مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكتراث

تقريب نظم ابن عاشر شذرات من شرح العلامة الشيخ أبي عبد الله محمد بن قاسم جسوس على توحيد ابن عاشر(8)

قال العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس شارحا لقول الناظم:

“فواجب لا يقبل النفي بحال **** وما أبى الثبوت عقلا المحال

وجائزا ما قبل الأمرين سِمْ **** للضروري والنظري كل قسم”

 

إنما شرح الواجب والمستحيل والجائز دون الوجوب والاستحالة والجواز مع أنها هي المتقدمة في قوله: وهي الوجوب إلخ؛ لأن المشتق أخص، ومعرفة الأخص تستلزم معرفة الأعم بخلاف العكس، قاله في شرح صغرى الصغرى.

وحاصل ما أشار إليه الناظم أن ما يحكم به العقل إما أن يقبل الثبوت دون النفي فهو الواجب عقلا، وإما عكسه بأن يقبل النفي دون الثبوت فهو المحال عقلا، وإما أن يقبل الأمرين أي الثبوت والنفي فهو الجائز عقلا، ويسمى الممكن أيضا، وهذا وجه الحصر في الأقسام الثلاثة.

فقوله: “وجائزا“؛ الظاهر أنه مفعول ثانٍ لِسِمْ على حذف الباء، و“ما قبل” مفعول أول؛ أي علم ما قبل الأمرين بالجائز؛ لأن قوله “وجائزا” هو محط الفائدة، وأعربه الشارح بالعكس. و“سِمْ” فعل أمرٍ مِن وَسَم يَسِم سمة، والسمة: العلامة.

قال في شرح الصغرى: “واعلم أن الحركة والسكون للجِرْم يصح أن يمثل بهما لأقسام الحكم العقلي الثلاثة، فالواجب العقلي ثبوت أحدهما لا بعينه للجرم، والمستحيل نفيهما معا عن الجرم، والجائز ثبوت أحدهما بالخصوص للجرم.” انتهـى.

وإنما حاد الناظم عن عبارة الصغرى حيث قال: “لا يقبل النفي”، “وما أبى الثبوت”، و”ما قبل الأمرين” ولم يقل: لا يُتصور عدمه، لا يُتصور وجوده، يُتصور وجوده وعدمه؛ لِما في التعبير بالتصور من إيهام أن المراد إدراك المفرد على ما هو المشهور في معناه، وذلك لا يصح هنا؛ إذ من المعلوم ضرورة أن عدم الواجب متصور؛ إذ لولا تصوره ما صح نفيه، إذ الحكم فرع من التصور، وإنما المراد به التصديق، والمعنى أن الواجب ما لا يُصدق العقل بعدمه، وإطلاق التصور على ما هو أعم من التصور والتصديق بحيث يصدق على كل منهما صرح به غير واحد من شراح الرسالة الشمسية، وحاصله حملُ التصور على حصول الصورة في الذهن نسبة كانت الصورة أو غيرها.

وقال أيضا: “النفي” بدل العدم الواقع في عبارة الصغرى ليلا يَرِد عليه السلوب، فإنه لا يتصور في العقل إلا عدمها مع أنها واجبة،
فيكون التعريف فاسد العكس؛ وليلا يرد عليه الأحوال الحادثة فإنه لا يتصور في العقل عدمها كما لا يتصور وجودها؛ إذ هي واسطة لا موجودة ولا معدومة مع أنها من قبيل الجائز، فيكون الحد فاسد الطرد.

وقال: “الثبوت” بدل “الوجود” الواقع في عبارة الصغرى ليلا يرد الأحوال القديمة؛ فإنه لا يتصور في العقل وجودها، وكذا السلوب مع أنها واجبة لا مستحيلة، فيكون التعريف فاسد الطرد.

وقال: “الأمْرَين” أي النفي والثبوت، فإن “أل” للعهد بدل قوله في الصغرى وجوده وعدمه؛ ليلا يرد الأحوال الحادثة مع أنها من قبيل الجائز كما تقدم، فيكون التعريف فاسد العكس.

ولذلك احتاجوا إلى الجواب عن ذلك كله بما يعلم بالوقوف عليه في السكتاني وغيره والله أعلم. ثم هذه التعاريف رسوم لا حدود؛ لأن كون الواجب لا يقبل النفي خارجٌ عن حقيقته، وكذا الأخيران، أنظر السكتاني.

ثم كلام الناظم في الواجب الذاتي وهو الواجب عقلا، وكذا المستحيل كما صرح به والجائز؛ لأن التقسيم إنما هو في الحكم العقلي، وأما الواجب العرضي وهو الواجب لتعلُّق علم الله به كإيمان أبي بكر رضي الله عنه، والمستحيل العرضي وهو ما استحال لتعلق علم الله بأنه لا يقع كإيمان أبي لهب، فكل ذلك من قبيل الجائز.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق