مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

شهادات علماء الأمة الإسلامية عن التصوف وأهله

مصطفى بوزغيبة                                                                                              مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة

 

هذه نبذ من الأقوال والشهادات عن التصوف والصوفية لبعض أكابر علماء الأمة الإسلامية، تسفر اللثام عن أصالة التصوف وامتداده وتجدره في الممارسة الإسلامية منذ نزول الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه علم من العلوم الإسلامية الهامة.

الإمام مالك: (ت179هـ)

يقول الإمام مالك: “من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق”.[1]

الإمام الشافعي (ت204هـ):

 ويقول الإمام الشافعي [2]

  فقيها وصوفيا فكن ليس واحد

                                     فإنّــي وحق الله إيّـــاك أنصـح

                   فذلك قـاس لم يذق قلبه تُقى

                                     وهذا جهول، كيف ذو الجهل يصلحُ؟!

فهذا الإمام  الشافعي يحرص على الاقتداء بالصوفية ويستفيد منهم ويغترف من معينهم، وكان يقول رحمه الله: “حُبب إليّ من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف”.[3]

يتأكد تعظيم واحترام الإمام الشافعي للصوفية من خلال القصة التالية: “مر طائفة من المتصوفة على أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه في صحن المسجد، فقال الشافعي رضي الله عنه: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما على وجه الأرض في هذه الساعة قوم أكرم على الله عز وجل منهم”. [4]

كما أنه – رحمه الله – استفاد كثيرا من الصوفية، وكان يقول: “صحبت الصوفية فلم استفد منهم سوى حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات قولهم: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وقولهم: العدم عصمة”. [5]

الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ):

 وأما الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله – فكان يُعظم الصوفية ويرفع من قدرهم؛ لأنهم أئمة هدى وصلاح وخير لهذه الأمة. فقد نقل العلامة محمد السفاريني الحنبلي، رحمه الله، عن إبراهيم بن عبد الله القلانسي، رحمه الله تعالى؛ أن الإمام أحمد، قال عن الصوفية: “لا أعلم أقواما أفضل منهم. قيل إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة”. [6]

وقد كان الإمام أحمد قبل ذلك يحذر ابنه عبد الله من صحبتهم فلما سبر مذهبهم، وعرف أحوالهم، ومنزلتهم أمره بملازمتهم والاقتداء بهم، وفيما يلي قصته مع ابنه: “كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله رحمه الله تعالى: “يا ولدي عليك بالحديث، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه، فلمــا صحــب أبـا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة”، [7] بل أكثر من هذا فالإمام أحمد يُعد في نظر الكثيرين، من كبار الصوفية، لأنه رحمه الله يعتبر من الأوائل الذين تكلموا بعلوم الصوفية كما صرح بذلك ابن تيمية في مجموع فتاويه بقوله: “وقد نُقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ، كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي سليمان الداراني، وغيرهما”. [8]

وهذا ما يفسر إدراج الصوفية الإمام أحمد ضمن تراجمهم وطبقاتهم مثل: “حلية الأولياء” لأبي نعيم، و”الطبقات الكبرى” للشعراني، و”الكواكب الدرية” للمناوي، و”التذكرة” لفريد الدين العطار…

وها هو ذا حجة الإِسلام الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى يتحدث في كتابه “المنقذ من الضلال” عن الصوفية وعن سلوكهم وطريقتهم بعد أن خبرها وخاض غمارها فيقول:

“علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. بل لو اجتمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئا من سيرهم، وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلا، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به”. [9]

الإمام العز بن عبد السلام (ت660هـ):

قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام: “قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى، وقعد غيرهم على الرسوم، ومما يدلك على ذلك، ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات، فإِنه فرع عن قربات الحق لهم، ورضاه عنهم، فلو كان العلم من غير عمل، يُرضي الحق تعالى كل الرضا، لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم، ولو لم يعملوا بعلمهم، هيهات هيهات” [10]

الإمام ابن تيمية (728هـ): 

تحدث أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى عن التصوف في مجموع فتاويه فقال: “وقد نُقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ، كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي سليمان الداراني، وغيرهما”. [11]

وقال: “فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر [الجيلاني]، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إِلى أن يموت، وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف، وهذا كثير في كلامهم”.[12]

الإمام تاج الدين ابن السبكي (771هـ):

وقال الشيخ تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى في كتابه: “معيد النعم ومبيد النقم”، متحدثا عن الصوفية: “حَيَّاهمُ الله وبيَّاهم، وجمعنا في الجنة نحن وإِياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم؛ لكثرة المُتلبِّسين بها، بحيث قال الشيخ أبو محمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم؛ لأنه لا حدَّ لهم يعرف. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا، المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة” [13]

ثم تحدث عن تعاريف التصوف إِلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته؛ الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويُستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنَّا بهم” [14]

الإمام الشاطبي (790هـ):

حيث عقد العزم على التأليف في التصوف ثم أعجلته المنية قبل تحقيق المراد، يقول رحمه الله: “وفي غرضي إن فسح الله في المدة وأعانني بفضله ويسر لي الأسباب أن ألخص في طريقة القوم أنموذجا يستدل به على صحتها وجريانها على الطريقة المثلى، وأنه إنما داخلتها المفاسد وتطرقت إليها البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح، وادعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي ولا فهم لمقاصد أهلها، وتقوَّلوا عليهم ما لم يقولوا به، حتى صارت في هذا الزمان الأخير كأنها شريعة أخرى غير ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، وأعظم من ذلك أنهم يتساهلون في اتباع السنة، ويرون اختراع العبادات طريقا للتعبد صحيحا، وطريقة القوم بريئة من هذا الخباط بحمد الله”. [15]

ويشيد رحمه الله بمذهب الصوفية بقوله: “وقد بنوا نحلتهم على اتباع السنة، وهم باتفاق أهل السنة، صفوة الله من الخليقة”. [16]

العلامة ابن خلدون (808هـ):

يقول ابن خلدون: “هذا العلم ـ يعني التصوف ـ من علوم الشريعة الحادثة في الملَّة؛ وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد في ما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق، والخلوة للعبادة، وكان ذلك عامَّاً في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة”. [17]

 

الهوامش:

[1] – حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإمام الزرقاني على متن العزية في الفقه المالكي 3/195، شرح عين العلم وزين الحلم للإمام مُلا علي القاري 1/33، نقلا عن كتاب حقائق عن التصوف، 361 ـ 362.

[2] – ديوان الإمام الشافعي، 42-43.

[3] – كشف الخفا ومزيل الإلتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للإمام العجلوني،1/341.

[4] – التصوف في تراث ابن تيمية، 39.

[5] – تأييد الحقيقة العلية، للسيوطي، 13.

[6] – غذاء اللباب شرح منظومة الآداب، 1/120، نقلا عن حقائق عن التصوف، 363.

[7] – تنوير القلوب، أمين الكردي، 434.

[8] – مجموعة الفتاوى، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني، 11/5.

[9] – المنقذ من الضلال، 378.

[10] – نور التحقيق في حجة أعمال الطريق، للشيخ حامد صقر، 101.

[11] – مجموعة الفتاوى، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني، 11/5.

[12] – مجموعة الفتاوى، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني،10/500.

[13] – معيد النعم ومبيد النقم، للإِمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي، 119.

[14] – معيد النعم ومبيد النقم، للإِمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي، 120.

[15] – الاعتصام، 1/90.

[16] – الموافقات، 4/239.

[17] – مقدمة ابن خلدون، 3/989.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق