مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةشذور

عقيدة الشيخ أبي مدين الغوث ت.594هـ

 

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم.
يقول محقق كتاب” أنس الفقير وعز الحقير”(1) لأبي العباس أحمد بن الحسين القسنطيني الشهير بابن قنفذ (ت810هـ): ( كان الشيخ أبو مدين رضي الله عنه على عقيدة السلف أهل السنة والجماعة، المبينة على هدى الكتاب والسنة  التي لا يزيغ عنها إلا هالك. وقد سجلها بقلمه في غاية من الحسن والبراعة…)(2).
ويضيف قائلا: (وقد نشرت مصحوبة بترجمتها إلى الإنجليزية ضمن “الأعمال الشعرية لأبي مدين”(3) وهذا نص العقيدة:
[الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَنَزَّهَ عَنِ الحَدِّ وَالأَيْنِ وَالكَيْفِ وَالزَّمَانِ وَالمَكَانِ، المُتَكَلِّمِ بِكَلاَمٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ؛ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، قَائِمٍ بِذَاتِهِ، لاَ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ وَلاَ عَائِدٍ إِلَيْهِ، لاَ يَحُلُّ فِي المُحْدَثَاتِ، وَلاَ يُجَانِسُ المَخْلُوقَاتِ، وَلاَ يُوصَفُ بِالحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ، تَنَزَّهَتْ صِفَاتُ رَبِّنَا عَنِ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نُوَحِّدُكَ وَلاَ نَحُدُّكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَلاَ نُكَيِّفُكَ، وَنَعْبُدُكَ وَلاَ نُشَبِّهُكَ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِخَلْقِكَ لَمْ يَعْلَمِ الخَالِقَ مِنَ المَخْلُوقِ، ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  اللَّهُ الصَّمَدُ  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ  وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ))[الإخلاص:١–٤]. صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ الَّذِي تَقَدَّسَتْ عَنِ سِمَةِ الحُدُوثِ ذَاتُهُ، وَتَنَزَّهَتْ عَنِ التَّشْبِيهِ بِصِفَاتِ الجُثَثِ صِفَاتُهُ، وَدَلَّتْ عَلَى وُجُودِهِ مُحْدَثَاتُهُ، وَشَهِدَتْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ آيَاتُهُ.
الأَوَّلُ الَّذِي لاَ بِدَايَةَ لِأَوَّلِيَّتِهِ، الآخِرُ الَّذِي لاَ نِهَايَةَ لِسَرْمَدِيَّتِهِ، الظَّاهِرُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، البَاطِنُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَبِيهٌ، الحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَلاَ يَفْنَى، القَادِرُ الَّذِي لاَ يَعْجُزُ وَلاَ يَعْيَى، المُرِيدُ الَّذِي أَضَلَّ وَهَدَى وَأَفْقَرَ وَأَغْنَى، السَّمِيعُ الَّذِي يَسْمَعُ السِّرَّ وَأَخْفَى، البَصِيرُ الَّذِي يُبْصِرُ دَبِيبَ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا، العَالِمُ الَّذِي لاَ يَضِلُّ وَلاَ يَنْسَى، المُتَكَلِّمُ الَّذِي لاَ يُشْبِهُ كَلاَمُهُ كَلاَمَ مُوسَى، كَلَّمَ مُوسَى بِكَلاَمِهِ القَدِيمِ المُنَزَّهِ عَنِ التَّأْخِيرِ وَالتَّقْدِيمِ؛ لاَ بِصَوْتٍ يَقْرَعُ، وَلاَ نِدَاءٍ يُسْمَعُ، وَلاَ حُرُوفٍ تُرَجَّعُ، كُلُّ الحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ وَالنِّدَاءِ مُحْدَثَةٌ بِالنِّهَايَةِ وَالابْتِدَاءِ، جَلَّ رَبُّنَا وَعَلاَ وَتَبَارَكَ وَتَعَالَى.
لَهُ العَظَمَةُ وَالكِبْرِيَاءُ، وَلَهُ المُلْكُ وَالقُدْرَةُ وَالسَّنَاءُ، وَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى وَالصِّفَاتُ العُلَى، حَيَاتُهُ لَيْسَ لَهَا بِدَايَةٌ؛ فَالبِدَايَةُ بِالعَدَمِ مَسْبُوقَةٌ. قُدْرَتُهُ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ؛ فَالنِّهَايَةُ بِالتَّخْصِيصِ مَلْحُوقَةٌ. إِرَادَتُهُ لَيْسَتْ بِحَادِثَةٍ؛ فَالحَوَادِثُ بِالأَضْدَادِ مَطْرُوقَةٌ. سَمْعُهُ لَيْسَ بِجَارِحَةٍ؛ فَالجَارِحَةُ مَخْرُوقَةٌ. بَصَرُهُ لَيْسَ بِحَدَقَةٍ؛ فَالحَدَقَةُ مَشْقُوقَةٌ. عِلْمُهُ لَيْسَ بِكَسْبِيٍّ؛ فَالكَسْبُ بِالتَّأَمُّلِ وَالاسْتِدْلاَلِ يُعْلَمُ. وَلاَ بِضَرُورِيٍّ؛ فَالضَّرُورَةُ عَلَى الإِرَادَةِ وَالإِكْرَاهِ تَلْزَمُ. كَلاَمُهُ لَيْسَ بِصَوْتٍ؛ فَالأَصْوَاتُ تُوجَدُ وَتُعْدَمُ. وَلاَ بِحُرُوفٍ؛ فَالحُرُوفُ تُؤَخَّرُ وَتُقَدَّمُ.
جَلَّ رَبُّنَا عَنِ التَّشْبِيهِ بِخَلْقِهِ، وَكَلَّ خَلْقُهُ عَنِ القِيَامِ بِكُنْهِ حَقِّهِ، بَلْ هُوَ القَدِيمُ الأَزَلِيُّ الدَّائِمُ الأَبَدِيُّ، الَّذِي لَيْسَ لِذَاتِهِ قَدٌّ وَلاَ لِوَجْهِهِ خَدٌّ وَلاَ لِيَدِهِ زِنْدٌ وَلاَ لَهُ قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ.
لاَ بِجَوْهَرٍ؛ فَالجَوْهَرُ بِالتَّحَيُّزِ مَعْرُوفٌ، وَلاَ بِعَرَضٍ؛ فَالعَرَضُ بِاسْتِحَالَةِ البَقَاءِ مَوْصُوفٌ. وَلاَ بِجِسْمٍ فَالجِسْمُ بِالجِهَاتِ مَحْفُوفٌ. بَلْ هُوَ خَالِقُ الأَجْسَامِ وَالنُّفُوسِ، وَرَازِقُ أَهْلِ الجُودِ وَالبُؤْسِ، وَمُقَدِّرُ السُّعُودِ وَالنُّحُوسِ، وَمُدَبِّرُ الأَفْلاَكِ وَالشُّمُوسِ.
 هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ، عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى مِنْ غَيْرِ تَمَكُّنٍ وَلاَ جُلُوسٍ، لاَ العَرْشَ لَهُ مِنْ قَبِيلِ القَرَارِ، وَلاَ الاسْتِوَاءَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الاسْتِقْرَارِ. العَرْشُ لَهُ حَدٌّ وَمِقْدَارٌ، وَالرَّبُ لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، العَرْشُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ أَظْهَرَ فِيهِ بَعْضَ مَقْدُورَاتِهِ، العَرْشُ تُكَيِّفُهُ خَوَاطِرُ العُقُولِ وَتَصِفُهُ بِالعَرَضِ وَالطُّولِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ، وَالقَدِيمُ لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، كَيْفَ وَالعَرْشُ بِنَفْسِهِ هُوَ المَكَانُ، وَلَهُ جَوَانِبُ وَأَرْكَانُ، وَكَانَ اللهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مَكَانٌ وَلاَ عَرْشٌ وَلاَ زَمَانٌ؟! خَلَقَ المَكَانَ وَالعَرْشَ وَالزَّمَانَ، وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ.
لَيْسَ لَهُ تَحْتٌ فَيُقِلُّهُ، وَلاَ فَوْقٌ فَيُظِلُّهُ، وَلاَ خَلْفٌ فَيَسْنُدُهُ، وَلاَ جَوَانِبَ فَتَعْدِلُهُ، وَلاَ أَمَامَ فَيَحُدُّهُ، لَوْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ لَكَانَ مَحْمُولاً، وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ لَكَانَ مَحْصُورًا، وَلَوْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ لَكَانَ مَخْلُوقًا، جَلَّ رَبُّنَا عَنِ التَّحْدِيدِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّكْيِيفِ وَالتَّأْلِيفِ وَالتَّصْوِيرِ وَالشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى:١١]]/انتهى نص العقيدة.
الهوامش: 
[1] كتاب:”أنس الفقير وعز الحقير” في التعريف بالشيخ أبي مدين وأصحابه رضي الله عنهم، للعلامة المحدث أبي العباس أحمد بن الحسين القسنطيني الشهير بابن قنفذ (740-810هـ) – تحقيق: أبي سهل نجاح عوض صيام- تقديم: دكتور علي جمعة- دار المقطم للنشر والتوزيع/القاهرة-الطبعة الأولى/1422هـ/2002م.
[2] نفسه- ص: 15.
[2] نشر جمعية النصوص الإسلامية بكامبريدج- بريطانيا سنة 1996 ترجمة: فنست كورنيل.
إعداد الباحث: منتصر الخطيب

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم.

يقول محقق كتاب” أنس الفقير وعز الحقير”(1) لأبي العباس أحمد بن الحسين القسنطيني الشهير بابن قنفذ (ت810هـ): ( كان الشيخ أبو مدين رضي الله عنه على عقيدة السلف أهل السنة والجماعة، المبينة على هدى الكتاب والسنة  التي لا يزيغ عنها إلا هالك. وقد سجلها بقلمه في غاية من الحسن والبراعة…)(2).

ويضيف قائلا: (وقد نشرت مصحوبة بترجمتها إلى الإنجليزية ضمن “الأعمال الشعرية لأبي مدين”(3) وهذا نص العقيدة:

[الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَنَزَّهَ عَنِ الحَدِّ وَالأَيْنِ وَالكَيْفِ وَالزَّمَانِ وَالمَكَانِ، المُتَكَلِّمِ بِكَلاَمٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ؛ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، قَائِمٍ بِذَاتِهِ، لاَ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ وَلاَ عَائِدٍ إِلَيْهِ، لاَ يَحُلُّ فِي المُحْدَثَاتِ، وَلاَ يُجَانِسُ المَخْلُوقَاتِ، وَلاَ يُوصَفُ بِالحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ، تَنَزَّهَتْ صِفَاتُ رَبِّنَا عَنِ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نُوَحِّدُكَ وَلاَ نَحُدُّكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَلاَ نُكَيِّفُكَ، وَنَعْبُدُكَ وَلاَ نُشَبِّهُكَ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِخَلْقِكَ لَمْ يَعْلَمِ الخَالِقَ مِنَ المَخْلُوقِ، ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  اللَّهُ الصَّمَدُ  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ  وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ))[الإخلاص:١–٤]. صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ الَّذِي تَقَدَّسَتْ عَنِ سِمَةِ الحُدُوثِ ذَاتُهُ، وَتَنَزَّهَتْ عَنِ التَّشْبِيهِ بِصِفَاتِ الجُثَثِ صِفَاتُهُ، وَدَلَّتْ عَلَى وُجُودِهِ مُحْدَثَاتُهُ، وَشَهِدَتْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ آيَاتُهُ.

الأَوَّلُ الَّذِي لاَ بِدَايَةَ لِأَوَّلِيَّتِهِ، الآخِرُ الَّذِي لاَ نِهَايَةَ لِسَرْمَدِيَّتِهِ، الظَّاهِرُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، البَاطِنُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَبِيهٌ، الحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَلاَ يَفْنَى، القَادِرُ الَّذِي لاَ يَعْجُزُ وَلاَ يَعْيَى، المُرِيدُ الَّذِي أَضَلَّ وَهَدَى وَأَفْقَرَ وَأَغْنَى، السَّمِيعُ الَّذِي يَسْمَعُ السِّرَّ وَأَخْفَى، البَصِيرُ الَّذِي يُبْصِرُ دَبِيبَ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا، العَالِمُ الَّذِي لاَ يَضِلُّ وَلاَ يَنْسَى، المُتَكَلِّمُ الَّذِي لاَ يُشْبِهُ كَلاَمُهُ كَلاَمَ مُوسَى، كَلَّمَ مُوسَى بِكَلاَمِهِ القَدِيمِ المُنَزَّهِ عَنِ التَّأْخِيرِ وَالتَّقْدِيمِ؛ لاَ بِصَوْتٍ يَقْرَعُ، وَلاَ نِدَاءٍ يُسْمَعُ، وَلاَ حُرُوفٍ تُرَجَّعُ، كُلُّ الحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ وَالنِّدَاءِ مُحْدَثَةٌ بِالنِّهَايَةِ وَالابْتِدَاءِ، جَلَّ رَبُّنَا وَعَلاَ وَتَبَارَكَ وَتَعَالَى.

لَهُ العَظَمَةُ وَالكِبْرِيَاءُ، وَلَهُ المُلْكُ وَالقُدْرَةُ وَالسَّنَاءُ، وَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى وَالصِّفَاتُ العُلَى، حَيَاتُهُ لَيْسَ لَهَا بِدَايَةٌ؛ فَالبِدَايَةُ بِالعَدَمِ مَسْبُوقَةٌ. قُدْرَتُهُ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ؛ فَالنِّهَايَةُ بِالتَّخْصِيصِ مَلْحُوقَةٌ. إِرَادَتُهُ لَيْسَتْ بِحَادِثَةٍ؛ فَالحَوَادِثُ بِالأَضْدَادِ مَطْرُوقَةٌ. سَمْعُهُ لَيْسَ بِجَارِحَةٍ؛ فَالجَارِحَةُ مَخْرُوقَةٌ. بَصَرُهُ لَيْسَ بِحَدَقَةٍ؛ فَالحَدَقَةُ مَشْقُوقَةٌ. عِلْمُهُ لَيْسَ بِكَسْبِيٍّ؛ فَالكَسْبُ بِالتَّأَمُّلِ وَالاسْتِدْلاَلِ يُعْلَمُ. وَلاَ بِضَرُورِيٍّ؛ فَالضَّرُورَةُ عَلَى الإِرَادَةِ وَالإِكْرَاهِ تَلْزَمُ. كَلاَمُهُ لَيْسَ بِصَوْتٍ؛ فَالأَصْوَاتُ تُوجَدُ وَتُعْدَمُ. وَلاَ بِحُرُوفٍ؛ فَالحُرُوفُ تُؤَخَّرُ وَتُقَدَّمُ.

جَلَّ رَبُّنَا عَنِ التَّشْبِيهِ بِخَلْقِهِ، وَكَلَّ خَلْقُهُ عَنِ القِيَامِ بِكُنْهِ حَقِّهِ، بَلْ هُوَ القَدِيمُ الأَزَلِيُّ الدَّائِمُ الأَبَدِيُّ، الَّذِي لَيْسَ لِذَاتِهِ قَدٌّ وَلاَ لِوَجْهِهِ خَدٌّ وَلاَ لِيَدِهِ زِنْدٌ وَلاَ لَهُ قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ.

لاَ بِجَوْهَرٍ؛ فَالجَوْهَرُ بِالتَّحَيُّزِ مَعْرُوفٌ، وَلاَ بِعَرَضٍ؛ فَالعَرَضُ بِاسْتِحَالَةِ البَقَاءِ مَوْصُوفٌ. وَلاَ بِجِسْمٍ فَالجِسْمُ بِالجِهَاتِ مَحْفُوفٌ. بَلْ هُوَ خَالِقُ الأَجْسَامِ وَالنُّفُوسِ، وَرَازِقُ أَهْلِ الجُودِ وَالبُؤْسِ، وَمُقَدِّرُ السُّعُودِ وَالنُّحُوسِ، وَمُدَبِّرُ الأَفْلاَكِ وَالشُّمُوسِ.

 هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ، عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى مِنْ غَيْرِ تَمَكُّنٍ وَلاَ جُلُوسٍ، لاَ العَرْشَ لَهُ مِنْ قَبِيلِ القَرَارِ، وَلاَ الاسْتِوَاءَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الاسْتِقْرَارِ. العَرْشُ لَهُ حَدٌّ وَمِقْدَارٌ، وَالرَّبُ لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، العَرْشُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ أَظْهَرَ فِيهِ بَعْضَ مَقْدُورَاتِهِ، العَرْشُ تُكَيِّفُهُ خَوَاطِرُ العُقُولِ وَتَصِفُهُ بِالعَرَضِ وَالطُّولِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ، وَالقَدِيمُ لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، كَيْفَ وَالعَرْشُ بِنَفْسِهِ هُوَ المَكَانُ، وَلَهُ جَوَانِبُ وَأَرْكَانُ، وَكَانَ اللهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مَكَانٌ وَلاَ عَرْشٌ وَلاَ زَمَانٌ؟! خَلَقَ المَكَانَ وَالعَرْشَ وَالزَّمَانَ، وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ.

لَيْسَ لَهُ تَحْتٌ فَيُقِلُّهُ، وَلاَ فَوْقٌ فَيُظِلُّهُ، وَلاَ خَلْفٌ فَيَسْنُدُهُ، وَلاَ جَوَانِبَ فَتَعْدِلُهُ، وَلاَ أَمَامَ فَيَحُدُّهُ، لَوْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ لَكَانَ مَحْمُولاً، وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ لَكَانَ مَحْصُورًا، وَلَوْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ لَكَانَ مَخْلُوقًا، جَلَّ رَبُّنَا عَنِ التَّحْدِيدِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّكْيِيفِ وَالتَّأْلِيفِ وَالتَّصْوِيرِ وَالشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى:١١]]/انتهى نص العقيدة.

 

الهوامش: 

[1] كتاب:”أنس الفقير وعز الحقير” في التعريف بالشيخ أبي مدين وأصحابه رضي الله عنهم، للعلامة المحدث أبي العباس أحمد بن الحسين القسنطيني الشهير بابن قنفذ (740-810هـ) – تحقيق: أبي سهل نجاح عوض صيام- تقديم: دكتور علي جمعة- دار المقطم للنشر والتوزيع/القاهرة-الطبعة الأولى/1422هـ/2002م.

[2] نفسه- ص: 15.

[2] نشر جمعية النصوص الإسلامية بكامبريدج- بريطانيا سنة 1996 ترجمة: فنست كورنيل.

 

                                                                إعداد الباحث: منتصر الخطيب

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق