مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

قصيدة في الزيارة: لإبراهيم بن محمد بن علي التازي-866 هـ-تقديم وتحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين


 

الباحث عبد الفتاح مغفور*

وبعد؛

إن زيارة مقام النبوة من الأسباب الموصلة إلى حب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أهم القربات  إلى الله تعالى، وأربح المساعي، وأفضل الطلبات، وكذا  زيارة مجالس المشايخ والعلماء أرباب التقى،  وأصحاب المنزلة العالية،  والمكانة الرفيعة،  ورثة الأنبياء،  وحملة الشريعة، وروح الأمة  وحياتها .

وللزيارة آداب وأحكام خاصة،  وفوائد جمة، ومقاصد كبرى تتجلى في الثواب عليها في الدنيا والآخرة، وخير ما يمكن أن يحتسبه المرء في زيارة  النبي صلى الله عليه وسلم هو التقرب إلى الله تعالى وعبادته،  وإلى أهل العلم هو التعلم وطلب التفقه في الدين، وتحصيل الفهم وتقويم الفكر، والسؤال عن المسائل المشكلة والقضايا المشتبهة ونحو ذلك.

وقد حض العلامة إبراهيم التازي رحمه الله على الزيارة،  وعدَّد مجموعة من الفوائد والمقاصد  حول زيارة الأنبياء،  والعلماء،  والأولياء في قصيدته هذه المشهورة بالزيارة، وقد اعتمدت في ضبطها وإخراجها على نسخة جميلة مكتوبة بخط مغربي بالمكتبة الوطنية في مجموع تحت رقم: 697ج.

وقسمت الاشتغال على هذه القصيدة إلى قسمين: الأول: تعريف  موجز بالناظم، والثاني: ضبط القصيدة، والتعليق على بعض مفرداتها. 

أولا:  التعريف  بإبراهيم التازي: 

نسبه،  وكنيته،  ومولده،  ومكان ولادته:

هو إبراهيم بن محمد بن علي التازي اللنتي أبو إسحاق، وأصله من بني لَنت قبيلة من قبائل البربر  القاطنين بوطن تازا، وشُهِرَ بالتازي لولادته  ونشأته بها، وقراءة القرآن على أستاذها الشيخ الصالح المقرئ الزاهد الولي العارف  الشيخ أبي زكرياء يحيى الوازَعِي[1]

شيوخه:                      

 تتلمذ رحمه على كبار علماء زمانه، وأقطاب أوانه بالمغرب والمشرق نذكر منهم:

القاضي تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الحسني الفاسي الذي قرأ  عليه كثيرا من الحديث والرقائق بمكة وأجازه[2]، وبالمدينة أخذ عن إمام الأئمة أبي بكر القرشي[3]، وبتونس عن أبي عبد الله العبدوسي، وبتلمسان عن الحفيد ابن مرزوق وأجازاه معا[4]، ومحمد بن عمر الهواري جنيد زمانه[5].

تلامذته:  

أخذ عليه مجموعة من أئمة العلم والمعرفة  نذكر منهم:

التنسي الإمام المحدث الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الجليل التلمساني[6] والإمام السنوسي، وأخوه لأمه  سيدي علي التالوتي، وابن صعد،

 والإمام أحمد زروق[7]، وابن تازغدرت[8] وغيرهم.

مؤلفاته: خلف إبراهيم التازي رحمه الله قصائد  بديعة منها:

قصيدة نصيحة للمسلمين، حذر فيها من أشياء ورغب فيها في أشياء سماها بالنصح التام للخاص والعام أولها:

 إن شئت عيشا هنيئا واتباع هدى

 

فاسمع مقالي  وكن بالله معتضدا[9]

وله قصيدة أخرى أخرجها الشوق إلى بيت الله الحرام أولها:

ما حال من فارق ذاك الجمال

 

وذاق طعم الهجر بعد الوصال[10]

وله قصيدة أيضا  في الأذكار تقرأ في كل وقت من ليل أو نهار أولها:

مرادي من المولى  وغاية آمالي     دوام الرضى والعفو عن سوء أعمالي[11]

وقصيدة أخرى أخرجها الحب والهوى أولها:

أبت مهجتي  إلا الولوع بمن تهوى

 

فدع عنك لومي والنفوس وما تقوى[12]

وقصيدة أخرى في دم الدنيا وزخرفها أولها:

أما آن ارعواؤك عن شنار

 

كفى بالشيب زجرا عن عوار[13]

وله قصيدة أخرى  أيضا في ذم الدنيا أولها:

يا صاح من رزق النقى وقلى الدنا 

 

نال الكرامة  والسعادة والغنا[14]

وقصيدة أخرى في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أولها:

بإحسان ذي الطول أهل الكرم

 

له الحمد حمدا يوفي النعم[15]

وقصيدة أخرى في الحجيج أولها:

ألفت هواك على قدم


 

أسير إليك على القدم[16]

مكانته:

فالعلامة إبراهيم التازي أثنى عليه غير واحد من العلماء الذين تتلمذوا عليه أو الذين ترجموا له، ووصفوه بأوصاف حميدة نذكر منها:

قال عنه تلميذه ابن صعد: “كان سيدنا إبراهيم رحمه الله من أولياء الله الزاهدين، وعباده الناصحين المخلصين، إماما في علوم القرآن، مقدما في علوم اللسان، حافظا للحديث، بصيرا بالفقه وأصوله، من أهل المعرفة  التامة بأصول الدين، إماما من أئمة المسلمين، وقفت على كثير من تقاييده في الفقه،  والأصول، وعلوم الحديث  بخطه الرائق، وكان من أهل الحفظ  العظيم  معروفا بجودة النظر والفهم  الثاقب،  جامعا لمحاسن  العلماء،  متمتعا بآداب الأولياء لا نظير له في كمال العقل، ومتانة الحلم، والتمكن  في المعارف، وبلوغ الدرجة  العليا في محاسن  الأخلاق”[17]

ووصفه الإمام السخاوي بـقوله” كان صالحا، عالما، له قصائد بديعة”[18]

 وحلاه ابن مخلوف بـ “الإِمام شيخ الشيوخ، فريد العصر والأوان، الفقيه الأصولي، المحدّث المقرئ، العالم العامل، الولي الكامل، الشهير الذكر، الجليل القدر، الكثير الكرامات”[19].

ووصفه  ابن مريم التلمساني بـ ” الإمام  العالم  العلامة،  الناظم البليغ، الولي الورع، الزاهد الصالح، الناصح العارف، القطب، صاحب الكرمات، والأحوال البديعة العجيبة، والقصائد الرائقة الأنيقة”[20] 

وفاته: توفي  رحمه الله في شعبان سنة866هـ [21]  

ثانيا: ضبط القصيدة، والتعليق على بعض مفرداتها.

 نص المنظومة في الزيارة:

زيارة أربَابِ التقى مَرْهَم[22] يبري

 

ومفتاح أبوابِ الهِداية  والخَير

وتُحدِث في القلب الخلِّي إرادةً

 

وتشـرح صَدْرا أضاق من سعة الوزر

وتَنْصـر مظلوما  وتَرفع خاملا  

 

وتُكسب معدوما وتجبر ذا كسـر

وتَبْسُط مَقبوضا وتُضحِك باكيا

 

وتُرْفِدُ بالبَذْل الجزيل وبالأجر

عليك بها فالقوم باحوا بِسِـرِّها

 

وأوصوا بها يا صاح في السر والجهر

فكم خَلَّصت من لُجَّة الإثم فاتكا

 

فألقَتْه في بر الإِنابة[23]  والبِر

وكم من بعيد قربتْه بجذبة

 

ففاجأه الفتحُ المبين من البَرِّ

وكم من مُريد أظفَرتْه بمرشد

 

حكيم خبير بالبَلاء  وما يـسري

فألقَى عليه حُلة يَمَنِيَّة  

 

مُطرَّزة باليُمن والفتح والنَّـصر  

فَزُر وتأدب بعد تصحيح نِيَّة

 

تأدُّب مملوك مع المالك الُحر

ولا فرق في أحكامها بين سالك

 

مُرَبّ ومجذوب  وحي وذي قبر

وذي الزُّهد والعبَّاد والكُل مُنْعَم

 

عليهم ولكن  ليستِ الشمسُ  كالبدر

وزورة رُسل الله خير زيارة

 

وهم درجَاتٌ في المكانة والقدر

وأحْمَد أعلى العالمين  وخير من

 

ييممه  العافُون  في العـسر واليـسر

وأمته أصحابه  الغُر خيرهم

 

وأفضل أصحاب النبي أبو بكر

ويتلوه فارق أبو حفص الرضا

 

على رأي أهل السنة الشهب الزهر

وبالوقف قالوا في الهِزَبر أخي العلا

 

علي وعثمان الشهيد أبي عمرو

وقالوا لترتيب الخلافة فضلهم

 

وقد تم نظمي  في المزور وفي الزور

على أنبياء الله مني  ورسله

 

وخاتمهم أزكى سلام مدى الدهر

وقُرباه والصَّحب  الكِرام  وتابع

 

لهم في التقى  والبر والصبر والشكر

وقصيدة إبراهيم التازي رحمه الله  في زيارة الأنبياء، والأولياء، والمشايخ،  والعلماء، أرباب التقى، ضمنها مجموعة من الآداب والأحكام المتعلقة بالزيارة، وعدد فوائدها ومقاصدها، فقد شبه زيارة أصحاب التقوى  والورع بالدواء الذي يضمد الجروح ويبريها، ويغذي الأرواح، وجعلها مفتاح الخير والهداية والسعادة، وأنها تحدث وتنشئ  في القلوب  الخالية الإرادة والعزيمة، وتشرح الصدور التي  ضاقت من الآثام والأثقال والذنوب، وتنصر المظلوم وترفع الخامل الخفي الغامض في الناس الذي لم يشتهر ولا يؤبه له،  وتكسب المعدوم، وتجبر المكسور، وتخلص من الإثم الفظيع الفاتك بصاحبه، وتَبسط المقبوض وتُضحك الباكي…. وجعلها من الأمور الواجبة على المؤمن؛ إذ أوصى  بها القوم في السر والعلانية، وجعل زيارة الرسل عليهم صلوات الله وسلامه خير زورة  وأفضلها.

 ***********************

جريدة المصادر والمراجع:

1-البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الملقب بابن مريم التلمساني. طبع في المطبعة الثعالبية  بالجزائر. سنة 1908م

2-تهذيب اللغة لمحمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبي منصور (ت 370هـ).تحقيق محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1 2001م.

3-شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن مخلوف (ت 1360هـ)

4-الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للحافظ السخاوي (ت 902هـ) منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت. علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1424 هـ ـ2003م.

5-فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لعبد الحي الكتاني (ت 1382هـ)تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ط2، 1982

6-النجم الثاقب في أولياء الله من مفاخر المناقب لابن صعد، مخ المكتبة الوطنية بالرباط 1292ك.

*************************************************************

هوامش المقال:

***************** 

 

[1]  النجم الثاقب في أولياء الله من مفاخر المناقب لابن صعد (ص: 9ب ـ 10 أ)(مخ الوطنية بالرباط 1292ك) .

  [2]  البستان لابن مريم (ص:58 ).

[3]  البستان لابن مريم (ص:58 ).

[4]  شجرة النور (1 /380)، البستان لابن مريم (ص:58 ).

[5]  البستان لابن مريم (ص:58 ).

[6]  فهرس الفهارس (1 /267)، شجرة النور (1 /380)

[7]  شجرة النور (1 /380)

[8]  شجرة النور (1 /402)

[9]  البستان لابن مريم (ص:60 ).

[10]  البستان لابن مريم (ص:60 ).

[11]  البستان لابن مريم (ص:60 ).

[12]  البستان لابن مريم (ص:61 ).

[13]  البستان لابن مريم (ص:61 ).

[14]  البستان لابن مريم (ص:62 ).

[15]  البستان لابن مريم (ص:62 ).

[16]  البستان لابن مريم (ص:62 ).

[17]  النجم الثاقب في أولياء الله من مفاخر المناقب لابن صعد (ص: 9ب ـ 10 أ)(مخ الوطنية بالرباط 1292ك) .

[18]  الضوء اللامع لأهل القرن التاسع(1 /187)

[19]  شجرة النور (1 /380)

[20]  البستان لابن مريم (ص:58 ).

[21]  شجرة النور (1 /380)، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع(1 /187).

[22]  المرْهمُ: هو ألين ما يكون من دواء، الذِي يُضمَّد بِهِ الجرح. تهذيب اللغة(6 /283)

[23]  أي: الإجابة والرجوع إلى الطاعة.

* راجع المقال: الباحث محمد إليولو

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ولما حج لبس الخرقة من شرف الدين الداعي. ولبسها من الشيخ صالح بن محمد الزواوي بسنده إلى أبى مدين، وأخذ عنه حديث المشابكة وتبرك بالشيخ الولي الصالح أبي عبد الله محمد بن عمر الهواري،
    عبد الله محمد بن عمر الهواري،
    عبد الله محمد بن عمر الهواري،
    عبد الله محمد بن عمر الهواري،

    التازي دفين القلعة غليزان خليفة سيدي الهواري رحمهما الله ورضي الله عنهما :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق