومن أسمائها: ليلة التكفير، لما ذكر السبكي  في تفسيره: من أنها تكفر ذنوب السنة، وليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع، وليلة القدر تكفر ذنوب العمر.

ومن أسمائها: ليلة الإجابة، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (خمس ليال لا يرد فيهن دعوة: ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب، و ليلة النصف من شعبان، وليلتا  العيدين).

ومن أسمائها: ليلة الحياة لما رواه إسحاق بن راهويه بسنده عن وهب  بن منبه قال: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان، لم يمت أحد بين المغرب والعشاء لاشتغال ملك الموت بقبض الصكاك من رب العالمين  عز وجل).

ومن أسمائها: ليلة عيد الملائكة،  لما ذكره  أبو عبد الله طاهر بن محمد بن أحمد الحدادي في كتابه: عيون المجالس فيما قيل: (إن للملائكة  في السماء ليلتي عيد، كما أن للمسلمين من البشر يومي عيد، فعيد الملائكة: ليلة البراءة؛ يعني: ليلة النصف من شعبان، وليلة القدر، وعيد المؤمنين: يوم الفطر، ويوم الأضحى).

ومن أسمائها: ليلة الشفاعة، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان جالسا في تلك الليلة، فنزل عليه جبريل، فقال: (إن الله تبارك وتعالى قد أعتق من النار نصف أمتك).

ومن أسمائها: ليلة البراءة، وليلة البركة، وليلة التعظيم، وليلة الغفران، وليلة العتق من النار“.

وفي الختام فينبغي للإنسان أن يستقبل هذه ليلة النصف من شعبان، بتوبة صادقة مخلصة ليفوز ببشارة قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير﴾[11]، كما ينبغي للمرء أن يغتنم فضله العظيم وخيره جسيم، ويشمر لها، فما تأتي إلا وهو متأهب للقائها، والقيام بحرمتها.

****************

هوامش المقال:

[1]) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 3 /161-162.

[2]) كتاب الأم 1/ 231.

[3]) السنة 1/ 273.

[4]) فضائل شهر رجب ص: 75.

[5]) فيما نقله ابن حجر في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير 1/ 161.

[6]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم 2/ 136-137.

[7]) المدخل 1/ 299.

[8]) حسن البيان في ليلة النصف من شعبان ص: 35.

[9]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم 2 /136-137.

[10]) الكشف والبيان عن فضائل ليلة النصف من شعبان ص: 4_10.

[11]) حسن البيان في ليلة النصف من شعبان ص: 36.

****************

جريدة المراجع

اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لأحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الدمشقي، تحقيق: ناصر عبد الكريم العقل، دار عالم الكتب، بيروت- لبنان، الطبعة السابعة: 1419/ 1999.

كتاب الأم لمحمد بن إدريس بن العباس الشافعي القرشي المكي، تصحيح: محمد زهري النجار، مكتبة الكليات الأزهرية، مصر، الطبعة الأولى: 1381 /1961.

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لمحمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، اعتناء: عصام الصبابطي، دار الحديث، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لأحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، تحقيق: حسن بن عباس بن قطب، مؤسسة قرطبة، مصر، الطبعة الأولى: 1416/ 1995.

حسن البيان في ليلة النصف من شعبان لعبد الله بن محمد بن الصديق الغماري، عالم الكتب، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية: 1405 /1985.

السنة لعبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: محمد بن سعيد بن سالم القحطاني، دار ابن القيم، الدمام- السعودية، الطبعة الأولى: 1406 /1986.

فضائل شهر رجب للحسن بن محمد بن الحسن بن علي الخَلَّال، تحقيق: عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الرحمن آل محمد، دار ابن حزم، الطبعة الأولى: 1416/ 1996.

الكشف والبيان عن فضل ليلة النصف من شعبان لسالم بن محمد بن محمد السنهوري المصري، اعتناء: صالح بن محمد بن صالح الجعفري، دار جوامع الكلم، القاهرة- مصر، (د-ت).

المدخل لمحمد بن محمد بن محمد ابن الحاج الفاسي، دار التراث، القاهرة- مصر، (د-ت)

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق