مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

قصة إسلام أُمِّ أبي هريرة رضي الله عنهما.

                                                                               

إعداد وتقديم: ذ/ نافع الخياطي

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:

«كنت أدعو أُمِّي إلى الإسلام وهي مُشْرِكَةٌ، فدعوتها يوماً فَأَسْمَعَتْنِي في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله !إني قد كنت أَدْعُو أُمِّي إلى الإسلام فَتَأْبَى عَلَيَّ، فدعوتها اليوم فَأَسْمَعَتْنِي فيكَ ما أكره، فَادْعُ الله أن يهديَ أُمَّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهْدِ أُمَّ أبي هريرة.

فخرجتُ مُسْتَبْشِراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فَصِرْتُ إلى الباب، فإذا هو مُجَافٌ([1])، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ([2])، فقالت: مَكَانَكَ يا أبا هريرة، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الماء([3]). قال: فَاغْتَسَلَتْ، وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا([4])، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا([5])، فَفَتَحَتِ الباب ثم قالت: يا أبا هريرة إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله، أَبْشِرْ، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أُمَّ أبي هريرة، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عليه وقال: أخيراً.

قال: قلت: يا رسول الله، ادْعُ الله أن يُحَبِّبَنِي أنا وأمي إلى عِبَادِه المؤمنين وَيُحَبِّبَهُم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهم حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هذا- يعني أبا هُرَيْرَةَ- وَأُمَّهُ إلى عبادك المؤمنين، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ المُؤْمِنِينَ»([6]). فما خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بي ولا يراني إلاَّ أَحَبَّنِي»([7]).

العبر المستخلصة من هذه القصة:

1- بُرُورُ الذُّرِّيَّة الصَّالحة للآباء والأمَّهات.

2- من البُرُورِ بالوالدِين؛ حُبُّهم والدُّعَاءُ لهم بالهداية.

3- مشروعية سؤال الصالحين الدُّعاء بصلاح الأهل والحال والمآل.

4- الدخول في الإسلام يُوجب الغسل على من اعتنقه.

5- حِلْمُ النبي صلى الله عليه وسلم، ورحمته وشفقته حتى على مَنْ أساء إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها النَّاس إنما أنا رَحْمَةٌ مُهْدَاة»([8])، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إني لم أُبْعَث لَعَّاناً إنَّمَا بُعِثْتُ رحمة»([9])، وقوله: «اللَّهُمَّ اغْفِر لِقَوْمِي فإنهم لا يعلمون»([10]).

6- لا يملك هِدَاية البشر وتحويلهم إلى طريق الخير إلاَّ خالقهم؛ طبقا لقوله تعالى: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِين)([11]).

7-  وجوب الاستئذان على كل من يريد دخول البيوت ولو على الوَالِدَيْن، لقوله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ آيَاتِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيم)([12])، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَانِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُون)([13]).

8- بُكَاءُ أبي هريرة لاستمرار أُمِّه في الكفر، وَبُكَاؤُهُ أيضا على فرحته بإسلام أُمِّه.

9- حُبُّ النبي صلى الله عليه وسلم، لأبي هريرة جعله يدعو لأمِّه بتعجيل الهداية فاستجاب الله دعاءه، وَدُعَاءُ الأنبياء مُسْتَجَاب.

10- من علامات صِدْقِ الإيمان محبة المؤمن لأبي هريرة وأُمِّه.

11- وجوب الشُّكْرِ لله على العَبْد عند حدوث النِّعم، أو جلاء النِّقم، لقوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ      لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد)([14]).

12- حُبُّ الصَّحابة الكرام فرضٌ على كل مؤمن، وَبُغْضُهُمْ زَنْدَقَةٌ ونفاق، وخروجٌ عن آداب الإسلام.

13- استحباب التَّبْشِير بِتَحقُّقِ المراد.

 


([1]) مُجَافٍ: أي: مغلق. جفا البَابَ جَفْأً: أَغْلَقَهُ. انظر: لسان العرب، مادة: (جفأ).

([2]) خَشْفَ قَدَمَيَّ : أي: صَوْتَهُمَا في الأرض. خَشَفَ يَخْشِفُ خَشْفاً إذا سُمِعَ له صوتٌ أو حركةٌ. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: «ما دخلت مكاناً إلاَّ سمِعت خَشْفَةً، فالْتَفَتُّ فإذا بلالٌ». أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، حديث رقم: (3679). قال أبو عُبَيْدٍ: الخَشْفَةُ الصَّوْتُ ليس بالشَّديد، وقيل: الصَّوْتُ، ويقال خَشْفَةٌ وخَشَفَةٌ للصَّوْت. انظر: لسان العرب، مادة: (خشف).

([3]) خَضْخَضَة: تَحْريكُ الماءِ ونَحْوِهِ. وَخَضْخَضَ المَاءَ ونَحْوَهُ: حَرَّكَهُ، خَضْخَضْتُهُ فَتَخَضْخَض. انظر: لسان العرب، مادة: (خضض).

([4]) دِرْعهَا: دِرْعُ المرأة: قميصُها، وهو أيضا الثوب الصغير تَلْبَسُهُ الجارية الصغيرة في بيتها، وكلاهما مُذَكَّر، وقد يؤنَّثَان. انظر: لسان العرب، مادة: (درع).

([5])  عَجِلَتْ عن خمارها: (عَجِلَتْ) بكسر الجيم، (عن خِمَارِهَا)؛ أي تركت خمارها من العجلة. يقال: عجلت عنه تركته، والمعنى أنها بادرت إلى فتح الباب بعد لبسها الثياب قبل أن تلبس خمارها. انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح؛ لعلي بن سلطان محمد القاري: 11/ 37.

([6])  وفي رواية البخاري: «اللهم! عَبْدَكَ أبو هريرة وَأُمَّهُ، أَحِبًّهُمَا إلى النَّاس» انظر: الأدب المفرد رقم الحديث: (34).

([7]) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة/ باب من فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه. رقم الحديث: (2491)، ص: 1164.

([8])  حديث صحيح، أخرجه الحاكم في «المستدرك على الصحيحين». كتاب الإيمان/ حديث رقم: 100، 1/ 91.

([9]) رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصِّلة والآداب/ باب النَّهْي عن لَعْنِ الدَّوَابِّ وغيرها. رقم الحديث: (2599).

([10]) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء باب حديث الغار، رقم الحديث: (3242).

([11])  سورة: القصص، آية: 56.

([12]) سورة: النور، آية: 59.

([13]) سورة: النور، آية: 27.  

([14]) سورة: إبراهيم، آية: 7.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق