كتاب الأموال للإمام أبي جعفر أحمد بن نصر الداودي المالكي (ت 402هـ)
قبل الشروع في الحديث على كتاب الأموال نقدم له بترجمة مقتضبة للإمام أبي جعفر الداودي.
ترجمة أبي جعفر أحمد بن نصر الداودي (402ﻫ)
هو أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي الأسدي
أصله من المسيلة، وقيل من بسكرة، وعاش بطرابلس، وبها أملى كتابه في شرح الموطأ،
ثم انتقل إلى تلمسان، وبقي بها إلى أن توفي سنة: اثنتين وأربعمائة (402ﻫ).
درس وحده، ولم يتفقه في أكثر علمه على إمام مشهور، وإنما وصل الى ما وصل بإدراكه، وكان فقيهاً فاضلاً متقناً، مؤلفاً مجيداً، له حظ من اللسان والحديث والنظر.
أخذ عنه أبو عبد الملك البوني، وأبو بكر ابن الشيخ أبي محمد ابن أبي زيد رحمه الله، وأبو علي ابن الوفاء وغيرهم.
وله مؤلفات منها: النامي في شرح الموطأ، والواعي في الفقه، والنصحية في شرح البخاري، وكتاب الأصول وغير ذلك، وكان من المجيدين للتأليف[1].
كتاب الأموال لأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي المالكي
محتوياته:
قسم أبو جعفر الداودي كتاب الأموال إلى أربعة أجزاء، فالجزء الأول: يشتمل على ديباجة المؤلف وعشرة فصول، وأغلب مباحثه تدور حول أموال الحرب والأمراء.
والجزء الثاني: يشتمل على أربعة فصول، ومسائلها تتوزع بين أموال الحرب، وأموال السلطات والحكام والجيش.
والجزء الثالث: يضم إحدى عشر فصلا تبحث مسائل الزكاة، ومسائل القتال وما يتعلق به.
والجزء الرابع: فيه ثلاثة فصول، وأغلب مباحثه تدور حول الأموال المكتسبة من طريق مذموم شرعا مثل التسول، والأموال المغتصبة.
ومن خلال ما سبق يتبين أن المؤلف لم يراع وحدة المباحث ولا تسلسلها، ولذلك غالبا ما يستطرد في مسائل كثيرة، أو يفصل بين المباحث المشتركة. وإن كان جل الكتاب هو في أموال الحرب وما يتعلق به.
ويمكن أن نجمل فصول الكتاب في أربعة محاور رئيسية يندرج فيها غيرها من المباحث والمسائل:
المحور الأول: أموال الحرب وما إليه
وهذا المحور يندرج تحته الحديث على كثير من متعلقات الحرب، مثل أحكام الفيء، والخمس، والسلب، ، وأحكام الأراضي المفتوحة، وأملاك أهلها، والخراج، والجزية، وأهل الحرب.
وفي هذا المحور أيضا يندرج حديثه على تجهيز الجيش، والإنفاق، وقسمة الغنائم، والغلول، وترتيب العطاء على الجند، وجعائلهم، وتمصير الأمصار.
ويندر فيه أيضا كلامه على الجهاد وأحكام القتال، والغارات، والمن، والفداء، والهدنة، والقتال في الحرم، ورهائن الحرب، والجواسيس، والهدنة، والجزية، وغزوات النبي، وأشكال من هذا الموضوع، وأكثر الكتاب يتمحور حول هذه الفروع التي لها ارتباط بالحرب والدولة.
المحور الثاني: الأموال المكتسبة
وفي هذا المحور يندرج حديثه في أحكام الملكية، والإقطاع، وإحياء الأراضي الموات، والآبار والكلأ، والماء، والنار، والحطب، والملح.
ثم كلامه عن غصب الأموال سواء من طرف الأمراء أو من غيرهم، والمال الحرام والمال الحلال، وأحكام الدين، والودائع، وأجرة الولاة والعمال وموظفي الدولة، وعمال الزكاة. وذكر الفقر والغنى وما يتعلق بهما من الأحكام، وما جاء فيهما من الآثار. وفي هذا الصدد كلامه حول المسألة أو التسول، والعمل...
المحور الثالث: أموال الحكام
تحدث في هذا المحور على كثير مما يتعلق بأموال السلطات العليا، ومنها: هدايا الأمراء، وأحكام العطاء، وزكاة الأرض الخراجية، ومما تكلم فيه أيضا استئثار الأمراء بأموال الشعب، واغتصاب أمواله، وفرض رسومات عليه، ونحو ذلك مما يتعلق بعلاقة أموال الشعب بأموال الحاكم، وأطعمة الخلفاء وولاتهم، وعمالهم.
المحور الرابع: الأموال العامة
وفيه فصل الحديث على الزكاة، وما يتعلق بها من الأحكام، والأصناف الثمانية، وأحكام زكاة الفطر.
والأموال المملوكة، والأموال المغتصبة من الناس أنفسهم، أو من الأمراء.
وفي كل ذلك يستدل على المسائل بالكتاب أو بالسنة أو بالآثار، مكثرا من إيرادها، ولطالما أورد سيرة الخليفة عمر بن الخطاب في أغلب هذه المجالات السابقة، للتنبيه بها إلى المنزع الأمثل في جميع ما يذكره، كما أورد من سير الخليفة أبي بكر وعثمان وعلي وغيره من الصحابة والتابعين كعمر بن عبد العزيز، في جميع هذه المواطن السابقة.
والإمام أبو جعفر لم يكن ناقلا وجامعا فحسب، وإنما كان له حضور قوي، وأثر جلي، فلذلك تراه يناقش المذاهب والأئمة، من المالكية وغيرهم. وأكثر ما يذكر القاضي إسماعيل والشافعي وأحمد وأبا حنيفة. فأحيانا يوافقهم، وأحيانا يرد عليهم، بما فيهم القاضي إسماعيل الذي له كتاب في الأموال، وكذلك أئمة المالكية.
والكتاب قيم في بابه، نقل عنه الأئمة الكبار في المذهب المالكي وغيره، وكان موضوع بحوث معاصرة من أجل تجلية فكرأبي جعفر الداودي الاقتصادي، والنظرية الاقتصادية الإسلامية.
مخطوط الكتاب:
يوجد الكتاب مخطوطا بالخزانة الوطنية عدد: 98 ق، وهو مبتور الآخر، في مجموع. وبهوامشه طرر عديدة، ويوجد في الأسكوريال: عدد 1165.
وقد طبع الكتاب بتحقيق ذ.رضى محمد شحادة ط. مركز إحياء التراث المغربي الرباط.
بقلم الباحث: عبد الكريم الهواوي
[1] مصادر الترجمة: ترتيب المدارك 1/497. الديباج: 1/21. تاريخ الإسلام للذهبي 9/41.