مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

فضائل الصوم

    للصوم[1] فوائد: رفع الدرجات، وتكفير الخطيئات، وكسر الشهوات، وتكثير الصدقات، وتوفير الطاعات، وشكر عالم الخفيات، والانزجار عن خواطر المعاصي والمخالفات.

    فأما رفع الدرجات، فلقوله ﷺ: «إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»[2]، ولقوله ﷺ حكاية عن ربه عز وجل: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، إني صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة، من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه»[3]، وعنه ﷺ أنه قال: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي»[4]، وقال ﷺ: «إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه. فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد»[5]، وفي رواية: إن في الجنة بابا يدعى الريان، يدعى منه الصائمون، من كان من الصائمين دخله لم يظمأ أبدا». وقال عليه السلام: «إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أُكل حتى يفرغوا»[6]

    أما تفتيح أبواب الجنة، فعبارة عن تكثير الطاعات الموجبة لفتح أبواب الجنان.

    وتغليق أبواب النار، عبارة عن قلة المعاصي الموجبة لإغلاق أبواب النيران.

    وتصفيد الشياطين، عبارة عن انقطاع وسوستهم عن الصائمين، لأنهم لا يطمعون في إجابتهم إلى المعاصي.

    وقوله عز وجل: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به» أضافه إليه إضافة تشريف، لأنه لا يدخله رياء لخفائه، ولأن الجوع والعطش لا يتقرب بهما إلى أحد من ملوك الأرض، ولا التقرب إلى الأصنام.

    وقوله: «أنا أجزي به»، وإن كان هو الجاري على جميع الطاعات، معناه: تعظيم جزائه، بأنه هو المتولي لإسدائه.

    وقوله: «الصيام جنة»، معناه: الصوم وقاية من عذاب الله.

    والرفث: فاحش الكلام.

    والسخب: الخصام. 

    قوله: «فليقل: إني صائم»، معناه: أنه يذكر نفسه بالصوم، ليكشف عن المشابهة والمقابلة.

    وأما قوله: « لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة، من ريح المسك»، ففي الكلام حذف، تقديره: ولثواب خلوف فم الصائم، أطيب عند الله من ريح المسك.

    وأما الفرحتان، فحدهما لتوفيقه لإكمال العبادة، والأخرى فلجزاء الله إذا أجزاه.

    وقوله: «يدع شهوته وطعامه من أجلي» معناه: أنه لما آثر طاعة ربه على طاعة نفسه، مع قوة الشهوة، وغلبة الهوى، أثابه الله بأن تولى جزاءه بنفسه، ومن آثر الله، آثره الله، فإنه ينزل العبد من نفسه حيث أنزله من نفسه، ولهذا من هم بمعصية، ثم تركها خوفا من الله، فإن الله يقول للحفظة: اكتبوها له حسنة، فإنه إنما ترك شهوته من جراي، أي من أجلي.

    وأما تخصيص دخولهم الجنة بباب الريان، فإنهم ميزوا بذلك الباب لتميز عبادتهم وشرفها.

    وأما صلاة الملائكة على الصائم إذا أكل عنده، فإن تركه الطعام، مع حضوره بين يديه، بالغ في قمعه نفسه، فاستوجب لذلك صلاتهم عليه، وصلاتهم عبارة عن دعائهم له بالرحمة والمغفرة.

    وأما تكفير الخطيئات، فذلك لقوله ﷺ «رمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر». وقوله عليه السلام: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». معناه: إيمانا بوجوبه، واحتسابا لأجره عند ربه.

    وأما كسر الشهوات، فإن الجوع والظمأ يكسران شهوة المعاصي. وكذلك صح عنه عليه السلام، أنه قال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج. فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء».

    و«الباءة»: هي النكاح.

    و«الوِجاء» هو رضُّ أنثيي الفحل. نَزَّلَ صلى الله عليه وسلم كسر الصوم للشهوة، منزلة رض الأنثيين في حسم الشهوة. وقد جاء في الحديث: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» فضيقوا مسالكه بالجوع.

    وأما تكثير الصدقات، فلأن الصائم إذا جاع تذكر ما عنده من الجوع، فحثه ذلك على إطعام الجائع:

    فإنما يرحم العشاق من عشقا

    وقد بلغنا أن سليمان أو يوسف عليهما السلام، لا يأكل حتى يأكل جميع المتعلقين به، فسئل عن ذلك، فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.

    وأما توفير الطاعات، فلأنه تذكر جوع أهل النار وظمأهم، فحثه ذلك على تكثير الطاعات، لينجو بها من النار.

    وأما شكر عالم الخفيات، إذا صام عرف نعمة الله عليه، في الشبع والري، فشكرها لذلك، فإن النعم لا يعرف مقدارها إلا بفقدها.

    وما الانزجار عن خواطر المعاصي والمخالفات، لأن النفس إذا شبعت طمحت إلى المعاصي، وتشوفت إلى المخالفات، وإذا جاعت وظمئت تشوفت إلى المطعومات والمشروبات، وطموح النفس إلى المناجاة واشتغالها بها خير من تشوفها إلى المعاصي والزلات، ولذلك قدم بعض السلف الصوم على سائر العبادات، فسئل عن ذلك، فقال: لأن يطلع الله على نفسي، وهي تنازعني إلى الطعام والشراب، أحب إلي من أن يطلع عليها وهي تنازعني إلى معصيته إذا شبعت.

    وللصوم فوائد كثيرة أخر، كصحة الأذهان، وسلامة الأبدان، وقد جاء في حديث: «صوموا تصحوا»[7]  

    ومن شرفه أنه: من أفطر صائما كان له مثل أجره، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أفطر صائما كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء»[8]، فمن فطر ستة وثلاثين صائما في كل سنة، فكأنما صام الدهر، ومن كثر بفطر الصائمين على هذه النية، كتب الله له صوم عصور ودهور.

    ومن شرفه أن من قامه إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»[9].

 

هوامـش

 


[1] العز بن عبد السلام: مقاصد الصوم، تحقيق: إياد خالد الطباع، دار الفكر، 10-18.  

[2] أخرجه البخاري (1899). ومسلم (1709).

[3] أخرجه البخاري (1904). ومسلم (1151). 

[4] أخرجه مسلم (1151). 

[5] أخرجه البخاري (1896). ومسلم (1152). 

[6] أخرجه أحمد في المسند، 365/6. 439. والطيالسي، في مسنده (1666). 

[7] أخرجه ابن السني، وأبو نعيم، وكلاهما في الطب النبوي، والطبراني في المعجم الأوسط. 

[8] أخرجه أحمد في المسند، 114/4. والترمذي، (807)، وابن ماجه (1746). 

[9] أخرجه البخاري (1901). و مسلم (759)

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق