قصة سَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نُفَيْل، وإجابة دعاء والده له. الحلقة الأولى

إعداد وتقديم: ذ/ نافع الخياطي.
هو سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نُفَيْل العَدَوِي... يكنى: أبا الأعور، وقيل: أبو ثور، مهاجري، أولي([1]).
قال ابن سيِّد النَّاس: قَدِمَ مِنَ الشَّام بَعْدَما قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسَلَّم مِنْ بَدْرٍ فكلَّمه فضرب له بسهمه وَأَجْرِه. وهو أحد العَشَرَةِ المشهود لهم بالجنَّة. كان من السَّابقين إلى الإسلام. أسلم قَبْلَ دخول رسول الله صلى الله عليه وسَلَّم دار الأَرْقَم، وَقَبْلَ إسلام عمر. وكان إسلامُ عُمَر عِنْدَهُ في بَيْتِه، لأنه كان زوج أخته فاطمة. وهاجر وَشَهِدَ أُحُداً وَالمَشَاهِدَ بَعْدَهَا. قال الواقدي: تُوُفِّي بِالْعَقِيق فَحُمِلَ إلى المدينة وذلك سنة: خمسين، وقيل: أحد وخمسين، وقيل: سنة اثنتين، وعاش بضعاً وسبعين سنة. وزعم الهيثم بن عدي أنه مات بالكوفة، وَصَلَّى عليه المغيرة بن شعبة. قال: وعاش ثلاثاً وسبعين سنة.([2])
وحديث أسماء العشرة المبشرين بالجنة أخرجه جماعة عن عبد الرحمن بن عوف، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر في الجنة، وعُمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليٌّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزُّبير في الجنة، وعبد الرَّحمن بن عوف في الجنة، وسَعْد بن أبي وقَّاص في الجنة، وسَعِيدُ بن زيد في الجنَّة، وأبو عُبيدة بن الجرَّاح في الجنَّة".([3])
قصته:
قال زيد بن عمرو: وقفت على اليهوديَّة والنصرانية، فَأَعْرَضْتُ عنهما إذ لم أجد فيهما ما أطمئنُّ إليه، وجعلت أضرب في الآفاق بحْثاً عن مِلَّةِ إبراهيم حتى صِرْتُ إلى بلاد الشام، فذُكر لي راهبٌ عنده علمٌ من الكتاب، فأتيته فقصصت عليه أمري، فقال: أراك تُريد دينَ إبراهيم يا أخا مكَّة.
قلتُ: نعم، ذلك ما أبغي، فقال:
إنك تطلب ديناً لا يُوجد اليوم، ولكن الْحَقْ ببلدك فإنَّ الله يبعث من قومك من يُجدِّدُ دين إبراهيم، فإذا أدْركْتَهُ فالتزمه.
فقفل([4]) زيدٌ راجعاً إلى مكَّة يَحُثُّ الخُطى الْتِماساً للنبي الموعود.
ولمَّا كان في بعض طريقه بعَثَ الله نبيَّهُ محمَّدا بدين الهدى والحقّ؛ لكنَّ زيداً لم يُدْرِكْهُ إذْ خَرَجَتْ عليه جماعةٌ من الأعراب فقَتَلَتْهُ قبلَ أن يَبْلُغَ مكَّة، وتكتَحِلَ عَيْناهُ برؤْية رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وفيما كان زيدٌ يَلْفَظُ أنفاسهُ الأخيرة رفعَ بَصرَهُ إلى السَّماء وقال:
اللَّهم إن كنت حرمتني من هذا الخير فلا تَحْرِمْ منه ابْنِي "سَعِيداً".
وشاء الله سُبحانه أن يَسْتَجيب دَعْوَةَ زيد، فما إن قام الرَّسول عليه الصلاة والسلام يَدْعُو الناس إلى الإسلام حتى كان سعيدُ بنُ زيدٍ في طليعة مَن آمنوا بالله، وصدَّقوا رسالةَ نبيِّه.([5])
يتبع...
الدروس والعبر المستخلصة من هذه القصة:
1- حُبُّ اطِّلاع الأب "زيد" على ما في الديانتين: اليهودية، والنصرانية، ثم إعراضه عنهما؛ حيث لم تطمئنَّ نفسه لِمَا فيهما مِنَ التَّحْرِيفِ وَالمُغَالَاةِ التي تُنَاقِضُ مُقتضى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَة...
2- وجوب الرِّحْلَةِ في طلب العلم، والبحث عن الحق والحقيقة عند من يُظَنُّ أنه من أهل الجِهَة والاختصاص.
3- حَيْرَةُ الناس وتخبُّطُهم في جميع المجالات قَبْلَ بُزُوغِ شمس البعثة المُحَمَّديَّةِ بأنوارها المتَلألئَةِ.
4- النصيحة الصادقة لا تصدر إلاَّ عن العقلاء الذين لا يحملون حقداً ولا عداوة لأحد مِنْ خَلْقِ الله.
5- الكتب السماوية كانت قد بَشَّرَتْ بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعيسى عليه السَّلام- مثلا- يقول – فيما حكى عنه القرآن الكريم: (وَإذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَاتِي مِنْ بَعْدِيَ اسْمُهُ أَحْمَد فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين).([6])
6- شَوْقُ زيد للنبيِّ، صلى الله عليه وسلم، ولرسالته الرَّبانية الخاتمة، جعله، وهو يَحْتَضِر، يَدْعُو لابنه سعيد بالفوز برسالة الإسلام، ومصاحبة النبي، صلى الله عليه وسلم.
7- استجابة دعاء الوالد: "زيد" لولدهِ: "سعيد" أعطت ثمارها؛ فسَعِدَ "سعيد" باعتناق الإسلام، وَعُدَّ في جُملة السَّبَّاقين إليه، والمدافعين عنه، والمُحِبِّين للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
([1]) انظر كتاب: "معرفة الصحابة"؛ لأبي نعيم الأصبهاني: 1/ 20. تحقيق عادل بن يوسف العزازي. الطبعة الأولى، دار الوطن للنشر- الرياض: 1419هـ- 1998م.
([2]) انظر كتاب: "أسد الغابة في معرفة الصحابة"؛ لابن الأثير: 2/ 476- 477- 478، الطبعة الأولى- دار الكتب العلمية، بيروت: 1417هـ - 1996م. وانظر كتاب: "أهل بدر وفضائلها"؛ لعبد اللطيف بن أحمد البقاعي، صفحة: 94، الطبعة الأولى – دار لبنان للطباعة- 1989م.
([3]) أخرجه أبو داود في السنن: 2/ 624- 632. كتاب السنة، باب في الخلفاء، حديث: 4650، والترمذي في السنن، حديث رقم: (3747)، وابن ماجة في السنن، حديث رقم: (133)، وأحمد في المسند: 1/ 187، 188. وأبو نُعَيْم في معرفة الصحابة: 1/ 20، والحلية: 1/ 95.
([4]) قفل : رجع من السَّفر.
([5]) من كتاب: "صور من حياة الصحابة"؛ لعبد الرحمن رأفت باشا. ص: 228-229.
([6]) سورة: الصَّفّ، الآية: 6.