فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(18)
3- الـقسمـة
1.3 تعريف القسمة وبيان أصل مشروعيتها وأقسامها ومبطلاتها
1.1.3- تعريف القسمة وبيان أصل مشروعيتها
القسمة في وضعها اللغوي معناها تجزئة الشيء المشترك وتمييز نصيب كل شريك، يقال قاسمه الشيء مقاسمة أي أخذ كل منهما قسمه، والقسيم من يقاسم غيره شيئا والجمع قسماء، والقسامة بضم القاف وفتح السين، ما يعزله القاسم لنفسه من رأس المال يكون أجرا له، والقسامة بكسر القاف وفتح السين الصدقة؛ لأنها تقسم على الفقراء.([1])
ومعناها في الاصطلاح حسب ابن عرفة: «تصيير مشاع من مملوك مالكين معينا ولو باختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض»([2]). قال الرصاع مبرزا فائدة الحد المذكور وشموله لأنواع القسمة: «ولما كانت القسمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مهانآت أو مهايآت، وتراض، وقرعة، والمقسوم ينقسم إلى مكيل وموزون وإلى عقار وعروض، ذكر ما يعم مَحال القسمة؛ لأن القسمة قدر مشترك بين هذه الأصناف أو الأنواع، فزاد في رسمه قوله: ولو إلى آخره، أي سواء كان التعيين بكيل أو وزن، وإن كان بتصرف، ولو كان تعيين كل شريك يختص بالتصرف في المشاع المعين.»([3])
والقسمة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب فمنه قوله تعالى:﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([4]). فالآية تقتضي أن خمس المغنم لا يتميز إلا بالقسمة.
وقوله تعالى أيضا:﴿ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ۖ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾([5])، وفيها دلالة واضحة على جواز قسمة المنافع أو المهايأة.
وأما السنة فأصرح ما يدل على مشروعية القسمة فيها هو فعله ﷺ، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:﴿ كان رسول الله ﷺ يقسم فيعدل، فيقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك﴾([6])، كما عهد منه قسم الغنائم بين أصحابه وقسم خيبر على ثمانية عشر سهما.
وورد في الصحيح من حديث جابر وابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي ﷺ كان يقسم الغنائم بين المسلمين([7])، وورد في الموطأ أن النبي ﷺ قال: ﴿ أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية، وأيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام﴾([8]).
كما حصل الإجماع على جواز القسمة، قال الحافظ أبو الحسن ابن القطان:
«وأجمع أهل العلم من أهل الحديث وأهل الرأي وغيرهم على أن الربح والأرض إذا كانت بين شركاء، واحتملت قسمة من غير ضرر يلحق أحدا منهم، فاتفقوا على قسمته أن قسم ذلك يجب بينهم، إذا أقاموا بينة على أصول أملاكهم»([9]). وقال أيضا: «ولا خلاف بين الجميع أن كل ربع أو أرض تداعى مالكو ذلك عن رضا إلى قسمة، أنه يقسم بينهم إذا أقاموا بينة على أصل الملك، فكان كل من له حق فيها ينتفع بما يصير إليه عند القسمة من غير ضرر يدركه»([10]).
والمقصد الشرعي الملحوظ في جواز القسمة هو درء ضرر الشركة بتمكين كل شريك من استخلاص نصيبه وإخراجه من حالة الشيوع، حتى يصبح معينا ويتميز عن حصة شريكه، فينتفع به على أكمل الوجوه وتبقى أواصر المودة موصولة.
الهوامش:
([1]) انظر لسان العرب مادة قسم.
([2]) شرح حدود ابن عرفة، ص 523.
([6]) رواه أبو داود في كتاب النكائح، 1/648.
([8]) رواه مالك في الموطأ، باب القضاء في قسم الأموال، 2/746.