مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

صور إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف عند بعض السلاطين والملوك والأمراء المغاربة- الجزء الأول

 

 

 

إعداد: يوسف أزهار*

الجزء الأول

الحمد لله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، الذي بعث النبيئين والمرسلين ليبلغوا رسالة التوحيد، خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي اصطفاه سبحانه وتعالى من المبعوثين، ليكون بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وهو خير من وطئت قدماه الأرض، وبُشرت الخلائق بمولده.

أما بعد؛

فبمناسبة قرب حلول ذكرى مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم، فإني ارتأيت أن أشارك رواد موقع مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة التابع للرابطة المحمدية للعلماء، مقالا عنونته بـ: صور إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف عند بعض السلاطين، والملوك، والأمراء المغاربة.

قسمت هذا المقال إلى جزأين:

أما الجزء الأول: فسأعرض فيه المحطات التاريخية للاحتفال بالمولد النبوي الشريف.

وأما الجزء الثاني: سأتناول فيه ما كان عليه ولاة أمور المسلمين في المغرب من عادات عند حلول شهر ربيع النبوي الشريف. 

فأما المحطات التاريخية للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فإن القرن السادس الهجري هو المحطة التاريخية الأولى للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فقد نقل لنا الرحالة محمد بن أحمد بن جبير الأندلسي (تـ 614) في كتابه: الرحلة – والتي ابتدأها عام (578) – أثناء عرضه لبعض مشاهد مكة المعظمة، وآثارها المقدسة، فقال: “ومن مشاهدها الكريمة أيضاً: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، والتربة الطاهرة التي هي أول تربة مست جسمه الطاهر، بني عليها مسجد لم ير أحفل بناء منه، أكثره ذهب منزل به[1].

والموضع المقدس الذي سقط فيه صلى الله عليه وسلم ساعة الولادة السعيدة المباركة، التي جعلها الله رحمة للأمة أجمعين محفوف بالفضة. فيا لها تربة شرفها الله بأن جعلها مسقط أطهر الأجسام ومولد خير الأنام صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأهله وأصحابه الكرام وسلم تسليماً. يفتح هذا الموضع المبارك فيدخله الناس كافة متبركين به في شهر ربيع الأول ويوم الاثنين منه، لأنه كان شهر مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم المذكور ولد صلى الله عليه وسلم، وتفتح المواضع المقدسة المذكورة كلها، وهو يوم مشهود بمكة دائماً”[2].

وفي عام (604) قَدِم ابن دحية الكلبي السبتي (تـ 633)[3] مدينة إربل، ولقي الملك مظفر الدين بن زيد الدين صهر صلاح الدين (تـ 630) [4]، ولندع المؤرخ أبا العباس ابن خلكان الإربلي (تـ 681) يحكي لنا الباقي: “قدم – يعني: ابن دحية الكلبي – مدينة إربل في سنة أربع وستمائة، وهو متوجه إلى خراسان، فرأى صاحبها الملك المعظم مظفر الدين بن زيد الدين رحمه الله تعالى، مولعاً بعمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، عظيم الاحتفال به – كما هو مذكور في ترجمته في حرف الكاف من هذا الكتاب – فعمل له كتاباً سماه: كتاب التنوير في مولد السراج المنير[5][6].

وفي عام (725) خرج الرحالة محمد بن عبد الله ابن بطوطة الطنجي (تـ 779) من المغرب، وطاف بلاد: مصر، والشام، والحجاز، والعراق، وقال في رحلته عند ذكر قاضي مكة وخطيبها، وإمام الموسم وعلماءها وصلحائها: “قاضي مكة العالم الصالح العابد نجم الدين محمد ابن الإمام العالم محيي الدين الطبري، وهو فاضل كثير الصدقات والمواساة للمجاورين، حسن الأخلاق، كثير الطواف والمشاهدة للكعبة الشريفة، ويطعم الطعام الكثير في المواسم المعظمة، وخصوصاً في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يطعم فيه شرفاء مكة، وكبراءها، وفقراءها، وخدام الحرم الشريف، وجميع المجاورين”[7].

وننتقل من مكة لنحط الرحال بمصر، فهذا المقريزي (تـ 845) نقل في خططه ما نصه: “خرج الآمر[8]، يعني: في سنة سبع عشرة وخمسمائة بإطلاق ما يخص المولد الآمري برسم المشاهد الشريفة من: سكر، وعسل، وشيرج[9]، ودقيق، وما يصنع مما يفرق على المساكين بالجامعين الأزهر بالقاهرة، والعتيق بمصر، وبالقرافة خمسة قناطير حلوى وألف رطل دقيق، وما يعمل بدار الفطرة، ويحمل للأعيان، والمستخدمين من بعد القصور، والدار المأمونية صينية خشكنانج[10]، وحضر القاضي، والداعي، والمستخدمون بدار العيد، والشهود في عشية اليوم المذكور، وقطع سلوك الطريق بين القصرين، وجلس الخليفة في المنظرة[11]، وقبلوا الأرض بين يديه، والمقرئون الخاص جميعهم يقرؤون القرآن وتقدم الخطيب، وخطب خطبة وسع القول فيها، وذكر الخليفة والوزير، ثم حضر من أنشد، وذكر فضيلة الشهر والمولود فيه، ثم خرج متولي بيت المال، ومعه صندوق من مال النجاوي خاصة مما يفرق على الحكم المتقدم ذكره”[12]. 

انتهى الجزء الأول من مقال: صور إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف عند بعض السلاطين، والملوك، والأمراء المغاربة، والذي عرضت فيه المحطات التاريخية للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وفيما يلي بمشيئة الله تعالى وعونه سأتطرق إلى صور إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف عند من ولاهم الله تعالى أمور المغاربة، وهو الجزء الثاني والأخير.

 ************************

جريدة المراجع

 1- أبو الخطاب ابن دحية الكلبي السبتي الحافظ الرحال لأنس وجّاج، منشورات الرابطة المحمدية للعلماء، ط1: 1431 /2010.

2- الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين) لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط15: 2002

3- البداية والنهاية لإسماعيل بن كثير الدمشقي، دار إحياء التراث العربي، ط1: 1408 /1988.

4- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1: 1424 /2003.

5- تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لمحمد بن عبد الله ابن بطوطة الطنجي، تحقيق: عبد الهادي التازي، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، 1417 /1997.

6- التكملة لوفيات النقلة لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: بشار عوّاد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4: 1408 /1988.

7- الرحلة لمحمد بن أحمد بن جبير الأندلسي، اعتناء: الدكتور محمد زينهم، دار المعارف، القاهرة.

8- معجم البلدان لياقوت الحموي ، دار صادر، بيروت، 1397 /1977.

9- المعجم الوسيط لجماعة من العلماء، منشورات مجمع اللغة العربية، مصر، مكتبة الشروق الدولية، ط4: 1425 /2004.

10- معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط1: 1402 /1982.

11- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار لأحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط2، 1987.

12- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ليوسف بن تغري بردي، اعتناء: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1: 1413 /1992.

13- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ط1: 1994.

 ****************

هوامش المقاال

 

[1] ) كذا في مطبوعة دار المعارف باعتناء: الدكتور محمد زينهم.

[2] ) الرحلة لابن خير (ص: 106-107).

[3] ) أفرد له الدكتور أنس وجّاج ترجمة مستقلة، سماها: أبو الخطاب ابن دحية الكلبي السبتي الحافظ الرحال، وذكر جملة من مصادر الترجمة.

[4] ) هو: كوكبوري بن علي بن بكتكين بن محمد، السلطان الملك المعظم مُظَفَّر الدين أبو سعيد ابن صاحب إربل الأمير زين الدِّين أبي الحسن عليّ كوجك التركماني. ترجمته وأخباره في: التكملة لوفيات النقلة للمنذري (3/354)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام للذهبي (13 /930)، والأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين) لخير الدين الزركلي 5 /237.

[5]) قال ابن كثير في البداية والنهاية (13 /169) عن كتاب التنوير في مولد السراج المنير: “قد وقفت على هذا الكتاب وكتبت منه أشياء حسنة مفيدة”.

من نسخ كتاب التنوير نسخة مخطوطة محفوظة في مكتبة برلين تحت رقم: 9547/1. معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاح الدين المنجد (ص: 23).

[6] ) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان (3 /449).

[7] ) تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لابن بطوطة (1 /387-388).

[8] ) هو: منصور (الآمر بأحكام الله) بن أحمد (المستعلي بالله) بن معد (المستنصر) أبو علي العبيدي الفاطمي، من خلفاء الدولة الفاطمية بمصر، المتوفى عام (524). ترجمته وأخباره في: وفيان الأعيان (2 /128)، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي (5 /168)، والأعلام للزركلي (7 /297).

[9] ) قال ابن بطوطة في رحلة الموسومة بـ: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (3 /40): “أهل الهند يجعلون في رؤوسهم زيت السمسم، ويسمونه: الشيرج”. ورد في المطبوعة: السيراج، وفي قسم فهارس المواد من فهارس تحفة النظار (5 /245) في حرف الشين: السيرج.

[10] ) الخشكنان: خبزة تُصنع من خالص دقيق الحنطة، وتملأ بالسكر واللوز أو الفستق، وتقلى. المعجم الوسيط (ص: 236).

[11] ) قال ياقوت الحموي في معجم البلدان (2 /203): “المَنَاظِرُ: جمع: مَنظرة، وهو الموضع الذي ينظر منه، وقد يغلب هذا على المواضع العالية”.

[12] ) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي (1 /432).

* راجع المقال الباحثة: خديجة أبوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق